تعتبر البورصة الوطنية للمناولة والشراكة، وسيلة للتنمية الصناعية، وأداة نقل ونشر التكنولوجيا التي تسمح بالانخراط والمساهمة في خلق نسيج صناعي صلب ومتكامل، ومناخ ملائم لاستقطاب الاستثمارات الخارجية والتحفيز على الاستثمارات المحلية، خصوصا وأن المغرب اليوم يعرف حركية صناعية بدخول شركات أجنبية للاستثمار في بلادنا (مشروع السيارات والتي جي في ،الطاقة الشمسية وغيره)، لكن هناك مشاكل عدة مطروحة أمام تطور المناولة بالشكل المرغوب فيه، ترجع أساسا إلى ضعف الهيكل الصناعي المغربي، نتيجة قلة الترابط بين فروعه ووحداته في انتاج واستهلاك وتسويق القطع والمكونات والخدمات الصناعية، وأيضا نتيجة لافتقار الصناعات الصغيرة والمتوسطة إلى التنظيم الجيد، المعتمد على الأخذ بمواصفات الجودة، وضعف الاتجاه نحو التنسيق والتكامل بين المقاولات. في هذا الإطار كان لنا هذا الحوار مع محمد الحارك، الأمين العام للبورصة الوطنية للمناولة والشراكة. بداية نود أن نتعرف عن مراحل تطور البورصة الوطنية للمناولة والشراكة ؟ بدأت المناولة في بلادنا في قطاع النسيج أولا وكان الآمر بالأعمال، الأجنبي غالبا، يعطي للمقاولة الأدوات الخام والدولة تعطي اليد العاملة. في سنة 1973 بدأت مغربة الشركات ، إلا أنها لم تعرف نجاحا كبيرا لأن الشركة الصغرى والمتوسطة مرت من الحرفة لمول الشكارة الذي يفكر في الربح السريع عكس المقاول الذي يفكر في الاستثمار. تعارض التفكيرين هذا لم يؤد إلى نجاح التجربة لأن منظور رب العمل للمشروع ليس منظور وهدف المستثمر .هذه العوائق جعلت المغرب يفقد رصيده السابق، وبدأت المقاولات تندثر شيئا فشيئا. أواخر الثمانينات بدأت المناولة في المغرب تتطور إلى شراكة من خلال التكوين والشراكة و بدأت المناولة الصناعية الإلكترونية والمعدنية، وما بين 2005 و2006 استطاعت دراسة ماكنزي أن تضع قطاع النسيج في المغرب ضمن النسيج العالمي. الدراسة حددت أيضا ( M3)المهن أو القطاعات الصناعية العالمية التي ستحدث الإقلاع الاقتصادي في المغرب، وهي الأفشورينغ ، الإلكترونيك ، الطيران، السيارات ، النسيج والجلد. وهذا البرنامج له أهداف كبيرة منها بالأساس رسم أفق تنمية اقتصادية، وخلق فرص الشغل والاعتماد على الناتج الداخلي الخام كقيمة مضافة . تأسيسا على هذا التحول، كيف جرى التسلسل أو الانتقال من المناولة إلى الشراكة؟ التحول التدريجي من المناولة إلى الشراكة، يمكن ملامسته، من كون المناولة الكلاسيكية، اعتمدت مجموعة من المقاييس، كان من بينها نظام الطايلوريزم، أي تقسيم العمل، واقتصارها على أعمال التنفيذ، والمراقبة البعدية لدى الآمرين بالأعمال، إضافة إلى قلة العلاقات بين المناولين، وكثرة المناولين المباشرين، وكان مع ذلك الاختيار يتجه نحو تفضيل الاندماج، والبحث عن الأقل تكلفة .والمنطق الذي كان يحكم هذه المناولة الكلاسيكية هو منطق المعاملة، أي أنه مجرد تبادل تجاري. أما الشراكة فهي في هذا القطاع تمثل العكس تماما، كونها عبارة عن نظام جديد، أصبح فيه المناولون معنيين بمراحل خلق وإبداع المنتوج النهائي، وأصبحت هناك مراقبة ذاتية، بدل البعدية، مع حرص هؤلاء المناولين على تأمين الجودة. وفي هذا الإطار تشكلت شبكة هرمية لهؤلاء، مع قلة المناولين من الدرجة الأولى، وأصبح في هذا السياق الاختيار يتجه نحو التركيز على الوظيفة الرئيسية للآمرين بالأعمال، وتفويض المهام الثانوية إلى مناولين متخصصين، وهذا ما صاغ بكل المعايير منطق الشراكة، الذي أحدث قطيعة مع مفهوم المناولة الكلاسيكية . لقد كونا شراكة مع وزارة الصناعة والفدراليات الصناعية. وأصبحنا نخوض في المشاريع الكبيرة (ألستون وتي.جي في) اصبحت اليوم في المغرب حركية اقتصادية، ساهمت في الإنتاج وفتح أسواق مغربية جديدة ، كما وفرت العديد من مناصب الشغل... نشهد اليوم تحويل الإنتاج من البلدان المصنعة إلى البلدان النامية، ما نصيب البورصة من هذه الحركية؟ المناولة الصناعية في المغرب استفادت بالفعل من هذا التحول، خاصة في قطاع المعادن الذي يحتل الصدارة من ناحية التصدير، متبوعا بقطاع تحويل البلاستيك وقطاع الإلكترونيك والإلكتروتكنيك وقطاع المناولة المتخصصة للسيارات والشاحنات من الحجم الثقيل، وقطاع الإلكترونيك والإلكترونيك التقني وأرقام المناولة تعكس بالفعل أن هناك تطورا في إطار هذه الحركية، فرقم المعاملات الآن يبلغ 23 مليار درهم ،وهي ممثلة ب 2101 مقاولة، تشغل 175 ألف أجير، كما أنها تصدر 50 في المائة، من إنتاجيتها نحو الخارج. ومن خلال هذه الأرقام يتضح أن المناولة المغربية، انفردت بأهمية قطاعات فاعلة، نذكر منها النسيج، رغم الأزمة التي يجتازها هذا الأخير منذ سنوات، ورغم ذلك استطاعت هذه القطاعات أن تحافظ على مكانتها بفضل المهارات التي يتميز بها بعض المناولين في هذا القطاع المعترف به دوليا . كما نلاحظ أيضا حضورا أكثر فأكثر لقطاع المناولة في الإلكترونيك، وهذا ناتج عن الطلب في قطاع تصنيع السيارات، خصوصا في ميدان الأسلاك الكهربائية، لأن الشركة المغربية أصبحت لها معايير دولية. هذه الحركية ساهمت بشكل كبير في خلق مناصب شغل عديدة، وهناك مشروع ضخم قادم هو مشروع الطاقة الشمسية. وهو منتوج مغربي 83 في المائة وكذا مشروع الطاقة الريحية، وهي فرصة لنهضة صناعة واعدة. ماهي المشاكل التي تعيق النمو السريع للمناولة بالمغرب؟ أشير إلى أن تحديد المشاكل المطروحة أمام تطور المناولة بالشكل المرغوب فيه، يحيلنا على مجموعة من العوامل، أبرزها ضعف الهيكل الصناعي المغربي نتيجة قلة الترابط بين فروعه ووحداته في إنتاج، واستهلاك وتسويق القطع والمكونات والخدمات الصناعية وهناك عامل افتقار الصناعات الصغيرة والمتوسطة إلى التنظيم الجيد المعتمد على الأخذ بمواصفات الجودة، وضعف الاتجاه نحو التنسيق والتكامل بين المقاولات، مع ضرورة إثارة الانتباه إلى تراجع الدعم الحكومي، خصوصا على مستوى البحث عن أسواق خارجية، وارتفاع أسعار موارد الطاقة والمواد الأولية. لكن وبالرغم من تلك الصعوبات، فلا تزال فرص كبيرة مطروحة، إذا ما جرى توظيفها واستخدامها، وتوفرت لها الإرادة السياسية اللازمة، فإنها ستؤدي حتما إلى النهوض بالصناعة المغربية، وتعزيز قدراتها على الصمود في وجه المنافسة الضاغطة. في نظرك كيف السبيل لتنمية البورصة الوطنية للمناولة والشراكة، وبالتالي تحقيق نهضة اقتصادية سليمة ببلادنا؟ يجب أن يوازي هذه النهضة الصناعية حراك سياسي، ما يقع في العالم في صالح المغرب . يجب أن يبقى هذا الاستقرار . يجب أن يكون هناك سلم اجتماعي ،عدالة اجتماعية، أمن، عصرنة الإدارة ،تسهيل المساطر، آليات إنشاء مقاولة فيها أجانب، دور الدولة في التواصل وتطوير عملية الشبابيك (أمدي) تابعة لوزارة الصناعة إلا أنها تواكب الصناعات الكبرى ولا تواكب الصغرى. لهذا يجب على بورصة المناولة أن تكون أداة يشتغل فيها الكل لكي تقوم بدورها الأساسي .إذا جاء مستثمرون عن طريق المركز الجهوي أو وكالة أو وزارة الدولة، يجب أن يصبوا في البورصة التي يجب أن تكون وسيطا بين الشركات الكبرى وفيدرالية المهنيين، يجب التفكير في كيف يمكن أن ننميها .يجب أن تكون هناك دراسة تقييمية لوضع المغرب الصناعي الذي هو في ملتقى الطرق للمشاريع القادمة، وكيف تشتغل البورصة وكل القطاعات المهنية بتناسق في ما بينها من أجل تحقيق نهضة اقتصادية. إن تحقيق تطور شامل ومندمج يعتمد أسلوب المناولة الصناعية، سيمكن من تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، كمدخل لتوفير مكونات الإنتاج للصناعات الكبيرة. ويعتبر هذا الأمر أهم المسالك الممهدة للتطور التكنولوجي وتحسين استغلال الطاقات القائمة، وزيادة الإنتاجية، إضافة إلى تحقيق الجودة ورفع القدرة التنافسية وزيادة فرص العمل، وتوفير العملات الصعبة، وصولا إلى التكامل والاستقرار الاقتصادي. ولضمان الاستمرار في تنمية دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة، في مد القطاعات الصناعية بما تحتاج إليه من القطع والمكونات، فإن الأمر يتطلب التركيز على دور الجمعيات المهنية والفدرالية الصناعية ودعمها وتطوير أسلوب عملها. يجب أن يختفي منطق الزعامات بين الفيدراليات ، وجعل البورصة هي القناة الرسمية التي يصب فيها أي مشروع ومنها يتفرع للقطاعات المعنية، حتى يصبح هذا القطاع منظما وقويا.