وجه عبد الرزاق الجباري، رئيس نادي قضاة المغرب، انتقادات حادة إلى مشروع قانون المسطرة الجنائية، داعيا المشرع إلى تدارك مجموعة من التجاوزات والتناقضات التي سجل سقوط النص فيها، وأكد أن المشروع بعدد من المبادئ الكلية والأساسية في السياسة الجنائية. كلام الجباري جاء في مداخلة له مساء السبت، خلال ندوة علمية وطنية حول "مشروع قانون المسطرة الجنائية ورهانات حقوق الإنسان"، نظمها المركز الوطني للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية بمدينة القصر الكبير. وقال الجباري إن مواد مشروع قانون المسطرة الجنائية فيها مس واضح بمبدأ كلي في السياسة الجنائية وفي منظومة حقوق الإنسان والدستور المغربي، هو مبدأ "فصل السلط الذي يتفرع عنه مبدأ آخر لا يقل أهمية وملازم له، هو مبدأ استقلال القضاء". وسجل رئيس نادي قضاة المغرب أن المادة الثالثة من المشروع تبين بالملموس المس باستقلال القضاء، إذ تقول: "لا يجوز للنيابة العامة أن تفتح أبحاثا تمهيدية بخصوص جرائم المس بالمال العام إلا بطلب من رئيس النيابة العامة وبناء على إحالة من طرف بعض الجهات"، مضيفا أنها "تغل يد القضاء وتخالف الفصل الأول من دستور المملكة، الذي ينص على فصل السلط وتوازنها وتعاونها". ومضى الجباري منتقدا هذه المادة، إذ قال إنها "لا تشي بأي تعاون أو توازن بين السلط، وتخالف الفصل 107 من الدستور، الذي ينص على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية"، مبرزا أن "ما يزيد من تعميق هذه الإشكالية أن الهيئات، التي يتعين على رئيس النيابة العامة أن ينتظر حتى تطلب منه أن يبحث في أحد الملفات، سنجدها إما جهات إدارية أو مفتشية من المفتشيات، وهذا يقيد يد القضاء". وزاد موضحا أن هذه الهيئات يمكن أن تكون إحدى مؤسسات الحكامة، وتساءل "كيف يعقل أن نرهن قيام القضاء بواجبه الدستوري بطلب صادر عن هيئة من هيئات الحكامة؟، فشتان بين هيئات الحكامة والسلطة القضائية، التي تبقى سلطة رقابة تملك سلطة القضاء في إطار حمايتها للحقوق والحريات، فيما مؤسسات الحكامة تقوم بدور رقابي لا يتعدى حدود إصدارها توصيات معينة في مجال معين"، داعيا المشرع إلى مراجعة هذه المادة. ولم تقف انتقادات الجباري عند هذا الحد، بل ذهب إلى المطالبة بمراجعة وتعديل المادة 51، التي قال إنها جعلت من رئيس النيابة العامة منفذا للسياسة الجنائية، وهو ما عده "أمرا غير صائب وفيه خلط للمفاهيم"، لافتا إلى أن النيابة العامة "لا تنفذ السياسة الجنائية وإنما تطبقها، والقضاء يطبق القانون ولا ينفذه، وللأسف المشروع جانب الصواب في هذه المسألة". كما سجل رئيس نادي القضاة أن مشروع قانون المسطرة الجنائية خالف بعض المعايير الدولية الخاصة بمكافحة الفساد، مشيرا إلى أن المادة 3 من المشروع تمنع ضمنيا جمعيات المجتمع المدني والأفراد من المساهمة في محاربة الفساد، وهو ما يتعارض مع اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة بمكافحة الفساد، التي تنص في المادة 13 منها على ضرورة إتاحة الدول الأطراف للمجتمع المدني والأفراد المشاركة في منع الفساد ومحاربته، وذكر بأن المغرب صادق على هذه الاتفاقية وملتزم بهذا المقتضى الدولي. وتابع الجباري مبينا أن المشروع فيه خرق ل"معيار تقييد الحرية إلا بقرار قضائي"، إذ أفاد أن "الحرية عندما نجنح إلى تقييدها لا بد أن يكون ذلك تحت غطاء قضائي وبأمر من القضاء، لأن القضاء هو الضمانة الأساسية لحقوق وحريات الأفراد"، في الوقت الذي تمنح المادة 66 من المشروع "سلطة تقديرية لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس بأن يقرر بنفسه إذا كان يتطلب الأمر الاحتفاظ بالشخص ووضعه تحت الحراسة النظرية من عدمه". وتابع قائلا: "أعتقد أن هذا المقتضى ينبغي على المشرع أن يعيد فيه النظر أو على الأقل يقيده بضرورة إصدار أمر من النيابة العامة، وألا يترك الأمر لضابط الشرطة القضائية في إطار سلطته التقديرية"، مؤكدا أن هذا المقتضى يخالف "المادة الأولى من المشروع، التي تقول: "لا يمكن اتخاذ أي تدبير أو إجراء مقيد أو سالب لحرية الأشخاص إلا بمقتضى القانون وتحت مراقبة السلطة القضائية". إذن عندما نعطي السلطة التقديرية لضابط الشرطة القضائية، دون أن يرجع إلى النيابة العامة لاستصدار قرار بهذا الخصوص، ربما سيقع المشروع في تناقض بين مواده وفصوله". كما أكد الجباري في مداخلته الساخنة أن المشروع مس بمبدأ قرينة البراءة، مبرزا أن هذا المس يتمثل في طريقة تعامله مع "القوة الثبوتية في محاضر الشرطة القضائية"، إذ اقتصر فقط على "حجية المحاضر وأزال التقارير التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية، في حين ينص القانون الجاري به العمل الآن على التقارير والمحاضر". وختم قائلا: "عندما ينظر القاضي في قضية معينة يكون محضر الضابطة القضائية حسم النقاش في الإدانة من عدمها، خصوصا في زاوية تدوين الاعتراف أو التصريحات". وتساءل "ألا يمس هذا المقتضى بقرينة البراءة؟"، قبل أن يجيب "أعتقد أنه يمس بها في العمق، وعلى المشرع أن يعيد النظر في هذه المادة ويلطف منها أو يبدع في تقييدها وتسييجها ببعض الشروط التي تنقص من حدتها حتى لا نقع في المساس بقرينة البراءة".