حرصاً على المزيد من ترميم الذاكرة السينمائية الوطنية وحماية رصيد المملكة في الفن السابع، ترأس محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، يوم السبت، افتتاح الخزانة السينمائية الوطنية، إلى جانب مديرتها المخرجة المغربية نرجس النجار، بحضور المستشار الملكي أندري أزولاي وجملة من الفنانين المغاربة والمخرجين، إضافة إلى شخصيات سياسية وديبلوماسية. وتم افتتاح هذه الخزانة كمنشأة تابعة ومتاخمة للمركز السينمائي المغربي، لكنها كخدمة تبتغي "ترميم الأعمال السينمائية والمحافظة عليها، وعرض التراث السينمائي الوطني والعالمي"، وكان ذلك جزءاً من عمل المركز تولت النجار إدارته منذ تعيينها سنة 2018. لهذا راهن فنانّون تحدثوا إلى هسبريس خلال حفل الافتتاح على هذه المؤسسة كي "تلعب دوراً في مصالحة الجيل المغربي الصاعد مع المادّة السينمائية في توقيعها المحلي والكوني". خدمة سينمائية وطنية وزير الشباب والثقافة والتواصل قال إن افتتاح الخزينة كخدمة مؤسساتية مستقلّة يعدّ "فرصة كي تؤدي دورها الشامل في ترميم الأفلام والوثائق السينمائية، لاسيما أن الجيل الصاعد لديه اهتمام خاص بتاريخ المملكة"، مضيفا أنه وفقاً لهذا الاعتبار تم النظر إلى "ضرورة تأهيل الخزانة ومنحها إمكاناتها الخاصة كي تعقد شراكاتها الوطنية والدولية بغية توفير المستندات المطلوبة التي تخول معرفة المزيد عن تاريخ المغرب". وأضاف، في تصريح لجريدة هسبريس على هامش الافتتاح، أن "هذه المؤسسة يمكنها اليوم بذل المزيد من الجهد للحفاظ على الأفلام السينمائية، التي أبدعها الرواد وأعلام الرعيل الأول وغير ذلك من أفلام الخمسينيات والستينيات، ومواصلة العمل على ترميمها وإعادة تقديمها للجمهور مثلما فعلت الخزانة مع العديد منها"، مشيرا إلى أنه "لكي يكون الرهان ناجحاً ستتم تقوية المؤسسة بإمكانيات جديدة وباستراتيجيات شاملة، وتوفير الموارد البشرية اللازمة لتتجاوب مع المتطلبات الحالية". وتفاعلاً مع سؤال لهسبريس بخصوص مدى حضور توجه لمجاورة الخزينة بمنصّة رقمية رسمية تُؤهّل لاحتضان وتجميع مختلف الأفلام المغربية، بما في ذلك "الغابرة"، وهو مطلب ظلّ مرفوعا، أشار الوزير إلى "وجود تجربة "فرجة"، التي تتضمن مجموعة من الأفلام الوطنية"، مضيفا "بالفعل نحتاج لتأهيل هذا الجانب وتقويته". وأبرز أن "المنصة تتطلّب إمكانيات كبيرة ونحن نسير بالتدرج، ولكن الغاية اليوم هي أن تكون الأفلام الوطنية حاضرة أيضاً في المنصات العالمية البارزة". وتابع قائلا: "التوجه واضح: تمكين الإنتاج المغربي من تصدّر منصات الأفلام الدولية"، مبرزا أن "التفاوض مع منصة "نيتفليكس" ما زال مستمراً منذ 2022 لتوفير شراكة استراتيجية عبر إنتاج الشركة مضامين سينمائيّة وطنية تمنح المشهد المغربي إشعاعا وترويجا دوليين". وزاد: "نستثمر مختلف الملتقيات السينمائية العالمية للقيام بهذا الدور، وفي مهرجان برلين سنستأنف النقاش. نعتبر هذا رهاناً محوريّا للتعريف بثقافتنا". "حلم يتحقّق" نرجس النجار، مديرة الخزانة، سجلت أن "هذه المؤسسة كانت بمثابة حلم"، مشيرة إلى أنها "في حلتها الأخيرة تعني شيئا واحدا: أن وراءها فريق من المتحمسين تجمعهم صلابة الطموح، والرغبة الجامحة في إسناد الفضاء بمهمّة الحفاظ على ذاكرتنا السينمائية"، وزادت: "لا نود أن ننحصر في تحويل الخزانة إلى مؤسسة تكتفي بجمع الأعمال وحفظها وترميمها وتثمينها وتوزيعها، بل نتطلع إلى جعلها إِمكانا جديداً للسينما وفرصة لإعادة التفكير فيها والإبداع من جديد داخل مقولاتها". وأضافت النجار، في كلمتها خلال الافتتاح، أن "الخزانة بالفعل لديها دور حراسة الذاكرة الفيلمية، ولكنها أيضاً مختبر للأفكار وبيئة منفتحة على المواهب الشابة"، وتابعت: "مهامنا الأساسية طبعاً واضحة ومتمثلة في الحفاظ على الأعمال النادرة والقيّمة. ومن خلال عروضنا سنحكي قرنا من السينما، نواكبها منذ بداياتها الأولى حتى نضجها واكتمالها. (..) سننفتح على البناء المحلي داخلها وكذلك الخارجي؛ فإذا دعونا العالم إلى شاشاتنا نحن نقوم بنفس المهمة مع أعمالنا على شاشات العالم". وأبرزت أن "الغاية كذلك هي أن تقترب الخزانة أكثر من جيل الشباب حتى يعاينوا مادة السينما لمساندة التواصل مع أنفسهم ومع العالم بالتّبعة". وزادت: أريد أن يبتلع شبابنا المغربي المزيد والكثير من الفن والثقافة، ويعتقدوا فعليا بأن كل شيء ممكن، بما أننا في بلد يستطيع أي يفعل أي شيء، وهو المملكة المغربية". تطلّعات "سينيفيليّة" في الموقع الرسمي للخزانة، التي ستبدأ الأحد عرض مجموعة من الأفلام المشاركة في الدورة الأخيرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش بسينما الفن السابع بالرباط، تفصح المؤسسة عن أن الطموح أن تكون "مكانا بارزا لحفظ ولتشارك التراث السينمائي في معناه الواسع"، مبرزة أنه "في ظل هذا العصر الذي تتسابق فيه الصور بسرعة مذهلة، وتسعى فيه اللحظة الآنية إلى محو الذاكرة، فإن مهمتنا هي أن نعيد وضع السينما في عمقها التاريخي، ونحافظ على أفلامها وأشياءها وحكاياتها". وجاء في الموقع: "إن إثراء وإغناء مجموعة الأفلام المتوفرة لدينا، واستعادة أرشيفنا الثمين، وتسليط الضوء على سينما صارت مهددة بالنسيان، وتقديم شهادات على عبقرية صناع الأفلام ومحترفي الصورة عندنا (..) يتطلب كل هذا عملاً (..) متواصلًا" للدفاع عن "رؤية جادة للسينما"، دون أن يعني ذلك "تفضيل فيلم من صنف سينما المؤلف على فيلم ناجح شعبيا، ولا تبني الانغلاق كمعيار مطلق للقيمة الفنية". ويعني كل هذا، حسب الموقع، "النظر إلى السينما برؤية ترفض الاستسهال، والسرديات المبنية بشكل مسبق، سينما تسائل الصورة وتنظر إلى الفيلم ليس كمنتوج استهلاكي بسيط، بل كمساحة لغوية، لبناء علاقة متوترة مع الواقع، ولتجديد الأشكال، سواء كانت هجينة أو أكاديمية". هي "نظرة لا تخشى الجهد، ولا الفروق الدقيقة، لأن الأعمال الفنية الكبرى تولد، في كثير من الأحيان، بفضل مقاومة ما يبعث على الراحة الفورية والآنية".