معارضة محطمة عموما لم يتورع ابن علي، المنتصر على فرسان الله، في تنجيد المسؤول عن أهم حزب شرعي معارض، وبهذا وشح الرئيس صدر محمد مودة بوحسام»نظام 7 نونبر» ، كما عينه على رأس لجنة مكلفة باقتراح اصلاحات عقب الازمة الدموية التي شهدتها الجامعة التونسية. كان هذا بمثابة فخ وترك زعيم حركة الديمقراطيين الاشتراكيين الامور على حالها وهو بذلك يضيع على حزبه ما تبقى له من استقلالية في سنة 1993 ولما كانت المنظمات الدولية تشجب القمع الممنهج لمجموع المجتمع، دافع محمد مودة علانية على فكرة «التحالف» مع رئيس الدولة بهذف الحفاظ على المسلسل الديمقراطي» خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 1994، طمأن نفس الرجل (محمد مودة) الرئيس بن علي على استمرار «الثقة الدائمة «لمناضلي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وهو المرشح الطبيعي الوحيد لخلافة نفسه من الصعب التمادي في البيعة والتي كوفئت، سنة 1994 وحسب الاصوات بعشرة مقاعد داخل البرلمان ، ان تاريخ حركة الديمقراطيين الاشتراكيين يرمز الى تآكل وتبخر المعارضة العلمانية منذ سنوات تقبل حزب ....كلما من شأنه اثارة الشبهات وبالتالي تقديم ضمانات عن المساس بالحريات وذلك مقابل حفنة من مقاعد برلمانية لكن نظام ابن علي لن يعرف كيف يحافظ على العلاقات الودية حتى مع معارضة مستضعفة ، شهدت سنة 1995 قطيعة مدوية وعنيفة، فقياسا لشخص حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي تلقت صفعة من قصر قرطاج بمناسبة الانتخابات البلدية، لم تحصل أحزاب المعارضة الاربعة الا على ستة مقاعد في حين استحوذ حزب التجمع الدستوري الديمقراطي على نصيب الاسد كما دائما، أما في الانتخابات السابقة، فقد فازت لائحة مستقلة، على الاقل بأصوات جماعة كانت عبارة عن رقعة أرضية بئيسة على سبيل العزاء. في تلك المرحلة ، لم يتجرأ أحد على الحديث عن الفتات المتروك للخاسرين بعجرفة لا طائل منها. في ليلة فرز الأصوات ، صرح وزير الداخلية لأحد الصحفيين : «صدمت للنتائج المحصل عليها من طرف المعارضة» بعد يوم من إعلان حصيلة الاقتراع ، عبر محمد مودة عن خيبة أمله وهو يتحدث عن مختلف الضغوطات « التي يتعرض لها مرشحو حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين لقد غرر بحزبه وأصبح أداة تداس بالأقدام وعلى مرمى حجر من الفناء ها هو الآن ، يشجب محاصرة المرشحين ويلعن الابتزاز وشراء أصوات الناخبين قبل أن يطرح السؤال الأهم : «لماذا يخشى النظام أحزابا ضعيفة» في 21 شتنبر 1995، أفرغ المكتب السياسي للحركة ما في جعبته عندما رفع إلى الرئيس مذكرة من عشرات الصفحات كانت مرعبة ولم تتطرق الصحافة إلى محتوياتها إذ كانت تتحدث عن الطابع المتسلط والمهيمن «لحزب الدولة وعن الهوة السحيقة التي تفصل بين الخطاب الرسمي والممارسة اليومية للنظام «وعن الرشوة « التي تنخر الاقتصاد ، أخيرا تتحدث عما هو أهم : تقسيم ممنهج للمجتمع أكثر مما كان عليه في السابق». كان هذا أكبر مما يحتمله ابن علي فعلى اثر إنهاء الرئيس الفرنسي لزيارة رسمية للعاصمة تونس سنة 1995، اعتقل محمد مودة ووضع تحت الحراسة النظرية أياما قليلة بعد ذلك ، اعتقل برلماني آخر من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، خميس شماري وهو يهم بركوب الطائرة المتوجهة إلى مالطا. في هذا العدد، أكدت مصالح الشرطة أنه تم العثور داخل حقائبه على وثائق مشبوهة وبذلك تم إلصاق تهمة خيالية به، كان نصيب الأول، إحدى عشر عاما سجنا نافدة بتهمة «التخابر مع دولة أجنبية في إشارة إلى ليبيا وتهريب العملة الصعبة، أما الثاني فقد حكم عليه بخمس سنوات بتهمة «إفشاء أسرار الدولة « منذ ذلك الحين ، تكالبت مختلف الجماعات على نهش أشلاء حركة الديمقراطيين الاشتراكيين المتناثرة هنا وهناك بعد إطلاق سراحه قبل إنهاء المدة القانونية وحرمانه من جواز السفر وبقائه تحت مراقبة الشرطة، بقي محمد مودة مجاهر بكونه زعيم الحركة الذي تمت إقالته، سنة 1997، خلال مؤتمر مشكوك في مصداقيته ، حركة ..دمائها وما عادت تستطيع البقاء إلا بفضل إعانات الدولة. كلمات فارغة من المعنى عموما أصبحت المعارضة التونسية، التي قسمت إلى جزيئات، في حالة تبعث على الشفقة ، داخل صالونات العاصمة تونس ومدينة سفاقس، كان بعض الجامعيين العاطلين يسخرون من الانزلاقات المالية لليلى الطرابلسي أومن خصامها الأخير مع الرئيس في تعليق لتوقيف بن بريك واحد من القلائل الذين وقفوا علانية في وجه النظام جاء فيه : «الشجاعة ، الصداقة والتضامن النضالي أصبحت ، اليوم كلمات فارغة من معنى كما دأب على ذلك الاستعمار ، طبق النظام سياسة الأرض المحروقة وقام بعزل المعرضين للنظام عن باقي المجتمع». كانت المعارضة التونسية في وضعية من التلف، بحيث يصعب تحديد من يتكلم باسمها، رسميان نادت حركة التجديد وريث الحرب الشيوعي التونسي، بذلك لكن هجوماتها على النظام تبقى رخوة ومهادنة، يعترف الكاتب العام لحركة التجديد ، محمد حرمل في حوار : «أننا نحافظ على علاقات ممتازة مع الرئيس ابن علي ، لقد تجاوزنا الازدواجية المطلقة ...بين نظام الحكم والمعارضة لان المسألة تتعلق بنظام وطني يعمل على تحقيق إصلاحات كبرى بوازع إصلاحي للرئيس ابن علي نحن اليوم مع الدعم والنقد»