في معرضه الأخير الذي احتضنه بهو مسرح محمد الخامس بالرباط، أطل الفنان التشكيلي المغربي بلحاج جاكي بأعمال متعددة ومتنوعة ومختلفة ومتمايزة فيما بينهما، مواد وأشكالا وأحجاما وتقنيات، نحتا وتشكيلا وتركيبا. أعمال يمكن للمرء أن يصفنها بكل يسر في خانة المدرسة السوريالية، وإن كان صاحبها، سواء عبر مطوية المعرض، أو عبر بطاقة الزيارة خاصته، لا يكف يعلن عن نفسه باعتباره فنانا سورياليا. والفنان بلحاج جاكي الذي قضى بفرنسا أزيد من عشرين سنة بصحبة الفن التشكيلي إبداعا واحترافا، وعرض بها العديد من أعماله الفنية في معارض وقاعات مختلفة، ظل دوما مخلصا لاتجاهه السوريالي، إلا أنه في كل هذه الأعمال ظل أيضا وفيا لروحه المغربية ولألوان وطنه، بل لألوان وأشكال قارته السمراء ككل. وما يلفت الانتباه أكثر في أعمال معرضه الاخير، هو قدرته على توظيف مواد مختلفة ومتعددة، وفي مقدمتها الحبال، التي يستخدمها أحيانا كتخطيطات، وأخرى كحواشي لأشكاله، ثم الأصداف الكناوية والقطع البلاستيكية، والأحجار والأخشاب والرمال. تنويع في المواد لا تخطئه العين، لكن في تناغم وانسجام مع أشكاله وألوان أعماله. والملاحظة الثانية هي أن الفنان بلحاج جاكي في بعض لوحاته يعمد إلى ألوان نادرا ما يوظفها التشكيليون، مثل الألوان الفضية والذهبية، ببريقها اللافت والصادم أحيانا للعين. بل لعله لا يوظف هذه الألوان إلا من أجل خلق مثل هذه الصدمة لدى الملتقي لأعماله. أما على مستوى المواضيع، فإن موضوع الانسان: امرأة ورجل يبقى الموضوع الطاغي والمهيمين على لوحات المعرض الأخير، لكن دائما بتحويرات سوريالية تجعل من المرأة مثلا مهرة جامحة أو حورية بحر، أو نبتة أو وردة أو تتخذ شكل آلة موسيقية، إذ يتم غالبا تهجير شكل المرأة وتهريبه إلى أشكال أخرى، ونفس الشيء تقريبا بالنسبة للرجل. لكن ثمة لوحات أخرى تفضح مواضيعها من خلال إسناد أسماء للوحات: فثمة لوحة عن كناوة بنفس الإسم، وأخرى عن عيساوة وأخرى باسم الحال. أو عن الربيع والزواج الإفريقي وعن المرأة الذهبية، بحيث تكون مواضيع اللوحات مطابقة لأسمائها. لكن ثمة أسماء للوحات أخرى تنحو منحى التجريد أو مستمدة من الإحساس، من مثل الاستمتاع أو تمزقات.. إلخ. وإذا كان الفنان بلحاج جاكي يستطيع أن يطوع مواد لوحاته لدرجة إدخال قطع النحاس والحديد ضمن مكونات اللوحة، فإنه يستطيع في الآن نفسه تطويع مواد منحوتاته وتنويعها أيضا، وفي كلا الفنين: الرسم والنحت، تبرز مهارة وقدرة الخلق والإبداع عند الفنان بلحاج جاكي.