بدار الفنون بالرباط، تم تنظيم معرض جماعي لأربعة فنانين شباب تشكيليين من 5 أبريل إلى متم يونيو 2012 تحت شعار carre d art أو المربع البصري، والمربع، أربع زوايا، كناية عن أعمال العارضين التشكيليين الأربعة، الذين يشغر كل واحد منهم زاوية معينة: تقنية ومادة ولونا وشكلا، وهم سعيد الراجي وعبد الله بلوراق وثريا الحبشي وجميلة البداوي. استرعت الفنانة جميلة البداوي، وهي بلجيكية من أصل مغربي الانتباه باشتغالها على الشكل واللون بالخصوص، والمزاوجة بين المواد والتقنيات، ومعروف أن هذه الفنانة تشتغل على المنجزات installations والصباغة ومنشآت ثلاثية الأبعاد constructions tridimentionnelles والنحت بشكل يربط بين الفطرة والتجربة. غير أن منحوتاتها لم تعرض بهذا المعرض لظروف غير مساعدة أوخارجة عن الإرادة. إذ هم هذه الفنانة البحث بلا ملل عن كل تجربة جديدة، لكن صادقة ومختلفة. أما الفنانة ثريا الحبشي، وهي تعيش بين فرنسا والمغرب، فقد أكسبتها رحلاتها وتنقلاتها واحتكاكاتها بكثير من الفنانين على اختلاف أساليبهم وزياراتها للمتاحف العالمية والاطلاع على آخر صيحات الفن التشكيلي الحديث، مهارة، انعكست على أعمالها الآخذة في التطور. ولقد جربت هذه الفنانة العصامية الفن الفطري ،البورتريه، الوجوه، الأجساد،الطبيعة الصامتة .. واعتمدت صباغة مائية والحبر ومسحوق الجوز و الكولاج. وكان ما يميزها، تقيدها بالرسم والصباغة، بالدقة الأكاديمية المتناهية، لكن أعمالها بهذا المعرض، وهي جزء بسيط ومكمل لكن لايتجزأ من عمل شامل ، ركزت فيه على جزء من الوجه، وعلى ضربات الريشة بشعرية شاعرة، متحللة بشكل كبير من النمطية والقواعد الصارمة، ما أعطى لأسلوبها التجريدي نكهة أخرى. واشتغل الفنان عبد الله بلوراق، وهو أستاذ للتشكيل، مبرز في الصباغة والنحت، على القماش وعلى موضوعات ارتبطت بوجوده وعطائه مثل الحمل/الولادة ،الغياب /الحضور ،الظلال .. وركز بوجه خاص على مفهوم الشفافية transparence لخلق عمق داخل اللوحة، بألوان فاتحة أو لون فوق لون حتى تلاشي وتغييب اللون لترك السند الأقوى حضورا. فبتقنية مزدوجة، الاكليريك والحبر والكولاج، وعلى القماش الميطاليك الذي يفضل الاشتغال عليه، يتوخى أن تنعكس ملامح مشاهد اللوحة على اللوحة وهو يقف أمامها، ما يضفي عليها إيحائية وتعبيرية وجمالية. وتقدم الفنان سعيد الراجي في هذا المعرض بأعمال متطورة مقارنة بأعماله السابقة. إذ اشتغل على أكسيد الرصاص الأصفر، على الكولاج كعادته: قطع ورق من الجرائد والكارطون مقطعة إربا- وألوان مشعة تأخذ طريقها نحو التلاشي حتى لايبقى منها بعين الناظر إلا الراجي، حيث يصبح هو اللوحة واللوحة هي هو، في نوع من الاتحاد والحلول. ولقد قالت عنه الفنانة التشكيلية ليلى الشرقاوي «أحب إنجازات هذا الفنان الواعد، فالناظر لأعماله ما لم يكن متابعا للأشواط الفنية التي يقطعها، يعتقد جهالة أنه لايتغير، والواقع أن هذا الفنان في تطور مستمر، وأتكهن له بمستقبل وشأن كبير»، كما قال عنه أيضا الفنان وردان، لاشك أن الراجي متميز بتقنيته وخاماته وموضوعه. إنه تجريدي محض، تتجدد أعماله، لذلك تتم المناداة عليه بفخر للمشاركة في معارض جماعية محترمة وذات مصداقية، وذكر الحريري أن سعيد الراجي من خيرة من يمثل الجيل الجديد، ورأت ثريا الحبشي أن الراجي فنان مجدد، يوظف كل ما يصادفه.. لايتوقف عن الرسم والإبداع ومؤازرة مشاركيه في كل صغيرة أو كبيرة.. أعماله جامحة.. نزقة ومتمردة،لا أملك إلا أن أحييه. وتجدر الاشارة إلى أن هؤلاء الفنانين الأربعة قد تم جمعهم قبل معرضهم بإقامة فنية، باثنين اشتوكة في الفترة الممتدة بين 26 مارس و30 منه،اعتكفوا داخلها،وقد توافرت لهم أجواء ومستلزمات الاشتغال بما يكفي.واستطاعت هذه الإقامة البصرية، وهي بادرة فريدة من نوعها، أن تسفر عن معرض «مربع الفن هذا»،الذي حقق المنشود منه، أي إفراز فنانين متناغمين رغم اختلاف أساليبهم وبصماتهم، ولوحات فنية رائعة بلغت نحو خمسا وسبعين من أحجام مختلفة، فضلا عن لوحتين كبريين -أربعمئة على مئة وخمسين، تتخذ الأولى اسم symbiose أي حلول والثانية اسم Fusion أي انصهار وتلاحم، لوحتين تزيد المشهد البصري صقلا وتمكينا، بانزياحاتهما وايماءاتهما، بتجلياتهما الإبداعية المتباينة تقنية وبصمات، مايظهر إلى أي حد هو الانسجام بين الرباعي البصري، وحميمية يحسد عليها، واحترافية استطاعت فعلا أن تمتع العين وتشذب الذوق وتسمو بالروح.