عن جامعة محمد الخامس-أكدال-منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط،وضمن سلسلة بحوث ودراسات رقم52، وفي غلاف رصعته لوحة الفنان الكبير عبد الله الحريري،صدر :»التفاؤل المعلق-التسلطية والتباسات الديمقراطية في الخطاب العربي الراهن»، في اثنين وسبعين صفحة من الحجم المتوسط، لأحد أنباه مثقفينا، محمد نور الدين أفاية،الذي لايخيل على أحد ما أسداه لثقافتنا وفكرنا من أياد بيضاء وجمان أفكار في مضامير مختلفة من فلسفة.. ونقد بناء وجماليات وكتابة في مجلات ودوريات.. وازنة على شاكلة «الوحدة» و»دراسات ثقافية».. ولا أخال أن ينسى أحد ريادة وخطورة ذلك البرنامج التلفزيوني الأثير الذي مازال عالقا بالذاكرة الفردية والجمعية على السواء، الذي نبه بصاحبه وشد إليه العيون-في ذاك الزمن الجميل- نظرا لمواكبته الحراك الثقافي بالمغرب،عن استيعاب جيد وتمرس،ومسؤولية،وتفتح ومساءلة، وأقصد-طبعا- مدارات،الذي سلم المشعل لبرنامج آخر قيم، ماض في طريق الإشعاع وتجديد العهد مع أسماء من زماننا،ألا وهو مشارف ياسين. يأبى الباحث أفاية إلا أن يمهد لكتابه بكلمة أو بالأحرى بمقولة للمفكر المغربي عبد الله العروي من ديوان السياسة،وهي:»التأويل الديمقراطي هو بالأساس تحرير السياسة،وإنقاذها من كل ما ليس منها،أكان أعلى أم أبخس قيمة منها:فصلها عن كل منطق لايناسبها. بتحرير السياسة،فكرا وعملا،من الزوائد الشوائب،تتحرر المجالات الأخرى من هم السياسة،تتجه إليها الهمم،تقتحمها المواهب،تسمو بها الجهود». يتوزع» التفاؤل المعلق..»، إلى مبحثين رئيسين:من الاستبداد إلى التعددية، وفي مطلبه:في بعض مظاهر الديمقراطية المعلقة، تندرج الموضوعات: قلق في الفهم وفي الوعي بالتعددية والنزاع حول/ في الديمقراطية والإعلام وكلفة الانتقال إلى الديمقراطية. أما المبحث الثاني،ففي بابه:سطوة التقليد والتحديث،يدخل مايلي:مفارقات التقليد والتحديث والنخب المغربية والإصلاح والديمقراطية ليست هي الدستورانية وحول انعدام الكفاءة الديمقراطية وفي عوائق التحديث الديمقراطي. يسلط «التفاؤل المعلق..» تصوره ومقارباته على بعض خلفيات الأسئلة التالية: إلى أي حد يمكن تحويل مطالب الإصلاح والتحديث من مجرد اعتبارها شعارات إلى انتظارات جماعية؟ إلى أي حد يمكن الاطمئنان إلى دعوات المطالبة بتغيير أو لاصلاح أو بتحديث النظام السياسي ترفعها جهات وتيارات وهيئات هي نفسها تحمل جراثيم الفساد وعوائق التحديث؟ هل آليات التمثيلية-في الحديث عن الديمقراطية-لاتزال تمتلك ما يلزم من الصدقية والمشروعية لتجسيد الإرادة الشعبية؟ كيف يمكن الخروج من الاستبداد والانخراط بالسرعة المطلوبة،في الديمقراطية بدون ثقافة ومؤهلات ديمقراطية؟ هاته أسئلة حارقة ومركبة وبمفارقات،ولكن تجب الإشارة إلى أن»التفاؤل المعلق..» لايجيب عن سؤال الاستبداد والديمقراطية،إذ هو محاولة في الاقتراب من فهم وتعقد الوقائع ومن غموض القوى الفاعلة في الأحداث،كما أنه لايتردد في استحضار بعض مظاهر القلق والفهم،فهم التسلطية،أتعلق الأمر بما يجري في بعض الساحات العربية أم هم متغيرات السياسة في المغرب. يتطلع الكتاب كذلك-في نوع من الاضافة والاثراء- إلى الوقوف على آليات التسلطية والتباسات وحدود الديمقراطية في سياقات تعاني من خصاص في الثقافة العصرية..وهل من يحملها يمتلك ما يلزم من الجاهزية الفكرية والبشرية لترجمة ما هو افتراضي إلى ممارسات وإنجازات محققة؟ إن المنعطف الكبير الذي نعيشه -يقول الباحث افاية، وقد أفاد كثيرا من آراء ونظريات واستشهادات أهل الفكر والثقافة من المغرب وخارجه على شاكلة المفكر عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وعبد الاله بلقزيز ومحمد الطوزي ومحمد ضريف وعبد الغني أبو العزم وعبد الأحد السبتي وادريس الكراوي وعلي خليفة الكواري وعبد الفتاح ماضي وعبد السلام الحيمر وبرهان غليون وفهمي جذعان وفوكو وماركس ورريجيس دوبري وجيرار نامير وميشال ما فيزولي وبيير روزانفالون و كلود لوفور وجورجان هابيرماس وجون راولز-هو الذي يسوغ مثل هذه الأسئلة،وكل مغامرة للإجابة عنها ضرب من المصادرة على إرادات ومشاريع لاتزال تبحث لنفسها عن أطر مؤسسية قد تتلاءم وانتظارات شرائح مختلفة. إن «التفاؤل المعلق..»،بحث أكاديمي جهيد،رسم مفكرنا الدكتور أفاية رقائقه وحقائقه،ليضعه بين يدي القارئ والمتتبع للشأن الثقافي والسياسي ببلادنا مادة للتدبر والتمعن والدرس والمناقشة في إطار التاريخ والاجتماع والسياسة والفلسفة،وهو-فعلا-قمين بالاقتناء،لأنه يقدم إضافة نوعية للمنجز الثقافي -السياسي،ولأنه-كذلك ومثال-من شأنه أن يرصع ريبرتوار كل قارئ عاشق للكلمة الحرة والموضوع الراهن بأسلوب عقلاني،رصين ومميز.