لعل من حسنات الدستور الجديد, حضور رئيس الحكومة أمام ممثلي الشعب ليجيب عن الاسئلة المطروحة، ويفسر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة, إن على المستوى التشريعي او على المستوى الاقتصادي. ما يهم هنا إن كان رئيس المجلس الحكومي سيقنع المعارضة البرلمانية ومعها باقي الشعب المغربي بالحجج وبالارقام، بالقدرة على تفعيل وتنفيذ برنامجه عبر محطات زمنية، تمكن الفاعل السياسي كما المواطن العادي بمعرفة مدى قدرة القائمين على تدبير الشأن العام بالالتزام بتنفيذ ما وعدوا به، وذلك بطرح المعيقات والصعوبات التي تقف وراء تأجيل تنفيذ جزء من البرنامج، وهذا يدخل في صميم المحاسبة على المسؤولية، او كما نسميه نحن في ادبيات اليسار التقييم المرحلي. لقد سبق وان راقتني حملة براقة وواعدة ضمن البرنامج الحكومي تقول المقاربة التشاركية, وكما فهمت ان الحكومة لن تقدم على اتخاذ قرارات في غاية الاهمية كالزيادة في اسعار المحروقات دون ان تقوم بمشاورات واسعة، وتفتح نقاشا عميقا مع باقي الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، نظرا للانعكاسات السلبية التي ستخلفها هذه الزيادة وخاصة آثارها الوخيمة على القدرة الشرائية لعموم الشعب، الذي لم نعد نميز من بينه من هو الفقير ومن هو الأقل فقرا. الصدمة التي أصابت الجميع كانت اقوى من المتوقع، فلا مقاربة تشاركية ولا هم يحزنون، لقد اطلعتنا بعض المنابر الاعلامية على اخبار من قبيل ان هذا القرار اتخذ دون حتى اشراك مكونات الحكومة ذاتها، واسهبت في تغطية انتفاضة بعض نواب الحزب الاغلبي على قيادة العدالة والتنمية تنديدا بما وصفوه بالإجراءات اللاشعبية. وما يثير في كلام رئيس الحكومة أمام مجلس النواب و امام مجلس المستشارين هو الهروب الى الامام بدل الدفاع عن قراراته، كلام دأب على تكراره خلال كل مناسبة منها الربيع العربي، وأن المغرب كان مهددا وأمور كثيرة. من يسمع هذا الكلام يتخيل أن البلاد رجعت إلى عهد السيبة، وان فلولا من المغاربة كانوا متربصين للسطو على الحكم في أول مناسبة، وان مجلسا وطنيا انتقاليا كان جاهزا للاعلان عن نفسه في اية لحظة، ولم لا فيالق من المحاربين والمنشقين المدججين بالاسلحة جاهزون لاعلان الحرب المقدسة، و سفراء على أهبة تلاوة بيان الردة والبراءة عن النظام وعلما جديدا بألوان اقواس قزح لا يعرف دلالاتها سوى الراسخون في علم الغيب وكاميرات لقناة الجزيرة جاهزة لنقل صور ميادين تحرير، لكن وكما في افلام الخيال، او في كتب الف ليلة وليلة، ظهر المنقد من الضلال لتوحيد الأمة والإفراج عن الغمة، والتصدي لكل من سولت له نفسه تقليل الادب ولم لا العودة الى اصول فن الترابي والفلقة وتجباذ وذنين الضالين، وحتى تلفيق تهم تهديد النظام لمن يخرج عن الطاعة ويتجرأ على تنظيم المسيرات والاحتجاجات. إن من يجهل التاريخ يكرر أخطاء الماضي. فالمغرب لم يسبق له ان كان بركة آسنة، لكائنات بهيمية تعيش لتأكل وتنام وتتناسل و تموت. ما وصلنا اليه اليوم من تراكمات هو نتاج لدينامية ويقظة شعبنا وقواه الحية. وحتى في اللحظات العصيبة التي مرت منها بلادنا سنوات 60 واقالة عبد الله ابراهيم, و 65 واغتيال المهدي بنبركة واحداث الدارالبيضاء و 67 واعتقال وسجن القيادات الحزبية والثقافية وانقلابي 71 و 72 وأحداث مولاي بوعزة واغتيال الشهيد عمربنجلون وأحداث 20 يونيو 81 واحداث 84 واضرابي 14 دجنبر 90 و 5 يونيو 96 وصولا الى حكومة التناوب التوافقي, كان العنوان البارز هو النضال من أجل الديمقراطية، ومن أجل الكرامة وتحرير المواطن من اشكال الظلم والاستبداد، وطيلة هذا الزمن كان ثمة من يناور ومن يلفق النعوت لرموز الحركة التقدمية والديمقراطية، الم يروج بعضهم ان المعارضين من الحركة الاتحادية مساخيط الملك ومع ذلك أبانت الأيام من هم الوطنيون الصادقون،ومن كان ينسج خيوط التآمر في الظلام للإطاحة بالنظام. إن المغرب عاش طيلة خمسين سنة من تاريخه المعارض ربيعه الخاص به بأبطاله المعروفين وبالآلاف المجهولة اسماؤهم وسيستمر النضال المسؤول دون الحاجة للجان البر وطوابير العمل الخيري لتضليل فقراء هذا الشعب وترويج الوهم، وفاء للعهد ولدم الشهداء، لأننا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، محتاجين لجبهة عريضة لحماية القيم قبل حماية المصالح.