"الاتحاد الاشتراكي":لقد مرت 35 سنة على شهيد الصحافة الاتحادية عمر بنجلون، كما مرت 76 سنة على ميلاده. فهو مناضل ذو قدرة كبيرة على العمل، رجل شجاع، واجه أحكام الإعدام وتهجمات الخصوم السياسيين والنقابيين وعنف المخزن وعذاب المعتقل السري دار المقري ودرب مولاي الشريف... من الطرد الملغوم إلى الاغتيال القذر. عمر بنجلون رجل النكتة ، فتح عينيه سنة 1934 في قرية بركم بعين بني مطهر نواحي مدينة وجدة، تلقى دراسته الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه ثم في وجدة إلى أن حصل على القسم الثاني من البكالوريا. التحق بالتنظيمات الحزبية للشبيبة المدرسية بوجدة. في أكتوبر 1955 وقف الى جانب ثلة من أصدقائه لإبلاغ احتجاجهم الى المسؤول الفرنسي عن بعض التصرفات وبعض المطالب لديهم. سافر إلى باريس حيث تابع دراسته العليا فحصل على الليسانس في الحقوق، ثم دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، وبعدهما دبلوم المدرسة العليا للبريد حيث نال الدرجة الأولى في فوج المتخرجين لسنة 1959-1960. عرفه المغاربة في باريس طيلة إقامته بها شابا مناضلا لا يفتر عن العمل من أجل خدمة المبادئ التقدمية وكان أحد المدافعين عن أفكار ومبادئ الاتحاد في وسط الطلاب والعمال المغاربة في باريس، وأصبح مسؤولا عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كان عضوا عاملا في لجنته الإدارية الوطنية، كما انتخب رئيسا لجمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا التي ظل رئيسا شرفيا لها. وبصفته رئيسا لهذه الجمعية، ناضل نضالا فائقا لصالح الثورة الجزائرية، أثناء كفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال، بعد التحاقه بالمغرب عين مديرا إقليميا للبريد بالنيابة في الدارالبيضاء، ثم مديرا إقليميا في الرباط حيث عرفه عمال وموظفو البريد مناضلا نقابيا بينهم يتحمل الجزء الأكبر في تنظيمهم ووعيهم وفي قيادة كفاحهم من أجل تحقيق مطامح الطبقة العاملة ، ليقدم استقالته بعد مدة من عمله. وبشكل عام شارك إلى جانب مهماته السياسية بنشاط وحماس في خدمة قضايا الطبقة العاملة ولعب دورا مهما في التوعية للعمال حيث كان أبرز المؤطرين، وهو ما أزعج قيادة نقابة (المرحوم المحجوب بن الصديق) من توعية العمال داخل الاتحاد المغربي للشغل بوضعهم وحقوقهم، ولعب أيضا دورا رئيسيا أثناء الاستعدادات لإضراب الموظفين الشهير في يوليوز 1961، ثم في إضراب البريد في دجنبر من نفس السنة، حيث اختطف في الساعة الأولى ليلا بعد بدء الإضراب العام لجامعة البريد يوم 20 دجنبر 1961 . وفي هذا الصدد، يذكرنا الشهيد عمر بنجلون عن الهدف من انتفاضة 25 يناير 1959 على حزب الاستقلال، بقوله:«... جعل التيار الشعبي للانتفاضة حزبا تقدميا منظما، لكن الأحداث ستؤكد أن الجهاز النقابي كان يرى في الحزب مجرد واجهة سياسية». لقد بعث عمر بنجلون برسالة مطولة إلى المحجوب بن الصديق، في يناير 1963 يستعرض فيها المحنة التي تعرض لها على يد عصابة تابعة للجهاز النقابي التي منعته من الدخول إلى قاعة الأفراح يوم انعقاد المؤتمر الثالث للاتحاد المغربي للشغل. ولهذا نستعرض جزءا من هذه الرسالة التي يقول فيها: «الأخ المحجوب، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل للمرة الثانية، يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الاقبية. الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الاضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد، اضرابا كان ناجحا باهرا للاتحاد المغربي للشغل، كما عنونت جريدة «الطليعة». اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية، هذه الاخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأن الاضراب فعلي. كان لابد لها من مسؤول. رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق. وكان لي شرف هذا الاختيار. أقول شرف. لأن قناعتي الراسخة هي أن الطبقة العاملة تشكل الطليعة الطبيعية في الكفاح الفعلي والملموس الذي يجب ان يخاض ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية. وهذه المرة، لا أستطيع للأسف، أن أتحدث (تماما) عن شرف، فباسم الطبقة العاملة تعرضت في واضحة النهار، للاستفزاز من طرف مسؤولين في الاتحاد المغربي للشغل، امام انظار حراس الاتحاد المغربي للشغل وحياد متواطئ من طرف الشرطة، وتعرضت للضرب واللكم ونقلت إلى قبو. تعرضت في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت وحشية كثيرا ما تعرضت له السنة الماضية، لأن الأمر في المرة الاولى كان مجرد تهديد. تصرف أخرق كذلك أصر على أن أحكي تفاصيله. اتوجه اليك بصفتك الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل الذي انا احد مناضليه، كما أنني أحد مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي انت احد قادته الذين رسموا «توجهه وعقيدته». اسمح لي ان اعتبر بأن الامر يتعلق بخطأ آخر يرتكب باسم الاتحاد المغربي للشغل والطبقة العاملة. وأن أذكرك بالاسباب العميقة التي تقف في رأيي وراء كل هذه الاخطاء. كل هذا التعبير عن «متمنيات» فيما يخص المستقبل (الذي يهمني بالمقام الاول). اسمح لي أن أواصل الاعتقاد بأنك لم تشك ابدا في رغبتي الصادقة في خدمة الطبقة العاملة. طليعة الطبقات الشعبية في كفاحها ضد استغلال الفيودالية الاستعمارية. اسمح لي أيضا أن آمل أنك سترى في هذه الرسالة، تعبيرا عن الألم الذي أحسه لأنني قدمت وعوملت كعدو للطبقة العاملة. واسمح لي أخيرا أن أعتبر أن الصمت في مثل هذه الظروف، سيكون خدمة موضوعية تقدم للنظام الفيودالي، الذي استفاد من الصمت الذي أحاط منذ زمن بعيد بالاخطاء المتراكمة......». لقد تعرض من جراء عمله النضالي والنقابي للعديد من المضايقات والإيذاءات المختلفة، وأودع في معتقلات سرية عدة مرات وفي عدة سجون في 16 ماي 1963 ليلة إجراء الانتخابات التشريعية وقع نقاش حاد داخل الحزب، هناك من كان يدعو إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية باعتبارها واجهة نضالية وعلى رأسها المهدي بنبركة، وهناك من رفض المشاركة نظرا لتدخلات الأجهزة الإدارية في التزوير وعلى رأسها عمر بنجلون. وبعد نقاش وتدخلات جميع المناضلين وقع الاحتكام الى التصويت فكانت الأغلبية تؤيد المشاركة، فقدم المهدي بنبركة لعمر بنجلون الخطوط الرئيسية والأساسية لصياغة وتحرير القرار الذي اتخذته الأغلبية لنشره في جريدة «التحرير»، وبعد نشره، تأثر المهدي بنبركة بعد اطلاعه على البيان المنشور، وقال لو قمت بتحريره، انا الذي كنت في مقدمة أنصاره المتحمسين لما أتى بهذه الحرارة التي بثها فيه عمر بنجلون، والذي كان في مقدمة معارضيه جملة وتفصيلا، وبعد شهرين على هذا النقاش النضالي الديمقراطي، سيتم اعتقال عمر بنجلون يوم 16 يوليوز 1963 في حملة الاعتقالات الواسعة التي تعرض لها مناضلوا الاتحاد، من داخل مقر الحزب، حيث كان اجتماع لأعضاء اللجنة المركزية من أجل الإعلان عن قرار مقاطعة الإنتخابات الجماعية التي كانت ستنظم في المغرب، وذلك احتجاجا على الخروقات والتزوير وتدخل الدولة في استحقاقات ماي 1963. أثناء تفتيش منزل عمر بنجلون، قيل أن البوليس وجد وثائق تهم تصميم لشبكة الهاتف داخل القصر الملكي، اعتبرته الأجهزة الأمنية حينها صيدا ثمينا، ودليلا على مؤامرة تستهدف القصر. كان الجنرال أوفقير يحضر بنفسه جلسات تعذيبه في صيف 1963 بدار المقري، وحكم عليه بالإعدام يوم 14 مارس 1964 من طرف المحكمة الجنائية بالرباط ، وقد استبدل حكم الإعدام يوم 20 غشت 1964 بالسجن المؤيد وذلك بمناسبة الذكرى 11 لثورة الملك والشعب، وبتاريخ 14 أبريل 1965 سيتم إطلاق سراحه، ثم سيختطف في نفس السنة وبقي في السجن مدة عام ونصف، حيث أثناء محاكمته انتفض عمر بنجلون داخل قاعة المحكمة ونعت القضاة بالمخازنية ديال الدولة فما كان من القاضي إلا أن أضاف سنة حبسا كاملة في حقه، وسيتعرض للإعتقال مرة أخرى في مارس 1966 ويحكم عليه لمدة سنة بعد متابعته بتهمة توزيع منشورات،حيث قال أمام الهيأة القضائية المكلفة بالنظرفي ملفه: «إنكم مثل رجال القوات المساعدة الذين ينفذون الأوامر». أفرج عنه يوم 21 شتنبر 1967 عاد للمحكمة مجددا لكن هذه المرة كمحام للدفاع عن معتقلي الاتحاد في محاكمة مراكش ، في أعقاب إصدار اللجنة المركزية للحزب قرارا بمقاطعة انتخابات أكتوبر 1969. عمر بنجلون هو من حرر المذكرة التنظيمية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1965 مباشرة بعد خروجه من السجن، وأبدع فيها وظلت هي المرجع التنظيمي للحزب لعدة سنوات. وكان المنظر لتأسيس النقابة الوطنية للتعليم سنة 1966، انضم الى هيئة المحامين بداية السبعينات، في سنة 1971 تعرف بمعتقل دار المقري على عدة جلادين، في سنة 1972 تولى ادارة تحرير صحيفة «المحرر» التي كانت تنقل مايجري في المغرب وكان يحرر افتتاحيات الجريدة، وهو الذي حرر الوثائق التي ارتكزت عليها قرارات 30 يوليوز للاتحاد سنة 1972، ولعب دورا هاما في ذلك الإجتماع، كما حرر التقرير الإيديولوجي للمؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 بعد خروجه من السجن، و لعب دورا رياديا في الإعداد للمؤتمر الاستثنائي، وهو الذي وضع الأسس لتأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1978? توصل عمر بنجلون بطرد ملغوم في ليلة عيد الأضحى من يوم 13 يناير 1973، حيث طرق ساع خاص باب منزله بشارع «كامي دي مولان» الذي أصبح يحمل اسم« المسيرة الخضراء» ، وبعد تسلمه طردا من الورق المقوى، فارتاب في أمره بعدما لاحظ أنه لا يحمل اسم المرسل، فاكتشف أن الطرد ملغوم ورمى به إلى الحديقة بعد أن أبطل مفعوله كانت تجربته في قطاع بريد المغرب جعلته يتريث لوجود أشياء وضعت بشكل غريب داخل الطرد، كانت شبكة خيوط عبارة عن قنبلة وضعت بإحكام داخل الظرف لتنفجر مباشرة بعد فتحه. محاولة اغتيال عمر بن جلون كانت من أجل إخراسه الى الأبد وقتل الفكر الذي يحمله، وكان رفيقه محمد اليازغي قد تلقى في نفس صبيحة ذلك اليوم طردا مماثلا انفجر في وجهه فمزق أحشاءه وتسبب له في عجز دائم في سمعه ، وفي عاهة مستديمة في أصابع يده اليسرى. اعتقل عمر بن جلون ورفاقه يوم الجمعة 9 مارس 1973، وأطلق سراحه في 26 غشت 1974 بعدما أعلنت المحكمة العسكرية براءته، ورغم ذلك لم يطلق سراحه واقتيد إلى أحد المعتقلات السرية. اتهم باستقباله أسلحة من أجل تنفيذ الانقلاب المزعوم والسيطرة على الحكم واغتيال الملك. تعرض لأشد أنواع التعذيب قهرا وتأثيرا على البدن والنفس بدرب مولاي الشريف والسجن المركزي بالقنيطرة، وبعرض البحر مرارا وتكرارا لانتزاع اعترافات منه بعد استئناف صدور جريدة «المحرر» كيومية منذ 23 نونبر 1974 تحمل عمر بنجلون مسؤولية إدارة «المحرر» مرة ثانية، انتخب عضوا في المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975، وبعدها تعرض لحادثة اغتيال غادرة يوم الخميس 18 دجنبر 1975 على الساعة الثالثة وعشر دقائق، عندما كان يقف أمام باب سيارته الواقفة بباب منزله ليفتحها، ففاجأته ضربة قوية بقضيب حديدي تلتها طعنة في الصدر ثم طعنة في الظهر، ليتم القبض على منفذي الجريمة فيما بعد في 22 دجنبر 1975، استمعت الضابطة القضائية الى أحد المجرمين الذي ألقي عليه القبض من طرف أحد المارة ورجال الأمن ، وتمت احالة الجناة على غرفة التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء بتاريخ 24 دجنبر 1975. بعد اغتيال عمر بنجلون مباشرة علمت قيادة الحزب أن عمر كان قد صرح لأحد رفاقه أنه تلقى اشعارا منذ ربيع تلك السنة التي اغتيل فيها، من شخص مجهول، (ولعله من خارج المغرب...ربما من المشرق العربي )، يخبره بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مستهدف ككل، وبصفة خاصة عمر بنجلون، كما أنه حينما كان يتابع مداولات المحكمة الدولية حول الصحراء، سمع تهديدات استفزازية من مصدر معلوم....(جريدة المحرر 15 أبريل 1976 ) . لقد كان اغتيال عمر بن جلون عملا إرهابيا خططت له عدة اجهزة، ونفذه تلامذة الظلام ومحترفو العماء الإيديولوجي، وكان قتله يستهدف قتل الفكر الاتحادي وإطفاء الشعلة النضالية التي فجرها الوضوح الفكري والسياسي كما رسمه عمر ورفاقه في الحزب، وكان قرار القتل جاهزا وفي كل مرة كان الإخراج يتغير ولما لم يفلح الإعدام القضائي، جاء الإعدام بيد الإرهاب الفكري المتلبس بالدوغمائية العقائدية. يقول مصطفى القرشاوي في تصريح للشرطة بتاريخ 23 دجنبر 1975 بعد اغتيال عمر بن جلون، أن عبد الكريم مطيع زاره في نهاية شهر نونبر 1974 بعد الإفراج عن القرشاوي بشهرين أو ثلاثة وكان بمعية صديقين آخرين، وخلال هذا اللقاء انتقد مطيع التوجه الاشتراكي للحزب وسياسته انتقادا حادا، وما كان من القرشاوي إلا أن رد عليه، وسرعان ما تكهرب الجو عندما بدأ مطيع يكيل النعوت الجارحة في حق بعض القادة الاتحاديين، ووجه تهديدات مبطنة إلى قادة الاتحاد، كما أن مطيع، قال للقرشاوي أن اليوم الذي ستتم فيه تصفية عناصر قيادية لحزبنا، قادم لامحالة، ولما سأله وإن كان يتحدث بإسمه الخاص أو بإسم تنظيم معين أجابه «إفهمها كيف بغيت». لاحقا تمكن المدعو عبد الكريم مطيع خلال نفس الفترة من الهروب خارج الوطن رغم أن إسمه كان يتداول داخل المحكمة كمتهم رئيسي، واستقر في وقت سابق في ليبيا الا أنه بعد تاريخ 7-8 يناير 1976 وبعد أن قدمت بعض الوثائق الى قاضي التحقيق استغرب الجميع من اختفائها، بحيث أن الوثائق المختفية تعتبر منطلقا من المنطلقات الأساسية للوصول الى الحقيقة وسيتعرف عميل الكاب 1 أحمد البخاري بأن عناصر في الإستخبارات نسجت فعلا علاقات مع متطرفين لتنفيذ جريمة اغتيال عمر بنجلون، وكانت جريمة سياسية نفذت بأدوات دينية. في 16 يناير 1977 نشرت جريدة «المحرر» خبرا بإلقاء القبض على المتهم المسمى عبد العزيز النعماني دون أن يصدر أي تكذيب لهذا الخبر من طرف السلطات المختصة المغربية. وفي 22 يونيو 1979، انطلقت محاكمة المتهمين وطيلة هذه المدة تعاقب على التحقيق ثلاثة قضاة، واختفاء مجموعة من الوثائق من ملف القضية التي تتعلق بالمتهم ابراهيم كمال، في 25 يونيو 1979 أصدر عميد قضاة التحقيق قرارا يقضي بعدم فتح تحقيق حول موضوع اختفاء الوثائق تلاه قرار لغرفة الاستئناف يوم 29 نونبر 1979 يؤيد عدم فتح تحقيق حول عملية الاختفاء، بعد أن استأنف دفاع المطالبين بالحق المدني قرار قاضي التحقيق. في 12 دجنبر 1979 كتبت جريدة «المحرر» مقالا مرفقا بصورة للمتهمين عنونته ب: هؤلاء هم منفذو جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون فأين مدبروها؟ ثم طالب الطرف المدني بإيقاف النظر في القضية إلى أن يتم إرجاع الوثائق المختلسة إضافة إلى تقديم المتهم عبد العزيز النعماني والتحقيق معه وإصدار أمر دولي بإلقاء القبض على عبد الكريم مطيع ومطالبة السعودية بتسليم المتهم يوم 14 فبراير 1980 المجلس الأعلى يرفض طلب دفاع الطرف المدني. في 15 شتنبر 1980 طالب دفاع الطرف المدني باستدعاء مجموعة من الشهود كما طالب الاستماع إلى شهادة الكاتب الأول للحزب الراحل عبد الرحيم بوعبيد الذي كان سيفيد المحكمة بمصادر علمه باعتقال عبد العزيز النعماني من طرف شرطة الحدود بسبتة. المحكمة رفضت هذه الطلبات ودفاع المطالبين بالحق المدني ينسحب من المحكمة. حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يصدر بيانا صحفيا لشرح أسباب الانسحاب بتاريخ 19 شتنبر 1980 جاء فيه، أن المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي يندد بالمحاكمة، يعتبر ملف اغتيال الشهيد عمر بنجلون مازال مفتوحا، وان المحاكمة صورية واقتصرت على المنفذين للمؤامرة دون الرؤوس المدبرة لها. وبعد عدة سنوات من جريمة الاغتيال أوضحت الحركة الإسلامية المغربية التي يتزعمها مطيع أن النعماني هو من أتباع الدكتور عبد الكريم الخطيب، مشيرة إلى أنه لطالما تدخل قبل الحادثة لإبعاد بعض المضايقات عن عبد العزيز النعماني أو تقديم بعض الخدمات له، وبهذا الربط تكون الدولة في شخص عبد الكريم الخطيب هي المسؤولة عن هذا الاغتيال. وأكدت الحركة أنه تحت جناح الخطيب اختبأ النعماني في المغرب حوالي سنتين آمنا مطمئنا، بل طالبا في معهد تكوين المدرسين بمكناس. وأضافت أنه تحت مسؤولية الدولة أتلف الخطيب وثائق التحقيق من المحكمة وأصولها في مراكز الشرطة، واعتقل النعماني ثم أطلق سراحه ثم سفر إلى الخارج، وأيضا استمر الإتصال والتوجيه قائما بين النعماني والخطيب في أروبا... وحسب ما جاء في وثيقة لهيئة الإنصاف والمصالحة التي شكلها العاهل المغربي الملك محمد السادس نهاية 2003 وأنهت مهمتها في سنة 2005 ، أن ما توفر لها من وثائق وقرائن يثبت تورط جهاز أمني سري في عملية الإغتيال ومسؤولية الدولة عن ذلك. وأكدت الهيئة حسب الوثيقة والتي نشر البعض منها في جريدة «الحياة» في يوليوز 2008 ، مسؤولية الدولة المغربية ومخابراتها في الإغتيال من خلال «الدور الهام الذي لعبه عبد العزيز النعماني في عملية الإغتيال وعدم تقديمه للعدالة رغم ابلاغ الملك الحسن الثاني لزعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحيم بوعبيد بمسؤولية النعماني الذي بقي داخل المغرب لفترة طويلة بعد الإغتيال ». وكان سبب عدم تسليم النعماني هو إخفاء تورط الدولة في عملية الإغتيال. كما أن حسن عبد الرحمان بكير الأمين العام للشبيبة الإسلامية المغربية اتهم الدكتور عبد الكريم الخطيب (أول أمين عام لحزب العدالة والتنمية بالمغرب) في قضية اغتيال عمر بنجلون، ويضيف «أن النعماني من أتباع الخطيب، وكان يأتمر بأمره في المغرب، وبعد أن انتقل إلى أوربا بجواز سفر مزور»، ويضيف بكير «أن خلية الإغتيالات السياسية في المغرب منذ الإستقلال كان يسيرها الأمن تحت إشراف وتوجيه من لجنة عليا على رأسها الدكتور الخطيب وهي التي نسقت اغتيال قادة جيش التحرير...». وفي هذه القضية كان الخطيب هو من توسط لتوكيل محام من مصر للدفاع عن المتهمين أمام المحاكم بعد أن رفض المحامون المغاربة الدفاع عنهم. كما أن عبد الكريم الخطيب كشف عن معطيات حول حادث الإغتيال حيث قال إنه التقى مرتين بعبد الكريم مطيع زعيم الشبيبة الإسلامية المتهم بالوقوف وراء جريمة الإغتيال، في هذا السياق قال إن المرة الأولى كانت عندما توسط له لدى وزارة التعليم كي لا يتم تنقيله إلى مدينة بعيدة، أما الثانية فكانت يوم حادث الإغتيال الذي تزامن مع تنظيم مؤتمر الشبيبة الدستورية، وكان يريد أن يلقي كلمة في هذا المؤتمر. لكن المفاجأة كانت أن مطيع لم يلق الكلمة وإنما أخبره بأن عمر بنجلون تم اغتياله، وفيما بعد توصل الخطيب بنبأ مغادرة مطيع للتراب المغربي عبر مدينة سبتة. ويضيف الخطيب بعد شيوع خبر الإغتيال استدعي من طرف الملك الراحل الحسن الثاني وقال له: «إن إسمك مذكور في ملف عمر بنجلون ».