إثر هجوم سيبراني.. لجنة حماية المعطيات الشخصية تؤكد عدم ارتباط موقعها بنظام المعلومات الداخلي للمؤسسة    نشرة إنذارية: أمطار رعدية قوية بعدد من العمالات والأقاليم    شفشاون تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية.. وهذه توقعات الثلاثاء    شخص يسرق وكالة لتحويل الأموال بطنجة في عز رمضان.. والأمن يوقفه    قصر الفنون يحتضن سهرة روحانية ضمن فعاليات "رمضانيات طنجة الكبرى"    المحكمة تطلق سراح الطفلة ملاك المتابعة في قضية جيراندو    دارمانان: التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا طالما كان دعامة للعلاقات الثنائية    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    زيلينسكي يصل جدة للقاء ولي العهد    1068 قتيلا مدنيا في الساحل السوري    ندوة صحفية لوليد الركراكي الجمعة    اجتماع "لجنة المالية" يشعل غضب مكونات المعارضة في مجلس النواب    المغرب يحيي ذكرى محمد الخامس    الأمم المتحدة: افتتاح الدورة ال69 للجنة وضع المرأة في نيويورك بمشاركة المغرب    وزارة السياحة: المغرب يستقبل نحو 2,7 مليون سائح عند متم فبراير    حريق يلتهم محلات بسوق المحمدية    "تساقطات مارس" تحيي آمال المزارعين في موسم فلاحي جيد بالمغرب    الانتقادات تلاحق الإنتاجات الرمضانية .. حضور موسمي في غياب للإبداع    كلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية تنظم احتفالاً باليوم العالمي للمرأة    دراسة أمريكية.. قلة النوم تزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم لدى المراهقين    حماس تقول إن إسرائيل "تواصل الانقلاب" على اتفاق الهدنة في غزة    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    اعتقال سائق سيارة أجرة بتهمة الإخلال بالحياء    الجزائر تغازل إدارة ترامب وتعرض معادنها النادرة على طاولة المفاوضات    فالفيردي يصل إلى 200 مباراة في "الليغا"    التامني: القوانين وحدها غير كافية لتغيير وضعية النساء ومدونة الأسرة تحتاج إصلاحات جذرية    فتح باب الترشح لنيل جائزة التميز للشباب العربي 2025 في مجال الابتكارات التكنولوجية    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "البيجيدي" يطلب رأي مجلس المنافسة في هيمنة وتغول "الأسواق الكبرى" على "مول الحانوت"    أوضاع كارثية وأدوية منتهية الصلاحية.. طلبة طب الأسنان بالبيضاء يقاطعون التداريب احتجاجا على ضعف التكوين    من وهم الاكتفاء الذاتي إلى استيراد مليون رأس غنم بشكل مستعجل! أين اختفت السيادة الغذائية يا تبون؟    "نساء متوسطيات" يمنحن مراكش أمسية موسيقية ساحرة    الوزير عبد الصمد قيوح يعلن إدخال تحسينات جديدة على مطاري البيضاء ومراكش لتسهيل حركة المسافرين    إدارة السجن بني ملال تنفي ما تم تداوله حول وفاة سجين مصاب بمرض معدي    حقيبة رمضانية.. فطور صحي ومتوازن وسحور مفيد مع أخصائي التغذية محمد أدهشور(فيديو)    كيف يتجنب الصائم أعراض الخمول بعد الإفطار؟    قلة النوم لدى المراهقين تؤدي إلى مشاكل لاحقة في القلب    الكوكب يبسط سيطرته على الصدارة و"سطاد" يستعد له بثنائية في شباك اليوسفية    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    أدت ‬ببعضها ‬إلى ‬الانسحاب.. شركات مالية ‬مغربية ‬تواجه ‬أوضاعا ‬صعبة ‬بموريتانيا    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    غاستون باشلار وصور الخيال الهوائي :''من لايصعد يسقط !''    ترامب: التعليم في أمريكا هو الأسوأ في العالم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    كندا.. المصرفي السابق مارك كارني سيخلف جاستن ترودو في منصب رئيس الوزراء    كوريا الجنوبية/الولايات المتحدة: انطلاق التدريبات العسكرية المشتركة "درع الحرية"    عمر هلالي يعلق على أنباء اهتمام برشلونة    الصين تعزز الحماية القضائية لحقوق الملكية الفكرية لدعم التكنولوجيات والصناعات الرئيسية    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    أبطال أوروبا .. موعد مباراة برشلونة ضد بنفيكا والقنوات الناقلة    إسرائيلي من أصول مغربية يتولى منصب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي    مباراة الوداد والفتح تنتهي بالتعادل    بطل في الملاكمة وبتدخله البطولي ينقذ امرأة من الموت المحقق … !    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلاميون في خدمة الملك؟

لأول مرة في تاريخ المغرب، تمكن إسلاميون من الحكم. فوصولهم للسلطة يندرج في سياق دقيق بالنسبة للمملكة، بعد سقوط الدكتاتوريات في كل من تونس و مصر و ليبيا. بيد أن حزب العدالة و التنمية لا يسعى للثورة,بل على العكس تماما هو المدافع عن الملكية، فإن هذا التنظيم بحاجة للملك مثلما الملك بحاجة إليه.
تحول حزب العدالة و التنمية، الذي جاء على رأس الانتخابات التشريعية ل25 نوفمبر 2011 ب 08،27 بالمائة من الأصوات، خلال السنوات الأخيرة إلى تنظيم سياسي ملكي يجسد واحدا من مصادر شرعية القصر. و هكذا فقد اندمج الحزب الإسلامي، رسميا منذ التسعينات، في مسالك السياسة المشروعة، و بهذا المعنى فإن مساندته للملكية تدخل في منطق التطبيع المؤسساتي. فالمخزن بجهازه السياسي الإداري و نظام حكمه، يسعى إلى الحفاظ على احتكاره للسلطات الروحية و الزمنية (الاقتصادية و السياسية) باستخدامه لإسلاميين مؤيدين ل «الشرعية» و ل»المشروعية»، على غرار سد يمنع أركان النظام من الاهتزاز بسبب نقص المصداقية الذي يضرب النخب الحزبية بصفة عامة، و خاصة منها تلك المنتمية «للأحزاب الإدارية» التي تعاقبت على الحكم شكليا. فبالنسبة للملكية يتعلق الأمر بمحاولة مواجهة أزمة غير مسبوقة في التمثيلية السياسية و انعكاساتها المحتملة على البلاد، في المديين القصير و المتوسط ، مثل الثورات الاجتماعية في العالم العربي التي عصفت بأنظمة زين العابدين بنعلي و حسني مبارك و معمر القذافي.
بحثا عن المشروعية
الفرضية التي ندافع عنها في هذا المجال هي التالية: محمد السادس بحاجة إلى حزب العدالة و التنمية و هذا الأخير بحاجة إلى الملك، رغم معاداة الإسلاميين المنسوبة للملك دون إمكانية التحقق من صحتها. و في كافة الأحوال، فإن هذا التحالف الموضوعي من شأنه أن يسمح للأول بإضفاء الشرعية الدينية على حكمه، باسم الإسلام، كما تسمح للثاني بأن يتحول (أو على الأقل يحاول التحول ) إلى المخاطب المميز داخل الطبقة السياسية و ضمن طيف واسع من المجتمع، خاصة لدى الفئات الاجتماعية التي تنزع للتطرف و تصعيد الاحتجاج داخل حركات مثل حركة 20 فبراير التي تستقطب اليوم معارضة نظام مستند للحق الإلهي، إذ أن الملك أمير المؤمنين أي الرئيس الروحي و الزمني للدولة. و لهذا الغرض فإن حزب العدالة و التنمية يلعب على عدة مستويات، مثل «الدور المنبري» باحتلاله كل مسالك التواصل و بمضاعفة حضوره على الساحة كي يعيد المصداقية إلى المشهد السياسي، رغم طابعه المحافظ في أعين المواطنين.
كل هذا يعكس لامبالاة واضحة من المواطنين ل»الشأن العام» و يشكل تهديدا صامتا لمشروعية النظام....في الوقت الذي يحاول فيه حزب العدالة و التنمية التميز عن الأحزاب الأخرى بشكل يميزه إيجابيا في الحقل السياسي : بدعوته لمكافحة الفساد، و تأييده لحملات من أجل المزيد من الشفافية في الحياة السياسية العامة و تمثل الفضائل الإسلامية..إلخ.
«الربيع العربي» لم يستثن المغرب، رغم التوافق العام من طرف النخب السياسية حول «خصوصية مغربية» مفترضة ينبغي الحفاظ عليها. لهذا السبب، فإن الخطاب الذي تقدمه الملكية عن نفسها ، يتم ترديده من طرف جميع الأحزاب، مع استثناءات قليلة (الحزب الاشتراكي الموحد، النهج الديمقراطي... )، و على رأس هذه الأحزاب يوجد حزب العدالة و التنمية، الذي يتحدث عن «النموذج المغربي» الذي ينبغي الحفاظ عليه مهما كلف من ثمن، بل و ترويجه في العالم العربي. و هو في هذا المجال، دفاعا عن أطروحته، يقدم الأمثلة المضادة في كل من تونس و مصر و ليبيا، البلدان التي شهدت موجات عنف متنوعة بسبب شكل أنظمتها. فالمغرب لم يعان من هذه الموجة بفضل نموذج النظام و المجتمع اللذين شكلهما العلويون منذ القرن السابع عشر، و الذي يمثل محمد السادس ضمان استمراريته و حمايته. استراتيجية «المثال المضاد» التي يقدمها حزب العدالة و التنمية، تهدف إلى إخافة المغاربة ثم طمأنتهم فورا، مع التذكير بخصوصية البلاد و الطابع المقدس لمؤسساتها.
ميلاد الاحتجاج
و رغم ذلك، فمن «ربيع الشعوب» هذا ولدت حركة 20 فبراير، التي تعد أحد أعراض الخلل الكامن في آليات توزيع السلطة السياسية و الاقتصادية، كما تشكل تعبيرا عن الفوارق الاجتماعية التي ينسبها المتظاهرون، إلى نظام التسلط و التعتيم الممارس في أعلى المستويات (القصر و المخزن) و الذي يتم إنزاله إلى الطبقات الأدنى بواسطة مختلف أعوان السلطة. و بعبارة أخرى، فإن المغرب يعاني من نفس الأمراض التي تعاني منها الدول المجاورة مثل تونس و الجزائر، خصوصا يأس الشباب العاطل أو الشبيه بالعاطل.
فالاستثناء المغربي خدعة إذن، و لو أن الشارع المغربي ظل، من النظرة الأولى، هادئا نسبيا في زمن الثورات, بل الحروب الأهلية بالمنطقة. و هذا أمر نفهمه من خلال قراءتنا للشعارات التي رفعها المتظاهرون مثل : «مجلس الحكومة...منحة ملكية» « العيش الحسن و الحياة...منحة ملكية» «لماذا نحن هنا و لماذا نحتج؟ لأننا نريد التغيير».
لقد انفتحت ثغرة بعد الأحداث التي هزت تونس و مصر. و يعتبر نزول المجموعات الاجتماعية التي تشكل هيكل حركة 20 فبراير المثال الصارخ على هذه الثغرة. فالحركة التي تجمع أفرادا من مختلف المشارب (إسلاميين، يساريين، نقابيين...) و الأيديولوجيات المتعددة حول نواة صلبة ألفت الاحتجاج بالشارع، تشكل رأس الحربة في هذه التعبئة. و بهذا الخصوص، فإن الأنترنت لم يكن ، في هذه الدينامية الاحتجاجية، سببا محددا بقدرما كان معاملا مضاعفا و مستقطبا حقيقيا للمطالب الجديدة (الحرية، العدالة، إلغاء الارتباطات الاقتصادية السياسية...) و وسيلة دعاية غير مسبوقة.
و للإجابة الضمنية على هذه الوضعية القمينة بالتطور لغير صالح النظام، ألقى الملك خطاب 9 مارس 2011 قدم فيه سلسلة من الإصلاحات، من بينها تعديل دستور 1996. و مع ذلك فإن التحليل المفصل لكلمات العاهل تكشف إنسانا - من أجل البقاء سيد اللعبة و لا يعطي إشارات ضعف حيال سياق متغير- يمتح من الخصوصية المغربية. و بصيغة أخرى فإن «المراجعة الدستورية» ستتمم تجسيد «التقدم الحاصل في مجال الدمقراطية» أي قبل «الزمن الثوري». كما لو أن النظام الملكي، في العمق، لم ينتظر «الربيع العربي» كي يفكر في إصلاح نفسه، و هو الإصلاح الذي يندرج في الاستمرارية التي انطلقت منذ تولي الملك محمد السادس الحكم في سنة 1999.
الاستراتيجية
الإصلاحية للملك:
بهذا الخصوص، فإن العودة إلى الإصلاحات المتعددة التي بدأت في ديسمبر 2010 (أي قبل الانتفاضة التونسية) من شأنها أن تضفي المصداقية على ريادة و طلائعية المملكة الشريفية، التي لا مقارنة بينها و بين جاريها الأقربين (تونس و الجزائر) أو الأبعد (مصر و اليمن و سوريا)، مما يشكل خصوصية قديمة،حقيقية أو مفترضة، للملكية و للمغرب من بين الدول العربية: ففي خطابه لتاسع مارس 2011 يؤكد العاهل المغربي : «بإطلاقنا اليوم ورش الإصلاح الدستوري، نقطع مرحلة هامة في مسلسل تدعيم نموذجنا في الدمقراطية و التنمية». و بذلك فقد قام الملك محمد السادس بما سماه الباحثان في «المركز الوطني للأبحاث الاجتماعية» الفرنسي السيدان بودوان دوبري و جون نويل فيرييه ب «نزع فتيل حركة 20 فبراير، بعرضه إصلاحا كبيرا للبناء الدستوري، أي تنظيم العلاقة بين الحاكمين و المحكومين». علما أن هذا الخطاب ساهم بوضوح في قطع العشب من تحت أقدام الحركة المعارضة.
و رغم تأكيده الرغبة في إدخال إصلاحات في اتجاه «أكثر دمقراطية»، فإن الملك يذكر بما لا ينبغي طرحه للنقاش العام، أي صفته كحاكم و حكم : « قدسية ثوابتنا التي تشكل موضع إجماع وطني، أي الإسلام كدين للدولة التي تضمن حرية العبادة، و كذا إمارة المؤمنين و النظام الملكي و وحدة البلاد و سلامتها الترابية و الخيار الدمقراطي، التي تقدم لنا ضمانة و قاعدة متينتين من أجل بناء التوافق التاريخي الشبيه بميثاق جديد بين العرش و الشعب.و انطلاقا من هذه المقدمات المرجعية الثابتة، قررنا الشروع في إصلاح دستوري شامل...» كيف لا يمكن أن نرى في هذا استراتيجية لتفادي التساؤل حول وضعه كرئيس دولة غير منتخب؟
و أكثر من هذا، فقد وضع محمد السادس آفاق إصلاحات تجد صداها لدى حزب العدالة و التنمية, بما أن هذا الأخير قد سجل منها جزءا كبيرا في مختلف برامجه السياسية (2002 - 2007 - 2011) منذ دخوله البرلمان في 1997 و 1998 : «تدعيم آليات تخليق الحياة العامة و ضرورة ربط ممارسة السلطة أو أي مسؤولية عمومية بالمراقبة و تقديم الحساب» (من خطاب الملك).
و فورا أعلن حزب العدالة و التنمية تأييده للخطاب الملكي دون أدنى تحفظ، أي بصيغة أخرى، زكاه و وافق على خطوطه التوجيهية، بدءا باستمرار الملك في السيادة و الحكم دون أن يحاسب على أفعاله، سواء سياسيا أو قانونيا. فالإسلاميون في أغلبهم يبدون متفقين على هذا الأمر، معتبرين خطاب 9 مارس 2011 خطابا تاريخيا. و مع ذلك فمن المهم الإشارة إلى أن حزب العدالة و التنمية منسجم في نظرته للنظام بما أنه شارك في المؤسسات منذ 1997. و يمكننا إضافة أن معظم وثائق التنظيم الإسلامي تتضمن التعريف التالي :»حزب العدالة و التنمية حزب سياسي يسعى، انطلاقا من مرجعيته الإسلامية في إطار الملكية الدستورية المستندة لإمارة المؤمنين، إلى المشاركة في بناء مغرب عصري و دمقراطي»
الخلافات
مع حركة 20 فبراير
بالنظر إلى المواقف «التابعة» للحزب الإسلامي تجاه القرارات الملكية، نفهم أفضل لماذا أخذ حزب العدالة و التنمية مسافة من حركة 20 فبراير، خوفا من التبعات السلبية في علاقته بالقصر و رغبة منه في رسملة رصيد سنواته من الحوار معه. بهذه المناسبة ظهرت انشقاقات داخلية في صفوف الإسلاميين،حيث أيدت أقلية منهم حركة 20 فبراير, في حين أن الأغلبية بقيادة عبد الإلاه بنكيران عارضت الأمر. و قد قال هذا الأخير بأن تنظيمه يعتبر عامل استقرار سياسي في لحظة تاريخية مضطربة. «لم نساند حركة 20 فبراير، لأننا شعرنا بأن الملكية كانت في خطر. بعد فرار بنعلي في 14 يناير و سقوط مبارك في 11 فبراير، لو نزلنا إلى الشارع في 20 فبراير، فربما لم تعد لدينا ملكية اليوم. لهذا قررنا عدم التظاهر. و كنت واحدا من القادة السياسيين القلائل الذين قالوا أنه لابد من التغيير لكن دون وضع الملكية في خطر» (بنكيران لمجلة تيل كيل عدد 22-29 أكتوبر 2011). فبدخول حركة 20 فبراير مقدمة الساحة ،تمكنت من وضع حزب العدالة و التنمية في مواجهة تناقضاته الداخلية و كذا أمام تناقضاته مع التنظيمات الأخرى» (محمد ظريف في حوار مع جريدة الخبر -غشت 2011).
صودق على الدستور الجديد،الذي ساندته أغلبية الأحزاب السياسية و من ضمنها حزب العدالة و التنمية، نهائيا عن طريق استفتاء فاتح يوليوز 2011 . و قد عكست النتائج شكلا من أشكال البيعة المعبر عنها للملك أكثر من كونها جوابا عن مضمون الدستور الذي يبقى أقل من مطالب الشارع المغربي، و هو الأمر الذي تشهد به نسبة الموافقة التي بلغت 58،97 بالمائة و معدل المشاركة التي وصلت 5،75 بالمائة. و إن كان النص الدستوري يدعم فعلا سلطات رئيس الحكومة و البرلمان من بين نقاط أخرى، فإنه يؤكد الأولوية السياسية و الدينية للملك، في الفصل 19 الذي يشكل نقطة الخلاف مع فاعلي حركة 20 فبراير. بل إن العاهل خرج بمزيد من المشروعية، في الداخل كما في الخارج، أي في أعين الشركاء الأجانب و الرأي العام الدولي بما أنه أصبح ينظر إليه، عن خطأ أو صواب، كملك إصلاحي.
هذه العملية، التي قادها من البداية إلى النهاية، الملك و مستشاروه، قد نجحت بالنظر إلى نتائج الاستفتاء نفسه، و لكونها همشت حركة 20 فبراير، و ذلك بفضل نسبة المشاركة القوية التي تم تسجيلها. و سواء كان الدستور الجديد «ممنوحا» أو «توافقيا» فهو متقدم بما يكفي مقارنة مع دستور 1996 . و حول هذه النقطة يقول الاقتصادي المغربي و عضو الحزب الاشتراكي الموحد نجيب أقصبي :» بالنسبة للملكية البرلمانية التي يكتفي فيها الملك، غير المنتخب، بالسيادة تاركا سلطة تنفيذية حقيقية للسلطة المنتخبة. و هو مطلب معقول، فإننا لا نزال بعيدين عنه»
الوصفة الانتخابية
للعدالة و التنمية
جاء فوز حزب العدالة و التنمية بالانتخابات التشريعية ل25 نوفمبر 2011 في سياق سوسيوسياسي خاص، للأسباب التي تم ذكرها لحد الآن. كما أن هذا الفوز جاء مفارقا, فالحزب الإسلامي أولا لم ينضم لحركة 20 فبراير التي يتشكك منها، خاصة لأسباب دينية و هوياتية (فالسيد بنكيران يعتبر هذه الحركة معقلا لأناس يشيعون الفاحشة و الإلحاد) و لأسباب سياسية أيضا، لأن الحركة تناقش وضع الملك. ثانيا يعتبر هذا الفوز نسبيا, إذ أن نسبة المشاركة لم تتعد 4،45 بالمائة, أي أقل بكثير من الآمال التي غذاها معدل المشاركة في الاستفتاء في شهر يوليوز السابق (5،75 بالمائة).
توصل حزب العدالة و التنمية، رغم ذلك، من اكتساح الانتخابات التشريعية، لأسباب ثلاثة على الأقل : عذريته السياسية باعتبار أنه لم يسبق له أن مارس الوظيفة الحكومية، مما جعله يرسمل رصيدا مقبلا دون فقد الرصيد السابق (معاقبة الحكومة السابقة). و السبب الثاني هو عمله الميداني باسم قيم الإسلام التي يقتسمها الحزب الإسلامي مع أغلبية المغاربة (تنظيم حملات تحسيسية حول مواضيع اجتماعية عامة مثل مكافحة التدخين و المخدرات و دعوات التبرع بالدم)، أما السبب الأخير فهو أن حزب العدالة و التنمية قد أدمج في خطاباته الانتخابية بعض مطالب حركة 20 فبراير مثل «مكافحة الفساد و الاستبداد».
فالحزب قد نجح إذن، من وجهة نظر فئة من الناخبين، في إضفاء المصداقية على مشهد سياسي يقترح التغيير و القطيعة مع ممارسات فاسدة أخلاقيا و اجتماعيا، مع إعلانه تأييده الكامل للملكية، التي يعتبرها ضامنا لاستمرارية و استقرار البلاد، على عكس دول أخرى تهزها ثورات دموية مثل ليبيا و سوريا و مصر و اليمن و البحرين.
و بفضل تواجده القوي في الشبكات الاجتماعية (الأنترنت، مجموعات التكافل، المدارس و المستشفيات الخاصة...) و لارتباطاته في الحقل الديني، تمكن حزب العدالة و التنمية من كسب أصوات و دعم السلفيين المنغرسين في النسيج الحضري لمدن مثل مراكش و طنجة و الدار البيضاء و فاس و مكناس، مع الوقوف سدا أمام مجموعة العدل و الإحسان المعارضة الشرسة للملكية (التي انسحبت من حركة 20 فبراير التي كانت تزكيها من قبل). و هو الأمر الذي أفادها كثيرا على المستوى الانتخابي، إضافة إلى نيل رضى المخزن الذي يمكنه من الآن فصاعدا الاعتماد على العدالة و التنمية و على السلفيين في نفس الوقت. و لهذا السبب قام القضاء المغربي بالإفراج التدريجي، و بدعم من العدالة و التنمية، عن المعتقلين الدينيين المتطرفين، طالما عبر أبناء هاذين التيارين عن تعلقهم بالملك و بالمؤسسات القائمة. لكن هل بإمكان كل هذه الهندسة السياسية أن تهدئ حرارة حركة 20 فبراير و حرارة من يشاطرها نفس المطالب؟ يبقى السؤال راهنيا و مفتوحا على جميع الإجابات.
مجلة «مويان أوريون» الفرنسية
أبريل ? يونيه 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.