سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ندوة علمية نظمتها شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية للمحمدية الانتقال المعاق للمحمدية من قصبة فضالة إلى قطب حضري وصناعي ذي أبعاد استراتيجية
«- التفكير في خلق هيئة أو شبكة تعنى بالدراسات والأبحاث حول المحمدية أساسا والشاوية كمحيط لها، وذلك في الجوانب التاريخية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والعمرانية، والتنموية. «- خلق مرصد محلي يوكل إليه حفظ ذاكرة المحمدية وتجميع المعلومة والمعطيات بشتى صورها وألوانها، في أفق تتويج ذلك بخلق متحف يجعل ذاكرة المدينة شأنا عاما.» خلاصتان اثنتان، من بين خلاصات وتوصيات أخرى، تمخضتا عن الندوة الوطنية التي قاربت تيمة: «المحمدية: من قصبة فضالة إلى قطب حضري وصناعي ذي أبعاد استراتيجية»، والتي نظمتها شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية يومي 23 و24 ماي 2012. شارك في هذه التظاهرة العلمية 33 باحثا ومتخصصا في المجالات التاريخية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والعمرانية، والتنموية، بعروض ألقيت في إطار سبع جلسات، وقد أعقبت كل جلسة نقاشات ساهمت فيها فعاليات من داخل الجامعة ومن محيطها وتمحورت، مثلها مثل المداخلات، حول سؤال الانتقال المعاق للمحمدية من قصبة (أو بالأحرى مرسى) فضالة إلى قطب حضري وصناعي ذي أبعاد استراتيجية. وحسب عضوي اللجنة المنظمة: حسن أميلي، رئيس شعبة التاريخ، ومحمد أزهار، نائب عميدة الكلية، فمختلف المداخلات والمناقشات التي تلتها تطرقت «لتشريح شامل لمدينة فضالة - المحمدية ومحيطها، بشكل وفر للمدينة أرضية وملفات ووثائق تكشف الجوانب الغميسة من تاريخ المدينة، وتفصح عن مكامن القوة والضعف في مختلف المجالات الخاصة بالمدينة». لكن، ورغم تحقق هذا التراكم الأكاديمي، فثمة علامة استفهام خيمت على مجريات الندوة وصيغت عدة مرات خلال جلساتها، بشكل مضمر أحيانا وبشكل صريح أحيانا أخرى، مفادها: هل سيوظف الفاعل السياسي والجماعي والإداري هذا التراكم في التخطيط العقلاني والتشاركي لمستقبل المدينة حتى يتم تجاوز وضع الانتقال المعاق الموروث عن عهد الحماية والمستمر حتى الآن؟ أسباب نزول الندوة و»تاريخانية» الانتقال المعاق انبثقت فكرة الندوة من رحم «مختبر الأركيولوجيا والتراث الثقافي الساحلي» بالكلية، وتبناها معه «مختبر الدراسات التاريخية المقارنة للظاهرة الحضرية بالمجال المتوسطي». وقد اكتسبت شرعية تنظيمها من عاملين متكاملين اثنين. أما العامل الأول، فهو عامل مناسباتي يرتبط بمرور قرن كامل على انبعاث مدينة فضالة-المحمدية، قرن انتقلت خلاله من مجرد قصبة إلى مدينة قائمة الذات، ومن مرحلة البحث عن جذورها التاريخية إلى مرحلة إثبات الوجود الذاتي في ظل هيمنة جارتها الجنوبية العملاقة: الدارالبيضاء. ويتجسد العامل الثاني، وهو عامل علمي، في مساءلة الواقع المحلي باعتباره المحيط المباشر المتصل بالمؤسسة الجامعية حاملة المبادرة، والتي لم ترق بعد إلى تجسير الفعل الأكاديمي المساهم في استجماع الذاكرة الجمعية، واستقراء وقائع المكان، ورصد ميزاته المختلفة، وطرح بدائله المستقبلية، وهي اهتمامات لم تجسدها استمرارية وعمقا داخل الكلية إلا الأشغال المنبثقة عن شعبة الجغرافيا، فيما لم يصدر إلا عمل تاريخي يتيم اختص بإعادة تشكيل شظايا هوية فضالة-المحمدية عبر التاريخ. وكي تتحول الندوة من مجرد فكرة إلى مشروع قابل للتحقق، انطلقت الاجتماعات والاتصالات منذ شهور خلت، وتكونت أوركسترا أكاديمية لتهييئها وتنظيمها حتى لا يشوب أداء سمفونيتها الذي استمر يومين صوت نشاز، أوركسترا على شكل لجنة ضمت عميدة الكلية ذة. رشيدة نافع، وذ. حسن أميلي، وذ. عبد الحميد احساين، وذ. عبد الرزاق العسري، وذ. محمد أزهار، وذ. محمد أنفلوس والسيد محمد عريش. إجرائيا، تم انتقاء عنوان «المحمدية: من قصبة فضالة إلى قطب حضري وصناعي ذي أبعاد استراتيجية» كيافطة لمساءلة تاريخ وحاضر وغد مدينة كانت توسم في زمن قضى بمدينة الزهور، لكن مقاربات الندوة أبرزت بشكل واضح أن الانتقال هذا يظل معاقا، وهو معطى موضوعي انتبهت له، مسبقا، اللجنة التحضيرية حين استحضرت الثنائية التناقضية المميزة لفضالة-الحماية ولمحمدية-الاستقلال في ورقتها العلمية وكلمتها الملقاة أثناء الجلسة الافتتاحية للندوة: «إن القرب من الجارة العملاقة هو ما سيعطي لفضالة-المحمدية نكهتها الدائمة، وهو في حد ذاته مسبب خصوصياتها التناقضية؛ بصورة تطلبت من القائمين على أمورها بذل مجهودات نظرية وميدانية لمجابهة تحديات مدينة صناعية تقودها قاطرة المنشأة البترولية الأولى في المغرب بتداعياتها البيئية والاجتماعية من جهة؛ وتحديات الحفاظ على ضاحية سكنية وسياحية لرجال الأعمال من المعمرين «البيضاويين» بفضل تجزئاتها الفاخرة ومرافقها السياحية وشاطئها الرحب، والتي كانت تحجب «الغيتوهات» البئيسة داخل القصبة وحواليها، وحتى قبل انفجارها في منطقة العالية، الأمر الذي جعل منها مدينة ذات وجهين غير متوازنين: - وجه عصري منظم على الشاكلة الأوربية بين خط السكة الحديدية والميناء؛ - ووجه يتسم على العموم بالعشوائية واللاتناغم مع سابقه حتى بدا حسب إحدى المقولات «مشروع دوار حضري كبير فاشل «. «إنه اللاتناغم ذاته الذي عرفته المدينة في عهد الاستقلال بانفجاراتها الديمغرافية والمجالية، وتحويل اسمها إلى المحمدية تيمنا بزيارة المغفور له محمد الخامس، حيث ظلت تحمل وجهين متناقضين، وعالمين منفصلين بالسكة الحديدية، يسيران بوتيرتين غير متوازيتين: - وتيرة بطيئة في الغرب، يرافقها أحيانا تعطيل لمرافق كانت إلى أمد قريب أيقونات المدينة (كازينو، فندق ميرامار، حدائق ...)، مع بداية زحف العشوائيات في الجنوب، ولم تعرف تطورا حضريا إلا انطلاقا من الثمانينات في الجزء الشمالي (بلوندان، الكليات ...). - ووتيرة غاية في السرعة، شهدها القسم الجنوبي (منطقة العالية) اتسم بالانفجار العمراني نتيجة الضغط الديمغرافي المتزايد سنة بعد أخرى، خاصة منه ذاك المصدر من الدارالبيضاء، دون أن تنجح المدينة في خلق معادلة تصالح لا مع تراثها العمراني التاريخي، ولا من خلال النسف المجازي للسكة الحديدية كحاجز عيان بين أسلوبي حياتين مختلفتين.» ذاكرة ليست للنسيان واستقرار البرتغال في فضالة مجرد «بدعة» رغم مبادرة المنظمين الإيجابية بإشراك متدخلين عديدين من خارج حقل البحث التاريخي في فعاليات الندوة (جغرافيون ومهتمون بقضايا البيئة والتعمير، مهتمون وباحثون في الشأن الثقافي والجمعوي...)، فإن المنحى التاريخي هيمن، إلى حد ما، على الأشغال، إذ خصصت له ثلاث جلسات من أصل سبع. ومع ذلك، فالأمر طبيعي -وإن جاء اعتباطا- لأنه يبدو بجلاء أن مهندسي سياسة المدينة يريدون لهذه الأخيرة أن تظل بدون ذاكرة، رغم أن الذاكرة المحلية رافعة أساسية لأي تنمية مستديمة مستقبلية. اهتمت الجلسات «التاريخية» الثلاث الأولى هذه، التي ترأسها على التوالي برحاب عكاشة، عبد الحميد احساين و العربي واحي، بإشكاليات «الأسس والمقومات التاريخية لفضالة-المحمدية»، «انبعاث فضالة» والعبور «من فضالة إلى المحمدية». لقد برزت مدينة فضالة، من جديد، يقول قاسم جمادي، في بداية القرن العشرين الميلادي لسبب موضعها الجغرافي المتوفر على جون ساحلي استحسنه الإخوان جان وجورج هرسان (Jean et Georges Hersent (لإنشاء ميناء تجاري وتخطيط مدينة عصرية بالقرب من هذا الميناء الجديد والقصبة التاريخية . وقد حدث هذا، يضيف المتدخل، في السنوات الأولى لاحتلال الجيوش الفرنسية لمدينة فضالة (يناير 1908) بعدما كانوا قد احتلوا مدينة الدارالبيضاء (غشت 1907) وجل القرى الساحلية القريبة منهما. لكن تاريخ فضالة، قبل فترة الاحتلال، يعاني من بياضات عديدة، يوضح عثمان المنصوري، ذلك أنه «عندما يبحث الدارسون في تاريخ بعض المدن الكبرى، مثل العواصم: فاس ،مراكش ،مكناس أو غيرها من المدن التي كانت لها أدوار في تاريخ المغرب مثل سلا وتطوان والعرائش ووجدة وغيرهما، يجدون كما كبيرا من المصادر والوثائق والكتب والآثار المادية الشاهدة على تاريخها، بحيث يصبح الكم الكبير عائقا أحيانا عن الكتابة. ولهذا السبب اهتم المؤرخون القدامى بتاريخ هذه المدن دون غيرها. وفي المقابل ، توجد بالمغرب العديد من المدن الصغيرة التي لم يقيض لها بعد أن تلعب أدوارا هامة في تاريخ المغرب الطويل، وتبعا لذلك لم تحظ بأهمية المؤرخين، فكانت الكتابات عنها قليلة أو منعدمة، ولم تبق من الآثار الدالة على تاريخها إلا نتف نزرة متناثرة هنا وهناك،مما لا يسمح بإنجاز تاريخ متكامل عنها، ويضعها في خانة المدن الظليلة التي لم تلق العناية ولم تسلط عليهاالأضواء. (...) ومدينة فضالة، نموذج لهذه المدن التي تتطلب مناهج خاصة لدراستها، تختلف عن منهج الجمع والاستقصاء، والتضخيم والانتقال إلى معالجة واقعية، تركز على ما ثبت وجوده، ولا تتجاوزه إلى التأويلات وسد الفراغات كيفما اتفق، فلا ضير أن تكون لنا في المغرب مدن بدون تاريخ، أو بدون تاريخ تليد، والأفضل التفكير في تفسير ذلك في إطار جهوي عام، كما هو الشأن بالنسبة لمدينة فضالة». ومن هذه التأويلات الخاطئة المتداولة حول المحمدية استقرار البرتغاليين بها ردحا من الزمن، وهو المعطى الذي تكذبه الوقائع التاريخية والذي لا يستند إلا على تخمينات منبنية على وجود قنطرة عتيقة بها تحمل اسم «القنطرة البرتغالية وبقايا معالم معمارية تشبه النموذج المعماري البرتغالي. إن مصدر اسم المدينة نفسه، خضع لتأويلات يرددها البعض بدود تمحص،ومنها ما ذهب إليه مارمول حين زعم أن أصل الاسم هو «فضل الله»، انطلاقا من نطق الكلمة باللغات اللاتينية. ونظرا لكون الاسم هذا سابق تاريخيا على لحضور العربي بالمنطقة، فقد دعا العديد من المتدخلين إلى ضرورة إجراء بحث لساني انطلاقا من اللغة الأمازيغية حتى لا يبقى جذر فضالة اللغوي مجهولا. ضرورة احترام نواميس الطبيعة والتصالح مع الموروث الثقافي ولئن كان الباحثون في حقل التاريخ قد سعوا إلى كشف النقاب وتعرية المطمور عن ماضي فضالة وحاضر المحمدية من خلال استقراء النصوص والإشارات والوثائق المتوفرة لحد الآن، مستعرضين الأدوات الضرورية لصيانة هوية المدينة والحفاظ على ذاكرتها الجمعية المادية واللامادية، فإن المختصين في مجال الجغرافية والبيئة والتعمير، قاربوا قضايا التمدين والإسكان والبيئة، والتوازنات العامة للمدينة، مدعمين توجهاتهم واقتراحاتهم بدراسات تحليلية تسندها الخرائط والصور والبيانات، وذلك طيلة جلستين اثنتين تمحورتا حول إشكالات البيئة والتعمير بالمدينة، ترأسهما كل من مصطفى وادريم وعبد المالك السلوي. وبناء على استقراء واقع المحمدية وتعرية مكامن الضعف فيها واستشراف فرص التعمير والتدبير الحضري المستقبلي خلال الجلستين، «فالتخطيط الحضري والعمراني والصناعي للمدينة، يؤكد محمد أزهار، مرشح لإعادة النظر في بنوده وتوجهاته، وذلك من خلال احترام نواميس الطبيعة وعدم التطاول على ممتلكاتها، وبخاصة المائية منها ضمانا لاستمرارية فرص التنمية واستدامتها». وتختتم الندوة بجلسة ساءلت الواقع الثقافي والجمعوي بالمدينة، وأخرى استشرفت غدها. في الأولى استعرض المهتمون بالشأن الثقافي المحلي الراهن الثقافي للمدينة، محللين ملابساته ومعيقاته، ومبرزين أهمية التوثيق والحفاظ على الذاكرة الجماعية للمدينة ومخلفات الإبداع والكتابة. وفي الاخرى، تناولت رهانات تنمية المدينة. وكان من أبرز المقترحات في هذا الإطار الدعوة التي أطلقها منصف صدقي العلوي، وهي الدعوة الرامية إلى تحويل المنطقة إلى قطب عماد تنميته إرثه الثقافي والمعماري، مثلما هو الشأن بالنسبة للصويرة، ما يستلزم تصالح المدينة مع موروثها الثقافي وتثمين هذا الموروث في مختلف تجلياته. وإذا كانت الندوة، التي تضمنت جلستها الافتتاحية كلمات كل من رشيدة نافع، عميدة الكلية، وحس أميلي عن اللجنة المنظمة، و عبد القادر كعيوة ممثلا لوزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، إذا كانت الندوة قد حققت-فعلا- نجاحا أكاديميا بشهادة المشاركين فيها والمتتبعين لأشغالها، فإن ما حققته من تراكم يحتاج إلى التفعيل. علما أنها أصدرت، إضافة للتوصيتين المشار إليهما أعلاه، توصيات أخرى من أبرزها: * إبقاء الشأن المحلي بكل أبعاده ورشا مفتوحا ومستديما داخل رحاب الكلية، * تخصيص ندوات وأياما دراسية أخرى تعنى بمقاربات موضوعاتية خاصة بالمدينة ومحيطها، * ضرورة جمع وطبع أعمال الندوة، قصد وضعها رهن إشارة مختلف فعاليات المدينة وعموم الساكنة.