منذ حوالي خمسة أشهر، توجد ثلاث بواخر مغربية محتجزة في ميناء سيت الفرنسي وعلى متنها 200 بحار يعيشون في ظروف مزرية. والسبب ديون متراكمة، ولا مبالاة رسمية. قصة غرق من نوع آخر دخل النادل قاعة الأكل الخاصة بالضباط بلياقة ووضع على الطاولة وجبة عدس بلحم الغنم. وتحت صورة العائلة الملكية تشير الساعة الى منتصف النهار، وقت وجبة الغذاء التي لا تتغير على متن باخرة «بني نصار» قرب المسبح الفارغ، ينظف البحارة زورقا للتجسير، رئيس الميكانيكيين يصلح المحركات، كل رجل يقوم بمهمته، كل حبل في مكانه كما لو أن الأمور عادية. ورغم ذلك وكما يعلم الجميع، باخرة «بني نصار» تغرق, بطبيعة الحال لا يتعلق الامر بواحدة من تلك الكوارث القديمة، العنيفة، والبطولية في متاهة عاصفة بحرية او ثلجية او حملة صيد الحوت. ملحمة بني نصار هي قصة غرق تقع اليوم، لا تنتهي صامتة على رصيف ميناء. في سيت (جنوبفرنسا)، منذ حوالي 5 اشهر، يعيش حوالي 200 بحار وضباطهم محاصرين على متن ثلاث بواخر تابعة لشركة كوماناف -كوماريت، ومقرها في طنجة, اصدرت محكمة مونتبولي حكما بحجزها بسبب تراكم الديون. على متن الباخرة، ومع غياب الفيول كل شيء يتوقف تقريبا، الاضواء تنطفئ تنخفض درجات الحرارة اكثر فأكثر. في الليل يضيء الرجال جلساتهم بالشموع. لم يعد هناك ماء ساخن. وتقريبا لا ماء بارد، والمراحيض لم تعد صالحة للاستعمال، والطلاء بدأ يتشقق، وبدأت الطفيليات والصدفيات تستوطن مجاري المياه الى البحر. منذ عدة أشهر لم يتم أداء الأجور. في بعض المرات، تصل شاحنة لتقديم التغذية بتقتير، وعندما ينفد الغذاء لا يتبقى شيء، تصل حوالة من الشركة 1000 او 2000 اورو. تدر من المال بالكاد يكفي لشراء الخبز وبعض علب التونة. يقول بحار «نتوصل بالكاد بما يكفي لتهدأتنا «طاقم الباخرة يحس بالعار «»هذا التخلي عنا من جانب شركتنا يشبه وصمة عار على العلم المغربي»« يقول آخر» من حين لآخر، تضع بعض الجمعيات ألبسة ومواد غذائية امام سلم الباخرة. البحارة لا يأخذونها. هذا الأمر يثير غضبهم نحن لسنا متسولين، لنا تحمل نبيل و شجاع. نحن من يفترض ان نعطي للآخرين» في ميناء سيت، وكما في كل موانئ العالم، نعرف جيدا قصص البحارة التائهين، هم موجودون في كل مكان، وحالاتهم في تزايد، يتخلى عنهم هنا او هناك بسبب الافلاس او الاحتيال, »منذ عدة سنوات يستعمل النقل البحري كمختبر لعمليات التحرير الاقتصادي والاجتماعي في العالم««، يقول فرانسوا ليبيرتي العمدة السابق لمدينة سيت وأحد الأصوات المسموعة في المدينة. الرجل متأكد: ما يقع في البحر يصل في النهاية إلى اليابسة. اليوم، تقدم الفيدرالية الدولية لعمال النقل ITWF، المنظمة الأكثر نشاطاً في القطاع، رقما صادماً: من مجموع 40 ألف باخرة عاملة، فقط 6000 تلتزم بالمعايير »ومع الأزمة، نحن بصدد المرور إلى مرحلة أخرى«، يقول جان لوك بو، الأستاذ الذي ساهم في خلق جمعية للدفاع عن البحارة المتخلى عنهم في سيت في بداية سنوات 2000» بالنسبة للجميع، هنا قضية البواخر الثلاث لا تشبه القضايا الأخرى « يوم 6 يناير، عندما دخلت الباخرة »مراكش« ميناء سيت، كان القائد أحسن نبيل يتوفر فقط على ما يكفي من الفيول لبلوغ الرصيف. نجح صاحب الباخرة في الحصول على المحروقات بالاقتراض طبعاً لضمان الرحلة من طنجة، ولو أن الممونين يتحفظون أكثر فأكثر في تزويده. تراكمت متأخرات الأداء إلى أن وصلت 200 مليون أورو. في ذلك اليوم من يناير، كان عون التنفيذ ينتظر باخرة مراكش على الرصيف، في اليوم السابق، تم حجز باخرتين أخريتين في ملكية شركة كوماناف كوماريت (بني نصار وبلادي) على رصيف سيت. كانت الفترة، فترة أعياد الميلاد، وهي من أكثر الفترات اكتظاظاً بالنسبة لنقل المسافرين. في المحطة البحرية لميناء سيت، تقف مئات العائلات وسط الأمتعة والشاحنات. منذ 30 سنة تقريباً، كانت الخطوط البحرية المغربية تقل بشجاعة وافتخار المهاجرين، كما تنقل اليوم أبناءهم وأحفادهم من فرنسا عبر البحر المتوسط في اتجاه الناظور وطنجة. فجأة أعلن مكبر الصوت أنه تم إلغاء الرحلة دون تعويض أو تأجيل. الكثير من المسافرين لا يتوفرون على ما يغطي مصاريف الرجوع إلى منازلهم. كان الجو بارداً جداً، كان لابد اللجوء إلى رجال الحراسة والأمن والكلاب لإجلاء المتجمهرين. على متن البواخر الموقوفة، كانت طواقم البحارة مقتنعة بأن الوضعية لن تستمر، لاسيما على متن باخرة »مراكش«، »الأجمل« من بين البواخر الثلاث . »الأجمل« ربما ليس الوصف المناسب. لنقل بأن باخرة »مراكش« لها سمعة تطغى على كل البحرية في المغرب. إنها باخرة الملك. وبعد المحاولة الفاشلة ضد طائرة البوينغ الملكية سنة 1972، اعتاد الحسن الثاني على حجز باخرة مراكش لزياراته للجزائر أو طرابلس، مما كان يخلق تشويقاً رهيباً وممتعاً في الرحلات الهادئة للباخرة: كل شيء داخلها كان يجب أن يكون جاهزاً لخدمة الملك في كل لحظة، من الجناح الملكي بقاعة العرش إلى وجبات الأكل المفضلة لديه. الآن الحسن الثاني رحل، ومحمد السادس يركب الطائرة. والباخرة »مراكش« أصابتها بعض الشيخوخة وشركة كوماناف التاريخية تمت خوصصتها. في سنة 2009، تمت خوصصة أنشطة نقل الركاب لفائدة شركة كوماريت ب 80 مليون أورو، كوماريت شركة حديثة في طنجة، ابن صاحب الشركة كوماريت، سمير عبد المولى، انطلق في استثمارات ضخمة مباشرة قبيل ارتفاع أسعار المحروقات وبداية الأزمة, انتخب عمدة لمدينة طنجة ثم أبعد بعد ذلك، عضو في حزب الأصالة والمعاصرة، انتقل إلى حزب العدالة والتنمية. عبد المولى يعشق المظاهر والمغامرة. في سيت لا يقاوم بعض البحارة المغاربة الرغبة في مشاهدة مظاهر البذخ وسياراته الباهظة على شبكة الانترنيت المتوفرة في نادي البحارة في الميناء، ومع ذلك: من كان يتصور باخرة الملك متخلى عنها مثل ناقلة حاويات صينية تحمل علم سانت لويس وعلى مثنها بحارة غانيون؟ ومن ضمن البحارة المحاصرين، هناك حوالي 20 امرأة, مثقفات, جميلات، أغلبهن حاصلات على دبلوم باكالوريا وما فوق، بالنسبة لهن العمل في مناصب خادمات نظافة كان فرصة لا تقاوم في زمن البطالة. في بداية الاحتجاز في يناير، كن أيضا متأكدات بأنهن سيستعدن العمل بسرعة. كن في مجموعات مرحة ينزلن إلى مركز مدينة سيت: كان موسم التخفيضات قد انطلق في المتاجر. لكن البواخر الثلاث لم تتحرك, الاتصال هاتفيا بالعائلة الذي كان في البداية أبسط مواساة تحول بسرعة إلى عذاب. العائلات التي لم تعد تصلها الأموال يقول أحد البحارة بحسرة «سيتحدثون مرة أخرى عن القروض التي لا نستطيع أداءها«ت بدأت بعض العائلات تبيع منازلها، وبدأ سحب الأطفال من المدارس الخاصة. الشركة لا تصدر أي بلاغ ولا ترسل شيئا ولا أي أحد. في نهاية كل أسبوع تخبر عبر الهاتف بحل قريب ثم لا شيء. البحارة الذين يحتجون يوعدون بالطرد, البحر يجعل الرجال مجتمعين واليابسة تفرقهم. ذات يوم تشاجر صانع الخبز ومفتش الباخرة بسبب حصص التغذية على متن «بلادي» هيرفي براج وجاك كازابيانكا قائدان فرنسيان يتناوبان على مقصورة قيادة بني نصار، وحدهما مسموح لهما بالترخيص لمرؤوسيهم بالتعبير بحرية أو السماح للصحفيين والمسؤولين النقابيين بالصعود إلى الباخرة, وعندما يحاول هيرفي باراج التشاور مع ضباط البواخر الأخرى يؤمر بالاهتمام بشؤونه فقط. على متن البواخر الثلاث، بدأ كل قائد يملي قوانينه, على مثن باخرة »بلادي» وطيلة أسابيع منع البحارة الشبان من النزول إلى الياسبة، القائد من جنسية كرواتية لا يتكلم لا العربية ولا الفرنسية. يغلق على نفسه في مقصورته يشاهد التلفزة، المنطقة الوحيدة على متن الباخرة التي مازال يصلها الكهرباء، بسرعة أخذ ضابط آخر السلطة، تخشاه بالخصوص النساء. يلف حظر التجول الباخرة في الساعة الحادية عشرة والنصف، يتكدسن مجتمعات طيلة الليل في مقصورات بدون أضواء، يتجادبهن اليأس والضحك الهستيري. بعد أربعة أشهر على متن باخرة «مراكش», يقف القائد حسن نبيل منتصبا على رصيف الميناء. في بذلة الضابط الأنيق. بقميص أبيض بعقد لامعة. القائد نبيل 53 سنة غير غاضب ولا يشتكي من حاله، فهو فوق المأساة، فوق الإهانة، الشركة لم تعد ترد كثيرا على مكالماته. لم تعد لديه القوة لجمع رجاله الذين لم يعد ما يقول لهم, فقيادة باخرة واقفة على طول رصيف يبدو له أكثر رعبا من أحوال جوية عصيبة في البحر، على الجانب الآخر من الجسر تتوجه نساء الباخرة نحو السوق الشعبي بالمدينة, حيث يعدن بيع ما اشتريناه خلال موسم التخفيضات. في منتصف ماي, منحت الحكومة المغربية ترخيصا لمدة عام للشركة الإيطالية غراندي نافي فيلوشي للعمل على خط سيت، التي ستشغل بواخرها أول رحلة مقررة يوم 28 ماي بالنسبة لموسم الصيف، والجميع يتنفس الصعداء، بإمكان مغاربة فرنسا أن يقضوا عطلتهم في المغرب. السفر يستأنف في ميناء سيت الذي يسجل خسارة بقيمة 1,5 مليون أورو بسبب توقف البواخر الثلاث و200 ألف مسافر الذين تنقلهم سنويا. بالمقابل مازال الضباب يلف شركة كوماناف - كوماريت التي لا يغطي بيعها سوى 25% من الديون. ثلاث بواخر و200 بحار مازالوا هناك، ملتصقين ببواخرهم «إذا ما ذهبنا، ضاع كل شيء: لا أمل في الحفاظ على مناصب عملنا أو الحصول على أجورنا« يقول أحد البحارة، بعضهم يتوجس من العودة الى المغرب، القروض تتهددهم: »وماذا لو كانت الشرطة في انتظارنا بالمطار؟ تجري حاليا دراسة مخطط لترحيل الطواقم. بالقرب من المحطة البحرية يتنفس موظف شرطة الجو والحدود «وأخيرا، سيرحلون؟ لأول مرة يريد فيها اشخاص ترحيل عرب، أتمنى أن نتركهم يشتغلون» بعيدا، على قطعة بحر، أطلق اسم «رصيف النسيان« على زورق تجسير، هنا تموت البواخر المتخلى عنها، بدأ بعض التقنيين يتخذون الإجراءات لجر «باخرة الملك» إلى هذه المقبرة. عن لوموند