سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«المساء» تكشف مأساة «آخر اللاجئين» المغاربة على ظهر بواخر «كوماريت» 11 باخرة محتجزة وأزيد من 400 بحار متخلى عنهم وطلب عروض لتفادي الأسوأ مع قرب بدء موسم العبور
تعيد «المساء» في هذا الربورتاج -التحقيق ترتيب مشاهد المعاناة التي عاشها ويعيشها أزيد من 220 بحارا على ظهر بواخر «بني انصار» و«مراكش» و«بلادي» في ميناء سيت، كما تعرّج على وضع مماثل يعيشه زملاؤهم في بواخر أخرى محجوزة داخل موانئ الجزيرة الخضراء وطريفة والناظور وطنجة المتوسط. وفيه، أيضا، محاولة لفهم كيف تحول المغرب من بلد بأسطول بحري قوي، في زمن «كوماناف»، التي استطاعت أن تنافس أعتى الشركات العالمية، إلى بلد «يستجدي» الآخرين لتأمين نقل رعاياه المهاجرين، بسبب عملية تفويت يعتريها كثير من الغموض.. من ميناء مدينة "سيت" الفرنسية بدأت رحلة "المساء" بحثا عن أسباب استمرار حجز 11 باخرة مغربية تؤمّن الربط بين ضفتي المتوسط، ومن هذا المكان، سنكتشف تفاصيل كثيرة من حكايات مواطنين مغاربة أجبروا على "اللجوء" في أوطان ليست وطنهم، وتخلى عنهم الجميع لا لشيء سوى لأنهم اختاروا العمل في واحدة من المؤسسات العمومية، قبل أن تقودهم أقدارهم إلى العمل في شركة تسيّرها عائلة عبد المولى.. التي راكمت ثروات من نشاط النقل البحري عبر شركة "كوماريت"، التي "ابتلعت"، قبل ثلاث سنوات، الشركة الوطنية "كوماناف" وابتلعت معها مصائر أزيد من 1200 مستخدم يضعون، اليوم، أيديهم على قلوبهم، توجسا من مستقبل لا يبشّر بخير.. حجز.. وإشاعات الثانية عشر من صباح السبت، 11 مارس الجاري، يصل القطار فائق السرعة، قادما إليها من العاصمة باريس إلى المحطة الرئيسية لمدينة سيت. مدينة هادئة، لا شيء يكسر هدوئها في هذه الصباح البارد.. الشوارع شبه خالية إلا من بضعة راجلين وراكبي دراجات هوائية يذرعون الممرات المطلة على الميناء الترفيهي جيئة وذهابا ومحلات فتحت للتو تستقبل زبناء أغلبهم مهاجرون لا تخطئهم العين، كما لا تخطئ الأذن لكناتهم.. بضعة مئات من الأمتار تفصلنا عن مينائها الشهير "هيرو". هناك ينتظرنا بحارة يعملون على ظهر البواخر المحتجَزة منذ ثلاثة أشهر ونصف، حيث تجري فصول قصص مؤلمة نستمع إلى تفاصيلها على لسان بعض ممن امتلكوا جرأة تكسير جدار الصمت وإسماع صوتهم إلى أكثر من جهة، بعدما تنكّرت لهم إدارة الشركة وتركتهم يواجهون مصيرا غامضا، وبعدما أدارت لهم مؤسسات بلدهم الرسمية ظهرها، بدءا من الوزارة التي تدبر قطاع النقل البحري وصولا إلى المصالح القنصلية، التي فشل القائمون عليها في مدينة مونبولي حتى في تصنُّع لحظة تأثّر حيال ما يعيشونه منذ شهر دحنبر الماضي. بدأ كل شيء في ليلة السادس من دجنبر من السنة الماضية، حين كان أزيد من 400 مهاجر مغربي في الديار الأوربية على موعد مع رحلة تقودهم إلى بلدهم. كل شيء كان معدا لكي تبحر باخرة "بني انصار" في موعدها، لكن الرياح سارت بما لم تشتهه الباخرة ولا ركابها. نزل الخبر كالصاعقة على الجميع، مسافرينَ وبحارةً، بعدما علموا أنها تعرضت للحجز ولا مجال لأن تغادر المرفأ بسبب ديون عالقة لم تؤدها الشركة المالكة.. سرت الإشاعات وتعالت أصوات الاحتجاج، قبل أن تتدخل أكثر من جهة لتشرف على عملية "إجلاء" المسافرين بعد ليلتين قضوها في العراء، وهي العملية التي رافقتها "بهرجة" كثيرة وأطلق فيها أكثر من مسؤول العنان ل"لسانه" لإبراز "الجهود المبذولة"، قبل أن ينصرف الجميع وتتوارى عدسات المصورين، معلنة بداية فصل جديد "أبطاله" 42 بحارا لم يلتفت إليهم أحد. "بعد تأمين نقل المسافرين عبر رحلات متتالية، بسبب حجز باخرة "بني انصار"، كنا نتوقع ألا يدوم الأمر سوى بضعة أيام حتى يتم رفع الحجز وتعود الباخرة إلى استئناف رحلاتها بين ضفتي المضيق، كما اعتادت أن تفعل منذ عقود، لكن الأيام صارت أسابيع، ثم شهورا، وتحوّل المؤقت إلى دائم"، يقول بحار يعمل على ظهر الباخرة، قبل أن يضيف: "في الأيام الأولى، كنا نتوصل بأنباء تفيد قرب رفع الحجز، لكنْ مع توالي الأيام، لم تعد تصلنا إلا الإشاعات، ما أثّر بشكل كبير على نفسية العاملين على ظهرها، وبشكل خاص، مع الغموض الكبير الذي يحيط بالملف وعدم توصلنا بأي معلومات من مسؤولي الشركة، رغم العديد من الاتصالات التي أجريناها، لكن الأمور ستزيد سوءا بعدما حجزت باخرتان جديدتان للشركة في الميناء نفسه، الأولى باخرة "مراكش" يوم 6 يناير، والثانية باخرة "بلادي" يوم 7 من الشهر نفسه، وهنا بدأنا نشعر أن الأمور لا تسير على ما يرام". أثار توالي حجز بواخر شركة "كوماريت -كوماناف" كثيرا من التساؤلات في حينه، وبشكل خاص حين تأكد أن مبلغ الديون يزيد على 20 مليون أورو بقيت عالقة في ذمة الشركة لدى عدد من الشركات، وبالأساس شركة "أوليان إينيرجي"، التي كانت تزود البواخر بالوقود، دون أن تتوصل بأي مبلغ، فضلا على ملايين أخرى تطالب بها أوراش بحرية إسبانية مقابل عمليات الصيانة التي تُخضع لها الأسطول. وستزيد حدة التساؤلات المطروحة حول مصير البواخر حين تأخر رد مسؤولي الشركة وبدأ الدائنون يُلوّحون بورقة البيع في مزاد علني لتسديد الديون. ووسط كل هذا النقاش حول مآل البواخر وإمكانية بيعها في المزاد العلني والحديث عن محاولات لتفويت جزء من الشركة، لتجنيبها الإفلاس، وخاصة مع الحديث عن تدخل محتمَل لبنك الثري عثمان بنجلون لضخ المبالغ المطلوبة، لم يكن أحد يلتفت إلى عنصر أساسي في هذه المعادلة، وهم البحارة العالقون وسطها، وهو ما عبّر عنه بعضهم بالقول: "لا أحد، على الأقل في المغرب، أثار قضيتنا وتحدث عن مصيرنا، المرتبط لزوما بمصير البواخر المحجوزة، ولولا ما كشفته وسائل إعلام محلية وتحركات نقابة "القوات العاملة" الفرنسية، ومعها ممثلون عن الفيدرالية الدولية للنقل، لقضي علينا في هذا المكان".. "البلاك أوت".. بين الرابع من دجنبر 2011 واليوم الخميس 22 مارس، يكون قد مر 140 يوما قضاها 220 بحارا عالقين في ميناء "سيت" دون أن يلتفت إليهم أحد من مسؤولي الشركة. وطيلة هذه المدة، عاش هؤلاء لحظات عصيبة يتذكّرونها بكثير من الحسرة.. عاش حدو، عبد الجليل، عبد الله، نور الدين، باعلال،.. وآخرون من بحارة وعاملات نظافة ومضيفات استقبال مأساة حقيقية اختلفت درجات سوئها بين البواخر الثلاث، وإليكم بعض فصولها، كما يرويها من عاشوها. يقول الشاف حدو موح سيكيري، مسؤول الميكانيك في باخرة "بني انصار"، إن "المشاكل بدأت تظهر مع نفاذ مخزون الغازوال من البواخر، وهذا يعني ضرورة تزويدها بكميات إضافية وإلا فإن الأمور ستسوء، خاصة إذا علمنا أن نفاذ مخزون الوقود يعني، في عُرف البحّارة، الوصول إلى مرحلة ال"بلاكْ آوت"، أي أن نعيش في ظلام دامس، لا تخفف ظلمته سوى بعض الشموع التي نوقدها.. كما تتعطل ثلاجات التبريد ونظام التهوية، بل ويتعطل حتى نظام صرف المياه في المراحيض".. وهذا ما وقع فعلا، يتذكر زميله عبد الله، بكثير من الحسرة، وهو يقول: "كنا نقضي أياما طويلة بدون كهرباء، واضطررنا إلى التخلص من كميات كبيرة من المأكولات المُجمَّدة بسبب فسادها، بل الأدهى أننا كنا مضطرين إلى عدم الاستحمام لمدد تصل إلى عشرة أيام، ولكم أن تتخيلوا وضعنا في طقس تصل فيه درجة البرودة ليلا إلى 8 درجات تحت الصفر دون نظام تدفئة.. وشخصيا، كنت أقضي لياليَّ طويلة لا يعرف فيها النوم طريقه إلى عينيّ، بسبب "تجمّد" أصابع رجليّ، رغم طبقات الأغطية التي أدثّر بها جسدي دون طائل، قبل أن يهتدي بعض الزملاء إلى سوق للمتلاشيات، غير بعيد عن المدينة، اقتنوا منه مدفئات كهربائية تعينهم على تدفئة غرف نومهم، عن طريق توصيلها بتيار كهربائي خاص بالميناء، بعدما تعطلت جميع أجهزة الباخرة، بسبب نفاذ الوقود".. في مناسبات كثيرة، وفق ما قال البحارة في حديثهم إلى "المساء"، وصلت وضعية البواخر إلى مرحلة "البلاك آوت"، "لكن باخرة مراكش كانت الأكثر تضررا، إذ عاشت التجربة 3 مرات، امتدت في أقصاها إلى أسبوع كامل". ومما ساهم في هذا الوضع، يقول أحد البحارة، "الأسلوب الذي دبّر به مسؤولو الشركة الأزمة، إذ كانت تصلنا، تحت ضغط وسائل الإعلام والنقابات الفرنسية، إمدادات الوقود والطعام على فترات متقطعة وبكميات ضئيلة من شركة "أورومير"، المكلفة بتموين البواخر، وهو وضع دفع الكثيرين منهم إلى ابتداع أساليب أخرى لتجاوز الأمر، إذ كان بعضنا يختبرون قدراتهم في صيد الأسماك بالخيط.. في حين كان آخرون يلجؤون إلى تدبّر ثمن بعض الغْرامات من اللحم لإعداد وجبة تنسينا طعم ساندويتشات باردة مُعَدَّة من شرائح الطماطم ومصبرات السمك، التي تزوّدنا بها شركة "أورومير"، التي تنتظر بدورها سداد فواتير عالقة بملايين الأوروهات.. أثرت التجربة التي أُجبر البحارة على خوضها كثيرا على نفسيتهم، ورغم أن طبيعة مهنتهم تجعلهم مستعدين لتحمل أقسى درجات الضغط النفسي، فإن الكثيرين منهم لم يعودوا قادرين- مع توالي الأيام والأسابيع- على تحمل المزيد.. ويزداد الوضع سوءا إذا علمنا أن بين البحارة ال220 هناك 27 سيدة يعملن كمضيفات استقبال أو مكلفات بالتنظيف (20 في باخرة بلادي و7 في باخرة مراكش). يقول الشاف حدو موح: "رغم محاولات بعضنا تخفيف وطأة الضغط على الآخرين، فإن الأمور كانت أكبر من أن تنسيَّها لحظات فرح سرعان ما تزول، ومما زاد من قسوة ما نعيشه انقطاع أي صلة مع أقربائنا في المغرب، والحال أن كل فرد منا ترك أسرا وأبناء لمصير مجهول، فضلا على شح المعلومات التي تصلنا من الشركة وغموض مصيرنا، حتى إن بعض الأخبار أبعدت النوم عن جفوننا، بسبب الهواجس التي تطاردنا، وأكاد لا أبالغ إن قلت إننا جميعا نحتاج إلى زيارة مختص يتابع حالاتنا النفسية.. كما لا أبالغ إن قلت إن التضامن الذي أبان عنه البحّارة في ما بينهم كان سببا في منع وقوع أحداث مؤلمة، ليس أقلها تفكير البعض في الانتحار أو إتيان تصرفات غير محسوبة العواقب".. لكنْ مع ذلك، ورغم المحاولات التي يقوم بها زملاء المهنة للرفع من معنويات آخرين وصلت إلى الحضيض، فإن عددا ممن لم يقووا على الصبر اختاروا الرحيل بعيدا عن البواخر وبعيدا عن المدينة بأكملها، إذ بلغ عدد الذين تسللوا إلى داخل التراب الفرنسي 11 مضيفَ استقبال، ضمنهم فتاة (9 يعمون في باخرة بلادي واثنان في باخرة مراكش) بعدما "يئسوا" من إيجاد حل للمشكل. وحسب تصريحات زملائهم، فقد دفعت حالة اليأس والظروف المزرية المستخدَمين الأحد عشر إلى "الحريك"، مفضلين خوض تجربة الهجرة غير الشرعية على انتظار أجور هزيلة لا تتعدى، في أحسن الأحوال، 2200 درهم لم يتسلموها منذ أربعة أشهر، وغموض مصير الشركة، مع تناسل الإشاعات عن إمكانية إشهارها ورقة الإفلاس، ما يعني طردهم إلى الشارع بمهنة محدودة الآفاق.
حملة دولية ولا مبالاة.. "ما كان لقضية البحارة المغاربة المتخلى عنهم في ميناء سيت الفرنسي أن تعرف طريقها إلى وسائل الإعلام لولا المجهودات الكبيرة التي بذلها فرع نقابة "القوات العاملة" في سيت، الذي راسل الفدرالية الدولية للنقل وتبنتا قضيتنا منذ اليوم الأول، دون حسابات، لأن الأمر يتعلق بزملاء مهنة، ووضعيتنا اللا إنسانية كانت محركا أساسيا لخوض معركة الكرامة، التي مرّغتها تصرفات مسؤولي الشركة في التراب"، يقول واحد من البحارة. سرعان ما أتت تحركات ممثلي النقابة الفرنسية والفدرالية الدولية للنقل، الذين عقدوا أكثر من ندوة صحافية في ميناء سيت، استدعي إليها مسؤولون محليون، سواء من بلدية المدينة أو من السلطات المينائية.. أكلها واستطاعت تسليط الضوء على المعاناة التي أُرغِم بحارة البواخر الثلاث على أن يعيشوها. وقد عمدت، في البداية، إلى مراسلة مسؤولي الشركة والمسؤولين المغاربة لأجل أن يتخذوا الإجراءات اللازمة، لكنْ أمام صمت الجميع ودخول البواخر في فترات "بلاك آوت"، انتقل هؤلاء إلى إستراتيجية أكثر فعالية وتم "إغراق" أزيد من 80 قنصلية وسفارة عبر العالم بفاكسات تكشف الإهمال الذي يطال البحّارة المغاربة، كما تم طرق باب عدد من المسؤولين الفرنسيين، بجميع مستوياتهم، وتمت ممارسة ضغوطات لكي تتدخل الحكومة الفرنسية لدى نظيرتها المغربية، وهو ما تُوِّج باتصال وزير النقل الفرنسي، تيري مارياني، بتاريخ 10 فبراير الماضي، بنظيره المغربي، عزيز رباح، لبحث الحلول الممكنة لإنهاء الأزمة، وطلبه التدخل بشكل مستعجل لدى الشركة المغربية، مالكة البواخر، بغية إنهاء المشكل الذي يعيشه البحّارة. وقال ليليان طوريس، المسؤول الفدرالي في نقابة "القوات العاملة" في تصريح ل"المساء"، إن "لا مبالاة إدارة الشركة أمر غير مفهوم، وحتى أسلوب تعاطي قنصلية المغرب في مونبوليي مع القضية يوضح درجة الاستخفاف بمواطنين مغاربة يوجدون في وضعية صعبة، ومما يُعقد ملفهم هو وجودهم في دولة أجنبية لها قوانينها وسيادتها، ولهذا فتسوية المشكل تمر، بالضرورة، عبر السلطات المغربية، التي عليها أن تضغط على مالك البواخر لإيجاد حل يضمن حقوق البحارة العالقين هنا".. وتابع طوريس قائلا: "طلب منا البحارة المُحتجَزون، عبر تمثيليتهم النقابية في المغرب، أن نساندهم، وهذا ما فعلناه، إذ سعينا إلى كشف معاناتهم مع نقص الوقود والمؤونة، مع ما سبّبه ذلك من دخول البواخر في فترات "البلاك آوت"، وما يجب التأكيد عليه هو أن هؤلاء ليسوا في حاجة إلى أن نعاملهم ك"متسوّلين" نوزّع عليهم الصدقات.. بل على الجميع أن يفهموا أنهم بحارة متخلى عنهم ويطالبون فقط باستئناف عملهم وبصرف أجورهن وتعويضاتهن، وأساسا، ضمان ألا يجدوا أنفسهم في الشارع في حال تعقدت الأمور أكثر، وهذا هو التزامنا تجاههم، سواء باعتبارنا ممثلي نقابة "القوات العاملة" أو مندوبين عن الفدرالية الدولية للنقل، وسنمضي في حملة الدفاع عنهم إلى آخر شوط، حتى نضمن تسوية ملفهم بشكل عادل". من يسعى إلى الخراب؟ مع بداية شهر مارس الجاري، بقيت أجرة 4 أشهر في ذمة الشركة تجاه مستخدميها، بمن فيهم البحارة العالقون في عدد من الموانئ، سواء في أوربا أو في المغرب، وهي وضعية تزيد من معاناتهم بسبب الالتزامات العائلية ومصاريف يومية لا تجد أسرهم من مورد آخر غير أجرة الأزواج لتغطيتها. "نحن لا نريد إلا أن تعود البواخر إلى عملها، ولم نسْعَ أبدا إلى التوقف عن العمل أو إلى الاعتصام هنا، كما قد يتصور البعض ممن لا يفهمون حقيقة وضعيتنا، بل الحقيقة هي أننا أجبِرْنا على عيش وضع مأساوي بسبب الحجز على البواخر منذ دجنبر الماضي، " يقول عبد الجليل، الذي يعمل بحارا على سطح شركة "كوماناف" منذ أزيد من 35 سنة، ويضيف: "ككل هؤلاء المتخلى عنهم هنا، تعيش أسرنا أوضاعا مأساوية بسبب عدم تسلمنا للأجر منذ أربعة أشهر، وهذا يعني عدم أداء مستحقات الكراء أو قروض البنك، ويعني أيضا أن عائلاتنا وأبنائنا لا يجدون ما يسُدّون به رمقهم، إلا مساعدات الأهل أو الجيران، ولا أحد يضمن كم سيستمر هذا التضامن مع أُسرنا". ليست وضعية عبد الجليل -الذي اضطرت زوجته إلى بيع ثلاجة لتغطية مصاريف بيتها في انتظار فرج طال أمده- أحسنَ حالا من وضعية الآخرين من زملائه ممن تعلق مصير أسرهم في المغرب بأجرة لم تصرفها شركة "كوماريت"، وأكثر ما يخشاه هؤلاء هو أن "ينفذ صبر" زوجاتهم وتتطور الأمور إلى الأسوأ.. يقول عبد الجليل: "في آخر مكالمة أجريتها مع زوجتي، شعرت بتسرب اليأس إليها وألمحتْ، غير ما مرة، إلى إمكانية أن تطلب الطلاق، إن استمر الوضع على حاله، بسبب تراكم ديونها وتعبها من مصير مجهول، وحتى لو قُدِّرتْ لي العودة قريبا إلى أهلي، فسأكون مضطرا إلى أن أبيع ملكا لأسدد المبالغ التي استدانتها زوجتي طيلة مدة غيابي".. لكنْ، ما الذي جعل الأمور تصل بهؤلاء إلى هذا الحد؟ وما الذي تغير مع مجيء عائلة عبد المولى إلى "كوماناف" ابتداء من شهر فبراير 2009؟ ولماذا لم تلتزم الشركة الجديدة بما ينص عليه دفتر التحملات، الذي وقعته في سنة 2009، ومن بين بنوده الأساسية ضمان حقوق المستخدمين والحفاظ على جميع مكتسباتهم؟.. أسئلة وغيرها نقلتها "المساء" إلى سمير عبد المولى، المدير العام لشركة "كوماريت"، لكنها بقيت دون رد، ومع ذلك فإننا نجد الجواب على لسان أكثر من بحار ممن جالسناهم، وهو ما يعبّر عنه البحار عبد الجليل بقوله: "في السابق، كانت لدينا أمهاتنا.. واليوم صارت لدينا زوجة الأب"، ليضيف: "منذ اقتناء شركة "كوماريت" ل"كوماناف" وأوضاعنا تزداد سوءا، بسبب السياسة التي اعتمدها المُسيّرون الجدد والتراجعات الكثيرة التي همّت العديد من المكتسبات التي كنا نستفيد منها في السابق، خاصة ما يتعلق بالعلاوات والإجازات.. وتصور أنهم عمدوا إلى حذف جميع المكافآت الشهرية التي كنا نتسلمها وحتى تلك التي بقيت عالقة منذ سنوات، وألغت تعويضات الأعياد والمناسبات الدينية.. وحتى لباس العمل الرسمي تم إلغاؤه وصرنا نضطر إلى اقتنائه من أموالنا الخاصة، بل الأكثر من ذلك اكتشفنا، بعد سنة من شروعها في العمل، أي مع بداية سنة 2010، تقاعسها عن أداء مستحقاتنا تجاه مؤسسات التأمين على الصحة والمكتب الوطني الضمان الاجتماعي وكذا مستحقاتنا لدى الصندوق المهني المغربي للتقاعد، رغم أنها ظلت تقتطع هذه المساهمات من أجرتنا، وهذا مُبيَّن في ورقة الأداء التي نتوصل بها في كل شهر". أكثر من ذلك، يثير البحارة مسألة لجوء الشركة إلى إلغاء اتفاقية نص عليها دفتر التحملات بوضوح، وتقضي باستمرار العمل بنظام قروض لدى الأبناك يخول المستخدمين الاستفادة من قروض سكنية واستهلاكية بنسب مخفضة، على أن تقتطع واجباتها من الأجر مباشرة، وهو ما لم يعد معمولا به منذ مدة، وهذا سبّب ارتباكا كبيرا في علاقة البنوك بمقتني القروض ودفعها إلى استخلاص فارق النسبة المطبقة مباشرة من المستخدمين.. تثير وضعية الغموض التي كشفت عنها محنة البحارة العالقين في عدد من الموانئ كثيرا من علامات الاستفهام لدى مستخدمي شركة "كوماريت -كوماناف"، وهي وضعية بدأت في التدهور منذ اقتناء الشركة المملوكة لعبد المولى عبد المولى "كوماريت" أسهم "كوماناف" من المجموعة الفرنسية "CGM CMA"، التي سبق لها اقتناؤها، بتاريخ 29 مارس 2007، من مالكي أسهمها، وهم على التوالي، الدولة المغربية والمكتب الشريف للفوسفاط ومكتب التسويق والتصدير، ثم فيبار هولدينغ، بمبلغ إجمالي بلغ 2.25 مليار درهم. وحسب ما يشير إليه عدد من البحارة، فإنه قبل هذا التاريخ بكثير كانت عائلة عبد المولى تعتبر الشركة الوطنية "ألدّ أعدائها" في مجال يدر أرباحا خيالية على العاملين فيه، على اعتبار أن "كوماناف" استطاعت، على مدار عقود طويلة، أن تؤمّن الربط بين ضفتي المضيق، وكانت نموذجا للشركة الناجحة التي تغري الكثيرين بالعمل فيها (وضعية سرعان ما تغيرت بسبب سوء تدبير أدى إلى عرضها للتفويت ابتداء من سنة 2004، على عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي). ويتذكر "بّاعلال"، وهو واحد من قدماء "كوماناف" وعمل على ظهر بواخرها طيلة 34 سنة، بكثير من الأسى، ماضي الشركة الوطنية والمصير الذي آلت إليه مع دخولها مسلسل التفويت ابتداء من سنة 2007، ويقول: "منذ مجيء عائلة عبد المولى إلى "كوماناف"، في أوائل سنة 2009، بدأنا نشعر أن الأمور ستسوء، وكان لدينا يقين بأن اقتناء "كوماريت" ل"كوماناف" لم يكن أبدا بهدف إنشاء مجموعة مغربية قوية بقدْر ما كان رغبة دفينة في "الانتقام" من شركة كانت تشكّل، على مدار سنوات طويلة، "شوكة" في حلق مالكي "كوماريت". يكاد ما اعتبره باعلال "حقيقة آل عبد المولى" يكون حوله إجماع من جميع من التقتهم "المساء" أثناء إنجاز هذا التحقيق، وللتأكيد على هذه الحقائق، يثير هؤلاء مجموعة من الوقائع التي تصب كلها في اتجاه تأكيد رغبة عبد المولى في محو شيء اسمه "كوماناف" من ذاكرة المغاربة، ومعهم آلاف البحارة العاملين على ظهرها. "أولى الحقائق، يقول بحار، "تراجع الشركة عن جميع مكتسبات المستخدمين التي كنا نستفيد منها على مدى عقود، بل أيضا التلاعب في ورقة الأداء، حتى لم نعد نعرف أي أجر نتسلمه وأي تعويضات عن العطل نستحق، وأكثر من ذلك، تأخيره أداء أجورنا لفترات قد تصل إلى شهور، وهذا كله من أجل الضغط علينا ودفعنا إلى الرحيل خاويّي الوفاض". أكثر من ذلك، يشير البحارة إلى التهديدات التي يتلقاها كل من تجرأ على إثارة مثل هذه المواضيع، ويتذكر كثيرون كلمات تصدر عن (ج) المسؤول في الشركة -الذي يصفه البحارة ب"رجل المهمات القذرة"- والذي كان يخيرهم بين الانضباط ل"النظام الجديد" أو توقع الأسوأ، بما في ذلك الطرد وتعليق مصيرهم في قضايا في المحاكم، قد تمتد لسنوات طويلة.. "صرنا نعيش رعبا حقيقيا ونشعر بخوف كبير من مصير مجهول منذ تفويت "كوماناف"، وللأسف نحس أن هناك تواطؤا مكشوفا مع مالكي الشركة من طرف جهات نافذة في الدولة، بدليل أن جميع القضايا التي رفعها مُستخدَمون سابقون ضده في محاكم طنجة، في الفترة التي كان فيها عبد المولى -الابن عمدة للمدينة، خرج منها منتصرا، ويتذكر الكل فضيحة التعويضات عن الطرد التعسفي التي حُكم بها لفائدة أزيد من 200 مستخدم قضوا عشرات السنين في الشركة، لم تتجاوز 800 درهم!".. يقول واحد من البحارة، ليضيف آخر: "في حالات كثيرة، لجأ عدد من المستخدمين إلى الإضراب كحق مشروع يكفله القانون، لكننا فوجئنا باستبدالهم بعمال آخرين لا علاقة لهم بالمهنة، ومنهم حتى من لم يركبوا البحر في حياتهم.. لا شيء من هذا يهم، بل المهم هو كسر شوكة المضربين وإفهامهم أن "عبد المولى رجل قوي ولا شيء يقف في وجهه"، وما وقع خلال إضراب 10 شتنبر 2010، حين تحدى جميع القوانين المنظمة للمهنة، بتواطؤ مع السلطات المحلية للمدينة، أكبر دليل على ذلك". ما يحكيه البحارة عن أسلوب تعاطي مسؤولي الشركة مع المستخدمين "الموروثين" عن شركة "كوماناف" يجد له تجليا في ما وقع في خضمّ أزمة الحجز الحالية، إذ تعمّدَ هؤلاء إيلاء اهتمام أكبر ببحارة ومستخدَمي باخرة "بلادي"، التابعة لكوماريت"، على حساب زملائهم في باخرتي "بني انصار" و"مراكش"، التابعتين لأسطول "كوماناف"، حتى إن باخرة "بلادي" لم تصل أبدا إلى مرحلة "البلاك آوت"، كما حدث مع الباخرتين الأُخريين، لأنها كانت تتلقى بانتظام حصصها من الغازوال والمؤونة، وهي الصورة التي حاولت الشركة تسويقها للرأي العام والقول إن الأمور "تحت السيطرة".. ما يحدث مع بحارة الشركة الوطنية ينطبق، أيضا، على أسطولها، الذي يعرف تراجعا في جودته منذ أكثر من ثلاث سنوات. وفي هذا الصدد قال باعلال": "منذ تفويت الشركة، لاحظنا تراخيا مقصودا في صيانة البواخر، وصرنا نعتمد على "البريكولاج"، بدل استبدال قطع الغيار المتضررة، كما كان يحدث زمن "كوماناف"، وهذا ما سبّب تدهور حالة البواخر، فضلا على تجاوز أغلبها الحد الأقصى لسنوات الخدمة منذ مدة طويلة، ويكفي أن أشير، مثلا، إلى أن "سخّانة" الماء تعطلت في باخرة "بني انصار" منذ أزيد من سنة ونصف، ومنذ ذلك الوقت، لا نجد ماء ساخنا للاستحمام.. وتخيلوا شيوخا في مثل سننا يستحمون بالماء البارد في مثل هذه الظروف أو يضطرون إلى استعمال سخانات اشتريناها من "الجوطية".. والمؤسف أكثر أن أجَل تأمين البواخر انتهى منذ تاريخ 20 فبراير الماضي، ما يعني أننا نعرّض حياتنا للخطر ببقائنا على متنها". تضامن.. ومرسيدس دبلوماسية! كان ما عاشه البحارة المغاربة المُحتجَزون في ميناء سيت مادة دسمة تناولتها وسائل الإعلام الفرنسية بأصنافها. وطيلة مدة "إقامتهم" على ظهر البواخر في ظروف لا إنسانية، لم تنقطع زيارات صحافيين محليين أو من مدن قريبة تعيد سرد كل مستجد في قصتهم، التي توالت فصولها، وكان لهذا الأثرُ الإيجابي على تسليط الضوء على معاناتهم وفضح لا مبالاة شركة "كوماريت -كوماناف" تجاه وضعيتهم، كما فضحت صمت مسؤولي قنصلية المملكة المغربية في مونبوليي وتعمُّدَها تزييف الحقائق وتسويق صورة مغايرة للواقع، وتنصلها من تحمل مسؤولياتها تجاه رعايا مغاربة يعيشون ظروفا قاسية. ولعل أبرز دليل على ذلك ما نقلته الصحافة الفرنسية عن آلان كويك، الكاتب العام لنقابة عمال الميناء، إذ قال إن "القنصل العام للمملكة أخبرَته لدى طرحه مشكلة البحارة المغاربة المتخلى عنهم "ما الذي تريدون مني أن أفعل؟".. وكذلك ما وقع بتاريخ 10 فبراير الماضي، حين "اضطر" مسؤولون في قنصلية مونبوليي، يترأسهم نائب القنصل، إلى زيارة البحارة بتاريخ 10 فبراير، تحت ضغط موجة التضامن الواسعة التي أطلقتها نقابة "القوات العاملة" والفدرالية الدولية للنقل، وهي الزيارة التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الفرنسية بإسهاب، بسبب تصرفات نائب القنصل حيال البحارة، إذ التقطته عدسات المصورين في لقطة وهو يغادر بوابة الميناء بعد حديث قصير مع مسؤولين فرنسيين، دون أن يكلف نفسه حتى عناء النظر إلى البحارة المتضررين.. فبالأحرى أن يمد يده إليهم مصافحا أو يستمع إلى معاناتهم وينقل تفاصيلها إلى من يهمّهم الأمر، وبدل ذلك، بدا عليه الاستعجال ليغادر بسيارة المرسيدس الدبلوماسية السوداء، وسط نظرات استغراب من جميع من حضروا "المشهد".. الأنكى من ذلك، أن أكثر من جهة حاولت استغلال وضعية البحارة العالقين، بما فيها جمعيات فرنسية وجمعيات للمهاجرين المغاربة تنشط بدعم ظاهر، وحتى خفي، من قنصلية المغرب في مونبوليي، وفي هذا الإطار، يقول بحار: "اتضح لنا خلال فترة حجزنا في ميناء سيت محاولات عدد من الأطراف اللعب بورقة معاناتنا الإنسانية، وسعى الكثيرون من ممثلي الجمعيات المحلية إلى استغلالنا لاستجداء الدعم من الجهات الرسمية، وهذا ما فطنا إليه ورفضناه رفضا مطلقا.. نحن لسنا في حاجة إلى العطف ومن يوزعون علينا قبعات أو قمصانا ويلتقطون صورة تذكارية يعززون بها ملفات "إنجازاتهم" الخيرية.. نحن عمال متخلى عنهم من طرف مالكي "كوماريت -كوماناف" وأساء المسؤولون، سواء في المغرب أو في القنصلية، معاملتنا، كما أننا لم نتوصل بأجورنا ومستحقاتنا منذ 4 أشهر، ويجب معاملتنا على هذا الأساس.. وعلى عبد المولى أن يؤدي ديونه العالقة ويعيد البواخر إلى العمل، لأن مصير 1200 من عماله، ومعه مصير أزيد من 6 آلاف أسرة، معلق بعنقه".
ليليان طوريس: «سنحجز على البواخر في حال تنكر المشغل للبحارة العالقين» - أين وصلت مأساة البحارة المغاربة العالقين في ميناء سيت منذ أربعة أشهر؟ أطلقنا في نقابة "القوات العاملة" حملة دولية لكشف أوضاع العاملين على ظهر هذه البواخر وضغطنا، إلى جانب الفدرالية الدولية للنقل، في اتجاه ضمان صرف أجورهم وتوصلهم بكافة حقوقهم لدى الشركة التي يعملون فيها، كما نبحث إمكانية ترحيلهم إلى بلدهم، مع تأكيدنا غرابة أسلوب تعاطي "كوماريت" مع مستخدميها وعدم إظهار أي حس مسؤولية تجاههم، واليوم نُفاجأ بإطلاق طلب عروض دولي لتأمين الخطوط الرابطة بين ضفتي المضيق (يشمل ثلاثة خطوط، هي خط طنجة المتوسط - سيت وخط الناظور -ألميريا ثم خط الناظور-سيت) وهذا يدفعنا إلى طرح عدد من التساؤلات حول الأهداف الخفية لهذه الخطوة، ونخشى فعلا على مستقبل هؤلاء العمال وأن يكون مصيرهم الطرد في نهاية المطاف، بسبب عدم استئناف البواخر رحلاتها، ولن يكون هناك متسع من الوقت لنضمن توصل العمال بمستحقاتهم العالقة، وأساسا أجور أربعة أشهر وتعويضات العطل ومستحقاتهم لدى مؤسسات الضمان الاجتماعي والتأمين والتقاعد، فضلا على القروض التي تُقتطَع من أجورهم دون أن تؤدى للمؤسسات المقرضة. هناك أمور يمكن معالجتها عن طريق المحاكم الفرنسية، تبعا للحجز الذي تعرضت له البواخر، وأمور أخرى سنعالجها عن طريق تحرك دولي، بتنسيق مع ممثلي العمال النقابيين في المغرب، من خلال التدخل بشكل مباشر لدى المشغّل. - أثرتم في أكثر من مناسبة أسلوب تعاطي السلطات المغربية مع البحارة العالقين في سيت، كيف تقيمون هذا الأسلوب؟ للأسف، لم يكن مسؤولو القنصلية المغربية في مونبوليي في مستوى ما يحدث، واتضح أنهم لا يهتمّون برعاياهم ولا بمشاكلهم.. جاء التحرك الأول لموظفي القنصلية بعدما تعذر على المهاجرين السفر عبر الباخرة المحجوزة في بداية دجنبر الماضي، وهذا أمر مفهوم، لأنهم رعايا مغاربة والقنصلية تستخلص عن كل راكب ضريبة تدخل خزينتها، لكنْ حين تعلق الأمر بالبحارة، وهم أيضا رعايا مغاربة، تصرّفَ الموظفون بغرابة، رغم أن القانون يفرض عليهم تقديم المساعدة لكل مغربي خارج وطنه، وهو ما لم يحدث، فلا أحد زارهم أو استمع إلى مشاكلهم، بل على العكس تم تقديم معطيات مغلوطة للسلطات الفرنسية بأن الأمور بخير وأن البحارة العالقين يملكون كل ما يلزمهم من وقود وأكل ووسائل تدفئة، وهذا مخالف للحقيقة التي اطلّعنا عليها واطّلع عليها الرأي العام، وهي أن باخرتي "بني انصار" و"مراكش" عاشتا، في مناسبات كثيرة، ما نسميه "البلاك آوت" في طقس بارد جدا، وكان على البحارة، رجالا ونساء، أن يتحملوا كثيرا من المتاعب لفترات متفاوتة، والمؤلم في كل هذا أن مُشغّلهم تخلى عنهم، دون أن يحصلوا على أي معلومة عن مآلهم.. ولا بد من الإشارة إلى أن جهات كثيرة استفادت من نشاط الميناء لسنوات طويلة، بما فيها بلدية المدينة والسلطات المينائية والجهة، وحتى القنصلية المغربية، كل هؤلاء ربحوا ملايين الأوروهات، وأدنى ما يمكن أن يقوم به كل هؤلاء هو الالتفات إلى معاناة البحارة المُحاصَرين وتزويدهم بما يلزم من وقود وطعام، وكان بالإمكان ربط البواخر بالكهرباء وتجنيب البحّارة حالات "البلاك آوت"، التي عاشوها أكثر من مرة، وحينما تتضح الرؤية، يمكن استخلاص ما تم صرفه من الشركة المالكة للبواخر.. - كيف تتصور مخرجا من هذه الأزمة؟ وما هي الخطوات التي ستتخذونها للضغط في هذا الاتجاه؟ منذ إطلاق طلب العروض الدولي لتأمين الخطوط البحرية، صار من اللازم التدخل لدى المشغل للإسراع بإيجاد حل ينهي المشكل، وأيضا لتهدئة البحارة، حتى لا تتطور الأمور نحو الأسوأ، لأنه قد يُفهَم من خطوة من هذا القبيل أنه لم يعد مرغوبا فيهم، أو على الأقل في بعضهم. وفي حال تم رفع الحجز التحفظي، بأي شكل من الأشكال، ستتدخل الفدرالية الدولية للنقل لتنفيذ حجز تحفظي جديد، الغاية منه ضمان عدم هضم حقوق هؤلاء البحارة وضمان أن تلتزم السلطات المغربية والمشغل بتسديد مستحقاتهم العالقة منذ مدة، وأيضا باستمرارهم في عملهم، وألا يتم "التخلص" منهم بمجرد عودتهم إلى وطنهم. ومن أجل أن نتمكن من تنفيذ الحجز التحفظي على البواخر، قمنا بجمع توكيلات مجموع بحارة "بلادي" و"بني انصار" و"مراكش"، وهذا في اعتقادي هو الأسلوب الوحيد للضغط على الأطراف الأخرى لتسوية المشكل. المسؤول الفدرالي في نقابة "القوات العاملة"
طه: نحن ضحايا مؤامرة والرباح لا يفقه شيئا في القانون البحري "ميسترال إكسبريس".. باخرة أخرى مملوكة لشركة "كوماريت -كوماناف" تعيش أوضاعا أسوأ من أوضاع مثيلاتها المحجوزة في الموانئ الأوربية، وهذا بشهادة بحارة وممثلين نقابيين استقصت "المساء" آراءهم. لكنْ ما الذي يجعل وضعيتها بكل هذا السوء؟ الجواب يسوقه طه، الذي يعمل مسؤولا عن وحدة الميكانيك بباخرة "ميسترال إكسبريس"، إذ قال: "نحن 17 بحارا محاصَرون منذ شهر غشت من السنة الماضية، في ميناء الناظور، ولا أحد من المسؤولين كلف نفسه عناء زيارتنا أو الإطلاع على أحوالنا، وتم تركنا لمصيرنا، الذي نجهل مستقبله، كما نجهل كم من الوقت سنستمر في هذه الوضعية.. صحيح أن الباخرة لم تتعرض للحجز، إلا أنها مهددة به في أي لحظة تتحرك إلى أحد موانئ أوربا، بسبب ديونها المتراكمة، وللأسف، لم نتوصل بأي معلومات من طرف مسؤولي الشركة، وحتى حصص الوقود والمؤونة التي نتوصل بها تأتي متأخرة، بعدما نقضي أياما في وضعية "البلاك آوت".. وتابع طه قائلا "استغرب كلاما صدر عن وزير النقل، عزيز رباح، إذ كان قد قال في حوار له مع جريدة مغربية إن البحارة يتواجدون في البواخر بمحض إرادتهم.. وهذا كلام يُظهِر أنه على جهل بالقانون البحري، الذي يعتبر الضابط الذي يغادر باخرته في حكم من يتخلى عن وظيفته، ويترتب عنه فقدانه كل حقوقه لدى مُشغّله.. بل أكثر من ذلك، فالأمر يتعلق بإمكانية أن تسحب منه رخصة مزاولة المهنة، والحال أننا مسؤولون قانونيا على سلامة الباخرة ولا يمكن مغادرتها دون الحصول على إذن بذلك، وإدارة الشركة تتحين أي خطأ يمكن أن يقع فيه أي بحار لتصرفه دون أي تعويضات.. ومنذ اقتنائها سنة 2009، اعتمدت أسلوب الضغط وعمدت إلى التنصل من جميع البروتوكولات التي وقعها البحارة، بمختلف فئاتهم، في السابق مع إدارة "كوماناف". وفوق الأجر الأساسي، تم حرماننا من كل المكتسبات، وحتى المساهمات الخاصة بالضمان الاجتماعي أو صندوق التقاعد، التي تقتطعها الشركة وتظهر في ورقة الأداء، لا تحول إلى وجهتها.. وهذه تصرفات بدأت سنة واحدة بعد عملية التفويت.. ولا وصف يليق بما يحدث غير "سرقة موصوفة"، وما يجب أن يطّلع عليه الرأي العام هو أننا ضحايا مؤامرة تُدبَّر في حق قطاع النقل البحري الوطني، وكأن الدولة كانت ترغب في "التخلص" نهائيا من مؤسسة اسمها "كوماناف" ووجدت حلا في تفويتها ل"كوماريت".. ولا معنى لأن نظل مُحتجَزين. فإذا كان مالك الشركة يرغب في إعلان إفلاسها فليفعل وليتركنا نبحث عن مورد رزق آخر"...
120 بحارا آخرين يعانون الأسوأ في موانئ الجنوب الإسباني مأساة البحارة العالقين في مينائي الجزيرة الخضراء وطريفة الإسبانيين شبيهة بما عاشه البحارة في ميناء سيت الفرنسي، إلا أن تفاصيلها لم تطفُ على السطح بالشكل الذي ظهرت به قضية سيت، والتي فضحتها وسائل الإعلام وتحركات فعاليات نقابية. في ميناء الجزيرة الخضراء، أيضا، تستمر معاناة عشرات البحارة وعمال التنظيف ومضيفي الاستقبال، منذ أشهر، بسبب حجز يطال بواخر "كوماريت -كوماناف" تراكمت عليها ديون بملايين الأوروهات، وعددهم يناهز 120 شخصا، يتوزعون على 38 شخصا في باخرة "ابن بطوطة" و23 شخصا في باخرة "البوغاز"، ومثلهم بباخرة "بناصة"، ثم 20 مستخدما في باخرة "المنصور"، والبقية يعملون على ظهر باخرة "البراق" في ميناء طريفة. تكرّرَ السيناريو المأساوي نفسُه أكثر من مرة، حيث وجد كل هؤلاء أنفسهم في وضع سيء بلا وقود ولا مؤونة ولا معلومات تطرد عنهم الهواجس التي تلاحقهم بسبب عدم توصلهم بأجورهم ومستحقاتهم العالقة منذ أشهر. وقال محمد الراشيدي، منسق الفدرالية الدولية للنقل لمتابعة ملف العاملين في بواخر "كوماريت -كوماناف"، المُحتجَزة في كل من مينائي سيت، الفرنسي، والجزيرة الخضراء، الإسباني: "هذا وضع لم نشهد مثله من قبل، لأن الأمر يتعلق بحالات حجز بواخر يصل عددها إلى 11 باخرة، بطواقمها، في ثلاث دول مختلفة، لكل منها سيادتها وقوانينها المختلفة، وهذا ما خلق وضعا إنسانيا دراميا". وتابع المصدر ذاته قائلا إن "الفدرالية تلقت رسالة من العاملين، وعبر ممثليهم النقابيين، على ظهر البواخر المحجوزة في إسبانيا، يطلبون فيها مساعدتهم على فهم وضعيتهم، خاصة مع شح المعطيات التي تصلهم وغياب أي تواصل من طرف إدارة الشركة وتناسل الإشاعات عن مصيرهم، وقد تدخلنا، لأن الأمر يتعلق بتخلي المُشغّل عن عمّاله بسبب صعوبات مالية، لكنْ كان مفروضا عليه، على الأقل، أن يتواصل معهم مباشرة أو عن طريق ممثليهم النقابيين". ويؤكد الراشيدي، الذي راسل عددا من التمثيليات الدبلوماسية المغربية في كل إسبانيا وفرنسا دون طائل، أن "لب القضية تتعلق بمشكل شغل، وموازاة معه، كان هناك جانب إنساني كارثي عاشه البحارة، لكن الأساسي بالنسبة إلينا في الفدرالية هو أن الاتفاقية التي تربطهم مع مُشغّلهم لم تُحترَم ولهذا اتصلنا بمسؤولي الشركة، دون أن نتلقى منهم أي جواب على مراسلاتنا، التي شرحنا فيها طبيعة ما يمر منه البحارة المحتجزون والمشاكل التي تسببَ لهم فيها عدم أداء أجورهم منذ أربعة أشهر".