الحرب بالأقوال: بوعلام الجزائري وصنصال المغربي    مقاربة إدارة بايدن في سورية بعد سقوط نظام الأسد    الجزائر ترفض "الاتهامات" الفرنسية وتصف الحملة ضدها ب"التضليلية"    الرياض تحتضن مؤتمرا دوليا لبحث دعم مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد    المحلل الفرنسي ناثان ديفير: النظام الجزائري "كوكتيل متفجر" يجمع بين الاستبداد والفشل    جامعة الركبي تعقد جمعين عامين    لقاء تواصلي لنجمي الكرة المغربية عزيز بودربالة وحسن ناظر مع شباب مدينة زاكورة    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    مدرب الرجاء: لم نقدم الأداء المطلوب والحكم ألغى هدفًا مشروعًا    هذه توقعات أحوال طقس اليوم الأحد بالريف وباقي مناطق المملكة    حصيلة ضحايا حرائق لوس أنجلوس ترتفع والنيران آخذة في الاتساع    مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    السكتيوي يلغي التجمع الإعدادي لمنتخب المحليين    حافلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية معرضة للاتلاف أمام مقر عمالة الجديدة    حادث مروّع في ستراسبورغ: اصطدام عربتي ترام يُصيب العشرات (فيديو)    طنجة: عمليات أمنية صارمة للحد من المخالفات الخطيرة لسائقي الدراجات النارية    طنجة: وفاة امرأة بسبب تسرب غاز البوتان أثناء الاستحمام    المدرب المؤقت للرجاء ينتقد التحكيم    أولمبيك آسفي يعمق جراح الشباب    إلغاء تجمع "منتخب 2000 فما فوق"    جمعية بسطات تحتفل بالسنة الأمازيغية    توقيف تاجر مخدرات في سيدي إفني    "كوست ويف" يتجاوز البلوكاج بالجديدة... توفير ضمانات يحرر صافرتيْ إنذار    الحرائق المستعرة تتسع بلوس أنجلوس.. ساحة حرب كاسحة وخسائر فادحة    الخنوس أحد صناع الفوز العريض لليستر سيتي أمام كوينز بارك رينجرز    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    دراسة تسلط الضوء على تحذير بشأن ارتفاع حرارة محيطات العالم    كمبالا: البواري يؤكد التزام المغرب بتطوير فلاحة قادرة على الصمود    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك، مسار الانتقال الطاقي يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة (مركز تفكير فرنسي)    "قيادات تجمعية" تثمّن الجهود الحكومية وورش إصلاح مدونة الأسرة المغربية    عرض مسرحية "أبريذ غار أُوجنا" بالناظور احتفالا بالسنة الأمازيغية    اليمن بمن حضر فذاك الوطن    الصمت يرافق ذكرى أول وفاة بسبب "كوفيد" في الصين    مؤسسة وسيط المملكة: تحسين العلاقة بين الإدارات ومغاربة العالم    إيقاعات الأطلس تحتفي برأس السنة الأمازيغية في مسرح محمد الخامس    المغرب بين المكاسب الدبلوماسية ودعاية الكراهية الجزائرية    جدل دعم الأرامل .. أخنوش يهاجم بن كيران    الملك محمد السادس يهنئ سلطان عمان بمناسبة ذكرى توليه مقاليد الحكم    اعتداء عنيف على الفنان الشهير عبد المنعم عمايري في دمشق    نفسانية التواكل    ذكرى 11 يناير تذكر بصمود المغاربة    مطالب متجدّدة لأمازيغ المغرب وأماني وانتظارات تنتظر مع حلول "إض يناير" 2975    الصناعة التقليدية تعرف تطورا إيجابيا بتحقيق نسبة نمو 3% خلال سنة 2024    مكناس.. الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة على نغمات فني أحواش وأحيدوس    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    الصين: تنظيم منتدى "بواو" الآسيوي ما بين 25 و 28 مارس المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤلفات ..المدينة المغربية لمصطفى الشويكي: تعدد الأنساق التحليلية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 05 - 2012

المدينة في عصرنا الحديث في حاجة ملحة لرفع الغطاء الذي يحجب مكوناتها و تفاصيلها، ومن ثم إعادة تركيب هذه العناصر تحت زوايا تحليلية جديدة ما يكفل تأسيس تعاريف مجددة تخرج هذا الموضوع من جانبه الرسمي و المنطق الأمني المسيطر عنه ليصبح شأنا عاما مطروحا للنقاش.
الإجماع الحاصل اليوم حول التغيرات السريعة التي تطرأ على المجال الحضري يقرع ناقوس الخطر من تفاقم الوضع سواء اجتماعيا أو سياسياً بسبب جهلنا «للميكانيزمات الإنتاجية الحضرية « ارتكازا في ذلك على الأزمات الآنية التي تجد في المدينة المجال الوحيد لتصريف جميع أنواع التعبيرات من احتجاج ووقفات وإضرابات وحركات اجتماعية ... حيث يعرف هذا المجال بطريقة ما وهذا هو دور سوسيولوجيا المدينة إنتاج مجموعة من الظواهر والسلوكات والتي قد تبدو مألوفة و بديهية إلا أنها تدخل في سياق تحوُّلي مستمر الحاجة فيه ملحة لتفسير الأسباب الخفية وراءها، تحليلها وترتيبها كي تصبح أدوات لاتخاذ القرار.
من هنا يمكننا وضع العلوم الاجتماعية والإنسانية في خدمة المدينة، أي ذلك المجال الذي نعيش فيه، نتأثر به، يتحكم في تمثلاتنا لمحيطنا المباشر، فالبيضاوي مثلا لا يستبطن نفس العلاقة المجالية كالطنجاوي أو كالمراكشي، فعلى حد قول فوكو :
«لا نعيش في مجال محايد وأبيض،لا نعيش،لا نموت ولا نحب داخل مستطيل ورقة بل نعيش، نموت ونحب داخل مجال مقسّم، مقطّع ومتعدد الألوان، مع مناطق واضحة وأخرى معتمة مع اختلاف في المستويات، أدراج سلالم، تجاويف، حدبات، مناطق قاسية و أخرى لينة، سهلة الولوج و ُمنِفذة، هناك مناطق المرور، الأزقة، القطارات، المترو، هناك مناطق مفتوحة المقاهي، السينمات، الشواطئ، الفنادق بعد ذلك هناك مناطق مغلقة للاستراحة والمجال الحميمي»
وبالتالي هناك ضرورة آنية لفهم كل هذه المناطق المقسّمة والمقطّعة... ومن ثم وضع خطاطة تحليلية وتفسيرية للديناميات المتحكمة بالمدينة من أجل فرز الوضعيات السببية لتفادي التفسيرات الواهية من جملة ما يُتداول، حتى أصبح الفقر أو الأمية يفسران جميع الظواهر المرتبطة بالتطور الذي يلحق بالمجال الحضري.
يأتي مؤلف «المدينة المغربية» للأستاذ مصطفى الشويكي في هذا الصدد لاستبعاد وإقصاء موضوعي للتكهنات التي دخلت غير مدعوة لعالم الجغرافيا الحضرية. هكذا اختار الكاتب عنوانه المميز لكتاب ضمَّن فيه مجهوده الفكري والعملي الميداني الذي راكمه خلال سنوات الاشتغال كأستاذ جامعي باحث وكأحد الخبراء في مجال الجغرافيا الحضرية و التهيئة المجالية.
الجديد في المؤلف ليس ما تحمله المدينة من تعاريف كلاسيكية بل هو التوصيف الذي جاء في النصف الثاني من العنوان أي «المغربية» حيث نجد نفسنا أمام مقاربة تفسر المجال الحضري المغربي بحمولاته الثقافية والاجتماعية ... فالتخصيص المغربي يضيف للمفهوم ما يُعرِّفه و ما يُقرأ به و ما يُستشرف لمستقبله أي ذلك الرمز الذي يفك شِيفرته لتسهل قراءة محتواه.
هذه المقاربة تأتي في سياق أكاديمي من جهة وعملي من جهة أخرى. الأول هو تعبير عن الرغبة في صياغة نموذج مرجعي في شرح شامل للمنظومة الحضرية المغربية، أما الثاني فيندرج ضمن إرادة الكاتب و محاولته إخراج المدينة المغربية من قبضة التخطيط المعد قبليا وتسهيل المرور من التخطيط القطاعي إلى ما هو أشمل.
أيضا، الكتاب يُعد ردًّا صريحا على ذلك الطوق الثقافي والفكري المسيطر حاضرا الذي يرعى الأفكار الجاهزة والتي تحيل على الواقع التاريخي المتجاوز ربما ما بعداستعماري والذي يطبع الاجتهادات العديدة في هذا الموضوع. من هذا المنظور، الكتاب يعتبر أولاّ فرصة لإعادة وصف المدينة والتي أصبحت مغربية في جميع تجلياتها فتصبح المدينة خيارا سياسيا واستراتيجية ترابية تارة، وتغدو ذالك المجال الخارج عن السيطرة والمكتفي ذاتيا تارة أخرى، الواجهة اللامعة للحداثة ومجال الاختلالات الاجتماعية. ثانيا، هو مساءلة للمدينة في قراءة مجالية زمنية المراد منها تحديد التطور الزمني والتمفصل المجالي الذي يقوم برسم معالم المدينة والديناميات التي تعبرها وتقوم بهيكلة ترابها ومجتمعها، من ثم المرور إلى المساءلة الوظيفية عن كيفية اشتغال المدينة كنسق متغير من مجال لآخر ومن جغرافيا لأخرى مع ثبات وحدة النتيجة و الوظيفة.
البنية والوظيفة
داخل الكتاب كان سؤال السكن محوريا، خصوصا غير اللائق منه حيث إنه نتاج استعماري إلى جانب التجزئات السرية واكتظاظ المدن العتيقة والذي كان من شأنه ترسيخ وتطبيع العلاقة مع التباين الاجتماعي المجالي الذي يحظى برعاية خاصة وظيفية بالأساس. من هنا تظهر ماهية مفهوم المزج الاجتماعي الذي يقوم بإفراغ الكيانات الحضرية من حمولتها الاجتماعية وتلوينها الفريد، ذلك أن «الحي» يفقد وظيفته وبنيته الأصلية بتوافد طبقات اجتماعية أكثر غِنى، تضيق الخناق عن الأولى فتصبح البنيات الحضرية الأكثر فقرا تغذي الأكثر يسراً. يتولد عن ذلك فوضى حضرية إثر غياب التنظيم والتقنين، ليس لضعف بنيات السلطة ولكن لربحية الوضع حيث التحكم للملاكين العقاريين لتلعب الدولة دور «السمسار» بين النظام العام و«الفوضى الخاصة» وليتحول الوضع إلى خطاب سياسي مربح يُجَرم الفعل بدون تعيين الفاعل. النتيجة اضمحلال الحي كمفهوم جغرافي مجالي لنجد الإرث الأمني (الدور الريادي للحي في محاربة الاستعمار وقيادة الاحتجاجات والمصدر الرئيسي للتكتلات الاجتماعية) في التقطيعات الإدارية مكان البنيوية التي تأخذ بعين الاعتبار الانتماء الترابي والإجتماعي. في هذا الإطار تتكاثر «الحدود الحضرية «،أي تلك الحدود الغير مرئية لكن المعاشة رمزيا والتي في اجتيازها و هو أمر يسير مجاليا لكن عسير اجتماعيا مرور إلى عوالم غير متاحة اجتماعيا حيت غياب الشروط المادية للعبور من مجال لآخر.
الدينامية
تتأرجح هنا الديناميات بين ما هو عفوي خلافا على المتحكم به، والإرادي من حيث أنه تعبير عن توجه صريح. عفوي عندما نتحدث عن النمو الديمغرافي، عن الامتداد أو التشتت الحضري وانتشار المجال «الشبه حضري» أحواز وهوامش المدن حيث التداخل بين الحضري والقروي. وإرادي عندما يتعلق الأمر ب «الترقيع الحضري» كأولوية سياسية لحجب العجز التخطيطي الظاهر من خلال تباين وثائق التعمير مع الواقع وما يترتب عنه من مشاكل في التنفيذ، التتبع والتقييم.
المشهد والصورة
ربما هي محاولة تعبيد لطريق تُشق نحو سيميولوجيا المدينة حيث المنظر أو المشهد، الوجه والصورة هي الدليل عن وجود معنى أو لا معنى لهذا الكائن الحي: المدينة. فالمشهد هو رسالة تحمل في تفاصيلها الإرث الاستعماري حيث التنميط الهندسي والتعميري فنجد مثلاً تلك الرتابة داخل الأحياء الشعبية باستعمال وحيد باختلاف المدن وواحد لأزقة مستقيمة وواجهات متراصة بتجزيئ ضيق مع تنطيق طبقة سفلى+طابقان أو ثلاث، في حين نجد تركيبا آخر أكثر جرأة في الأحياء الانتقائية حيث الهندسة الفريدة والفنية والتجزيئ الواسع الشيء الذي يستتبع وبالضرورة التساؤل حول النمودج التعميري المغربي؟ بغض النظر عن النموذج الكولونيالي مع ما يحمله من مشروع مجتمعي فيما يخص نمط العيش والهيكلة الاجتماعية. النتيجة هي امتزاج أفقد الأول صفته كنموذج وأفقد الثاني أصليته ومن تم ظهور نمط مسيطر لا يمكن اختزاله في نمط التعمير فقط، بل أيضا رمزية البناء والتمثلات والممارسات المجالية التابعة له. هذا النمط أصبح ليس فقط مجموع التمثلات المجالية بل فخاّ يحجب البدائل المتوفرة في ثقافة البلد وبناء هوية حضرية تليق والتطللعات. من هنا تظهر الحاجة إلى :
تدبير أحسن للنمو المجالي بتغيير مقاربة التخطيط الحضري التي لا تسيطر على الانتشار الحضري.
إعادة صياغة الإشكال المتعلقة بالمسألة العقارية وأساسا المضاربة العقارية وتجميد الأراضي حيث أن توسع الظاهرة طال جميع الفئات و الطبقات الاجتماعية كوسيلة لرأسِمَلةِ الفوضى.
إدماج الاقتصاد غير المهيكل في الحلقة الاقتصادية المهيكلة بعد أن أكد نجاحه الاجتماعي مع التفكير في جعله يستمر في تقديم خدمة متنوعة وتنافسية وبالتالي الخروج من الصورة النمطية المروجة لفكرة القضاء على هذا الاقتصاد.
إدماج الجانب الإيكولوجي في التخطيط الحضري ووقف النزيف البيئي الذي تتعرض له السواحل، الأراضي المسقية، المناطق الرطبة...
التفكير في تضمين التخطيط الحضري هاجس الأخطار الحضرية الطبيعية منها و التقنية بسبب تكاثر الساكنة قرب المنحدرات والوديان وتجاورها لخطوط السكك الحديدية والمطارح العمومية.
الاختصار والاقتضاب اللذان رافقا التقديم أعلاه ينبعان عن تحفظ كبير للاسترسال و التعمق بسبب قوة جدب الكتاب بحيث أن كل كلمة يتوجب الوقوف عليها، مساءلتها والتمحيص في معناها للمرور للأخرى... هكذا كانت قراءة مؤلف الأستاذ مصطفى الشويكي مشوقة، تكرارية و مضنية تنفي استسهال المعرفة، تؤكد إلزامية البحث، تدحر مزاعم المعرفة العامية و تخوض في البديهيات لأن قربها منا وعيشنا فيها أخفى واقعها وكان سبب جهلنا لها، فعلى حد قول باشلار : « الواقع ليس ما يمكننا أن نظن لكن هو دائما ما كان يجب أن نفكر فيه»
شكراً سي مصطفى الشويكي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.