إن النقاش الحقيقي حول ملابسات ومضمون دفاتر التحملات، وانتقاده أو تأييده، كليا أو جزئيا، لا يعني، بأي حال من الأحوال، الاصطفاف مع أي جهة كانت، من ممثلي الحكومة والأجهزة التنفيذية، والموظفين العموميين المكلفين بالمجال السمعي البصري. فهناك بين هذا وذاك، طريق ثالث، والذي طالب بضمان حرية واستقلالية وسائل الإعلام العمومية، وحمايتها من تدخلات الحكومة وأجهزة الدولة، بالشكل الذي يمنع الانحراف عن المقتضيات التي جاءت في الدستور الجديد، من احترام للتعددية والاختلاف، والحداثة، والتنوع والخدمة العمومية . وورد في التقرير أن هذا يمر عبر إصلاح القوانين ووضع الآليات المؤسساتية الضرورية لضمان الحرية والاستقلالية، والشفافية في التسيير وتكافؤ الفرص، وعدم تهميش الكفاءات، وغيرها من مقتضيات التدبير الديمقراطي. وسجلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في تقريرها السنوي أن النقاش العمومي الذي أثير حول دفتر التحملات، مسألة إيجابية، لأن هذا الموضوع لم يبق رهين مداولات شبه سرية بين الحكومة والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والمسؤولين عن الإعلام العمومي. إن مثل هذا النقاش، ينبغي أن يغني الحوار الوطني حول هذه المواضيع التي تهم الشأن العام، مع التأكيد على أن بعض الجدل الذي دار في مواقع إلكترونية وصحافة مكتوبة، اتخذ منحى خطيرا، عبر الاتجاه نحو التخوين والإلحاق بالأجانب وحتى التكفير بتهمة محاربة الدين، وما يتضمنه ذلك من مخاطر التحريض على العنف والكراهية. دفاتر التحملات عرفت الأسابيع الأخيرة، جدلا محتدما حول موضوع وسائل الإعلام العمومية السمعية البصرية. وقد احتد هذا النقاش، الذي مازال مستمرا، بمناسبة طرح وزارة الاتصال لدفاتر التحملات الخاصة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة صورياد دوزيم. وقد تضمن التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية عدة ملاحظات تتعلق بمنهجية ومضمون دفاتر التحملات، سواء بالنسبة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أو القناة الثانية، معتبرا أنه بالرغم من الاعتراف بأن أسلوب التشاور الذي تم يعتبر مبادرة إيجابية، لكن كان من اللازم تنظيم حوار مؤسساتي للوصول إلى خلاصات مشتركة، لتطبيق ما جاء في الدستور الجديد والاستجابة لمطالب المجتمع والمهنيين، مبديا أمله في تجاوز ما حصل، في المشاريع اللاحقة سواء في عقد البرنامج أو آليات الحكامة. وعبر كذلك عن التخوف من أن يغلب الهاجس الإيديولوجي في تطبيق بعض الإلتزامات، على القنوات والمحطات العمومية، بدل الانكباب أكثر على تطوير المضمون واحترام التعددية الفكرية وحرية الإبداع والانفتاح اللغوي والثقافي. كما سجل صعوبات تطبيق لعديد المشاريع، التي تتطلب إعادة النظر في تنظيم الموارد المادية والبشرية وفي العلاقات مع القطاعات الثقافية والفنية. وانتقد تجاهل دور المهنيين و المجتمع في مراقبة و تقييم تنفيذ هذه الدفاتر. «فرغم أهمية التنصيص على مبادئ الجودة والتعددية والإبداع وأولوية الإنتاج الوطني والشفافية وغيرها من شروط الحكامة، فإنه اعتبر أنه من غير الممكن تنفيذها في إطار الهياكل التنظيمية والمهنية الحالية». ويعني حسب النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن «المدخل للإصلاح لا يكمن فقط في صياغة دفاتر تحملات تتضمن التزامات، كيفما كانت، بل في توفير الشروط الضرورية للصحافيين، ومختلف فئات العاملين، للعمل في إطار الحرية والاستقلالية، طبقا لقواعد الحكامة الجيدة وتكافؤ الفرص في إسناد المسؤوليات والشفافية في التسيير المهني والإداري والمالي. هذه هي الأولويات التي ينتظرها الجسم الصحافي والمجتمع، الذي يعتبر أن الإصلاح لا يمكن أن يتم برموز الماضي، التي أوصلت الإعلام العمومي إلى الإفلاس التام». وأشار تقرير النقابة إلى منتدى الدفاع عن الخدمة العمومية في هذا القطاع، الذي طالب بالمراجعة الجذرية للقوانين المؤطرة للإعلام العمومي، بهدف إحداث تغييرات جذرية ووضع حد لهيمنة السلطة على مؤسساته، وتقديم منتوج بجودة عالية وتمكين تنظيمات الصحافيين والفنانين والمثقفين والحقوقيين من متابعة سيرها، والمساهمة في توجيهها كإعلام مواطن يحترم التعددية والاختلاف، ويساهم في إغناء الحوار السياسي والفكري؛ ويكون أداة من أدوات تكريس حرية التعبير والارتقاء بالذوق والتثقيف والتربية والتنشئة ونشر قيم المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان والتعددية والاختلاف والإنصاف. وحدد من بين أهدافه المساهمة في تطوير وإبراز الإنتاج الوطني في مختلف المجالات، والانفتاح على الطاقات المغربية في ميادين الفن والثقافة، في اتجاه بناء مجتمع حداثي ديمقراطي منفتح. وأكد على اعتماد نظام حسن التسيير والحكامة الرشيدة، ووضع حد لسياسة الارتجال ونظام المحسوبية والولاءات في إدارة الموارد البشرية. كما طالب بفتح تحقيق إداري ومالي في كيفية تسيير وسائل الإعلام العمومية وإجراء بحث دقيق حول طرق صرف الميزانيات والتعاقد مع الشركات واقتناء المعدات التقنية وإجراء افتحاص شامل لهذه المؤسسات، ونشر نتائج هذه التحقيقات للرأي العام، وترتيب الجزاءات احتراما لمبدأ عدم الإفلات من العقاب. وأشارت النقابة الوطنية للصحافية المغربية إلى إن النقاش الحقيقي حول ملابسات ومضمون دفاتر التحملات، وانتقاده أو تأييده، كليا أو جزئيا، لا يعني، بأي حال من الأحوال، الاصطفاف مع أي جهة كانت، من ممثلي الحكومة والأجهزة التنفيذية، والموظفين العموميين المكلفين بالمجال السمعي البصري. فهناك بين هذا وذاك، طريق ثالث، هو الذي حدده المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة، والذي طالب بضمان حرية واستقلالية وسائل الإعلام العمومية، وحمايتها من تدخلات الحكومة وأجهزة الدولة، بالشكل الذي ينحرف بها عن المقضيات التي جاءت في الدستور الجديد، من احترام للتعددية والاختلاف، والحداثة، والتنوع والخدمة العمومية. واعتبر التقرير، أن هذا يمر عبر إصلاح القوانين ووضع الآليات المؤسساتية الضرورية لضمان الحرية والاستقلالية، والشفافية في التسيير وتكافؤ الفرص، وعدم تهميش الكفاءات، وغيرها من مقتضيات التدبير الديمقراطي. الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة شهدت سنة 2011 التي مرت على وقع الثورات العربية انتكاسة مهنية كبرى، وبرز من جديد دور حراس المعبد في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة خصوصا داخل أقسام الأخبار. فقد حرص المسؤولون على الأخبار بالإذاعة والتلفزة على ممارسة رقابة صارمة على كل الأخبار المرتبطة بالثوراتن مما جعل هذه المؤسسة الاعلامية العمومية خارج الزمن العربي بل وخارج فصل أساسي من فصول تاريخ المغرب الذي كانت تخطه حركة 20 فبراير. ويعيد التعاطي الجاف واللامهني مع أهم الأحداث، التي حولت مجرى التاريخ في العالم العربي وكانت وراء المنعطف الذي عرفه المغرب، إلى الواجهة النقاش المطروح منذ مدة طويلة حول ديمقراطية التحرير واستقلالية وسائل الإعلام العمومية عن أي جهة كيفما كانت رسمية أو حكومية. كما يعطي مشروعية حقيقة لمطالب المهنيين المتعلقة بصياغة ميثاق للتحرير، يحتكم إليه الجميع، وتسهر عليه مجلس تحرير منتخبة في إطار خط تحريري واضح، ينتصر للمهنية والاستقلالية ومنطق المرفق العمومي. هذه الآليات الضرورية لممارسة مهنية سليمة وديمقراطية لا تدخل في أولويات رئاسة الشركة، التي تستفرد بالقرار وتلغي الجميع، وحولت مؤسسة إستراتيجية إلى مؤسسة ريعية ، تسهر على توزيع المصالح ومنح المناصب لأشخاص من خارجها، على حساب المهنيين الذين يشتغلون فيها، وذلك خارج أي معايير أو ضوابط، وفي غياب تام لشروط المنافسة الشريفة بين المهنيين. وهو أمر ما ينعكس سلبا على مضمون وأداء القنوات الإذاعية والتلفزية العمومية، التي نجحت في تحقيق إجماع المغاربة على رداءته وتخلفه، وانتمائه إلى عهد غير العهد الذي يعيشه المغرب، ولا يعكس واقع مختلف فئات الشعب المغربي. لقد كان مصير كل أصحاب الأصوات، المجاهرة بهذا الواقع، والمطالبة بالإصلاح والتغيير ورفع الظلم وفضح هذه الممارسات، هو المحاربة والإقصاء والتهميش واستهداف الأرزاق، من طرف مسؤولين، في مواجهة مهنيين يفضحون تواطؤهم ضد المهنة وضد حقوق المواطن في إعلام عمومي يقدم خدمة عمومية ولا يحتقر ذكاءهم. لقد أدى أسلوب بعض المدراء، خصوصا في الأخبار والإنتاج، إلى قتل روح المبادرة والرغبة في العمل و تقديم منتوج جيد، لدى العديد من المهنيين، مما أسفر عنه إفراغ هذه المديريات من الكفاءات التي راكمت رصيدا مهنيا محترما. أما الكفاءات التي لم تجد بدا من البقاء فهي تنتظر الفرج وتتحسر على ما ألت إليه مؤسستهم، التي كان يمكن أن تكون أفضل بكثير لو أسندت الأمور إلى مهنيين حقيقيين. القناة الثانية إن ما يصدق على الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، يصح على القناة الثانية، في مختلف المحاور، ومن بينها تمييع الحوار الاجتماعي، ومحاربة النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بكل الوسائل، بما في ذلك عبر أساليب الإرهاب، التي مارسها مسؤولون في مكتب المستخدمين التابعين للإتحاد المغربي للشغل، ضد ممثلين عن نقابتنا. وأدى هذا الوضع إلى تغييب تمثيلية الصحافيين في كل ألأقسام و العديد من فئات العاملين، الدين يسعون إلى أقامة علاقات تقوم على النزاهة و المصداقية و التضامن، و إجراء حوار اجتماعي جدي مع إدارة القناة، حول مختلف القضايا المادية و المهنية التي تهمهم. وبالإضافة إلى هذه الملاحظات، فإن هذا الوضع أدى إلى غياب حوار حقيقي، حول القضايا المهنية، من استقلالية وديمقراطية للتحرير، وأنظمة الشفافية والحكامة الجيدة وتكافؤ الفرص، ومقتضيات تطبيق مبادئ الخدمة العمومية... وتواصل النقابة الوطنية للصحافية بناء هياكلها التمثيلية بهذه المؤسسة، على قواعد الديمقراطية والتضامن، بهدف الدخول في صيرورة لتجاوز الوضع الحالي، الذي يعتبر الاعتراف بحرية ممارسة الحق النقابي، احد عناصره البارزة. كما تنتظر النقابة أن تفتح الإدارة حوارا بناء، يستجيب للمكتسبات التي وردت في الدستور الجديد وطالب الحراك الشعبي، التي تطمح إلى خدمة عمومية حداثية وتعددية، تقدم الخبر النزيه والترفيه الراقي والبرامج التي تربي الذوق والمواطنة. حرية الصحافة سجل التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية أن استمرار العمل بقانون صحافة يكرس ممارسة قمعية وتحكمية تجاه الصحافة المكتوبة ومختلف وسائل الإعلام، وكل المنشورات ووسائط الاتصال الإلكترونية. وأن التأخر في إصلاح هذا القانون، منذ أن بدأ النقاش حوله، بين الحكومة والنقابة والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، في سنة 2006، يؤكد رغبة الدولة في أن يظل هذا القانون، بمثابة سيف ديموقليس، فوق رقاب الصحافة والصحفيين. لذلك، فإن الإعلان، من جديد، عن استئناف الحوار حول هذا الموضوع، يستدعي منا، أن نتساءل بقوة، عن الفلسفة التي ينبغي أن تحكم الجهاز التنفيذي، في وضع الإصلاحات الضرورية. فهل هناك إرادة للتخلي عن المنهج القمعي لقانون الصحافة؟ هل هناك إرادة في وضع بنود ومفاهيم تحمي حرية الصحافة، وتحمي المجتمع، بأسلوب ديمقراطي ونزيه، يحفظ حقوق الجميع؟ واعتبرت النقابة أن المبادئ التي ينبغي أن تحكم هذا الإصلاح، لابد أن تتبنى التوجهات الكبرى لما يحصل في البلدان الديمقراطية، خاصة وأننا محتاجون إلى قانون يستجيب للمعايير الدولية في هذا المجال. ومن هذه المبادئ، أكدت أن هذا القانون، ينبغي أن يكون خاليا من العقوبات السالبة للحرية، وأن يتخلى عن الصيغ الفضفاضة والمبهمة والغامضة، التي تفتح الباب أمام تأويلات تعسفية، واستعملت، لحد الآن، من أجل التضييق على حرية الصحافة. وذكرت في هذا الصدد، ما جاء به تعديل قانون الصحافة في سنة 2002، في الفصل الذي ينص على عدم الإساءة للمؤسسة الملكية و الدين الإسلامي و الوحدة الترابية، كما نؤكد أن ضمان الحرية، يقتضي التخلي أيضا، عن مفاهيم مثل الآداب العامة والأخلاق الحميدة، وتعويضها بتوصيف واضح للجنح، بشكل لا يقبل التأويل التعسفي. وطالبت النقابة، بالعمل على إصلاح القوانين الأخرى، المطبقة على الصحافة، بما فيها قانون الإرهاب والقانون الجنائي، ومسطرة الاعتقال بعد صدور الحكم الابتدائي، والشروع في تحضير قانون للحق في الخبر، بتشاور جدي مع المهنيين والمنظمات المعنية، وإدراجه في القريب العاجل ضمن مشاريع القوانين. كما ألحت على تعديل القانون الأساسي للصحافي المهني، وذلك بتضمينه: حق الصحافي في الاحتفاظ بالسر المهني، وإخراج منح بطاقة الصحافة الخاصة بالصحفيين المعتمدين لدى مؤسسات أجنبية، من نطاق السيادة، وجعل منحها خاضعا لمسطرة تتوفر فيها ضمانات، كما هو الشأن بالنسبة لبطاقة الصحافة الخاصة بالصحفيين الذين يشتغلون في مؤسسات وطنية.