تعجز الأقلام الغربية الغارقة في تحليل شؤون الشرق الأوسط «المتغيّر»، عن تقييم وضع تنظيم «القاعدة» بعد عام على مقتل «زعيمها» أسامة بن لادن، من خارج إطار المقاربة العربية للأمور، لتصبح الإجابة عن سؤال «هل ساهم مقتل بن لادن في كسر شوكة التنظيم المتطرف حول العالم أم زاده تشدداً وانتشاراً؟»، مرتكزة على مستقبل الدول العربية التي شهدت «الربيع»، واحتمالات انتعاش صفوف المتشددين «الجهاديين» على وقع صعود الإسلام السياسي. فرضية لا تعزل خطورة المنطقة الأفغانية - الباكستانية حيث يُعتقد ان ألف بن لادن آخر يحيكون ضربة انتقامية ضد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قد تُترجم في أي لحظة على أرض الواقع، خصوصا أن «الرجل الثاني المطلوب لدى واشنطن» أيمن الظواهري حي يُرزق.. ويتابع «المسيرة». مصر وسوريا والعراق «فوز بن لادن حتى في مماته»، استنتاج اختاره الكاتب الأمريكي ديفيد ايغناسيوس عنواناً لمقاله المنشور في «واشنطن بوست»، متحدثاً عن فوز التنظيم اليوم أكثر من الماضي، بتطبيق مشروع «إبعاد العالم الإسلامي عن دائرة التأثير الغربي». ويرتكز ايغناسيوس على مصر كمثال ليقول «حملت الثورة الديمقراطية السلمية بعض السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين الذين يشاركون بن لادن توجهاته الدينية، إلى السلطة. كما أن هدف القاعدة إزاحة - المرتد - حليف الأمريكيين حسني مبارك، قد أُنجز». ويلفت ايغناسيوس الذي يقول انه اطّلع على وثائق استولى عليها الأمريكيون في مقرّ بن لادن في أبوت أباد في باكستان، إلى ان قائد التنظيم «كان ينوي العمل على تنظيف صورة القاعدة الدموية في عيون المسلمين قبل عام من مقتله. وكانت رغبته إعادة دمج القاعدة بالشارع المسلم... لكن التنظيم لم ينجح في الانتقال من العنف الجهادي إلى السياسة الإسلامية السلمية، فهو ليس ذلك في جيناته، بل ان بن لادن واصل إعداد العمليات الانتحارية ضد أمريكا وسياسييها. في الواقع، ما أراده هو استهداف أمريكيين والتوقف عن قتل المسلمين». يعتقد بعض المراقبين ان هذا «الانتقال» في أداء «القاعدة» تُرجم خلال العام الماضي، أي خلال عام «الثورات»، لذا ليس على أمريكا ان تعلن النصر باكراً. ويعزز مقال ايغناسيوس هذا الاعتقاد لافتاً إلى ما يمكن تسميته في مصر اليوم بال«بن لادنية الانتخابية». وأشار إلى الجماعة الإسلامية بقيادة شيخ عمر عبد الرحمن الذي دعا في العام 1993 إلى تدمير مركز التجارة العالمي... «اليوم، شكلت الجماعة حزباً إسلامياً سياسياً تحت اسم حزب البناء والتنمية، وتمكّن بولائه إلى سيد قطب، من الحصول على 13 مقعدا في البرلمان المصري». تحذر القراءات الغربية، المساندة للثورات العربية عموما، من صعود «القاعدة» بلباس سياسي ليس في مصر فحسب، بل في سوريا أيضا، حيث «دخلت الاحتجاجات عامها الثاني واتضح أن هناك مسعى من إسلاميين متشددين للتأثير على القوى المعارضة للرئيس بشار الأسد»، بحسب بول روجرز، الكاتب في مجلة «اوبن ديموكراسي». ويلفت روجرز الى «جبهة النصرة» التي تعمل على «خط التشدد» المذكور بعدما أعلنت مسؤوليتها عن هجمات 17 مارس الماضي ضد المقارّ الامنية التابعة للنظام السوري. ويتابع بالقول «"يضاف ذلك الى دخول متشددين آخرين الى سوريا من العراق للتأثير على نوعية الاحتجاجات ومسارها». وهنا ظاهرة أعادت روجرز للتذكير بمحطات تاريخية مهمة: «خلال الثمانينيات، حارب الكثير من المجاهدين الاحتلال السوفياتي في أفغانستان، وانضوت غالبيتهم بعد ذلك في صفوف القاعدة. بعد 20 عاما، جيل جديد من المسلحين حارب الائتلاف الدولي في العراق واكتسبوا خبرة كبيرة بمواجهتهم قوات المارينز الامريكية.. معظم من نجا من الحرب في العراق عادوا الى ديارهم، فيما تابع العراقيون منهم طريقهم في معارضة عنيفة ضد نظام نوري المالكي». أكثر من ذلك، يذهب روجرز الى القول إن العنف في العراق والنزاع في سوريا يوفران شروط إعادة إطلاق «القاعدة» من جديد. «فاتجاه (نوري) المالكي ممثلا للشيعة في العراق الى السيطرة على الحكم وإقصاء السنّة عبر إقصاء شخصياتهم ( فضلا عن مواجهته النفوذ الكردي في الشمال) يشجع المتطرفين السنّة على القيام بأعمال أمنية ضد المناطق الشيعية ، وبالتالي زيادة التوتر الطائفي». انطلاقة جديدة؟ «تجديد» تنظيم «القاعدة» لنفسه بعد عام على ضرب رأسه، واضح وفق الكاتب غريغ ميلر الذي استند الى مؤشرات عدة لتأكيد قراءته: أولا، نفذت الشبكة سلسلة من الهجمات الدامية في جميع أنحاء العراق. وقد انعكس حضورها ، أيضا ، على طرق التهريب التي تستخدم لجلب المقاتلين والأسلحة الى سوريا. ثانيا، حقق التنظيم في شمال افريقيا، وفق مسؤولين أمريكيين، أرباحا بملايين الدولارات عبر عمليات الخطف والإجرام، مستخدما هذه الاموال لتخزين الأسلحة التي تدفقت الى ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي. ثالثا، يعبّر مسؤول أمريكي في مكافحة الارهاب عن القلق الامريكي من تعاظم وجود «القاعدة» في اليمن، وشبه الجزيرة العربية، وما استخدام الامريكيين لطائرات من دون طيار فوق الجنوب اليمني سوى دليل على ذلك. يعتبر غريغ ان «التجديد» ينطوي ايضا على سعي الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري وراء «انتصارات» في الاحداث العربية الحالية، بدلا من «الانتصارات» الأمنية التي قد تجلبها هجمات مشابهة لهجوم 11 شتنبر 2001، فيما تذهب مجلة «نيوزويك» الى اعتبار الظواهري الرجل «المطلوب» للتصفية أمريكيا أينما كان. وتستند المجلة الى مصدر »طالباني« شارك في اجتماع لرجال »القاعدة« في شمال وزيرستان قبل 6 اشهر، قال إن »أيمن الظواهري« كان النقطة الأهم في الاجتماع... »ذبحت عائلة طالبانية الخراف على شرف ضيوفها العرب.. ونصحوا الظواهري بتغيير مكانه والتوقف عن استخدام الوسائل الالكترونية أو الفيديو وتوخي الحذر لدى استخدام البريد الإلكتروني«، لافتين الى تفضيل ذهابه الى أفغانستان. وتضيف »نيوزويك« ان بن لادن كان »وجه الارهاب« فيما يعدّ الظواهري »العقل المدبّر«، مشيرة الى أن الاخير هدف أمريكا المقبل. إذ يقول المسؤول الاستخباري الامريكي بروس ريدل إن »باكستان قد تحمي الظواهري، خصوصا بعدما امتعضت من قتل أمريكا بن لادن من دون علمها. الظواهري بحاجة الى ان يكون أكثر إرهاباً ليثبت انه يملأ مكان بن لادن، لكنه في ورطة الآن.. كلما اتجه نحو التخطيط والبروباغندا، كلما تعرض للخطر. أمريكا ملتزمة الآن بقرار باكستاني بعدم استخدام طائرات بدون طيار فوق أراضيها، إلا ان ذلك لن يدوم. سيتجدد ذلك قريباً«... هل الولاياتالمتحدة أكثر أمنا بعد مقتل بن لادن؟ أجاب وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا بالإيجاب، معتبرا ان »الطريق الأكثر نجاحا هو إلحاق الهزيمة بأولئك الذين يمثلون القيادات الروحية والفكرية لأجنحة القاعدة، فكلما نجحنا في هذا، زادت لدينا القدرة على إضعاف التهديد، سواء للولايات المتحدة أو غيرها«. إلا ان آخرين يعارضون بانيتا القول، موجّهين أصابعهم الى شبه الجزيرة العربية حيث ينشط التنظيم بشكل واسع النطاق، معربين كذلك عن تخوّفهم من خطف الشبكة ل»الربيع العربي«.. أو »استخدام« الشبكة لهذا الغرض بالذات.