نظمت اللجنة الشبابية المغربية لدعم الشعب السوري زيارة إلى واحد من بين أربعة مخيمات خصصت من أجل إيواء اللاجئين السورين بمدينة أنطاكيا التركية، المتواجدة على الحدود السورية التركية، وذلك من أجل الوقوف على يومياتهم وتفاصيل عيشهم ووضعهم الإنساني، مع تقديم مساعدات/هدايا لهؤلاء اللاجئين الذين نزحوا من بيوتهم هربا من نيران الدبابات والطائرات، ورصاص الرشاشات، وسكاكين شبيحة بشار الأسد. زيارة تضامنية تمت خلال الفترة ما بين 16 و 23 ابريل الجاري، شكلت مناسبة للقاء عدد من الفعاليات السورية والتركية والوقوف عند تفاصيل معاناة اللاجئين، الذين وحدها الروح التي تدب في أوصالهم تؤشر على أنهم مازالوا أحياء، وإن كانوا يتنفسون زفرات بطعم الدم، والتي يشهقون لوقعها عليهم كلما تذكروا تفاصيلها التي باتت لصيقة بمخيلتهم ليل نهار وأينما ولوا وجوههم، ولايمنون النفس سوى باللحظة التي يعودون فيها إلى ديارهم، ويقفون على محاكمة بشار الأسد على الجرائم التي ارتكبها ضدهم، واقترفها جنوده بأوامر من رموز وأركان هذا النظام ضد ذويهم وجيرانهم وأصدقائهم. «الاتحاد الاشتراكي» حضرت الزيارة، وواكبت تفاصيلها لتنقلها إلى قرائها، حاورت الصغير والكبير، السورية قبل السوري، وعاشت مع اللاجئين، أجواء الرعب تحت وقع النيران، والنزوح الجماعي صوب الأراضي التركية، المطبوع بمتمنيات انجلاء ليل الظلم والجبروت. التوجه صوب مخيم «يايلاداغي» من قلب أنطاكيا حيث يمتد النهر العاصي، وحيث الفن والتجارة .. وأشياء أخرى، لم يكن بالأمر الهين، فالبوادر لم تكن عادية، والسبب في ذلك تواجد عدد من عناصر الأمن التركي بالزي المدني الذين ظلوا يترددون على الفندق حيث تقيم اللجنة الشبابية خلال عشية يوم الثلاثاء 17 ابريل الجاري بشكل لافت للانتباه، وإن لم يمض على حلول الوفد المغربي به أكثر من 8 أو 9 ساعات، كانت كافية لتنتقل المعلومة التي تفيد بأن ترتيبا ما يقع، خاصة بدخول الأكياس البلاستيكية المتعددة والتي غادرت الفندق بدورها صوب ناصية الشارع في انتظار صعود الحافلة التي تم استقدامها من أجل زيارة المخيم، إلا أن أحدا لم يتوقع أن تدخلا ما سيسجل، وهو ما حدث بالفعل، لتتحول المنطقة إلى رقعة أمنية بامتياز. لافتة اللجنة .. وأمن «أنطاكيا» كانت عقارب الساعة تشير إلى 5.30 مساء حين نصب أعضاء الوفد على مقربة من الحافلة التي ستقلهم صوب المخيم، لافتة كتب عليها اسم اللجنة ومضمون الزيارة المغربية إلى مخيمات اللاجئين، من أجل أخذ صورة تذكارية وأمامهم وضعت الأكياس البلاستيكية التي تضم الملابس وألعاب الأطفال الموجهة لقاطني المخيم، وفي رمشة عين أحاط عدد من رجال الأمن بالزي الرسمي والمدني بالمكان، وتناسلت الأسئلة والاستفسارات باللغة التركية وأحيانا قليلة باللغة الانجليزية، لكن دون استعمال اللغة العربية ، وإن كانت انطاكيا معروفة بكونها منطقة عربية أو حيث يتواجد العرب، الأمر الذي استدعى تدخل عدد من «الانطاكيين» لتوضيح الصورة المبهمة لدى رجال الأمن، الذين كان بعضهم منشغلا بتصوير أعضاء اللجنة واللافتة بآلة تسجيل رقمية، في حين آخرون كانوا يتواصلون مع جهات ما بالهاتف النقال أو بواسطة أجهزة «الطولكي وولكي»، فاختلطت الأمور عليهم، منهم من اعتقد بأن الوفد يسعى إلى مصالحة سوريا بتركيا ! ومنهم من اعتبر أن في الأمر شكلا احتجاجيا ، سيما عندما شرع أعضاء الوفد في ارتداء الصدريات، فكان التدخل بأنه لايوجد مشكل وإنما هو أمر روتيني وأمني، وتم إبلاغ أعضاء اللجنة/الوفد بضرورة مرافقة رجال الأمن إلى مقر الدائرة الأمنية، حيث امتطى رجلا أمن إلى جانبهم الحافلة التي تخصهم ، واللذان ظلا يتحدثان هاتفيا على طول الطريق، في حين تعقبتهم من الخلف سيارتان للأمن. بعد لحظات من السير توقفت حافلة الوفد أمام مقر الدائرة الأمنية ، حيث كان يتواجد أمام البناية رجلا أمن مدججان برشاشين، وفي نفس التوقيت وقفت سيارة أمن أخرى وسيارة خاصة نزلت منها عناصر أمنية ، إضافة إلى سيدة رفقة طفلها، تبين أنها عنصر أمني وحضرت خارج توقيت العمل لكي تدقق مضمون اللافتة لغويا ومعنى الرمز الذي خصصته اللجنة دلالة عليها، سيما أنه مركب من النجمة الخماسية التي تدل على العلم المغربي بخلفية عبارة عن علم سوري. وبعد التدقيق في جوازات السفر والهويات، كان الجواب مطمئنا بأن السلطات الأمنية التركية هي حريصة على سلامة الوفد وتأمين طريقه إلى المخيم لكي لايتعرض لمكروه، لكون تركيا مفتوحة لكل العالم، وبها مساندون لنظام بشار الأسد ومعارضون له، فاستُؤنفت الرحلة في تمام الساعة السادسة و 40 دقيقة. آلام على الطريق واصل الوفد طريقه صوب مخيم «يايلاداغي»، وشرعت حناجر أعضائه تصدح بترديد الأغاني القومية والعربية، وأناشيد حماسية وطنية وأخرى متنوعة من قبيل «هوى وطني فوق كل هوى .. جرى في عروقي يامجرى دمي» ، و «هللي هللي يا رياح »، و «هناك من وراء الجبال»، وأغاني لمارسيل خليفة، وفيروز، وجوليا بطرس ...، فضلا عن ترديد بعض الشعارات المطالبة برحيل بشار، والتي كان يرددها إلى جانب الوفد الشبابي المغربي كل من «باهر حاج يوسف» و «عروة حاج يوسف»، وهما من عائلة سورية واحدة، من شباب المخيم، تكلفا بالتنسيق مع اللجنة ورافقاها خلال تبضعها واقتناء الملابس والألعاب التي ستكون هدايا اللجنة لفائدة 2500 لاجئ سوري من الأطفال والنساء، وكانا إلى جنب الوفد خلال الرحلة صوب المخيم، وبين الفينة والأخرى كانا يشيران بأصابعهما صوب مناطق معينة في اتجاه البراري والجبال التي تمر منها الحافلة للحديث عنها، كجبل الأقرع الذي يوجد نصفه بسوريا والنصف الآخر بتركيا، وضيعة «كسب» المنطقة السياحية والتي شهدت تصوير مسلسل «ضيعة ضائعة»، حيث تطلعنا إليها بأبصارنا لنجد الإضاءة ضعيفة بها، وهي التي توجد جانب المخيم وتبعد عنه بحوالي 5 كيلومترات، ثم صوب الأرياف السورية، وتحديدا في اتجاه «الجانودية» الضيعة/القرية التي ينحدران منها والتي كانت على يسارنا في اتجاه الشرق ، وتبعد بحوالي 20 كلومترا عن الحدود التركية، بينما تبعد عن «جسر الشهور» من الداخل بحوالي 15 كيلومترا، ويتذكران تفاصيل ثالوث الرعب و الموت والفرار، لتعود الذاكرة بباهر حاج يوسف إلى الوراء، حيث كان أول نزوح للاجئي الضيعة نتيجة لأعمال العنف والتقتيل، وهدم المنازل وحرق البيوت برمتها، من طرف نشطاء النظام والشبيحة، ويتذكر مع هذه التفاصيل شقيقه، وزوج أخته وابن شقيقه وأهالي القرية وأطفالها دون سن 17 ، الذين يتحولون إلى دروع بشرية من طرف جيش النظام، هذا الجيش الذي لايتواجد سوى في المناطق الحدودية عكس الداخل، والذي عند دخوله لقرية ما يمهد لذلك بالقصف المدفعي ليدكها عن آخرها، مضيفا بأنه أضحى «إرهابيا» لمشاركته في الاحتجاجات، فتم تعريض محله التجاري للتخريب وسرقة محتوياته، وأصبح طريدا للنظام وجنوده، مشيرا إلى أن بشار الأسد صار يكره كلمة «الله أكبر» التي كانت رمزا للثورة السورية في الأول قبل المرور إلى صياغة الشعارات الاحتجاجية، هذا التكبير ورمزيته ودلالاته التي توحي بالقوة والعزيمة والنصر، أرعبت النظام الذي صار يكره المساجد التي يؤمها السنّة وصارت هدفا لشبّيحته. بدوره «عروة» يتذكر يوم 11 مارس 2011 حيث مورس قصف مكثف ضد «جبيل» المطلة على «الجانودية» على مسافة 7 كلومترات، وهو القصف الذي كان عشوائيا على 3 محاور، وكانت تلك أول مرة تٌقصف بها بذلك الشكل الهمجي، رغم تواجد الجيش قبل ذلك بالمناطق هناك، حيث تم استعمال أسلحة «الشيلكة» وهي عبارة عن مضادات الطائرات لقصف المنطقة وبث الرعب في نفوس أهاليها، وبواسطة الدبابات كذلك، فقتل من قتل، وجرح من جرح، واعتقل من اعتقل ، ضريبة لحب سوريا حرة أبية. ثم يعود بالذاكرة إلى 20 يوما خلت، وهو اليوم الذي قتل فيه بواسطة نيران الشبيحة ستة أشخاص من بينهم طفلة لم يتجاوز عمرها 7 سنوات، وتم اقتحام القرية من طرف أكثر من 100 عربة مدرعة مع ناقلة جند، الأمر الذي أدى بالأهالي إلى النزوح سيرا على الأقدام، هربا من جحيم النظام وزبانيته، من العاشرة صباحا إلى غاية الساعة السابعة من صباح اليوم الموالي، لغياب ممرات آمنة، مما دفع إلى اختيار سبل أخرى تكون غير محروسة من طرف شبيحة وجنود النظام، قطعوا هذه الساعات مشيا، صغارا وكبارا وكهولا، ذكورا وإناثا، وكان من بين النساء سيدة حامل هي «أم عمر». «يايلاداغي».. ربى.. جانيت.. مصطفى جمال.. والآخرون.. ساعة من الزمن كانت كافية لنصل إلى مخيم «يايلاداغي» التي كان اسمها فيما قبل «الأوردا»، حيث يوجد مخيم اللاجئين الذي كان عبارة عن مصنع للتبغ سابقا، والذي يسع لحوالي 6 آلاف لاجئ، تواجد به خلال تلك اللحظة 3 آلاف. اشرأبت أعناقنا في اتجاه البوابة لنجد «جيادا » أخرى بالمقابل متفاوتة الحجم منها الصغير والكبير، تطل بدورها في اتجاهنا وتتطلع إلى رؤيتنا. فتحنا باب الحافلة وشرعنا في النزول فوجدنا أول المستقبلين الطفل « مصطفى جمال» 8 سنوات، و«عبد الستار حياج» الذي يبلغ من العمر 14 سنة، يرددان معا شعار «على الحرية والاستقلال» حيث أجاب عبد الستار بأن المقصود منه هو الحرية من «بشار والأمن وكل حاجة»، هذا في الوقت الذي شرع فيه بعض اللاجئين يهمسون لبعضهم البعض إنهم المغاربة زوارنا لقد وصلوا، البعض منهم يعرف أين يوجد المغرب بينما الصغير منهم لايعرف شيئا، وهو لايعلم سوى بكون أشخاص من بلد آخر جاؤوا للتضامن مع اللاجئين، فوقف ليترقب شكل هذا التضامن. لاجئون من مختلف الأعمار، بأجساد هزيلة ونظرات حزينة، وبقسمات/تجاعيد حفرت ندوبا على خدودهم، البعض لاينتعل حذاء والبعض الآخر لايرتدي سوى ملابس بسيطة ومتواضعة جدا. بشرى، هبة، عبد المطيع، جوليا، حمزة، ربى ... والآخرون، كانوا يرددون بمنتهى البراءة كلاما يدل على وضعيتهم ووضعية ذويهم التي يحسونها بهذا المخيم «وطني ليس هنا والأرض لاتفهم لهجة أقدامي، لاتعرف لأصولي فرعا، ليست الخيمة بيتي ولا الخيبة طبعي ...»، كان هذا كلام الصغار، أما الكبار فقد ظلت إحدى السيدات المسنات تردد «إنشاء الله على البلد عما قريب»، في حين كانت «سميرة زحلول» ذات 64 ربيعا، تتكلم وهي تعتز بالجانودية واصفة إياها ب «أم العروبة»، مؤكدة على أن «النبض كله سورية ، وبأن النزوح كان نارْ، بينما هنا العذاب»، وبأنها والأهالي «عائدون ومنتصرون إنشاء الله»، في حين كان «احمد حسون» المحامي اللاجئ يصف الوضع المأساوي بالقول «قاتلنا هو ابن جلدتنا»، وهو ما أكده «محمد مشكاف مليح» بالوصية، مصرحا «بعد استقلالنا في 17 نيسان/ابريل 1946 أوصانا آباؤنا ألا نسمح للأجنبي بدخول سوريا، لكن في الأخير تبين أن ابن جلدتنا هو من يقتلنا ، وهو الأمر الذي لم نكن نتوقعه»، في حين صرخ لاجئ آخر مستنكرا، «كيف يمكن ل 300 شخص أن يحكموا 23 مليون مواطن سوري بالنار والحديد؟» . الخيام .. المعاناة 10 دقائق أمام بوابة المخيم كانت ناطقة ودالة على الوضع الذي يعيشه اللاجئون وعلى تفاصيل المعاناة التي يحملون أوزارها على ظهورهم، والتي حكوا جزءا منها بقساوة مماثلة لتلك التي عاشوها وعاينوها، وهي التي أدمت قلوب الحاضرين، أما بالنسبة لهم هم، فقد تكون دماؤهم قد نضبت ودموعهم قد جفت، بكثرة ما أريقت وانهمرت. لم نستطع دخول خيام المخيم وذلك بتعليمات من «قائم المقام» ، فالسلطات الأمنية كانت حريصة في تعاملها على ألا يلج أحد المخيم وألا يصور أي جزء من تفاصيله، وهو الأمر الذي قد يكون موقفا سياسيا أكثر منه أمنيا رغم حجج وتبريرات المعنيين بالأمر، الذين قبلوا على مضض وبعد نقاش مطول معهم، وبعد التأكد من وثائق الإثبات والهوية، السماح للوفد الشبابي المغربي بولوج خيمة الضيوف لبرهة معدودة، قبل مغادرة بوابة المخيم مرة أخرى خارجا. اللاجئون السوريون أبوا من جهتهم ، إلا أن يعدوا كأس شاي سوري ، على حد تعبيرهم.، للضيوف، وشرعوا بالموازاة مع ذلك في الاستفاضة في تفاصيل نزوحهم وعرض آلامهم وآمالهم وانتظاراتهم، وطرح تساؤلاتهم، منهم من تساءل أين هو الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعن مواقف الأنظمة، خاصة منها التي لم تجسد دعمها وتنقله من التصريح إلى التفعيل على أرض الواقع، في حين سخر البعض من «بشار الأسد» بالقول «أسد في لبنان وأرنب في الجولان»، ومن التبرير الذي يطرحه النظام لكسب الشرعية من خلال ترويجه «للممانعة وربط سوريا بالجولان»، مؤكدين على أن الخطاب الرئاسي الذي ينظر إلى الناس على أنهم أغبياء لاينتهي إلا بإسقاط النظام. تضاربت الآراء، فإن كان البعض أكد بأن الرعاية داخل المخيم ضعيفة ويفتقرون إلى العديد من الأشياء، فإن آخرين عبروا عن كون كل شيء متوفر لهم، لكنهم لايريدون أي شيء باستثناء السلاح للعودة إلى داخل سوريا من أجل المقاومة، مبتغى لم يرد على لسان الذكور فقط ، بل كان غاية مشتركة حتى بالنسبة للسوريات، هذا في وقت الذي ظل فيه أحدهم يصيح وهو يستشيط غضبا، مبرزا صور شهداء سقطوا بنيران شبيحة النظام عبر هاتفه النقال، ومن بينهم الشهيد «محمد الحاج قاسم»، الذي استشهد منذ أسبوع قائلا «دمه برأس بشار بإذن الواحد الأحد، ولن نسكت أبدا»، في حين كان آخر يعتز باطلاعنا على مقاطع مسجلة بالفيديو لتدخلات أعضاء الجيش الحر ، مؤكدا على أنه عضو بهذا الجيش المقاوم. «لسنا هنا من أجل النزهة وبكل خيمة قضية، وكل قضية هي معقدة بوضع إنساني كارثي، منهم من فقد قريبا عزيزا، أبا أو أما، أو زوجا أو زوجة، أو أبناء، والقائمة طويلة بطول صفات الضحايا والمعطوبين والمعتقلين» يقول أحد اللاجئين، في حين لم يخف «مصطفى حسون»، وهو شاب يبلغ من العمر 20 سنة ، خوفه من التقاط صور له مخافة انتقام النظام من أسرته إن هو اطلع عليها، هذا الطالب الذي غادر كرسي الدراسة و حل بالمخيم منذ 8 أشهر بعد الهجوم على «بدامة»، وهي عبارة عن ناحية، أي أصغر مساحة من مدينة، تبعد عن الضيعة بحوالي كيلومترين، يقول «أخواتي هناك وأخشى عليهن من الموت»، يتحدث مصطفى عن شرارة الاحتجاج التي انطلقت بمنطقته قائلا «أدرس بصف الباكلوريا، وطلعنا في مظاهرات نحن التلاميذ، أزلنا صور بشار وحرقناها، أغلقت المدرسة وحرمنا من الامتحان ومن الحياة ككل، أعيش الآن في المخيم والحياة به صعبة لست معتادا عليها، ثانية واحدة أمام البيت تساوي الكثير، أنا الآن خائف ومرعوب، وأملي انقطع، فما من احد ظل معنا ..؟!». عمر قسوم.. أصغر لاجئ في العالم.. كل اللاجئين المتواجدين بالمخيم كبارا وصغارا، عاشوا تفاصيل الموت داخل سوريا، ويعون تفاصيل الفرار من جحيم أجج نيرانه نظام بشار الأسد، باستثناء لاجئ واحد يبلغ من العمر 3 أشهر هو «عمر قسوم»، هذا الرضيع الذي عندما كان أهله ينزحون من الديار مخلفينها وراءهم بالجانودية، كان هو يرقد في رحم والدته «أم عمر» التي كانت من ضمن مجموع النازحين وهي حبلى. عاين من عالم آخر فظاعات نوع من البشر وإجرامهم ضد بعضهم البعض، ولم يجد معنى أو تبريرا لأشخاص أصواتهم/لغتهم مألوفة بالنسبة إليه يضطهدون إخوانهم، ويسفكون دماءهم، ويستبيحون أعراضهم، كان يتابع كل هذه المشاهد ويرتعش لارتعاشة والدته، يرتجف لخوفها، ويقفز من النوم لشهقتها، دون أن تكون له القدرة على الاستفسار عن السر في ارتكاب هذه المذابح التي طالت ذويه وبنات وأبناء عمومته. رأى عمر النور في أرض غير الأرض، ودار غير الدار، في المخيم التركي، يتطلع إلى من هم حوله بنظرات عينيه البريئتين، التي تعبر عن همّ ابتلي به منذ اليوم الأول من حياته، قاطعا على نفسه وهو الضعيف، العودة إلى الديار، اليوم الذي سيكون فيه بشار الأسد قد سقط، ليصنع، بمعية إخوته السوريين الأحرار، تاريخا جديدا يعيد أمجاد الشام وعزتها، بعيدا عن تفاصيل نظام ديكتاتوري تجبر وطغى على أبناء جلدته. سوريا القضية تسلم رؤساء القطاعات السوريون هداياهم من إخوانهم المغاربة لتوزيعها بالخيام، وقبل ذلك ألقى الشيخ عمر حذيفة عضو لجنة الإشراف بالمخيم كلمة بالمناسبة، مستشهدا بقول الرسول ( ص ) « رٌبَّ درهم سبق ألف درهم»، معبرا عن اعتزاز الجميع بهذه اللحظة وتقديرهم للحب المغربي تجاه الشعب السوري محملا الوفد رسالة السلام إلى الشعب المغربي، على أمل لقاء قريب بدمشق بعد تحقيق النصر والحرية والكرامة للشعب السوري، وما أن انتهى من كلماته الرقيقة حتى علا المنطقة صوت الأذان، فقرر الوفد العودة إلى مقر الإقامة بانطاكيا بعد أخذ صور تذكارية مع اللاجئين السوريين، ليأخذ كل واحد مكانه بالحافلة، ملوحا بيديه لعشرات السوريين من مختلف الأعمار الذين اصطفوا لتوديع اللجنة الشبابية المغربية، رافعين العلم السوري، علم الحرية، و العلم المغربي الذي طلبوا الاحتفاظ به كذكرى عزيزة على قلبهم تؤرخ ليوم زارهم فيه شباب أشرقت شمسهم من المغرب، وقاموا بما لم يقم به غيرهم، في خطوة بسيطة ورمزية لكن بدلالات عميقة ولاتقدر بثمن. عاد الوفد صوب أنطاكيا لكي ينتقل بعد ذلك إلى اسطنبول، لعقد لقاءات أخرى تخص القضية السورية، وهو أكثر إيمانا وعزما ويقينا ، بأن سوريا القضية لم تكن اختيارا عبثيا أو مصادفة، وإنما تستحق كل الدعم والتعبئة لنصرة هذا الشعب الذي يريد نظامه أن يقهره، وسعى لذلك بكل ما يملك من قوة وسلاح، لكنه فشل في تحقيق مبتغاه، لأن إرادة الشعب السوري كانت أكبر من أن تقهر، رغم الدماء التي أريقت والحرمات التي استبيحت، والتي تؤكد على أن خطوات النظام لا تعادلها سوى سلوكات من يحتضر!