إنهاء "أزمة طلبة الطب" يطرح إشكالية تعويض الأشهر الطويلة من المقاطعة    هكذا علق زياش على اشتباكات أمستردام عقب مباراة أياكس ومكابي تل أبيب    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    بعد إضراب دام لأسبوع.. المحامون يلتقون وهبي غدا السبت    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    سانت لوسيا تشيد بالتوافق الدولي المتزايد لفائدة الصحراء المغربية بقيادة جلالة الملك (وزير الشؤون الخارجية)    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل رحلة شباب مغاربة إلى مخيمات اللاجئين السوريين بتركيا
حكايات مرعبة عن جرائم الأسد وفرحة استثنائية وسط السوريين بقدوم نشطاء من حركة 20 فبراير
نشر في المساء يوم 24 - 11 - 2011

قد يتساءل البعض عن سبب التأخر في نشر تفاصيل زيارة شباب مغاربة من نشطاء حركة 02 فبراير إلى مخيمات السوريين بتركيا،
السبب راجع بالأساس إلى رغبة الشباب السوريين بالمخيم الذين فضلوا عدم التحدث عن الزيارة فور وصولنا إلى المغرب لأسباب أمنية، والشباب الذي شارك في هذه الزيارة : خالد كداروأحمد المدياني وأسامة الخليفي وعبد الله أبلاغهم لم يشاركوا بصفتهم ناطقين رسميين باسم حركة عشرين فبراير وإنما بكونهم شباب متعاطف مع القضية السورية ويأتي هذا الربورتاج جوابا على مزاعم تدخل أي طرف لتسهيل دخولنا للمخيمات. شكرا لمن اتهمنا بالعمالة لتركيا ولكل من شكك في براءة التضامن مع الشعب السوري.
سيطر الهاجس الأمني على الزيارة التضامنية التي قام بها مجموعة من الشباب المغاربة لمخيمات النازحين السوريين الهاربين من بطش «أسد» سوري «يُبشّر» مواطنيه، مع مطلع كل يوم جديد، بغد أكثر سفكا للدماء...
على الحدود السورية -التركية «نبتت» خيام اللاجئين السوريين. تعهَّدَ «الهلال الأحمر» برعايتها والدرك التركي بحراستها والمخبرون، الظاهرون والمستترون، بتعقُّب زوارها.
بدأت الفكرة بشرارة حماس ونظرة تأمل إلى يوميات مواطن سوري تشبَّع بأدبيات الجنائز، من فرط سيره خلف مواكب الشهداء، قبل أن تختمر فكرة رحلة تضامنية من الدار البيضاء إلى أنطاكيا.. وبأقل الترتيبات الممكنة، تحولت النظرة إلى ابتسامة، فموعد ثم لقاء مع لاجئين فروا من بطش نظام يكتب بلاغاته بالرصاص الحي...
قد يتساءل البعض عن سبب التأخر في نشر تفاصيل زيارة شباب مغاربة مخيمات السوريين في العمق التركي، لكنْ، للأمانة، فإن الإرجاء جاء نزولا عند رغبة شبان سوريين في المخيمات التمسوا منا عدم الكشف عن تفاصيل الزيارة فور الوصول إلى المغرب، لأسباب أمنية.
وقد يتساءل البعض أيضا عن «أسباب النزول»، وعن هوية البعثة التضامنية. لهؤلاء نقول إن الزيارة، التي شارك فيها كل من خالد كدار وأحمد المدياني وأسامة الخليفي وعبد الله أبلاغ ووداد الملحاف، لم تحركها نوايا حركية ولم يشارك من قاموا بها في «عيادة» إخواننا اللاجئين، بصفتهم ناطقين رسميين باسم حركة 20 فبراير، بل باعتبارهم شبابا متعاطفين مع القضية السورية أبوا إلا أن يقتسموا مع الفارين من زئير «الأسد» كسرة خبز مبللة بالخوف والقهر.
الروبورطاج التالي يُقرّبنا من تفاصيل رحلة مثيرة، تستحق أن تُصنَّف في خانة المغامرة التضامنية، ويروي لنا جزءا من المعيش اليومي لإخوان لنا يعيشون على الحدود حياة لا تختلف كثيرا عما قدمه الفنان السوري دريد لحام في فيلمه الشهير «الحدود»، مع اختلاف في الزمان والمكان والشخوص.
شكرا لمن تَحمّلوا إصرارنا على دخول المخيمات، رغم كل الإكراهات الأمنية، وشكرا، أيضا، لمن اتّهمونا بالعمالة لتركيا ولكل من شككوا في براءة التضامن مع شعب سوري يعيش على هامش وطنه.
أنطاكيا.. هوية ضائعة
بين العرب والأتراك
الساعة تشير إلى التاسعة صباحا. استيقظت مدينة أنطاكيا باكرا. طردت عنها التثاؤب واستمتعت بسحر الموسيقى التركية الجذابة. بالقرب من الفندق، تفتح المقاهي والمحلات التجارية ذراعها لاستقبال الضيوف المُتيَّمين بعشق مدينة يُستنشَق في دروبها عبق التاريخ والجغرافيا. تقول كتب التاريخ إن المدينة سورية الأصول، قبل أن تصبح تركية الانتماء، بالتّبنّي، ويؤكد المؤرخون أن المستعمر الفرنسي الذي كان يبسط حمايته على سوريا قد سلّم أنطاكيا للأتراك، في إطار صفقة سياسية، مر عليها التاريخ «مرور اللئام».. لكن المعالم التاريخية للمدينة وعمارتها تمنح زائرها انطباعا عربيا خاصا، بل تحوله إلى كومبارس في أحد المسلسلات السورية.
باستثناء سيارات الأمن التركي وعلامات المرور التي كُتِبت بالتركية، تحافظ اللغة العربية على مكانتها في الخطاب السائد، وهو ما أعفانا من البحث عن كلمات من القاموس التركي نُدبِّر بها الوضع: «يتحدث أغلب سكان هذه المدينة اللغة العربية».. بهذه العبارة، حاول أحمد وهو نادل في أحد المطاعم أنطاكيا، شامي الملامح، تبديد الخوف التواصلي الذي يسكن كل زائر جديد للمدينة، التي ما زالت وفيّة، رغم التحولات التي شهدتها، لمؤسس الدولة التركية، مصطفى كمال أتاتورك، الذي ما زالت صوره حاضرة إلى جانب العلم التركي. «إحنا ما بنحب أردوغان، بس بشار وأتاتورك على راسنا... الله وعلي وبشار».. بنبرة كلها حماس، يتحدث عصمت، بائع التحف في أحد الأسواق العتيقة في المدينة، عن مواقفه السياسية وعن رأيه في الثورة السورية، وهو يفخر بانتمائه إلى نفس الطائفة السلالية لبشار: «الله يْخلّي إلْنا بشار، هو أخونا وعلوي مثلنا».
محاولة أولى لدخول مخيم السوريين
أثناء تناولنا أول وجبة غذاء داخل مطعم شعبي وسط أنطاكيا، سألْنا النادلَ أحمد عن أقرب مخيم لإيواء السوريين على الحدود. توقفنا عن الأكل في ما يشبه الوقت المستقطع، ونحن نستعجل الرد. رفع أحمد رأسه إلى السماء كصحن هوائي مقعّر وراح يبحث عن جواب، قبل أن يجد الملاذ السهل/ الممتنع ويحيلنا على سائق سيارة أجرة: «أنصحكم بتاكسي، سيأخذكم إلى مخيمات «عين الحلوة»، التي تبعد بحوالي 60 كيلومترا عن المدينة»، قبل أن يستدرك، حين ظهرت على أساريرنا علامات الارتياح: «لكنّ الثمن سيكون مرتفعا بعض الشيء».
نظرا إلى عدم معرفتنا بخرائط المدينة ولا بأسعار العملات، وافقنا على الفور، دون الحاجة إلى مفاوضات قد لا تجدي نفعا. على الفور، أجرى النادل اتصالا هاتفيا مع سائق سيارة الأجرة، والتفت إلينا قائلا: «السعر هو 150 ليرة تركية»، وحين اكتشف انشغالنا بعمليات التحويل إلى الأورو، أعفانا من الحساب الشفوي: «ما يعادل 60 أورو وسيكون هنا بعد نصف ساعة».
أمامنا ثلاثون دقيقة لنعد العدة للسفر إلى مخيمات اللاجئين، أو بتعبير أصح، مخابئ الهاربين. عدنا إلى الفندق من أجل إنهاء التحضيرات، بعد أن ضربنا موعدا مع السائق بعد نصف ساعة أمام المطعم.
استقبلَنا السائق بابتسامة مهنية، وهو يعيد على مسامعنا عبارة «مرحبا». انفرجت أساريري لأول وهلة، ظنا مني أن السائق يجيد التحدث بلغة الضاد، لكن رصيده من «التعبئة» العربية سرعان ما انتهى والتجأ إلى التركية، التي لا أفهمها. توقفت لغة الكلام.. وعلى الفور، تدخّلَ النادل ليشرح الوضع المستعصي: «عمو يحكي تركي وبسّ». استنجدنا بلغة الإشارات لتأمين التواصل في أدنى حدوده الممكنة. وفي الطريق، طلبنا منه أن يتوقف أمام وكالة لصرف العملات، لكنه لم يفهم بطبيعة الحال قصدنا، فاستعان بهاتفه النقال لفهم مطلبنا، واتصل بالنادل الذي أرشده إلى مقصدنا وظل يردد بصوت جهور «تمام .. تمام»،. كلف فك لغز وكالة الصرف سائق سيارة الأجرة بضعة ليرات وتَبيَّن أن أصحاب الطاكسيات في خدمة السياحة.
بعد أن التهمت سيارة الأجرة مسافات، انتابني شعور بالعطش. أخبرت «عمو» برغبتي في شراء قنينة ماء تُطفئ ظمأ الرحلة. فهم السائق على الفور لغة الإشارة وتوقف أمام أول محل بقالة وعاد وهو يحمل قنينات المياه، بعد أن تكفل هو بدفع ثمن الماء. استغربتُ كرم سائق التاكسي، الذي بدا وكأنه لا يبالي بحديثنا وبانخراطنا في تأريخ الرحلة عبر الصور الشاهدة على المبادرة.
بعد مرور حوالي نصف ساعة، بدأت تظهر معالم مُخيَّم محاط بسور لا تبدو فيه أي مظاهر للحياة، وكأنه فضاء للأموات. دخلنا عبر البوابة الرئيسية. لكنْ بمجرد ترجُّل أحمد المدياني من السيارة حاملا آلة تصوير، فوجئنا برجل في مقتبل العمر، بزي مدني، يطلب منا مغادرة المخيم فورا... حاولنا أن نثنيه عن قراره وأكدنا له أننا ثلة من الشباب المغربي جئنا لزيارة السوريين في مخيماتهم، في إطار تضامني. بعد أن صم الحارس أذنيه في وجه مرافعتنا، توجه «عمو» إلى مخيم آخر غير بعيد عن الأول. وجدنا رجل درك أمام البوابة، وهو في حالة استنفار قصوى. سألنا الرجل عن الهوية وعن سبب تواجدنا في مخيم «الحلوة»، فسمح لنا بالمرور، بعد أن تأكد، من خلال مراقبة جوازات السفر، من سلامة القصد وصحة المقصود.
المخيم الأول.. اتجاه ممنوع
أمام البوابة الرئيسة، استوقفَنا ثلاثة أفراد من الدرك التركي يرتدون زيا رسميا كتبت عليه بخط عريض كلمة «jandarma»، الأشبه بعلامة «قف».. تأكد الدركيون من أن العربية هي اللغة الوحيدة للتواصل وتبيَّن لهم أنه لن يتم إلا بوجود فتاة اسمها سلمى، استهلّت لقاءنا بها بترديد عبارة الترحيب: «مرحبا... من أنتم؟ وشو سبب الزيارة؟».. طلبت منا الإدلاء بجوازات سفرنا، أمام أنظار الدركيين. مسحت سلمى الجوازات بعينيها الواسعتين، وعلى الفور طلبت منا تدوين بياناتنا في لائحة مخصصة للزائرين والتوقيع عليها بالإقرار.
جلسنا في خيمة الانتظار نسبح بأنظارنا وراء الحواجز الأمنية ونحاول التخلص من علامات الاستفهام التي انتصبت في الأذهان، بينما حملت سلمى همومنا وجوازات سفرنا إلى مدير المخيم، أملا في الحصول على تأشيرة عبور.
ونحن في جلسة انتظار «فيزا» دخول المخيم، حلّت شاحنة تابعة ل«الهلال الأحمر» التركي، وعلى الفور، شرع رجال الدرك في تفريغ الشحنة، وهي عبارة عن علب كرتونية مختلفة الأحجام تم وضعها داخل خيمة دون أن نعرف محتوياتها. في الوقت ذاته، كان مجموعة من الأطفال يركضون خلف كرة صغيرة دون اتجاه. بدا لي أن المشهد أقرب إلى الحقيقة، لأنهم يطاردون مصيرا مجهولا في مكان منعزل... بعد عشر دقائق من الانتظار الرتيب، جاء ثلاثة شبان من داخل المخيم. تعارفْنا وتجاذبْنا أطراف الحديث عن أحوال المغرب وتضامن الشعوب مع القضية السورية. قال أحدهم، بنبرة فيها لوم وعتاب: «اعتقدنا أننا ما عدنا موجودين على خريطة العالم، فلا أحد يسأل عن أحوالنا».. قبل أن يتدخل الشيخ حسين، إمام مسجد المخيّم، ليسهب في الحديث عن الحياد السلبي في مواقف الحكومات وألقى باللوم على الدول العربية، مُرحِّباً بزيارتنا، التي اعتبرها تأكيدا على تعارض المواقف بين الشعوب وقادتها: «والله زيارتكم لا تقدر بثمن.. أهلا وسهلا بكم». بعد ذلك، وجه إلينا المحامي غزوان حاج عيسى، رئيس تنسيقية اللاجئين السوريين في تركيا، مجموعة من الأسئلة، تتعلق بسبب الزيارة ومجالات اشتغالنا، قبل أن يجذبنا الحديث إلى موضوع الحراك السياسي في المغرب وإلى أسئلة أخرى عديدة، الغاية منها جس نبض مهمتنا والتأكد من هويتنا. بعد اجتيازنا «الاختبارات الشفوية»، طلب منا تدوين عناويننا الإلكترونية وكذا أرقام هواتفنا. وحين شعر مخاطبنا بقلق دفين من جراء حوار أشبه باستنطاق، شرح لي سبب هذه الإجراءات: «هذه الإجراءات ضرورية، لأن المخيم مُستهدَف من طرف النظام السوري، وقد سبق أن وقعت مشاكل بسبب تساهلنا مع بعض الزوار». وأضاف: «بعض الأشخاص -سامحهم الله- يروجون إشاعات مُغرّضة الغاية منها نشر ثقافة الفساد والترويج لوجود حالات اغتصاب لنساء المخيم من طرف الأتراك، وهو أمر غير صحيح».. ولم يفت مُحدّثَنا التنويهُ بتركيا وبدورها في التخفيف من معاناة النازحين: «الحمد لله، لا ينقصنا شيء هنا، بس نرجع لوطنا... الحكومة التركية لا تعتبرنا لاجئين. نحن ضيوف، لأن وضع الضيف أحسن ويتم إكرامه على أتم وجه، فقد وفّروا لنا التطبيب وتعليم الأطفال وكذلك الأكل والشرب، إضافة إلى مرافق أخرى للتسلية، لذلك نحن نرفض المساعدة من الجمعيات لكي لا يتم الاسترزاق باسمنا». قبل أن يُنهيّ غزوان سرد موقفه من القضية، جاء الطبيب رضوان، بوزرة خضراء. بدون مقدمات، شرع في التعريف بنفسه: «أنا مواطن سوري قاطن في ولاية سان فرانسيسكو، جئت منذ مدة إلى هنا مع فريق طبي من الولايات المتحدة الأمريكية، لمساعدة إخواني في المخيمات». وبعد جلسة حديث مطول مع شباب المخيم، اقتحمت سلمى، المترجمة، خيمة النقاش لتخبرنا بقرار المنع، دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل حول منعنا من دخول ملجأ الفارين من نيران النظام السوري. سلّمتْنا جوازات سفرنا بيد متثاقلة، وسط حالة من الصمت، وأيقنّا أن ولوج المخيم ليس بالأمر السهل، فهو لا يختلف كثيرا عن دخول تراب كثير من الدول العربية.
حاول الشباب الاتصال بأحد أعضاء المجلس الوطني السوري وكذا ما يصطلح عليه ب«قائم المقام»، لكن محاولاتهم باءت بالفشل أمام انتصاب علامة «المخيم اتجاه ممنوع» وقوبل طلبهم بالرفض، تحت ذريعة وجود حالة استنفار في المخيم استعدادا لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المخيمات الحدودية، لذلك بدأت الجهات المشرفة سلسلة من التدابير الأمنية «لكي لا يتم التشويش على هذه الزيارة». لدى خروجنا من المخيم، عرّفني الشباب بأم محمد، الملقبة ب«أم الشهيدين»: «أولادي الاثنين استشهدوا، الله يرضى عليهم، والثالث معتقل».. بهذه العبارات، المختلطة بدموع مصادرة، صافحتني المرأة الثكلى، التي تُصرّ على أن صمودها «فداء للوطن».
غادرنا المخيم بمشاعر تتأرجح بين الفرحة بلقاء شباب سوري مثقلين بالهواجس، والاطمئنان على أحوال إخوان لنا رمت بهم الأقدار في مخيم على الحدود، وبين الحزن لسماع كلمات «أم الشهيدين» وقرار منعنا من دخول المخيم، رغم نبل القضية.
ليلة بيضاء في أنطاكيا
بمجرد وصولنا إلى أنطاكيا، تلقيتُ اتصالات كثيرة من المحامي غزوان حاج عيسى، حاول من خلالها أن يبث فينا بعض الأمل: «نحن نجري اتصالات عديدة من أجل السماح لكم بدخول هذا المخيم غدا»، مؤكدا أنه اتصل بغزوان، وهو أحد مستشاري الرئيس أردوغان: «أنتظر رده، وقد يأتي في أي لحظة. كونوا على أهبة للعودة إلى المخيم».
نقلتُ مضمون المكالمة حرفيا إلى أصدقائي، الذين كانوا يبحثون عن حلول تُقرّبنا من لقاء النازحين السوريين، لكنْ بعد طول انتظار، رنّ هاتفي وتبادلْنا النظرات، قبل أن يُشعِرني مخاطبي بقرار يجدد منعنا من دخول المخيمات: «قرار صادر عن جهة عليا». انقطع الخط فجأة وانقطع معه حبل الأمل، لكن المحامي جدد الاتصال بي ليقول لي، بنبرة الواثق: «هناك إمكانية لدخول مخيم ألطنوس، لأن الإجراءات الأمنية هناك غير مشددة»، مضيفا «سيتم استقبالكم من طرف ابن عمي مدين حاج عيسى وبعض أصدقائه».
أمل محطم على صخرة «ألطنوس»
كانت ساعة واحدة من النوم كافية للتخلص من عناء المحاولات الفاشلة. بنفس الحماس، بدأ البحث عن وسيلة تُقلُّنا إلى مدينة ألطنوس. لم يكن هناك خيار آخر سوى اللجوء إلى سائق سيارة الأجرة «عمو». طلبنا من النادل الاتصال به من جديد، فكان الرد سريعا: «سيتأخر عمو حوالي ساعتين، وسيكون السعر هذه المرة أقل، أي 60 ليرة فقط، لأن المسافة إلى ألطنوس أقرب».
تحولت ساعتا الانتظار إلى ثلاث. كنا نفرك أيدينا ونجول ببصرنا بعيدا، قبل أن تتوقف السيارة التي أقلتنا، دون كلمة اعتذار، إلى وجهتنا. لاحظنا أن عمو كان أكثر «كرما» من السابق، فلم يكتف بشراء الماء فقط بل حمل علبا لمختلف أنواع العصير. كان ذهني شاردا، يرسم السيناريوهات المُحتمَلة عند بوابة المخيم. وعند اقتراب السيارة من المدينة الحدودية، اتصلتُ بغزوان حاج عيسى واستفسرتُه عن الأوضاع فكان الرد مخيبا للآمال: «لا أستطيع الاتصال بابن عمي، لكنْ سيكون صديق لي في انتظارك. يجب أن تذهبي لوحدك في البداية، لتسهيل دخول بقية المرافقين».
أمام البوابة الرئيسية للمخيم، وجدتُ فراس جركس، وهو عضو في تنسيقية المخيمات في انتظارنا،. لكنْ، رغم ذلك، تم توقيفنا من طرف رجال الدرك. طلب مني جوازي، الذي تفحصه بسرعة، ثم استدعى مدير المخيم، الذي سألني عن بلدي ومهنتي: «شو بتدرسي؟».. بعد معرفته تخصصي، تَجهَّم وجهه وقال بنبرة حادة: «ممنوع دخول المخيم». خرجتُ رفقة فراس ومدين حاج عيسى وبعض السوريين من المخيم، وأنا أجرّ أذيال الخيبة. توجهنا جميعا إلى أقرب مقهى. كان فراس منشغلا بتحليل الوضع السياسي، بينما انشغلتُ بحل لغز الدخول: «المقاومة السورية لإسرائيل هي أكبر أكذوبة عرفها التاريخ». ويضيف فراس، الذي كان يشغل مهمة مدير التحرير في إحدى المجلات الببيروتية: «لو أن الجيش السوري وجَّه ضرباته لإسرائيل لتحرير الجولان عوض قتله المتظاهرين لصدّقنا عبارة المقاومة».. يُنهي حديثه برشفة من فنجان قهوة سوداء: «كان مخيم ألطنوس مخزنا قديما لمواد صناعية، لكنْ عند وصولنا، تم تحويله إلى فضاء لإيواء اللاجئين السوريين». قررنا العودة من حيث أتينا واخترنا ركوب حافلة النقل المزدوج في رحلتنا نحو أنطاكيا. احتلت أجسادنا المرهقة كراسيّ حافلة تسير ببطء لكنها على الأقل أخف ضررا من سعر تاكسي شريف وهبي، الملقب ب«عمو».
لا يأس مع.. التضامن
بعد عودتنا إلى الفندق، حاولنا التخلص من عناء «لانافيت» بين أنطاكيا والمخيمات، التي نبتت كالفطريات على الحدود السورية - التركية، جدّدتُ الاتصالات بغزوان حاج عيسى، للترتيب لدخول المخيم، الذي يقطن به، لكنْ بقدر ما كانت رغبة دخول المخيم تنتابني، كان صوت مخاطبي يُقرّبني من خط الإحباط: «للأسف، لن يستطيع كل الشباب دخول المخيم، يمكن أن تدخلي أنت مع شابين فقط».. على الفور، شرعنا في إجراء عملية القرعة بين الشباب لاختيار مرافقين، فاللعبة الديمقراطية حاضرة حتى في أصعب المواقف. بعد دقائق، أخبرت غزوان، عبر الهاتف، بقرار اختيار كل من أسامة الخليفي وخالد كدار لمرافقتي، فكان الرد مطمئنا: «غدا، سنلتقي قرب صيدلية ألطنوس، القريبة من السوق، لتدخلوا عبر سيارة السوق إلى المخيم».. رغم بعث عبارات حاج عيسى الأمل في النفوس، فإن الحزن ظل جاثما على قلوبنا، بسبب فشل محاولات سابقة بدأت بالأمل وانكسرت على صخرة الإحباط.
الثالثة ثابتة
في الصباح الباكر، توجّهْنا إلى ألطنوس على متن حافلة النقل المزدوج، بسعر زهيد جدا لا يتجاوز ثلاث ليرات للشخص الواحد. فهمتُ، حينها، سر الكرم الحاتمي ل«عمو» ولحالة الاستنفار التي تنتاب النادل أحمد كلما طلبنا منه دعوة سائق تاكسي لترحيلنا إلى الحدود!...
لدى وصولنا إلى المكان الذي حددناه للقائنا قرب الصيدلية، وجدنا حاج عيسى في انتظارنا. صافحَنا بسرعة، وكأن الزمن لا يسمح بتبادل التحيات والسؤال عن الأحوال: «اتبعوني. بهدوء سندخل عبر الصيدلية إلى مستودع الأدوية، لنتحدث عن خطة الدخول إلى المخيم». في مستودع تنبعث منه رائحة الدواء، وجدنا ابن عم غزوان وعددا من أصدقائه الأتراك في انتظارنا. وعلى الفور، بدأ وضع مخطط الانسلال إلى المخيم: «البسي ها العباية والحجاب لتبدي سورية الملامح، وكأنك من سكان المخيم وانزعي النظارة كمان». وأضاف مرتبكا: «إذا سألوك، قولي لهم إنك قريبتي وتقطنين بمخيم ألطنوس». في الطريق إلى المخيم، كلما حاول غزوان أن يهمس في أذن أحدنا، يرد عليه أحد الركاب: «نحن نسمع كل شيء.. لا داعي للهمس»! انتابني شعور غريب وساد الاعتقاد أن ركاب الحافلة يقاسموننا نفس الهواجس.
اقتربت الحافلة من المُخيَّم. التفت إليّ غزوان ليزودني بآخر التعليمات: «لو سألك الدرك عند البوابة عن هويتك قولي لهم اسمك سحر أيوب». واقترح أسماء مستعارة على كل من كدار والخليفي، تم التوافق في شأنها.
سحر أيوب.. مفتاح الدخول المستعار
كما كان متوقعا، سألني عند البوابة رجل الدرك بتقاسيم حادة: «شو اسمك؟».. وعندما أجبتُه، بدأ البحث عن اسم سحر أيوب في قائمة الخارجين من المخيم، ليتدخل غزوان على الفور: «آخر سيارة طلعت عالسوق ما سجلوا أسماؤهم»، فتم السماح بدخولنا إلى المخيم. توجهنا مباشرة إلى خيمة حاج عيسى. «ادخلوا، لأن هناك أشغالا لتعبيد الشوارع في المخيم، استعدادا لزيارة الرئيس أردوغان لهذا المخيم». تبيَّنَ لي أن الأشغال مرتبطة دوما بالزيارات الرسمية في كل مكان من العالم...
عرّفَنا مضيفنا بوالدته، التي رحبت بنا: «أهلا وسهلا فيكم وسامحونا. لولا هالظروف، كنا عملنا لكم أحسن استقبال». بعد ذلك، تعرفتُ على أميرة، وهي فتاة لا يتجاوز عمرها 14 سنة. سألتني عن اسمي وقالت: «وجهك أبيض مش مثلنا. إحنا حرقتنا الشمس فتغيّر لون بشرتي.. بتعرفي إني صرت أتكلم تركي لأنهم يعلموننا التركية بالمدرسة».. وبعد أن استوت في جلستها، قالت: «الأتراك حذروا صديقتي من تقديم شكاوى لأردوغان، لا تقولوا له عندكم مشاكل بالمخيم.. سنقطع الماء عنكم». خفضت من صوتها كي لا يمنعها عمها غزوان من محاولة الحديث. بعد ذلك، تعرفت على أم أميرة: «أنا اسمي سحر أيوب»، أخبرتُها أني استعملت اسمها لدخول المخيم فردت «مافي مشكل، إنشا الله تجي عندنا لسوريا وتشوفينا كيف عايشين، الله ينتقم من الظالم بشار اللي شرّدْنا». ثم دعتنا إلى تناول وجبة غذاء تم طهيها خصيصا لنا من طرف أم غزوان: «طبخت لكم كبسة سورية لأنه إحنا بناكل بس الأكل اللي بيوزّعو الهلال الأحمر التركي». في لحظة استرخاء، حدثنا الشيخ حسين، إمام مسجد المخيم، عن كيفية تعامل النظام السوري مع المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام: «بشار يستعمل أبشع وسائله، على سبيل المثال، قام أحد الأصدقاء بإعطاء مداخلة لقناة «الجزيرة» في بيتي، لكنْ عندما عاد إلى منزله وجده محروقا بالكامل، وهذا أقل ما يفعلونه مع كل من له علاقة بالمطالبة بالحرية».. ويضيف بنبرة ساخرة: «ما أرّق النظام في مدينة جسر الشغور هو «الرجل البخّاخ»، الذي يكتب عبارات تُطالب بإسقاط النظام على الجدران بل وصل به الأمر إلى الكتابة على دبّابات الجيش ليلا»..
قضينا فترة ما بعد الظهر في التعرف على بعض سكان المخيم، لكنْ بين الفينة والأخرى، يدعوني غزوان حاج عيسى إلى الحذر من الكشف عن هويتي: «عليك أن تتوخي الحذر، هناك مخبرون في المخيم. إذا علموا بوجودكم سيخبرون الأتراك»، مؤكدا كذلك: «هناك أيضا مخبرون للنظام السوري، وكل يوم نكتشفهم»...
قبر الراحل.. الإجماع العربي
في حدود الساعة الثامنة صباحا، تناولنا وجبة الفطور ثم ودعنا سكان المخيم وقررنا زيارة «قبر» رمزي أقامه سكان المخيم لهيأة العلماء المسلمين ولجامعة الدول العربية، يترحم فيه النازحون على الإجماع العربي ويقرؤون الفاتحة على حكام عجزوا عن اتخاذ قرار حاسم تجاه العنف في سوريا.. بعد لحظة تأمل ذات مغاز عميقة، توجهنا، رفقة غزوان، إلى السيارة التي ستُقلنا إلى السوق، وقبل مغادرة بوابة المخيم، قال حاج عيسى: «إذا سألك رجل الدرك عن اسمك لتسجيله ضمن قائمة الخارجين من المخيم، قولي له اسمي كوثر حاج عيسى»، مقترحا اسمين جديدين على كل من خالد كدار وأسامة الخليفي.
ركبنا سيارة النقل المزدوج للتوجه إلى ألطنوس. في الطريق، أوصانا غزوان بتبليغ التحية إلى كل المتعاطفين مع القضية السورية، ومباشرة بعد الوصول إلى ألطنوس، نزعتُ العباءة والحجاب وتخليتُ عن الاسمين المستعارين اللذين مكّناني من تجاوز الحاجز الأمني لمخيم بنيوغن. ودعْنا غزوان حاج عيسى، لنركب سيارة أخرى، أقلّتْنا إلى أنطاكيا. في الطريق، رأينا أحمد المدياني وعبد الله أبلاغ يتوجهان إلى سوق ألطنوس. أوقفنا السيارة على الفور لنبحث عنهما وسط حشود الباعة. أعربا عن قلقهما عن مصيرنا لعدم تلقيهما اتصالا منا. حكينا لهما سيناريو دخولنا إلى المخيم، لنعود جميعا إلى أنطاكيا، استعدادا للرجوع إلى المغرب، وقد طردنا القلق الذي سكننا بعد فشل محاولتين لدخول المخيم. وعلى امتداد الرحلة، ظلت صورة قاطني المخيم تحتل جزءا كبيرا من وجداني وتحذيرات غزوان تجعلني أعد خطواتي وأرتّب أفكاري كلما اقتربت من حرس بوابات مخيمات حاول بعض أذناب النظام السوري أن يحولوها إلى سجون في الهواء الطلق. غادرنا أنطاكيا دون أن تغادرنا صورة المخيمات وقصص الحزن، التي يتعدد رواتها فيما يظل الهمّ واحدا... ليست مخيمات هذا الشريط الحدودي مجرد مراقد على شكل خيام، ففي كل خيمة ألف نكبة، بل أيضا فضاء للاحتجاج والتنديد ضد كل ما يمس أوضاع اللاجئين الإنسانية.
المخيمات السورية ليلا..
قصص تخفّف قسوة الزلة والتشرد
طلبت لقاء «أم الشهيدين»، المرأة الخمسينية التي قدمت على الفور برفقة زوجها، لتحكي لي قصة وفاة ولديها: «كان باسل المصري أول شهيد في جسر الشغور، وهو من بيت الهلال وقدم من لبنان»، وتضيف وهي تتناول سيجارة محلية بين أناملها المرتجفة: «يشتغل زوجي في تربية السمك، أما ولداي -رحمهما الله- فكانا يشتغلان في الحدادة». ثم شرعت في سرد تراجيديا القتل بنبرة حزينة: «عند رجوع ولدي أيهم (32 سنة) وهيثم (34 سنة) من مراسيم تشييع جنازة باسل المصري، ذهبا لشرب الشاي في مقهى يوجد في ساحة وسط المدينة، ليفاجأ الكل بطلقات الرصاص من «الشبيحة» على كل القادمين من الجنازة، فاستشهد 36 شخصا، من بينهم ولداي».. ساد الصمت للحظات، إلى أن اختار أب محمد كسر السكون: «أغلب الشبيحة إما مجرمون تم إطلاق سراحهم مقابل استهداف المتظاهرين أو ينتمون إلى الطائفة العلوية أو يتحدثون باللغة الفارسية»، مضيفا: « تعامل بشار مع الشعب بطريقة وحشية، وهذا طبيعي، لأن كنيته الأصلية ليست من بيت «الأسد»، بل من بيت «الوحش» وتم تغييرُها، وهو من ضيعة القرادحة، لكن مسقط رأس أجداده كان مدينة سمندق، التركية».. بعد انتهاء السرد التاريخي لشجرة «الأسد»، التقيتُ أم داوود، التي حدثتني عن موت ابنها وأخيها: «استشهد أخي وابني في مظاهرة في جبل الزاوية، وعندما رفضتُ أن أتسلم الجثث دون تشييعهما في جنازة، بدأت المضايقات، فاخترنا النزوح إلى الحدود التركية -السورية في يوم ممطر، وبقينا على الحدود في الجانب السوري خلال فترة الانتخابات الرئاسية التركية إلى غاية فوز أردوغان، الذي أمر بالسماح لنا بدخول تركيا».
بعد لقائي بأم داوود، حدثتني سحر أيوب عن أجواء المخيم: «منذ قدومنا، نحس بألفة غير طبيعية، وكأننا عائلة واحدة، لكنْ للأسف هناك أسر عديدة تفككت في هذا المخيم، فأغلب الزوجات لا يتحملن قسوة العيش داخل المخيم فيؤدي ذلك غالبا إلى الطلاق».
بعد تناول وجبة العشاء، جاء الشيخ حسين ليقوم بإصلاح الكهرباء داخل خيمة غزوان: «من المهم أن تمتلك مهارة حرفية، فقد صرتُ كهربائيا في المخيم، إلى جانب دوري كإمام للمسجد».. ذكر بعض الإحصائيات عن اللاجئين السوريين: «كان عدد اللاجئين في البداية 19 ألفا، لكن صعوبة ظروف العيش جعلت العديد منهم يفضلون العودة إلى سوريا، والآن أصبح عددهم 7500 لاجئ، يتوزعون على خمسة مخيمات: ألطنوس والريحانية ويلدة 1 ويلدة 2 وبنيوغون، وهذا الأخير هو اسم المخيم الذي نتواجد فيه، والذي يوجد قرب قرية بخشين، التركية ويضم 1500 لاجئ و450 خيمة، ويتحدر غالبية النازحين من مدن جسر الشغور واللاذقية وجبل الزاوية»..
بعد ذلك، أجريتُ حوارا مع غزوان حاج عيسى على شكل فيديو، لكشف حقائق جديدة حول الثورة السورية، قبل أن يسدل الليل ستائره على المخيم...



وداد لملحاف
الحدود السورية التركية
خاص ب «المساء»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.