تدخل النائب المختار راشدي باسم الفريق الاشتراكي في مناقشة الميزانيات الفرعية التي تدخل في اختصاص لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة ،والتي هي جزء لا يتجزأ من القانون المالي . حيث قال إن القانون المالي الذي نحن بصدد مناقشته, هو أول قانون مالي في عهد الحكومة الجديدة ، يفرض علينا أن نقف وقفة خاصة عند هذا الحدث الهام في الحياة السياسية ببلادنا ، باعتبار أن الحكومة الحالية ، هي حصيلة مسلسل المرحلة الجديدة التي ابتدأت: أولا : بكسب رهان وثيقة دستورية متقدمة في مضامينها، في ظل مناخ إقليمي كان ولا زال يتسم بغليان شعوب البلدان العربية المطالبة برحيل مختلف مظاهر الفساد والاستبداد. ثانيا: بمرحلة الإعداد وإجراء الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر2011، والتي دخلها حزب الاتحاد اشتراكي للقوات الشعبية تحت شعار من اجل مغرب المواطنة وبعدها اختار حزبنا طريق المعارضة إيمانا منه بأن صناديق الاقتراع أفرزت هذه المرة مرحلة تناوب ثاني بأغلبية جديدة وفي مقابلها يتعين علينا كمعارضة قوية ومواطنة والتي أصبحت لها دستوريا مكانة لا تقل أهمية عن الدور الموكول للحكومة في التنزيل السليم للدستور وتطوير الممارسة الديمقراطية وترسيخ الحقوق والحريات الأساسية ومحاربة الفساد . ثالثا: بمرحلة المصادقة على تصريح الحكومي الذي نالت على إثره الحكومة الجديدة ثقة البرلمان ومن المفروض أن يعكس مشروع هذا القانون المالي و من خلاله الميزانيات الفرعية ، التعهدات والالتزامات الواردة في هذا التصريح في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة. قطاع الداخلية والجماعات الترابية إذا كانت حصيلة بداية هذا المسلسل تؤكد بأن المغرب كسب رهان الوثيقة الدستورية، وبعدها الانتخابات التشريعية، وتشكيل حكومة احترمت في منهجية هيكلتها إرادة الناخبين، إلا أن هذا لا يمنعنا بالوقوف عند بعض الاختلالات التي شابت الانتخابات التشريعية ل25 نونبر2011، وهي مسؤولية تتقاسمها معا الأحزاب السياسية والإدارة, بحيث وإن سجلنا ابتعاد هذه الأخيرة عن إفساد العملية الانتخابية وحيادها، إلا أنه لم يتم القطع مع أساليب إنزال المال الحرام وشراء الذمم وتمييع العمل السياسي، كما سجلنا في هذا الصدد اختلالات أخرى إبان المراجعة العادية للوائح الانتخابية العامة, سواء تعلق الأمر بدور اللجان الإدارية أو في تأويلات الاستثناء في عملية القيد بالنسبة للجماعات الاعتيادية للترحال أو تسجيل مغاربة العالم باللوائح الانتخابية بدون إرفاق الإثباتات الضرورية في طلبات القيد الواردة من القنصليات والسفارات أو التلاعب بشواهد الإقامة لقيد أشخاص لا علاقة لهم بالجماعة المراد التسجيل فيها ، وهي ممارسات خارج كل القوانين المنظمة لعملية القيد في اللوائح الانتخابية ، والغاية منها هو توفير فرص كبيرة للكائنات الانتخابية و لوبيات الفساد للتلاعب بنتائج الانتخابات المقبلة، خاصة في الجماعات ذات نمط الاقتراع الفردي، ونحن في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نرفض كل ما من شأنه إفساد المسلسل الانتخابي, بحيث أصبحنا والحالة هذه إما نراود المكان أو كلما خطونا خطوة إلى الأمام إلا وأرجعتنا لوبيات الفساد خطوتين إلى الوراء، نؤكد ذلك ليس من باب التشهير ولكن، أولا: من موقعنا كمعارضة ديمقراطية مبنية على وسائل الإثبات في كل ممارسة نعتبرها خارج القانون وثانيا: من موقع الحرص على سلامة القوائم الانتخابية الجماعية منها والمهنية ،بحيث ظل مطلب وضع جدولة زمنية في إطار منهجية تشاركية، تأخذ بعين الاعتبار عامل الوقت لتفادي أي تسرع أو ارتباك بغية ضمان التهييئ الجيد والسليم للانتخابات المقبلة يفرض نفسه بإلحاح، بدءا من إخراج الترسانة القانونية المتعلقة بالاستحقاقات القادمة وبالجماعات الترابية منها على وجه الخصوص إعادة النظر في الوضعية الاستثنائية للعاصمة الرباط وإصلاح النصوص المنظمة لها وربط المسؤولية بالمحاسبة ، وإعادة قراءة المشروع الجهوي على ضوء ما عرفته بلادنا من إصلاحات دستورية لكونها ستلعب دورا مهما في تفعيل السياسة العامة للدولة وتصحيح الاختلالات التنموية السائدة والتي تعاني من خصاص مهول في مجالات التعاون و التضامن والاندماج والنجاعة ،الى قيد ملايين الناخبات والناخبين غير المسجلين ، و تنقية اللوائح الانتخابية من كل الشوائب ، ومعالجة اختلالات نمط الاقتراع ،والتقطيع الانتخابي ، والقطع مع كل أشكال التمييع السياسي وضمان انتخابات نزيهة وشفافة تفضي إلى إفراز مؤسسات تمثيلية حقيقية بعيدا عن سلطة المال والأعيان. فيما يتعلق بالجانب الأمني، فإننا كفريق اشتراكي نثمن كل الخطوات التي تستهدف استثبات و تحصين الأمن و محاربة الإرهاب ،و الجريمة المنظمة ،والتهريب ،ومكافحة المخدرات، لكن لازلنا نسجل في هذا الجانب ،الخصاص في توفير الأمن في الأحياء والمدن وقلة الإمكانيات البشرية والمادية والعلمية والتقنية، وفي هذا المضمار نركز على ضرورة احترام الحريات والحقوق الأساسية كما اقرها الدستور الجديد وذلك باعتماد آليات مقاربة مندمجة تعتمد على إشراك الهيآت السياسية والمنظمات النقابية والشبابية والمنظمات الغير الحكومية في مسلسل التنزيل والتطبيق الفعلي للحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة التي يتمتع بها الرجل والمرأة على حد سواء، بعيدا عن المقاربات الأمنية والقانونية أو الانزلاقات، التي سجلناها في معالجة ملفات الحركات الاحتجاجية المطالبة بالشغل أو المنددة بالارتفاع المهول لفاتورة الماء والكهرباء، أو معالجة البناء غير القانوني في بعض المناطق واستثناء مناطق أخرى, علما أن البناء غير القانوني تتحكم فيه آليات أخرى هدفها الاغتناء والثراء على حساب القوت اليومي للفقراء دون حسيب ولا رقيب. في ما يتعلق بالجماعات الترابية، لقد أصبحت الجماعات المحلية تلعب قطب التنمية المحلية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وشريكا إلى جانب الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في كل القرارات الاقتصادية الوطنية بإمكانياتها البشرية والمادية ، إلا أن بعض الجماعات القروية والفقيرة التي تحكمت في هندستها و إخراجها إلى حيز الوجود المقاربة انتخابية والتحكم في الخريطة السياسية بدلا من المقاربة التنموية ،بحيث ظلت بدون موارد مالية، فكثير من الجماعات لا يتجاوز فائض ميزانيتها السنوية 10.000 درهم، وهي بالتالي مثلا عليها أن تنتظر أكثر من 300 سنة ،إن أرادت انجاز وتجهيز مسلك ترابي لا يتعدى خمس كيلومترات لفك العزلة عن جزء من ساكنتها، فكيف إذن لهذه الجماعات أن تلعب دورها الفعلي في تزويد ساكنتها بالكهرباء والماء الصالح للشرب وانجاز المسالك الترابية والصحة والتعليم والمحافظة على البيئة والتخفيف من البطالة والفقر وتزداد هذه المعاناة في المواسم الفلاحية الجافة،انه بكل بساطة صورة مصغرة عن معاناة الجماعات القروية في الوقت الذي تصرف فيه أموالا باهظة على التأهيل الحضري وتوزع فيه الضريبة على الدخل بطرق غير منصفة. أما التنمية البشرية وان كانت أعطت نتائج في محاربة الفقر في الوسطين الحضري والقروي ، فإنها لم تخرج الجماعات الفقيرة من دائرة العجز في تلبية حاجيات ساكنتها مما أشرنا إليه سلفا, بحيث ظلت تفتقر إلى الافتحاص الموضوعي والتتبع والتقييم الميداني للمشاريع المقترحة من لدن اللجان المحلية والإقليمية و نوعية المشاريع المنجزة والجهات المستهدفة. فالبرنامج الأفقي المسمى ببرنامج التأهيل الترابي الذي استفاد منه 22 إقليما و أكثر من 500 جماعة قروية والذي يهدف إلى انجاز المسالك الترابية وربط الدواوير بالكهرباء والماء وانجاز المراكز الصحية والسكن الوظيفي للمدرسين، سيكون بمثابة تدارك العجز التي تعاني منه هذه الجماعات الفقيرة وان كنا قد سجلنا كفريق اشتراكي إقصاء بعض الجماعات الأكثر فقرا وجماعات أخرى حدودية بسبب السرعة والتسرع في عملية تهيئي هذا البرنامج فالمطلوب،وعليه فإننا نؤكد على تدارك ذلك مع الحرص على مصاحبة الجماعات المستهدفة بهذا البرنامج وكذا تنويع الانجازات المرتبطة بالتأهيل الترابي كما وكيفا، حتى تتمكن هذه الجماعات من تجاوز الخصاص المهول في مجلات عدة، وذلك باعتماد المقاربة الالتقائية كمفهوم جديد للتدخل في مجال متطابق في أفق تطوير جودة العمل التنموي المشترك من خلال المشاريع والبرامج المنجزة والمرتقب انجازها على المستويات المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية بغية الخروج بمشروع واحد , مندمج ومنسجم وذو نتائج ايجابية. بقيت أراضي الجماعات السلالية عرضة للترامي والنهب والنزاعات وفي المقابل بطء عملية التصفية القانونية للرصيد العقاري والتحديد الإداري لهذا العقار الذي يناهز 12 مليون هكتار، ناهيك عن تفويته في إطار انجاز المشاريع أو تعبئة العقار لفائدة التوسع المجال الحضري على حساب المجال القروي بأثمنة شبه مجانية لذوي الحقوق والجماعات السلالية في غياب أي مقاربة شمولية لضمان قيمته الحقيقية وضمان حقوق المتصرفين والمساهمة في التنمية القروية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئة. قطاع السكنى والتعمير وسياسة: فإذا كانت سياسة المدينة من المنظور الذي أعدته الحكومة، تسعى على المستوى الاستراتيجي إلى معالجة الاختلالات العمرانية ، كنقص الخدمات في الإحياء الفقيرة ، والسكن غير اللائق ، بناء على مؤشرات مجالية واقتصادية ، فهي لا ترقى لوحدها في رسم معالم سياسة المدينة في غياب معالجة كذلك الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي أدت إلى الفوارق الحضرية وعدم تكافؤ الفرص بين المدن والهجرة والتفكك الاجتماعي والفقر والأمية والبطالة وانتشار الأمراض وغياب وضعف وسائل النقل والمشاكل البيئية وضعف البنيات التحتية التي غالبا ما تعريها التساقطات المطرية ،فأين وصلت مثلا سياسة القضاء على أحياء الصفيح في كبريات المدن ومعالجة السكن غير القانوني والسكن المهدد بالانهيار والسكن الاجتماعي وكيفية معالجة الاختلالات القائمة بما فيه ما هو مرتبط بلوبيات الفساد والعجز الحاصل والطلبات المقبلة في أفق سنة 2016 ، علما أن نسبة التمدن ستصل إلى 75% سنة 2020 حسب بعض التوقعات . وكيفية تطوير آليات التمويل ورصد الأموال لمعالجة هذه الاختلالات بغض النظر عن نجاعة المقاربة الالتقائية القطاعية أمام هول وضخامة الاختلالات ، وما هي المدن المستهدفة ؟ هل حسب هل بمعيار عدد السكان أم بمعيار تصنيفها المجالي كمدن عريقة ، ساحلية، جبلية ، فلاحية ، صحراوية، و منجمية. أما فيما يتعلق بسياسة إعداد التراب الوطني بالرغم مما تمت مراكمته من خلال عدة برامج كانت نتيجة لملتقيات ونقاش واسع على المستوى الإقليمي و الجهوي والوطني بعدما ما تم رفع هيمنة وزارة الداخلية على هذا القطاع, فكيف سيتم تقوية الالتقائية القطاعية في هذا المجال؟ علما أن غالبية التصاميم الجهوية انطلقت منذ مدة ، نفس الشيء يمكن أن نسجله في انطلاق الدراسات و المخططات والاستراتيجية التي تهم عدة مناطق ، ناهيك عن نظام جمع المعلومات عن الهجرة ، وانجاز بوابة جغرافية وطنية جهوية دون أن ننسى المخطط الجماعي للتنمية بالنسبة للجماعات المحلية باعتبارها هي الشريك الأساسي في التنمية المحلية، فهل نحن والحالة هذه أمام مقاربة التقائية (convergence ) أم اختلافية (divergence)؟ في انجاز هده الدراسات المرتبطة بالتأهيل الترابي. أما فيما يتعلق بالتنمية القروية التي ظلت حبيسة انجاز بعض الدراسات لا من ناحية حصيلة سنة 2011، ولا من ناحية توقعات 2012، ولا من ناحية كذلك ميزانية الاستثمار, في حين أن حجم الخصاص في العالم القروي أكثر بكثير ولا يمكن اختزاله في صندوق بدون موارد مالية وبالتالي نسجل في هذا الجانب غياب أي إستراتيجية وطنية لتنمية العالم القروي على المدى القصير والمتوسط . أما فيما يخص قطاع التعمير لازال هو الأخر يعاني من عدة مشاكل لا يسمح لنا الحيز الزمني المخصص لنا بجردها ومنها على سبيل المثال البطء في انجاز تصاميم التهيئة وإخراجها إلى حيز الوجود الشيء الذي أدى إلى فتح باب الاستثناءات على مصراعيه وتشجيع البناء غير القانوني بكل المدن منها على وجه الخصوص مدينة الدارالبيضاء, علما أن الوكالة الحضرية في هذه الأخيرة هي الوحيدة في المغرب التي لازالت مرتبطة بوزارة الداخلية ، فهل سيتم تدارك ذلك بعد المصادقة على القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور؟.