أول خلاصة يمكن الخروج بها عندما ينتهي الإنسان من قراءة تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أننا أمام فرقة حقيقية مكلفة بتبديد المال العام، وأن هناك اليوم خبراء ونخبة مالية ومسؤولين كبار في البلاد، يجمعون الديبلومات لكي يتعلموا الحسانة في رؤوس(مال) اليتامى. الميدواي وقضاته رموا بقنبلة اليوم في المغرب المشتعل على نار المطالب الاجتماعية، وستكون الحكومة فعلا أمام امتحان أساسي يتجاوز الحديث وإعلان النوايا في محاربة الفساد، عندما يوجد، ومحاربة تبديد المال العام ومحاربة عقلية الفيرما التي تسير بها مؤسسات كبرى في البلاد. لا يمكن أن يستقيم اليوم مبدأ الدولة والمؤسسات العمومية التي تحترم نفسها، في الوقت الذي يكشف لنا أحد رجالات الدولة الأسبقين والحاليين، أحمد الميداوي على وجود شخص مثل المدير المكلف بصندوق التجهيز الجماعي (المعروف لدى كل رؤساء الجماعات الفيك ). فهذا المدير، حسب تقرير القضاة المكلفين، لا يهتم بتدبير الصفقات العمومية ولا بمعاقبة أو تغريم من لا يحترم مساطرها، بل يهمه جدا أن ..تكون ليديك في حالة جيدة!! والعمل على مصالحتها مع الجماعة الحضرية للداراللبيضاء، حيث تبين أنه دفع ما مقداره 347 مليون درهم أو ما يفوق 34 مليار درهم. وهي الواقعة التي سبق للصحافة أن أثارتها مع الساجد، والواقع أن السيد المدير المسؤول عن الفيك هو الذي دفعها من مالية الدولة، بالرغم من أن ذلك لا يدخل في اختصاصاته. نفس السخاء، الذي ينم عن عقلية رهيبة تنخر البلاد، وتفوح منها رائحة وسخة، نجده في التعويضات التي منحها مدراء سابقون غادروا عملهم. ولا حاجة لنا بما يثبت أن علاقتهم معه كانت على أحسن ما يرام، لهذا لم يتورع في تطييب خاطرهم بما يرى دون بما لا يسمح به القانون. هل يعقل أن نفكر أن صندوقا مكلفا بالتنمية الجماعية، باعتباره مؤسسة مالية تمول الجماعات المحلية، هذا الصندوق الذي تم إنشاؤه في 1959، هو بمثابة بنك تقتصر مهمته على التنمية الجماعية، لكن يبدو أنه تحول إلى بنك خاص، في ملكية مديره، مادام يحدد بذاته الرواتب والتعويضات، وتسوية وضعيته بأثر رجعي (قرابة 40 مليون سنتيم )!!!. ومن شدة عدم إحساسه بالمراقبة، وأنه فوق كل اعتبار، فإن المسؤول المعني قدم أموالا في مجالات خارج تخصصه، منها 100 مليون للأيام الأفريقية للجماعات، والأهم من ذلك هو مبلغ 40 مليون التي وهبها لمنظمي ميدايز، أي معهد أماديوس. هذه السمفونية، بالنسبة لعبقري أماديوس، مزوارت، لا يمكن أن نفهمها إلا إذا عرفنا بأن المشرف على الفرقة الموسيقية هو السيد الفاسي الفهري الابن...! ونحن نعرف أن هناك جماعات محلية انتظرت سنوات، ولم تستطع أن تفتح «بزبوزا» واحدا للماء أو تشق أمتار قليلة من الطرق، ونكتشف مع الميداوي، أن المال يوجد عند آخرين، وربما أن البزبوز الذي كانت تحتاجه طامو في أنفكو ذهبت أمواله لشراء المياه المعدنية لوزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفيني في ندوة 2009!! لست ضد معهد أماديوس، بما هو تينك تانك مغربي أو نادي للتفكير العميق، الذي تم تأسيسه منذ أربع سنوات، بالرباط. لست ضد التسامح، ولكن «سامحو» لينا حتى نتوما، عندما نغضب من هكذا توزيع تهريبي للثروة الموجهة لفقراء القرى والبوادي. لقد حدث زنا محارم بين السلطة والمال في هذه العلاقة، لأنها غير شرعية، وغير واردة وغير مقبولة كعلاقة، عندما تكون النتيجة ضياع حقوق أصحاب الحق، وتبذير الأموال في أشياء غير مسبوقة.