سأل المعلم تلامذته في اليوم الأول للدخول المدرسي ذلك السؤال التقليدي الذي يقول «آش بغيتي تكون ملي تكبر؟». فجاءته الأجوبة مختلفة باختلاف الأسماء العائلية لأصحابها. وعندما سأل التلميذ «سميرس» عن المهنة التي يريد امتهانها عندما يكبر أجابه «باغي نكون طبيب بحال بابا»؛ وعندما سأل التلميذ «الفاسي» عن المهنة التي يحلم بها في الكبر قال له «باغي نكون مهندس بحال بابا»؛ وعندما سأل «الفهري» قال له «باغي نكون مدير بنك بحال بابا»؛ وعندما سأل التلميذ «بوشعيب» عن المهنة التي يريد امتهانها في كبره، سكت «بوشعيب» للحظة وهو يفكر، وعندما وجد أن «باباه» لا يشغل أي واحدة من هذه المهن الرفيعة، نظر إلى المعلم وقال له «أنا ملي نكبر بغيت نكون غير شي سميرس ولا شي فهري وصافي». تذكرت هذه النكتة وأنا أتابع المستقبل الذهبي الذي وصل إليه أبناء الفاسي الفهري خلال السنتين الماضيتين لوصول عمهم الأكبر عباس الفاسي إلى الوزارة الأولى وعمهم الأصغر الفاسي الفهري إلى وزارة الخارجية. وبالنسبة إلى المغاربة الذين لم يفهموا بعد لماذا اختار حزب الاستقلال دائما شعار «المغرب لنا لا لغيرنا»، فمن المفيد تذكيرهم ببعض «المنجزات» التي حققتها العائلة الفاسية الفهرية لأبنائها خلال الفترة الأخيرة. لعلكم جميعا تذكرون شابا في الرابعة والعشرين من عمره اسمه «فهر الفاسي الفهري» وقف إلى جانبه وزير النقل والتجهيز كريم غلاب ووزيرة الصحة ياسمينة بادو خلال الانتخابات الأخيرة إلى أن نجح في الحصول على كرسي مستشار في الجماعة. ولم تكتف ياسمينة بادو بالوقوف مع ابن عمها في الانتخابات وإنما وقفت معه أيضا عندما فوتت إلى شركته الخاصة الشطر الأول من الحملة التحسيسية لوزارة الصحة حول «أنفلونزا الخنازير»، مع العلم بأن المغرب فيه آلاف الشركات المتخصصة في الإشهار والتواصل قادرة على التنافس حول الصفقة لو أن إعلانا حول طلبات عروض فتح بشأنها. وإذا كان الابن البكر للوزير الأول محظوظا إلى هذه الدرجة، فإن ابنه الثاني، عبد المجيد الفاسي، ليس أقل حظا من أخيه؛ فبعد قضائه لفترة تدريب بالقناة الأولى براتب وصل إلى 24 ألف درهم للشهر، هاهو يستعد اليوم لتقلد منصب ملصق، عفوا منسق لأخبار قناة «الإخبارية» التي ينوي مدير القطب العمومي إطلاقها في القريب. عندما نتأمل حجم المسؤوليات التي تسند إلى أبناء الوزير الأول نستغرب كيف يستطيع شباب في الرابعة والعشرين من أعمارهم أن يتحملوها ويقوموا بها على أحسن وجه. لا بد وأنهم عباقرة زمانهم، ولا بد لجميع الأمهات المغربيات أن يذهبن للتبرك بلالة أم البنين التي أنجبت للمغرب هاته الأدمغة. لكن عندما نتأمل في الأمر جيدا، نفهم أن المسألة لا علاقة لها بالعبقرية، وإنما لها علاقة بسباق محموم وسط العائلة الفهرية لوضع الأبناء في مناصب المسؤولية قبل أن تنقلب المنزلة وتتغير الحقائب الوزارية من أيدي الفهريين إلى أيادٍ أخرى. ولهذا نفهم الحرص الشديد لوزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري على ضمان كل شروط النجاح لمؤسسة «أماديوس» التي يترأسها ابنه إبراهيم الفاسي الفهري، إلى درجة أن وزير الخارجية يتصل شخصيا بالسفراء المغاربة في الخارج لكي يطلب منهم إقناع بعض الشخصيات الأجنبية المرموقة بالمشاركة في منتديات ابنه التي تنظم بالمغرب. ومن كثرة «الفشوش» الذي تعود عليه الابن المدلل، أصبح يخلط مصالح وزارة الخارجية بمصلحة مؤسسته الخاصة، إلى الحد الذي تجرأ معه على حجز الصالة الملكية بمطار محمد الخامس، عبر الوزارة، لأحد أبناء القذافي عندما دعاه إلى زيارة خاصة للمغرب. وعندما وصل الخبر إلى المعنيين بالأمر لم يجد الفاسي الفهري من جواب يقدمه لشرح هذه «البسالة» سوى أن قال إن «هاد الولد شي نهار غادي يخرج ليا على بلاصتي». لكن يبدو أن الولد ليس بكل هذا النزق والخفة التي حاول والده تصويره على هيأتها، بل إنه يتمتع بحس استثماري كبير يؤهله لتحويل مؤسسته إلى واحدة من المؤسسات التي تتصرف في ميزانية تقدر بمئات الملايين من الدراهم. ولعل المؤسسات العمومية والخاصة، التي تتوصل بطلبات لعقد شراكة معها، تندهش من حجم المبالغ المالية التي يقترحها المعهد لوضع اسمائها وعلاماتها التجارية على الدعوات واللافتات والمنشورات التي يوزعها. والكارثة العظمى هي أن الملفات التي يوزعها على بعض المؤسسات من أجل طلب الدعم والشراكة، تحمل أسماء معاهد عالمية مشهورة «للتينك تانك» think thank في لندن وباريس، مع إشارة إلى أن معهد «أماديوس» لصاحبه إبراهيم الفاسي الفهري تربطه شراكة وتعاون مع هذه المعاهد، وهو الأمر الذي ليس في علم هذه المعاهد العريقة التي وجدت فجأة أسماءها مطبوعة على الملفات التي «يسعى» من خلالها ابن وزير الخارجية إلى قرع أبواب المؤسسات العمومية وجمع الدعم بمئات الملايين. عندما نتأمل هذا التسابق المفضوح لأبناء العائلة الفهرية المشاركة في الحكومة على المناصب والصفقات، نفهم جيدا شعار «المغرب لنا لا لغيرنا» والذي رفعه حزب الاستقلال دائما. فالعائلة الفهرية الاستقلالية تعلمت الدرس مما وقع لعائلة بلافريج الاتحادية عندما خرجت من الحكومة «بلا حمص»، كما يقول المصريون، فقالت سعدة بلافريج، زوجة محمد اليازغي الذي فشل في انتزاع أية حقيبة حكومية لابنه عمر الذي قذف به في أتون الانتخابات بطنجة وفشل، قولتها المشهورة «ولادي ضاعو». لكن العائلة الاتحادية البوعبيدية وعائلة بلافريج تحاولان اليوم بدورهما أن تستردا مكانتيهما ومجديهما عبر محاولة ابنيهما علي بوعبيد وعمر بلافريج بعث الروح في جثة ميت اسمه اليسار بندائهما الذي وقعاه بمعية آخرين وأطلقاه في الفراغ والذي يحمل اسم «مات اليسار يحيا اليسار»، تيمنا بالشعار الذي ترفعه الشعوب عندما يموت الملك ويتم تنصيب ولي العهد مكانه والذي يقول «مات الملك عاش الملك». وعندما نتأمل الشجرة العائلية لعلي بوعبيد وعمر بلافريج نجد أن الأول ليس سوى ابن عبد الرحيم بوعبيد، الزعيم الاتحادي الذي تقلد أكثر من وزارة في عهدي محمد الخامس والحسن الثاني، بينما الثاني ليس سوى ابن أخ سعدة بلافريج، زوجة اليازغي الذي يخيم في الحكومة منذ 12 سنة. وهكذا، فاليسار أصبح بدوره «ساروتا» قابلا للتمليك يتوارثه الأبناء عن الآباء، مثله مثل المناصب الوزارية والوظائف السامية في هذا البلد. وصدق من قال إن المغرب تحكمه 200 عائلة تنفرد بثرواته ومصادر رزقه وتقرر له أي تعليم سيتلقاه أبناؤه وأي الوظائف سيشغلون وأي راتب سيأخذون. وأبناء هذه العائلات المحترمة هم الذين يتناوبون على تدبير شؤوننا في الوزارات والمؤسسات العمومية والمجالس الإدارية للبنوك وشركات القروض التي تمسك بخناق الشعب وتسرق جيوبه. باختصار شديد، فهؤلاء «الأبناء البررة هوما اللي طالعة ليهم فهاد البلاد». وأمثلة أبناء عباس الفاسي والفاسي الفهري تغني عن كل تفصيل. فأكبرهم سنا لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره «قياس الخير»، ومع ذلك نرى كيف ضمنوا مستقبلهم بفضل آبائهم بدون حاجة إلى جرح حناجرهم برفع أي شعار أمام البرلمان. فالشعارات والهراوات واللافتات كلها أشياء يتركونها لأبناء الشعب الذين ليست لديهم جداتهم في العرس. هؤلاء الذين لا تثير أسماؤهم العائلية عندما ينطق بها مدراء الشركات والبنوك سوى الاشمئزاز وهم يتهجون حروفها النشاز. مثل هذا الظلم الاجتماعي هو الذي يحتاج فعلا إلى حركة مثل حركة «مالي» التي خرجت تدافع عن الإفطار العلني في رمضان، يكون شعارها هذه المرة هو «مالي كي جيتكم إلى مكانتش سميتي الفاسي الفهري بحالكم»، ويكون هدفها تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أبناء المغاربة في الحصول على مكان تحت شمس الوطن.