لا أعرف كيف ستستطيع كوثر بنحمو، التي فازت بمقعدها في جماعة بوقنادل القروية، أن تواجه رئيس الجماعة الاستقلالي. فكوثر، رغم وداعتها البادية على الصور التي عممتها وكالة الأنباء الفرنسية على الصحف والمجلات، اختارت ممارسة المعارضة ضد الأغلبية المسيرة لجماعة بوقنادل والتي يترأسها معلم استقلالي سبق له أن «جبد» أذني كوثر عندما كانت تلميذة عنده في القسم. على الأقل، فالمعارضة في جماعة بوقنادل واضحة المعالم، وليست مثلما هو عليه الحال في سلا، حيث يوجد مستشارون استقلاليون في المكتب المسير إلى جانب العمدة لزرق، وفي الوقت ذاته يوجد مستشارون استقلاليون في المعارضة. وهذا انفصام سياسي لم نشهد له مثيلا في العالمين، يستحق أن يدرس في شعب العلوم السياسية كمثال لفصيلة جديدة من الأحزاب اسمها أحزاب «دوبل طيط». وفي حالة كوثر، ليست هذه هي المرة الأولى التي ينطبق فيها بيت الشاعر ابن زياد المزني «أعلمه الرماية كل يوم فلمّا أشتد ساعده رماني، وكم علمته نظم القوافي فلمّا قال قافية هجاني». فهناك أمثلة كثيرة لأساتذة ومعلمين درسوا تلاميذ صاروا، عندما كبروا، من أشرس معارضيهم، أو العكس. والمثال الأكثر شهرة هو المهدي بنبركة الذي علم الحسن الثاني في قسم الرياضيات أبجديات الحساب الأولى، قبل أن يكبر التلميذ ويجلس على العرش وتبدأ بينه وبين أستاذه القديم حرب بلا هوادة انتهت باختفاء الأستاذ إلى اليوم. بالأمس كان السياسيون يختفون بسبب مواقفهم ومبادئهم على يد السلطة، واليوم أصبحوا يختفون بمحض إرادتهم أمام أنظار السلطة لعقد صفقات بيع الضمائر والأصوات. لكن ما أعجبني شخصيا في برنامج كوثر الانتخابي، ليس الصور التي التقطتها وهي تعتلي صهوة الثور الميكانيكي، بل كونها لم ترفع سقف وعودها عاليا. فكل ما تطمح إليه، حسب ما صرحت به لإحدى اليوميات، هو إدخال الماء إلى بيوت سكان جماعة بوقنادل القروية. وهذه، طبعا، ستكون مناسبة لإدخال الماء إلى صيدليتها التي تفتقر إلى ذلك. رغم أن قرار وزيرة الصحة، الذي صدر في الجريدة الرسمية عدد 7 غشت 2008 حول الشروط الصحية المتعلقة بالمؤسسات الصيدلية، ينص بوضوح على ضرورة توفر الصيدلية على مرحاض ومغسل مزودين بصنبورين للماء قبل فتح أبوابها. وإذا كانت كوثر تعد ساكنة جماعتها القروية بقواديس الماء، فإن فاطمة بوجناح، رئيسة جماعة «تيزغت» بنواحي طاطا، والتي لا يتجاوز عمرها 22 سنة، تعد سكان جماعتها بسيارة إسعاف. فالجماعة تفتقر إلى هذا الاختراع العجيب المسمى «لابيلانص». وهكذا ففي الوقت الذي يفتخر فيه عباس الفاسي ووزيره في التجهيز بتوقيع صفقة القطارات عالية السرعة بين طنجة والدار البيضاء، تعيش مناطق كاملة من المغرب على حلم امتلاك سيارة إسعاف تنقل مرضاها ونساءها الحوامل إلى المستشفيات وموتاها إلى المقابر. وتقول آخر نكتة أن أحد المرشحين ذهب عند «فقيه» لكي يكتب له حرزا من أجل النجاح في الانتخابات، وعندما سقط رجع عند «الفقيه» وسأله لماذا لم تقاعست شياطينه على مساعدته على الفوز، فقال له «الفقيه» أن شياطينه عندما اطلعت على برنامجه الانتخابي قررت التراجع عن مساعدته، وأضاف : - هوما اللي جنون وجاهم هاداك البرنامج ديالك صعيب، بقا عاد تقدر طبقو نتا اللي بشار... ومن طرائف هذه الانتخابات أنها لم تفرز فقط وجوها جديدة، بل كشفت أيضا عن وجود صلاة جديدة أصبح يزاولها بعض المنتخبين. فبعد صلاة الداخلية التي يسمونها «صلاة القياد الجمعة والعياد»، ها نحن نكتشف أن هناك صلاة خاصة بالانتخابات، مثلما حدث في سيدي سليمان عندما تعب أحد المستشارين من نطح الصندوق الانتخابي برأسه، فتقابل مع المستشارين الجالسين فوق كراسيهم وبدأ يسجد أمامهم واضعا يديه خلف ظهره، وهو يصرخ «أنا باغي الخير لهاد البلاد». ويبدو أن بعض المستشارين في سيدي سليمان محترفون في «النطيح»، فبعد انتهاء صاحبنا من نطح الصندوق الزجاجي وتكسير أضلاعه، سلم المشعل لأحد زملائه الذي بدأ في نطح حائط البلدية. والمتتبع لطرائف الانتخابات سيلاحظ أن هناك أكثر من طريقة لعرقلة التصويت عندما تسير الأمور عكس مصالح أحد المستشارين. وفي بلدية «ويسلان»بمكناس، وجد أحد المستشارين أن أحسن طريقة لتوقيف البيضة في الطاس وعرقلة عملية التصويت هي الدخول في اعتصام مفتوح داخل المعزل وإملاء شروطه على رئيس الجلسة من وراء الستار. لكن صموده وراء المعزل لم يدم طويلا، واستسلم في حدود الخامسة مساء وقطع اعتصامه وخرج لكي يدلي بصوته مثل الآخرين. وإذا كان بعضهم في سيدي سليمان يحب «النطيح» فإن البعض الآخر في مكناس كشف عن مواهب أخرى في رياضة الأصابع. وأول ضحية لهؤلاء المنتخبين كان أحد الصحافيين الذي جاء لتغطية انتخاب عمدة المدينة، فاكتشف أنهم طاروا له بمحفظته. وإذا كان هذا السارق لم يصمد أمام إغراء حقيبة يدوية ليس فيها سوى الأوراق والجرائد، فكيف سيصبر أمام إغراء سرقة صندوق البلدية المليء بالأوراق المالية. هذه الانتخابات لم تكن فقط انتخابات صعود أول امرأة عمدة في مراكش، وصعود أول صيدلانية في بوقنادل، وصعود أصغر مرشحة في المغرب بطاطا، بل كانت أيضا أول انتخابات ترفع فيها مرشحة دعوى قضائية ضد الدولة المغربية لتعويضها ماديا عن خسارتها في الانتخابات. وتتهم فضيلة العلوي منير، التي ترشحت مستقلة، الدولة بعرقلة مشاركتها في العملية الانتخابية بسبب مشاكل بيروقراطية، مما تسبب لها في مضاعفات نفسية نتيجة أزمتها الانتخابية، كما يوضح الطبيب الذي منحها شهادة تثبت ذلك ومدة عجز قدرها في ثلاثين يوما. وشخصيا، أرى أنه بات من الضروري على وزارة الداخلية أن تفكر في إدخال بند جديد لمدونة الانتخابات، وهو بند التأمين على الأمراض والحوادث التي يمكن أن تقع خلال الانتخابات أو بعدها. فكل من يريد المشاركة في الانتخابات عليه أن يتوفر أولا على تأمين على حياته وسلامته الجسدية. فنحن البلد الوحيد الذي تبدأ فيه الانتخابات بالزغاريد والضحكات في مقرات الأحزاب والشوارع وتنتهي بالعويل والدموع والدماء في المستعجلات. ومثلما للانتخابات ناجون فإن لها ضحايا أيضا. وفي عز الحملة الانتخابية لاحظنا كيف اختفى المنصوري، الأمين العام للأحرار، بعدما وصل ضغطه الدموي إلى 18. ورأينا كيف سقط الحسين الكرومي مغشيا عليه بعد أن طلع له السكر بسبب اقتحام رجال الأمن لبيته بعد شكاية كيدية من خصومه. ورأينا كيف لجأ السنتيسي عمدة سلا السابق إلى إحدى المصحات لكي يجري فحصا شاملا بعد الضغط الذي عاشه خلال الانتخابات التي فقد فيها منصب العمدة. ورأينا كيف انفجر ليلة أمس عرق في رأس الجازولي عمدة مراكش السابق وحمله أبناؤه إلى باريس على وجه السرعة للعلاج. ولو أردنا إحصاء ضحايا الانتخابات لكنا محتاجين إلى صفحات هذه الجريدة كاملة لعدهم. «ها اللي نعس عليه نصو، ها اللي ثقال عليه لسانو، ها اللي جاتو الغمة، ها اللي باقي مسرسر من نهار سقط، ها اللي تغاشى». وكأن هؤلاء فقدوا الأمل في الحياة بمجرد ما فقدوا كراسيهم العزيزة. «ما شكيتو علينا يا لطيف».