يتعرف البولونيون على المغرب في السنوات الأخيرة عبر بوابة مدينة أكادير .. الكثيرون في العاصمة وارسو الذين يسألون عن بلدك الأصلي، وتخبرهم بأنك تنحدر من المغرب، يعبرون عن إعجابهم بمدينة أكادير سواء لأنهم زاروا تلك المدينة أو سمعوا عنها.. يجذبهم إليها، كما تقول سيدة في عقدها الخامس، الشمس والبحر .. والمطبخ المغربي الغني ذو النكهات التي تدفع تلك السيدة إلى التعبير عن نيتها في العودة مرة أخرى إلى تلك المدينة .. هي تؤكد أن البولونيين اكتشفوا في المغرب بلدا يغري بالزيارة ويثير فضول الكثيرين الراغبين في اكتشاف عوالم جديدة، بعدما كانوا يقبلون في السنوات الأخيرة على مصر و تونس.. الحماس الكبير الذي أبدته هاته السيدة في الحديث عن المغرب، أثار انتباه سيدة أخرى، كانت تدخن عند مدخل الفندق الواقع في قلب العاصمة البولونية وارسو، فبادرت بالسؤال عن البلد الذي توجد به تلك المدينة التي تتحدث عنها السيدة، لتجيبها بأن الأمر يتعلق بالمغرب الواقع في شمال إفريقيا، وتنهمك في وصف مميزات البلد، كما لو كانت مرشدة سياحية، لتؤكد السيدة السائلة أن فضولها استثير أكثر بالمغرب الذي سيكون ضمن الوجهات التي قد تفكر في زيارتها في المستقبل. الصعود نحو القمة بولونيا قوة أوروبية صاعدة.. ذلك ما تشير إليه جميع المؤشرات الاقتصادية.. فالبلد الذي ضرب فيه أول مسمار في نعش المعسكر الشرقي قبل أكثر من إحدى وعشرين سنة، انخرط مباشرة بعد نجاح حركة «تضامن» التي قادها «ليش فاليسا» مع ثلة من السياسيين والمثقفين المتطلعين إلى الحرية، في تحول اقتصادي و سياسي، أرسى دعائم الديمقراطية واقتصاد السوق..حيث عملت النخبة السياسية الجديدة على إدخال الكثير من الإصلاحات التي كان لها في بعض الأحيان وقع الصدمة في مجتمع ألف العيش في ظل النظام الشيوعي القائم على الاقتصاد الموجه.. غير أن البلد تمكن بسرعة من طي صفحة الماضي بالكثير من التفاؤل والتوافق والوعي والتضحية والتسامح.. فشرع في سعيه الدؤوب من أجل تأهيل الاقتصاد كي يلحق ببلدان الاتحاد الأوروبي.. الشيء الذي تأتى للبلد في 2004، حيث تقدم بولونيا على أنها النموذج الذي يفترض أن يحتذى به بالنسبة لبلدان أوربا الوسطى والشرقية.. استفادت بولونيا من انتمائها للفضاء الأوروبي لتدخل سوقا أصبحت امتدادا لها وتستثمر المساعدات المالية التي يوفرها الاتحاد الأوروبي من أجل تحسين تنافسية اقتصادها.. كما تشرع في الاستعداد للانضمام لمنطقة اليورو .. في ظرف عشرين سنة تمكنت بولونيا من بناء اقتصاد قوي مازالت إمكانيات تطوره كبيرة.. فقد استطاع البلد تفادي تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاتحاد الأوروبي.. ذلك ما يؤشر عليه معدل النمو الأقوى في ذلك الفضاء.. نمو يدعمه بشكل أساسي الطلب الداخلي المتأتى من تحسن معيشة الساكنة في السنوات الأخيرة.. ذلك ما يتجلى بالنسبة لمن تعرف على البلد قبل عشر سنوات، إذ سوف يدهش اليوم أمام المؤشرات الخارجية للرخاء التي ظهرت في بولونيا بسرعة مازالت تفاجىء بعض البولونيين الذين أصبحوا يبدون فضولا كبيرا لارتياد عوالم جديدة، حيث يزور 10 ملايين سائح بولوني العالم، وهو ما يمثل ربع ساكنة البلد..الذين شرعوا في الثلاث سنوات الأخيرة في التعرف على المغرب عبر مدينة أكادير.. حيث كان الفاعلون في السياحة في المغرب ينظرون إلى مستقبل السوق البولونية بالكثير من التفاؤل، خاصة بعد إطلاق الخطوط الملكية المغربية لخط يصل المغرب ببولونيا. خط كل الآمال كان من بين الاعتبارات التي حذت بشركة الخطوط الملكية المغربية لإطلاق خط جوي بين وارسو وأكادير عبر الدارالبيضاء في أبريل من السنة الماضية، ما لوحظ من إقبال السياح البولونيين على المغرب،حيث قفز عددهم من 9 آلاف في 2004 إلى 31 ألفا في2007و36 ألفا في 2009 و40 ألفا في السنة الفارطة.. رقم كان مرشحا لأن يتطور، حيث راهنت التوقعات على بلوغ 100 ألف سائح خلال السنة الجارية، والسعي إلى مضاعفة ذلك الرقم في السنوات القادمة، بالنظر لاهتمام السياح البولونيين بالمؤهلات السياحية للمغرب، هم الذين ألفوا زيارة مصر و تونس، حيث وصل عدد البولونيين الذين وفدوا على هذين البلدين على التوالي 800 ألف و200 ألف.. الكثير من التفاؤل راود المهتمين بالعلاقات المغربية البولونية، خاصة أن الخط الذي جاء ثمرة اتفاقية بين المكتب الوطني المغربي للسياحة والخطوط الملكية المغربية لن يجلب السياح فقط، بل سيسهل تنقل رجال الأعمال من البلدين. اعتقد المتابعون أن ذلك الخط ليس سوى البداية، حيث كان متوقعا إطلاق خطوط أخرى جديدة.. لكن الخطوط الملكية المغربية سوف تتخذ قرارا فاجأ الجميع، مؤخرا، حيث ارتأت وقف ذلك الخط الجوي.. الكثيرون ما زالوا لم يستسيغوا مبررات القرار الذي سوغته الشركة باعتبارات لها علاقة بإعادة الهيكلة وكون الخط غير مجز من وجهة النظر الاقتصادية.. البعض مستعد لتفهم هذا المبرر، لكنه يشير إلى أن الخط كان واعدا، هذا ما يؤشر عليه مستوى الحجوزات من وارسو، حيث تؤكد بعض المصادر من الخطوط الملكية المغربية أنها كان تغطي كل الفترة بين نونبر الماضي و مارس القادم. وما أثار استغراب الكثيرين أن الناقلة الوطنية اتخذت القرار دون سابق إنذار و فسخت العقود المبرمة مع وكالات الأسفار البولونية، الشيء الذي يمكن أن ينعكس سلبا على إقبال السياح على المغرب في ظل منافسة المصريين والتونسيين الذين يقدمون عروضا أكثر إغراء على مستوى الأسعار من تلك التي يقدمها المغرب.. إلغاء الخط وفسخ العقود أثار غضب العديد من الفاعلين في القطاع السياحي في مدينة أكادير الذين بدؤوا يرون في السياح البولونيين مصدرا إضافيا لإنعاش السياحة في المدينة التي اشتهرت في السنوات الأخيرة باستقطابها للسياح الألمان، ويؤكد مصدر مطلع أن الفاعلين في القطاع في المدينة دعوا إلى بحث وزارة السياحة والخطوط الملكية المغربية والمكتب الوطني المغربي للسياحة عن صيغة لإعادة إطلاق الخط، الذي يعتقد البعض أنه كان يفترض الحفاظ عليه، لأنه سيمكن من تمتين العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، خاصة في ظل الظرفية الاقتصادية الحالية في الاتحاد الأوروبي التي تستدعي التوفر على رؤية شاملة تحاول الاستفادة من الفرص التي توفرها جميع بلدان الاتحاد.. هذا ما يدفع البعض إلى الاعتقاد أن أهمية الخط الجوي لا تكمن في جلب السياح فقط، بل يمكن أن يؤثر ذلك على محور التعاون الذي يرى البعض أنه يمكن أن يتشكل بين الرباط ووارسو. محور وارسو – الرباط « لماذا نحتاج إلى محور تعاون وارسو- الرباط؟»، ذلك هو السؤال الذي حاولت مجموعة التفكير التي تعرف ببولونيا باسم «تينك تانك»، مقاربته على مدى ملف خاص نشرته مؤخرا.. تلك المؤسسة التي تعنى بالعديد من الدول عبر العالم، سعت عبر مسح شامل إلى رصد فرص التعاون بين البلدين في جميع المجالات، لتخلص إلى أن بولونيا التي انخرطت قبل أكثر في عشرين سنة في مسلسل تحول سياسي واقتصادي أهلها لأن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تصبح الشريك الأساسي للمغرب في أوروبا الوسطى والشرقية، في المقابل يمكن للمغرب أن يصبح الشريك الرئيسي لبولونيا في شمال إفريقيا. تلك التوصية العامة التي توصلت إليها المؤسسة بعد زيارة دراسية للمغرب في يونيو الماضي، التقت خلالها العديد من المسؤولين ورجال الأعمال المغاربة. مياكورزاتا بونيكوفسكا، المسؤولة في « تيك تانك»، التي تعتبر إحدى مجموعات التفكير الأكثر نشاطا في بولونيا في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت العديد من المؤسسات التي تنجز العديد من التقارير وتقدم المشورة للحكومة البولونية، تؤكد أن بولونيا يمكن أن تكون أحد البدائل للمغرب في سياق تنويع الشركاء في الفضاء الأوروبي، عوض التركيز فقط على فرنسا وإسبانيا.. غير أنه يبدو أن ثمة جهلا متبادلا بين البلدين بالفرص التي يمكن أن يستفيدا منها، وهي تعتبر أن الخبرة والتجربة التي راكمتها بولونيا، التي عبرت المسار المؤدي إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون مصدر إلهام للمغرب والممارسات الصحيحة، في المقابل تشير الدراسة إلى أن المغرب يمكن أن يصبح شريكا أساسيا لبولونيا في شمال إفريقيا، حيث إن تدعيم العلاقات مع المغرب سيحرر بولونيا من الفكرة التي ترى فيها بلدا يركز أكثر على علاقاته مع روسيا و بلدان أوروبا الشرقية، مما سيجعلها في مركز السياسات الدولية الأوروبية ويمكنها من الاستفادة من دور المغرب في تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط بما يساعدها على التوفر على رؤية مفيدة في ما يتصل ببلورة السياسة الجديدة للجوار. وتلاحظ «تينك تانك» أن استراتيجية التنمية التي يعتمدها المغرب تقوم على استثمار موقعها بين أوروبا وإفريقيا والعالم العربي، مما يشكل أرضية للتبادل الحر يهم مليار مستهلك.. تلك وضعية تجارية يفترض أن تستفيد منها بولونيا بالنظر إلى تجربتها المحدودة فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية مع إفريقيا والعالم العربي. البحث عن فرص المسؤولون عن العلاقات الثنائية في وزارة الاقتصاد البولونية يؤكدون أن المغرب يعتبر من بين البلدان الإفريقية التي تحظى باهتمام كبير بجانب جنوب إفريقيا ونيجيريا ومصر ، لكن يبدو أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين مازالت ضعيفة، فهي تتركز أساسا على المبادلات التجارية التي لا تتعدى حوالي 300 مليون دولار أمريكي في السنتين الأخيرتين، حيث استقرت في 2009 و2010 على التوالي في حدود 252.1 و298.1 مليون دولار أمريكي، بعد أن سجلت قفزت قوية في سنة 2008 حين وصلت إلى 630.8 مليون درهم، غير أن دانوتا سويكا أندريجسفكا، المسؤولة عن العلاقات الثنائية في وزارة الاقتصاد البولونية، تشير إلى أن المبادلات التجارية خلال التسعة أشهر الأولى من السنة الجارية، بلغت 309 ملايين يورو، بزيادة بنسبة 46 في المائة في الفترة نفسها من السنة الماضية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الميزان التجاري يميل لفائدة المغرب خلال تلك الفترة، حيث بلغت صادراته نحو بولونيا 161 مليون دولار، مقابل واردات في حدود 148 مليون دولار. الكثيرون يقرون أن المبادلات التجارية بين المغرب وبولونيا ما زالت ضعيفة. نفس التقييم ينسحب على الاستثمارات، فحسب المسؤولة عن العلاقات الثنائية في وزارة الاقتصاد، تشير الإحصائيات التي يوفرها البنك المركزي البولوني إلى أن الاستثمارات المغربية في بولونيا لم تتعد 500 ألف يورو، فيما بلغت الاستثمارات البولونية في المغرب 2.5 مليون يورو.. يراهن البولونيون على فتح مركز لإنعاش التجارة والاستثمار بمقر القنصلية العامة بالدارالبيضاء. من أجل إعطاء دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، ذلك المركز الذي قد يشكل لبنة أساسية في سعي بولونيا للولوج إلى منطقة شمال إفريقيا و إفريقيا الغربية. وتؤكد مياكورزاتا بونيكوفسكا، المسؤولة في «تينك تانك» الذي أعد التقرير حول فرص التعاون بين المغرب وبولونيا، أن المستثمرين البولونيين يبحثون عن عروض واضحة حول فرص الاستثمارات في المغرب، فهو ينطلقون من رؤية براغماتية تدفعهم إلى التواجد حيث يجدون فرصا مجزية.. فرص يمكن أن تتضح أكثر إذا ما انفتحت الهيئات المغربية المكلفة بجذب الاستثمار الخارجي على بلد مثل بولونيا يعرف انطلاقة اقتصادية لم تنل منها الأزمة..لكن يفترض قبل ذلك تبديد بعض المخاوف التي تراود بعض المستثمرين البولونيين، الذين يتصورون أن الاستثمار في المغرب حكر على بعض بلدان أوروبا الغربية، خاصة فرنسا وإسبانيا.