جماعة ايمينولاون من أكبر الجماعات بإقليم ورزازات، تبلغ ساكنتها حوالي 25 الف نسمة، مقسمة على 60 دوارا ، تقع في الشمال الغربي لمدينة ورزازات على بعد 76 كلم، بالإضافة إلى مسافات أخرى يقطعها القرويون في الدواوير النائية عبر مسالك طرقية جبلية وعرة غير معبدة، كما أنها تعد أفقر جماعة بالإقليم ، مقارنة مع باقي الجماعات المجاورة بفعل السياسة التنموية الهشة المتبعة فيها ، وتعتمد في مواردها على الفلاحة المعاشية والزراعة وأنصاف الترحال... ففي إطار قافلة إعلامية نظمها نادي الصحافة بورزازات، وقف المشاركون على واقع مؤلم بايمينولاون التي مازالت تعاني التهميش وتطالب الجهات المعنية بالالتفات اليها على غرار دواوير اخرى بالمغرب تم فك عزلتها كانفكو وغيرها ... ما يشبه الطريق إلى دواوير ايمينولاون للوصول إلى قرى ايمينولاون ، التي تعني بالامازيغية، فم القلوب، سلكنا طريقا بالاسم فقط ، الكلمترات الأولى تعطيك صورة أخرى عن طبيعة الطرق المعبدة في المنطقة التي لايتجاوز عرضها أكثر من مترين ونصف ، عندما بدأنا طريقنا الى أول محطة في اتجاه قرية أمزري التي تبعد عن جماعة ايمنولاون بأكثر من ثلاث ساعات، اشتدت الأنفس وبدات الأسئلة الاستنكارية للزملاء بالقافلة ممن يزور المنطقة لاول مرة، حول طبيعة المسالك. بدأت الحفر تظهر والانزلاقات واضطر السائق إلى تخفيض سرعة السيارة، حيث تأثرت المسالك بالتساقطات الثلجية طيلة فترة فصل الشتاء. على مشارف قرية امزري صادفنا العديد من النساء المنهمكات في العمل بالحقول و الأطفال الصغار مشيا اوعلى ظهور البغال لجلب الحطب ؛ أثارت انتباهنا بينهم الطفلة خدوج ، يترواح عمرها بين ست وسبع سنوات ، تحمل على ظهرها كيس مؤونة ، يشمل كسرة خبز وقنينة ماء، تقول خدوج، انها لم تلتحق بفصول الدراسة لأنها تعين والدها في رعي الأغنام منذ شروق الشمس الى غروبها. دواوير أمزري .. معاناة بالجملة
قرية أمزري التي تقطنها أزيد من خمسين أسرة ، كل شيء فيها يوحي بالبؤس والحرمان . بمجرد وصولنا إلى ساحة جنب القرية بوادي تساوت حيث تغسل النساء ثيابهن ،اقتربنا من امرأة مسنة تجاوزت السبعين من عمرها تغسل ثيابها في جانب الوادي رغم أنها تجهل سنها لكن ذاكرتها قوية ، حيث مازالت تتذكر تاريخ الاستعمار وحكم فترة الكلاوي ، بعدها تجمع علينا الأطفال بملابس رثة ووجوه شاحبة ، وفي اعتقادهم بأن السيارات الرباعية الدفع التي أقلتنا تحمل إليهم مساعدات في ظل الأزمة والفقر الذي يعيشونه . في حوارنا مع نساء ورجال القرية اكتشفنا أن مطالبهم ليست كثيرة، فالرعاة يعانون من الجفاف و ضعف الكلأ وانعدام الدعم من الجماعة ، حسب الرعاة ، والتي يقتصر ممثلوها بالزيارات فقط اثناء الانتخابات من ولاية الى أخرى ، وتتفاقم وضعية الرعاة مع قساوة البرد والثلوج التي تحاصر المنطقة وتكسو المراعي لاكثر من أربعة أشهر احيانا ، مما يتسبب في وفيات العديد من رؤوس الأغنام ، وحصار المنطقة يلقي بظلاله أيضا على المؤن الغذائية التي لاتكفي لسد الحاجيات مما يفتح المجال لبعض التجار الصغار ، أثناء انتهاء المواد الغدائية المخزنة لدى الاسر، إلى الرفع من أسعارها ، أوعلى الأسر الضعيفة استعمال دوابها لأكثر من تسع ساعات في تلك الظروف القاسية لاقتنائها في متاجر الجماعة. فالنساء أيضا اشتكين من قلة الأدوية وارتفاع تكاليف العلاج أثناء التنقل، ومن الأمراض المنتشرة بكثرة، حسب تصريح نساء القرية، نجد أمراض المعدة والأمعاء وأمراض العيون بسبب تلوث مياه الشرب التي مصدرها الاودية والسواقي ، رغم تعدد الشكايات والملتمسات للجماعة ولعمالة الإقليم لتزويد البيوت بالصنابير والمياه المعالجة، إلا أن صرخاتهم لم تلق آذانا صاغية وتفوح منها رائحة حسابات سياسية ضيقة ، بسبب سخط أهل الدوار وعدم التصويت لفائدة رئيس الجماعة الذي تربع على كرسي الجماعة لازيد من ثلاث عشرة سنة دون فائدة تذكر لأهل الدوار ، حسب رواياتهم، حيث معاناتهم لاتنقضي. ويحكي افراد الدوار أن الحملات الطبية النادرة للدوار يكتفي بعضها بتوزيع بعض الادوية ويتم استعمالها دون تشخيص للامراض المنتشرة بكثرة بين صفوف الأطفال والنساء، خصوصا الحوامل منهن اللواتي يعانين أثناء الولادة في غياب مولدة، ليضطر أهل الدوار الى حملهن على ظهور البغال قاطعين مسافات بعيدة بين مسالك جبلية وعرة الى حدود مقر الجماعة، على أمل إيجاد سيارة إسعاف تأتي او لاتأتي، لإيصالها الى المستشفى الاقليمي. وتفيد تصريحات نساء الدوار بأن غالبية الحوامل يفارقن حياتهن لعسر وغياب سبل الولادة! استوقفنا أثناء مغادرتنا للقرية، أحد الأطفال، يحمل قصاصة جريدة عليها صورة الناخب الوطني غيريتس، ويهتف بالفريق الوطني وأسماء اللاعبين: خرجة ، حجي، بوصوفة.. ولما سألناه عن أداء الفريق الوطني في كأس افريقيا أدهشنا جوابه بأنه غير مُرضٍ ، وبخصوص السبب أشار الى صورة غيريتس بالقصاصة ! بالقرب من امزري نجد قرية تسكيولت ايت عفان، على بعد 10 كلمترات تقريبا . وجدنا في استقبالنا مطيع محمد رئيس جمعية تسكيولت للتنمية ، الذي كان يعلم بقدومنا، ليحدثنا عن معاناة القرية التي تقطنها أزيد من 90 أسرة ، معاناة لاتختلف عن الدوار الذي زرناه، من قساوة المناخ وضعف التطبيب والتعليم، ويطالبون بتعبيد المسالك الطرقية وتحسين ظروف الصحة والتعليم، فعدد التلاميذ بالقرية 125 تلميذا يتمدرسون في فصلين دراسيين فقط وخمسة أساتذة، يدرسون حوالي ساعة ونصف في فصول الدراسة يوميا ، والغريب في الأمر أن الوثائق النيابية تحتوي على خمسة أقسام في حين يوجد اثنان على ارض الواقع، يعانيان من الاهتراء. ويؤكد تصريح احد الأهالي أن مدرسة تسكيولت أنتجت فقط منذ افتتاحها سنة 1993 شابين حصلا على الباكالوريا، واحد منهما اتجه الى التدريس بأقسام محوالأمية بالدوار والآخر يعمل في فن الجبص كمياوم؛ وقد أكد محمد بوركعة المتحدر من اقليمكلميم أستاذ بتسكيولت لثماني سنوات من العمل بالمدرسة ، ان بداياته كانت صعبة مع السكن الوظيفي البارد ومع التلاميذ المرتبط التحاقهم بالفصول الدراسية بطلوع الشمس والتدفئة، وقد ازداد عدد التلاميذ بعد برنامج مليون محفظة وبرنامج تيسير اللذين خفضا من الهدر المدرسي، لكن يبقى المستوى الابتدائي كأول وآخر محطة تعليمية للفتيات لامتناع أهاليهن عن إلحاقهن بالإعدادي بعيدا عن الدوار، إما خوفا عليهن أو من اجل مساعدتهم في الأشغال اليومية الشاقة. ويعاني الفلاحون بالدوار من فقدان رؤوس الاغنام، حيث وصلت هذه الأيام ، في فصل الشتاء، إلى حدود 500 رأس بسبب الجوع والمرض أثناء الحصار . ويحتفظ سكان القرية بحدث المروحية التي استعملت في حمل الصناديق في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة وكيف انه لم يتم تسخيرها في حمل الإعانات والمساعدات لهم في ظل الظروف التي يعيشون فيها هذه الأيام . بدوار اشباكن الذي يدل اسمه على الالتواءات والمنعرجات ، وهي نفس الميزة التي تعرفها مسالكه الضيقة والطريق إليه ، حيث تبدو لك المنازل الطينية المغطاة بالقش معلقة في الجبال كأنها منحوتة تسكنها 120 أسرة ، ومنها من يصل عدد أفرادها الى 40 فردا ، تعتمد في عيشها على الفلاحة المعيشية والتي في الغالب تتضرر بسيول الوديان والفيضانات التي تعرفها المنطقة بكثرة. وسجلنا نفس وضعية الدوارين الأولين على المستوى الصحي والتعليمي وظروف العيش، ويستاء الأهالي من عدم توفر غالبيتهم على البطاقة الوطنية لضعف الإمكانيات المادية ومصاريفها وعدم وصول حملات البطاقة التعريفية التي تنظم على مستوى المناطق النائية ، مما فتح المجال أيضا لظاهرة الزواج بدون عقود المقتصرة على الطريقة التقليدية بقراءة الفاتحة بين عائلتي الزوجين، ومن النساء من تجاوز عمرهن 65 سنة ولا يتوفرن على تلك العقود أيضا . المنصوري بديعة التي صادفناها وسط الدوار ، في الثامنة عشر من العمر ، أم لأربعة أطفال أصغرهم يبلغ من العمر سنتين، ومازالت بدون عقد زواج اوبطاقة وطنية تخول لها تسجيل أبنائها في السجلات الرسمية ، زوجها المياوم ، تقول بديعة، أن مايوفره غير كاف للقوت اليومي، فكيف يتم التفكير في عقد الزواج وتكاليفه الباهظة التي تستدعي التنقل إلى مقر الجماعة والبعيدة عن الدوار وبمعية شهود تتكلف بمصاريفهم التنقلية، ناهيك عن مستحقات العدول ومبلغ استخلاص ورقة عقد الزواج ؟ ليبقى همهم الوحيد توفير لقمة العيش اليومي و الاحتماء من البرد القارس! إمكانيات طبيعية منسية إمكانيات هائلة تجمع القرى بايمينولاون تفسح المجال أمام التفكير في مشاريع سياحية تنموية باستغلال تلك الفضاءات فيما يصطلح عليه بالسياحة القروية والجبلية تعود بالنفع على تلك الدواوير وتشغا شبابها، علما بأن أفواجا سياحية قادمة من ازيلال المتاخمة لها حدوديا، تقوم باستغلال كل مساحات الدواوير وتنصب فيها خيامها في فصل الصيف دون فائدة تعود على تلك الدواوير، وتطرح تساؤلا عن المستفيد الأكبر من هذه الصفقات بين المكلفين بهذه الأفواج والجماعة؟ السعدية : إتمام الدراسة حلم مازال يراودها السعدية من دورا أمزري في السادسة عشر من العمر، التحقت بدروس محو الأمية بعد مغادرتها لفصول الدراسة بالسنة الخامسة ابتدائي لضعف الإمكانيات لشراء اللوازم المدرسية، ولمساعدة عائلتها المعوزة المتكونة من 12 فردا في جمع الحطب المستعمل للطهي والتدفئة من البرد القارس ، رفقة فتيات الدوار في أماكن نائية. تحكي السعدية مأساتها بنوع من الحنق ، حيث تستيقظ فجرا ولا تعود إلى الدوار الا في وقت متأخر من المساء، لبعد المسافة التي تحطب فيها ؛ زادها اليومي قليل من الخبز والماء ، متحدية قساوة البرد والمسالك الوعرة، ولاتخفي السعدية ابتسامتها لما تتحدث عن أحلامها لزيارة المدن المغربية الكبرى، وهي التي لم تفارق الدوار منذ ولادتها حتى إلى اقرب الدواوير المجاورة، شأنها شأن غالبية الفتيات حتى ممن يكبرنها سنا وأملها تعلم الخياطة أو إتمام تعليمها لتصبح مربية للأجيال، حتى أن فكرة اشتغالها بالمدن الكبرى كخادمة ترفضها ، بداعي الخوف والوعي بالاستغلال الممارس على الخادمات، وبرغبة في الرجوع للزواج وسط الدوار لمساعدة أسرتها.