تكملة للأنشطة التي شهدتها فعاليات الدورة الثامنة عشر من المعرض الدولي للنشروالكتاب،وفي إطار برنامج اتحاد كتاب المغرب وبالتعاون مع وزارة الثقافة، نظمت يوم الجمعة 17 فبراير ندوة حول : «صورة المغرب في الكتابات الإسبانية»في محاولة لرصد التمثلات والتصورات الجماعية والفردية الاسبانية للمغرب من خلال المرور بالإبداع الأدبي والإنتاجات السمعية البصرية وغيرها. شارك في هاته الندوة نخبة من الباحثين وطائفة من أساتذة الدراسات الإسبانية: محمد الصالحي ومزوار الإدريسي ومحمد أقضاض وخالد الريسوني ومصطفى النحال و محمد بوخزار . استهل هذا الأخير، وهو أحد المختصين في العلاقات المغربية الإسبانية، الندوة بالحديث عن صعوبة تحديد صورة المغرب في الكتابات الإسبانية، إذ أن هناك افتقادا لنوع من الوثائق السرية الهامة والتي من شأنها تحديد هذه الصورة، وهي وثائق تحررها المخابرات و السفارات و الممثليات القنصلية الإسبانية فيما يخص علاقتها بالمغرب. ولم يفت الأستاذ بوخزار أن يشير إلى الصحافة الإسبانية التي تتناول صورة المغرب بشكل مغلوط، ذلك أنها تتغذى باستمرار على أحقاد ماض شابه الصراع التاريخي والسياسي والاقتصادي. ولم يغفل الأستاذ محمد بوخزار أن ينعت الإعلام المغربي « بالكسول» لأنه لا يجرؤ أن يقف موقف الند إزاء الإعلام الإسباني المغرض و المستهدف لبلدنا. بعد تسليط الضوء على الجانب الإعلامي، تناول محمد الصالحي، وهو أستاذ متخصص في الآداب الإسبانية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جانبا آخر، هو: واقع الأدب المغربي في الدراسات أو الأبحاث الجامعية بإسبانيا؛ و ذلك بمقارنة ما ترجم ودرس من الأدب المغربي بما ترجم ودرس من آداب الدول العربية الأخرى وكذا تعداد المؤلفات والقصائد الشعرية المترجمة إلى الإسبانية والدراسات التي أنجزت حولها. وأكد الأستاذ أن اهتمام المستعربين الإسبان بالأدب العربي شهد قفزة نوعية في النصف الثاني من القرب العشرين مع ظهور عدة مراكز ثقافية و شعب الدراسات العربية بالجامعات الإسبانية، مما أخرج للوجود مجموعة من المستعربين على شاكلة فيديريكو اربوس و ماريا خيسوس بيبيرا وكارمن لويس برابو وماريا روسا دي مادارياغا و آخرين. فهؤلاء جميعا اعتمدوا الترجمة وسيلة للتعرف على ثقافة الآخر؛ وهكذا ظهرت وقتها مجلات متخصصة في دراسة الأدب العربي، من بينها «أوراق» و«المنارة» و «الاستعراب». أما فيما يتعلق بالمؤلفات و القصائد التي ترجمت إلى اللغة الإسبانية، فعددها يبقى نزرا يسيرا إذا ما قورنت بما ترجم إلى الإسبانية من آداب الدول الغربية. إذ يعادل العدد الإجمالي للمؤلفات العربية المترجمة للغة الإسبانية 400 مؤلف تتضمن أعمالا شعرية و روائية و مسرحية و قصصية. و عند تقسيم هذا العدد على الدول العربية، فسنجد أن ما ترجم عن الأدب المغربي هو -للأسف الشديد-ضئيل إذا ما قورن بنظيره في أرض الكنانة. وتطرق مزوار الإدريسي، وهو مترجم ومهتم بالآداب الإسبانية، لصورة المغرب في عمل رحلي من تأليف الكاتب الإسباني دومينيغو فرانسيسكو باديا الذي سمى نفسه بعلي باي في هذا العمل. وقد قدم فرانسيسكو باديا تصورا شاملا ودقيقا لمدينة طنجة من خلال الوصف الفلكي والجغرافي والعاداتي وتفاصيل الحياة الطنجوية. أما خالد الريسوني، وهو شاعر و مترجم و باحث، فقد رأى أن حضور المغرب في الرواية الإسبانية يتجلى في ثلاثة مظاهر، أولها يضم أعمالا اتخذت المغرب، ولاسيما مناطق الحماية الإسبانية، فضاءً للأحداث؛ وثانيها قدم صورة فنية للحروب الإسبانية المغربية، منها نصوص ركزت على حرب تطوان أو حرب إفريقيا كما يسميها البعض كرواية «يوميات شاهد على حرب إفريقيا» لبيدروأنطونيو دي ألاركون؛ وثالث هذه المظاهر يضم أعمالا مثلت حرب الريف ومثالها رواية «الحصن الخشبي» لخوسي دياث فيرنانديث. ومن جهته، ركز محمد أقضاض، ناقد ومتخصص في الرواية والسرديات ،مداخلته على صورة المغرب في رواية «عيطة تطاون» لمؤلفها بينيتو بيرث غالدوس. إذ أن هذه الرواية تختزن ثلاث زوايا تشكل تصور الإسبان للمغرب و المغاربة. أولاها ترى أن الإسبان والمغاربة إخوة، وتجسدها في الرواية شخصية خيرونيمو أنسوريث، أما ثانيتها، فهي زاوية المرتدين الإسبان، الذين يرون أن العيش في المغرب يحتم عليهم أن ينافقوا، وتجسدها شخصية غونثاليث أنسوريث، ابن خيرونيمو، الذي سمى نفسه بالحاج محمد منصور الناصري، وهي شخصية مركبة اتخذت علي باي نموذجا لها، وقد عاشت بوجهين، واحد مع السلطة المغربية والآخر مع إسبانيته. وبالنسبة للأستاذ مصطفى النحال ناقد وباحث أسهم بكثير من المقالات والأبحاث والدراسات في مجال الثقافة العربية، وهو آخر متدخل في هذه الندوة الشيقة والممتعة،التي غاب عنها-للأسف- الأستاذ العربي المساري، فإن الكتابات الإسبانية تعتبر مطبوعة بصورة واحدة رغم تنوعها النسبي،لمتخيل واحد هو أن المغربي أو المورو تحكمه صورتان: الآخر المهرج والباعث على السخرية، أوصورة الآخر العدو أو الإرهابي في اللغة المعاصرة. وهذه الصورة المزدوجة ليست وليدة اليوم، بقدر ما تعود إلى الكتابات القديمة و خصوصا منذ رواية دون كيخوتي دي لامنشا لسيرفانتيس. وهذه النظرة المزدوجة هي التي تؤججها اليوم الكتابات الاجتماعية والسياسية العنصرية. وقد بين الدكتور النحال كيف أنه بقدر ما يكون الخطاب السياسي والاجتماعي واضحا وصريحا، في هذه النظرة المزدوجة، بقدر ما تكون الكتابات الأدبية متناقضة في خطابها، لأنها تستعمل لغة مجازية واستعارية تخون نواياها في بعض الأحيان.