سقط غونزالو فيرنانديث في حبال الأدب المغربي منذ سنوات طويلة، ويعد أحد أبرز المثقفين والمترجمين الإسبان الذين اشتغلوا على نصوص عديدة، إذ إنه ترجم رواية الساحة الشرفية للأديب عبد القادر الشاوي ويوميات مهاجر سري لرشيد نيني بمعية المترجمة مليكة ملاك بعدما أعاد إحياء مدرسة طليطلة للترجمة. في هذا الحوار، يحكي بعضا من صور عشقه للأدب المغربي وقصته مع اللغة العربية. هنا نص الحوار: - من أين نبع اهتمامك بالأدب المغربي في الوقت الذي يتجه فيه أغلب المستعربين الإسبان إلى النهل من الينابيع الكبرى للأدب العربي في المشرق؟ < الحقيقة أن اهتمامي بالأدب المغربي نابع من شغفي الكبير بالأدب بصفة عامة، سواء كان مغربيا أو مشرقيا، باعتباره إنتاجا إنسانيا مسيجا بالمشاعر، أجدني متلهفا على قراءته والاشتغال عليه، والأمر الثاني الذي شدني إلى الأدب يعود إلى دراستي للغة العربية التي وقعت في حبها. - كم سنة استغرق امتلاكك لناصية اللغة العربية؟ < في هذا الشهر أكمل عشرين عاما من أول عمل لي مارسته باللغة العربية بعد تخرجي من الجامعة، واشتغلت في وكالة الأنباء الإسبانية (إيفي) في الرباط باعتباري مترجما، وفي الوقت نفسه كنت أتعلم مبادئ مهنة الصحافة. لقد كانت تجربة رائعة ومفيدة بجميع المقاييس، ففي آواخر الثمانينيات من القرن الماضي أدركت وكالة الأنباء الإسبانية أن هناك حاجة ملحة إلى صحافيين يتقنون العربية، وفكروا وقتها في توظيف مستعرب وتلقينه اللغة العربية، وهكذا كان، فبدأت حياتي في مغرب نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. - كيف عشت الأجواء الأدبية والإعلامية في تلك الفترة باعتبارك صحافيا اسبانيا مستعربا ذا ميول أدبية؟ < وقتها أهم، كان أهم الأدباء يكتبون من داخل السجون، وكان شعار تلك الفترة ليس الإبداع في حد ذاته وإنما ضرورة الاهتمام بحقوق الإنسان، وأتذكر أنني كتبت مقالات حول هؤلاء السجناء والتقيت ممثليهم ومسؤولي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفي تلك السنة تأسست المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لذلك كانت البلاد تعيش حركية غير عادية، ارتفعت وتيرتها مع الوقت، وشعرت فعلا بأهمية الموضوع رغم أن مدير مكتب وكالة الأنباء الاسبانية كان يهتم أكثر بالأمور السياسية والعلاقات الثنائية. وفي تلك المرحلة، بدأت أتعلم الدارجة المغربية، لأنني أدركت أن تكلم الدارجة المغربية سيكون مفيدا جدا من الناحية التواصلية ولفهم المجتمع الذي أعيش بين ظهرانيه، وبالتالي شكل اهتمامي بالأدب المغربي نافذة أفتح شبابيكها على المغرب برمته. - ماهي أولى الروايات المغربية التي طالعتها وجعلتك تزداد عطشا ورغبة في ارتواء من ينابيع هذا الأدب؟ < بدون شك، فإن تأثير «الخبز الحافي» كان واضحا وعلّم مثل الوشم في ذاكرتي، ليس فقط لكونها رواية سير ذاتية مغربية، لكنها نص سردي ذو أهمية في الأدب العالمي. وما شدني إلى الرواية هو تلك الجرعة الزائدة غير المعتادة في تلك الفترة من البوح بكل ما هو مسكوت عنه اجتماعيا وسياسيا، إضافة إلى الجانب الجمالي، فالنص الأدبي في رواية الخبز الحافي جذاب من حيث جمالية اللغة، كما أن الناس كانوا يقرؤونها بصفة سرية بحكم أنها كانت ممنوعة في تلك الفترة، وحصلت بدوري على نسختي الأولى عن طريق بعض الأصدقاء في مدينة فاس، بعدما جاء إلى مقهى كنت أجلس فيه رجل مجهول واشتريت منه نسخة قديمة يبدو أن أزيد من مائة شخص قرؤوها، وخمنت وقتها أنهم كانوا شبانا مغاربة متعطشين لسبر أغوار الرواية الممنوعة. - كانت الرواية إذن أشبه ببيانات الحزب الشيوعي في عهد فرانكو، تقرأ في سرية مطلقة؟ < (يبتسم)، نعم ، بدون شك. - مواكبتك للأدب المغربي قديمة، هل تعتقد أن رحمه مازالت ولودا؟ < عدت إلى المغرب مرة أخرى من أجل تحضير بحثي الأكاديمي المتعلق بأطروحة الدكتوراه، وبدأت أشتغل في ميدان الأدب المغربي بأفق أوسع، واشتغلت على عدة مجالات صادرة في الستينيات والسبعينيات، كنت أشتريها من «جوطية» الرباط، وكنت أحاول أن أفهم كيف بدأ هذا الأدب المغربي وأيضا التغيرات التي لحقت به قبل أن يصبح على ما هو عليه، مثلما تابعت ملاحق المحرر والبيان والعلم الثقافي، بل إنني أمتلك نسخا من رسالة المغرب ومجالات تعود إلى الأربعينيات، والواقع أنني كنت أعثر في «الجوطية» دائما على أشياء نادرة ونفيسة. - ألم تكن تلتفت إليك الأنظار وأنت تتجول في «الجوطية» بحثا عن الصحف والمجلات، خصوصا وأن إسبانا قلائل هم الذين لهم مثل هذه الاهتمامات؟ < نعم، خصوصا وأن الاهتمام الإسباني بالشؤون المغربية كان إلى وقت قريب اهتماما سياسيا وتاريخيا أي بالتاريخ المشترك، سواء كان أندلسيا أو في فترة الحماية، والاهتمام بالشؤون الأدبية كان قليلا، ومن هذه الناحية لم يكن الفضاء الأدبي المغربي معتادا على التعامل مع باحث أجنبي مثلما كان عليه الأمر في باقي المجالات. - بعد تجربة في المغرب عشت فيها تفاصيل حقبة مهمة من تاريخ الجار الجنوبي، هل لمست بعد عودتك إلى اسبانيا زيادة في وعي الأدباء الإسبان بالأدب المغربي؟ < هذا سؤال مهم، في بداية التسعينيات عشت سنتين في طنجة والرباط، كنت خلالها متعاونا مع مدرسة فهد للترجمة، وعملت أيضا في جامعة محمد الخامس. وبعد عودتي إلى إسبانيا عام 1994 قمت بإحياء مدرسة طليطلة للمترجمين، واتفقنا خلالها على ترجمة الأدب والفكر المغربيين، وترجمنا بعض النصوص القليلة للكتاب المغاربة بالفرنسية، لكننا ترجمنا إلى العربية عدة نصوص وكانت أول ترجمة بالعربية منذ فترة الحماية، وبدأنا الترجمة للكتاب المغاربة ومؤسسي الأدب المغربي، لذلك ترجمنا لعبد المجيد بنجلون وعبد الكريم غلاب وعابد الجابري من الناحية الفكرية، وترجمنا نصوصا لها علاقة بالواقع الراهن، فمثلا ترجمت بمعية المترجمة مليكة مالك «يوميات مهاجر سري» لرشيد نيني، وكان الهدف الرئيسي هو تقريب الواقع الأدبي المغربي إلى ذهنية الإسبان.