تحل في 20 فبراير 2012 الذكرى الأولى لميلاد حركة اجتماعية/ احتجاجية َطبعت الحياة السياسية المغربية - خلال سنة بكاملها- بطابع خاص أحدث تغييرا في نمط اشتغال هذه الحياة، وكان لمحمد معتصم الفضل في إبراز خصائصه في كتاب «الحياة السياسية المغربية» ، و برز أول وقع - من شأنه إعادة النظر في بعض هذه الخصائص/الثوابت - في فوز حزب العدالة و التنمية حيث لم تعد نتيجة صناديق الاقتراع معروفة، و/أو مصنوعة، قبل الاقتراع، وبالمقابل عدم فوز ما اصطلح عليه ب«حزب الدولة». وقد ظهرت في سياق تاريخي تطبعه السمات التالية: أولا .. حراك شعبي جماهيري عربي ستنتج عنه في نفس السنة - كانت البداية في نهاية شهر دجنبر2010 في تونس بموت البوعزيزي- نهاية أنظمة تسلطية عمرت لسنوات لم يكن انسحابها من الحياة السياسية لبلدانها ممكنا إلا بالموت أو بالوراثة - في إطار ما اصطلح عليه ب «الجمهوريات الوراثية» - . ثانيا .. سيادة خطاب النهاية من قبيل: «نهاية الثورة»،«نهاية السياسة»، «نهاية الايدولوجيا» و «نهاية الالتزام»... مع ما نتج عن ذلك من خطاب متشائم يقلل من إمكانية التغيير الديمقراطي نتيجة لامبالاة الناس بقضايا الشأن العام. ثالثا .. و في سياق دولي تنتشر فيه الحركات الاحتجاجية المناهضة للعولمة و للرأسمالية في إطار ما يصطلح عليه ب «الاحتجاجات المضادة للنظام» ( أنظر، ريتشارد اتش روبنز: المشاكل العالمية و ثقافة الرأسمالية،ص.551 و ما بعدها) أو «أعمال الشغب المحلي» (أنظر خافيير أوبيرو،«العولمة وأعمال الشغب المحلي»، ترجمة د.محمد السيد عبد الغني، الثقافة العالمية، عدد115، نوفمبر2002، ص. 34 - 55) و التي تمتد تاريخيا خاصة منذ سياتل 1999 إلى حركة «احتلوا وول ستريت» اليوم . رابعا .. نهاية احتكار مؤسسات الدولة لوسائل الاتصال، خاصة شبكة الانترنت، رغم ما كان يقوم به النظام التونسي من رقابة صارمة على هذه الشبكة جعلته يصنف ضمن «أعداء الانترنت» حسب المنظمات الحقوقية - و أحيانا عدم قدرة أجهزتها على مراقبة طريق سريع للمعلومات افتراضي يشتغل ليل نهار و بدون توقف، مما نتج عنه ما يسمى ب «سيادة المتلقي» في مواجهة سيادة الدولة. أين سنصنف حركة 20 فبراير ..؟ بعد هذا التقديم، نطرح السؤال التالي: أين تصنف «حركة 20 فبراير من أجل الكرامة» ؟ هذا يقودنا إلى طرح السؤال الذي سبق لجان ماري دانكان أن طرحه - في كتاب علم السياسة - : من يعمل في العالم السياسي؟ و قدم عدة أجوبة : - الأفراد فقط يعملون؛ - المجموعات الواسعة كالطبقات و الأمم [هذا الجواب يستبعده الكاتب للطابع التجريدي لهذه الكائنات] ؛ - مجموعات تتكون بناء على عملية تأسيسية محددة بحيث يكون لها وجود مستقل عن الأفراد الذين يشكلون القاعدة الملموسة لها» (ص. 205). وحسب توم بوتومور- في كتاب «علم الاجتماع السياسي»- عند تحليل العمل السياسي - أو بعبارة أخرى، الصراعات على السلطة - من الضروري النظر أولا إلى فعاليات الفئات الاجتماعية بدلا من أعمال الأفراد، حتى وإن كان ينبغي أحيانا أن نأخذ تأثير أفراد معينين بنظر الاعتبار في دراسة حالات معينة. و من الخطوات الأولية في هذا التحليل تمييز الطرق المختلفة التي قد تنخرط بها فئات اجتماعية في السياسة. و طبيعة الفئات المعنية، و من الواضح أن هناك تنوعا عظيما جدا، يتراوح من الاحتجاجات المتفرقة، و المشاغبات، و التمردات أو الانقلابات إلى الفعاليات الأكثر استمرارية للأحزاب السياسية المنظمة، أو مجموعات الضغط، أو الضباط العسكريين المتسيسين، إلا أن معظم هذه الظواهر يمكن تصنيفها، كما أعتقد، تحت فصيلتين عريضتين سأشير إليهما بمصطلحي الحركات الاجتماعية و التشكيلات السياسية المنظمة»(ص.52). تصنف حركة 20 فبراير ضمن ما يصطلح عليه بالحركات الاجتماعية ، وهي ظاهرة تعود في نشأتها ، على الأقل في التاريخ الأوربي، إلى سنة 1750 كما ذهب إلى ذلك تشارلز تلي ((Charles TILLY في كتاب: الحركات الاجتماعية (1768 - 2004) ففي هذه السنة ، يقول الكاتب:« دأب البروتستانت في أوربا على شن حملات شعبية مستدامة ضد السلطات الكاثوليكية من أجل الحق في ممارسة عقيدتهم الهرطقية. و دخل الأوربيون في قرنين من الحروب الأهلية و التمردات التي كان للانقسامات البروتستانتية/ الكاثوليكية دور محوري في وقوعها )ص 40) - و قد ظهرت الحركات الاجتماعية حسب هذا الأخير عن «توليفة ابتكارية تسلسلية قوامها العناصر التالية: -مجهود عام مستدام و منظم يملي مطالب جماعية على سلطات مستهدفة (يطلق عليه اسم «الحملة»). - توظيف توليفات من بين أشكال العمل السياسي التالية: خلق جمعيات و تحالفات ذات أهداف خاصة، لقاءات عامة، مواكب مهيبة، اعتصامات، مسيرات، مظاهرات، حملات مناشدة، بيانات في الاعلام العام، مطويات أو كراسات سياسية ( يسميها ب«ذخيرة الحركة الاجتماعية»). - تمثيل الأطراف المشاركة لجملة من الصفات العامة الموحدة (يسميها اختصارا ب«عروض الوقفة»)، و هي: - الجدارة: تصرف بوقار؛ ملبس مهندم؛ حضور رجال الدين و الوجهاء و الأمهات مع أطفالهن. - الوحدة: شارات متضاهية، أو وضع عصابات موحدة على الرأس، أو لافتات، أو أزياء موحدة، السير في الصفوف، غناء و ترانيم. -العدد: أعداد المشاركين، الحاضرين، الموقعين على التماس، رسائل من القاعدة الشعبية أو المساندين، ملء الشوارع. -الالتزام:«تحدي ظروف الطقس السيئة، مشاركة واضحة من كبار السن و المعاقين، مقاومة القمع، التضحية الاستعراضية، تسديد الاشتراك،و/أو التبرع بالمال. ليخلص إلى أن هذه التعبيرات المصطلح عليها تتنوع بشكل كبير من موقع إلى آخر، لكن التواصل العام الذي توفره مفردات الوقفة يربط بين تلك التعبيرات بعضها البعض» (ص 39 - 40). يتضح من خلال تتبع مسيرات حركة 20 فبراير، منذ أول ظهور لها في الساحات العمومية في مختلف ربوع الوطن، اعتمادها لهذه التوليفة من العناصر مع استعمالها المكثف لشبكة الإنترنت، وما تخلقه من «شعور الناس المنفصلين جغرافيا بأنهم يتحركون وفق إيقاع مشترك» (تشارلز تلي، 47). وقد عبرت الحركة في أرضيتها التأسيسية عن تميزها بالخصائص التالية: الاستقلالية عن باقي الفاعلين ؛ العمل في إطار القانون والمواثيق الدولية؛ العمل الميداني؛ التظاهر السلمي و الاستعداد للعمل مع الجميع على أرضية المطالبة بالكرامة. كما تميز خطابها و ممارستها بنبذ العنف، و هذا في نظر العديد من المتتبعين من مميزات هذه الحركة، ذلك أن كل استعمال له هو نفي للسياسة كممارسة سلمية قوامها الصراع و التنافس و التدافع السلمي، من جهة، ومن شأنه أن ينقل مرتكبه من خانة الفاعل السياسي- الذي يعترف باحتكار الدولة عبر أجهزة مختصة للعنف المشروع - إلى خانة الفاعل المعاقب جنائيا، من جهة أخرى. بعد هذا التقديم، و بصدد محاولتنا قراءة الفعل السياسي لهذه الحركة و نتائجه السياسية بمناسبة مرور سنة على نشأتها - مع ما قد يعترض ذلك من معيقات ابستمولوجية، خاصة تلك المتعلقة بالقدرة على الانفصال الذاتي عن الموضوع و القدرة على عدم التأثر بالرأي الشائع- يمكننا بحث هذا الموضوع على مستويين: 1- الخطاب؛ 2- و الممارسات. ولهذا الغرض سأتناول الموضوعات التالية: - خطاب الإصلاح.. - الاستقرار السياسي. - قوة الجماهير. - الاعتراف بسياسة الاحتجاج. - الأزمة و صناعة القرار. - 1- خطاب الإصلاح : عكس ما شهده الحراك العربي من خطاب ثوري نجم عنه فعل سياسي ثوري، بمعنى التغيير الجذري لرؤساء لم يكن أحد - من المهتمين بالدراسات الاستشرافية في حدود علمنا - يتوقع أن ينتهي حكمهم بهذه الطريقة و بهذه السرعة ، فإن الحال في المغرب سيكون على خلاف ذلك بسيادة خطاب الإصلاح : بمعناه الاصطلاحي العربي أي «الإصلاح ضد الإفساد» أو بمعناه الاصطلاحي اللاتيني « إعادة تشكيل الصورة» (حسب المرحوم الجابري)، و يتجلى ذلك في المطالبة بتقييد سلطات الملك باعتباره - كما جاء في الأرضية التأسيسية للحركة - «رمزا لوحدة الأمة دون صلاحيات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية» و ليس نهاية النظام الملكي. و يتجلى هذا التقييد في الانتقال من ملكية «مطلقة» و «نافذة» إلى «ملكية برلمانية»، «يملك فيها الملك و لا يحكم»، و بذلك التقت مطالب الحركة، بهذا الخصوص، مع مطالب بعض الفاعلين السياسيين بالمغرب المنادين بملكية برلمانية و بتقييد سلطات الملك. و هذا يعني أن مطالب الإصلاح المعلن عنها ليست جديدة- فقد شغل موضوع الإصلاح، حسب علي كريمي، النخبة السياسية و الفكرية المغربية منذ ما يزيد على قرن من الزمن- لكن الجديد اليوم هو بزوغ فاعل جديد و آليات جديدة للتأثير و التعبئة (شبكة الانترنت) و سياق تاريخي جديد. مما يقودنا إلى طرح السؤال التالي:هل حركة 20 فبراير إصلاحية أم ثورية؟ 2- الاستقرار السياسي : من بين الدروس المستقاة من الفعل السياسي لحركة 20 فبراير، و ما ترتب عنه من نتائج سياسية، مقارنة بما عاشته و تعيشه بعض الدول العربية، تبرز أهمية الاستقرار السياسي؛ ذلك أن الديمقراطية المستقرة - بالنسبة لمارتن ليبست مثلا - تتطلب الصراع أو الانقسام ، بحيث يكون هناك نضال دائم إلى مراكز الحكم (...) لكن الصراع يجب أن يتم دائما ضمن إطار الإجماع أو الاتفاق العام بين المتنازعين ، و إلا فلن تكون هناك ديمقراطية (سيمور مارتن ليبست : رجل السياسة ، الأسس الاجتماعية للسياسة)، ويميز صامويل هانتنغتون - في كتاب «النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة» - بين : - دول تجسد حياتها السياسية : الإجماع ؛ التواصل ؛ المشروعية ؛ التنظيم و الاستقرار . - و دول تفتقر إلى هذه الخصائص و تتميز حياتها السياسية ب : الصراع الوطني و الطبقي العنيف ؛ الشغب و تشتت الأحزاب. ليخلص إلى أن الاستقرار هو العملية السياسية العليا المتجسدة بأكمل صورها في الحياة السياسية للمجتمعات الصناعية الديمقراطية. وبالنسبة للمغرب ألا يذكرنا ما يجري اليوم بما ذهب إليه جون واتربوري عندما يقول: «يعرف كل قائد سياسي [نعوضه في موضوعنا بحركة 20 فبراير] أنه يخاطر كثيرا إذا فجر أزمة ما، لأنه لا يمكن أن ينتظر من حلفائه، بل حتى من أنصاره الآخرين، أن يساندوه حتى النهاية. لذا يسمح المجتمع بالتوتر، بل يرى فيه إعادة تأكيد هوية الجماعة، لكنه ينبذ الصراع المفتوح، لأن هذا الأخير يستطيع أن يؤذي إلى إضعاف الجماعة أو تخربيها ...» ( جون واتربوري: أمير المؤمنين: الملكية و النخبة السياسية المغربية . ص. 45). ألا تعيش حركة 20 فبراير هذا الواقع ؟ بما ذا يمكن تفسير انسحاب العدل و الإحسان - بغض النظر عن دوافعها السياسية : التكتيكية و الاستراتيجية -؟ ألم يتم تقديم حركة 20 فبراير في صورة النموذج المغربي و الاستثناء المغربي: « الإصلاح في إطار الاستقرار» ؟ 3 - «قوة الجماهير»: اعتمدت حركة 20 فبراير على الجماهير كمورد سياسي رئيس في فعلها السياسي، فقد جاء في الأرضية التأسيسية أن «ساحة الفعل من أجل الشعب اليوم تبدو فارغة من كل معبر حقيقي عن إرادة الجماهير في اتجاه حصول الشعب على كرامته. لذا فما على هذا الأخير إلا أن ينتفض ...» ، مما يقود إلى إعادة بحث الأفكار التي اهتمت بموضوع الجماهير، خاصة أطروحة جوستاف لوبون Gustave LE BON ( 1841 1931) في كتابه La psychologie des foules الصادر سنة 1895 . الذي ينطلق من أن أهم تحول عرفته الإنسانية في عصرنا هو بزوغ قوة الجماهير ، بحلول الحق الإلهي للجماهير محل الحق الإلهي للملوك Le droit divin des foules remplaces le droit divin des rois . مما ينتج عنه أن معرفة سيكولوجية الجماهير تشكل مصدرا لرجل الدولة الذي لا يريد فقط حكم هذه الجماهير - الشيء الذي أصبح اليوم صعبا - ولكن كذلك على الأقل أن لا يكون محكوما كليا من طرفها . و لفهم أبعاد سيكولوجية الجماهير يحدد الكاتب المقصود بكلمة جمهور على المستوى النفسي، خاصة تلاشي الشخصية الواعية و تشكل روح جماعية، مما يسمح بتكوين ما يسميه ب «الجمهور المنظم» و بشكل أفضل «جمهور نفسي» ، الذي يشكل كائنا واحدا يخضع لقانون الوحدة العقلية للجماهير ( La loi de l?unité mentale des foules) ، و تبعا لهذا التحديد فإن آلاف الأفراد يتجمعون بشكل تلقائي في مكان عمومي بدون هدف محدد لا يشكلون أبدا جماعة نفسية . دروس مستخلصة .. لكن من بين الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة الحركات الاحتجاجية في اعتمادها على الجماهير هو دور هذه الأخيرة في الفعل السياسي بدون حاجة إلى الزعيم الملهم و إلى ايدولوجيا للإقناع و التأثير، مما يفرض الحاجة إلى إعادة التفكير في أطروحة لوبون القائلة بحاجة الجموع الغريزية للخضوع و الانقياد لقائد / محرض ((Meneur حيث الزعيم و حده يمكن أن يخلق الإيمان و أن يقدم تنظيما للجماهير، فقد أظهرت تجربة حركة 20 فبراير غياب الارتباط بالزعيم عكس تجارب الأحزاب السياسية . الدرس الثاني يتعلق بقدرة حركة 20 فبراير على استقطاب و تجنيد المقصيين و الدهماء أو الرعاع في ظل اقتصارها في الغالب - كما ذهبت إلى ذلك عدة آراء- على الطبقة الوسطى و الفئات العليا المتعلمة، و هنا نطرح الأسئلة التالية: - هل ترجع عدم القدرة على استقطاب شرائح واسعة من المجتمع المغربي إلى عدم الثقة و الخوف من الاستغلال السياسي لعفوية الجماهير من أجل أهداف سياسية ضيقة ؟.. أم ترجع إلى الفوارق الموجودة بين الفاعلين المكونين للحركة ؟ .. أم تعود إلى مكانة المؤسسة الملكية في الثقافة السياسية المغربية ، و ارتباط المغاربة بهذه المؤسسة و عدم تفاعلهم مع كل خطاب من شأنه تقليص سلطاتها في ظل غياب فاعل آخر قادر على حيازة الإجماع و الثقة؟.. أم ترجع -كما ذهب إلى ذلك جون واتربوري- إلى أن المغربي «يتجنب في البداية اتخاذ موقف ما، و يبقى بعيدا عن الصراع (...) و يظل على استعداد لتأييد الطرف المنتصر إّذا كان هناك منتصر»( ص. 45) و المثال الذي يقدمه هو موقف فقهاء سوس من المعارك بين الفرنسيين و بطل المقاومة الشيخ ماء العينين في دعائهم في المساجد «اللهم انصر من انتصر»؟ 4 - الاعتراف ب«سياسة الاحتجاج»: تتعدد أشكال المشاركة السياسية للمواطن من أجل صناعة القرار أو التأثير على صانع القرار ويمكن إجمال هذه الأشكال في: - الديمقراطية التمثيلية: عبر آليات الانتخاب و دور الأحزاب السياسية (الأشكال التقليدية) . - الديمقراطية التشاركية: عبر دور المجتمع المدني. - سياسة الاحتجاج :عبر دور الحركات الاحتجاجية/ الاجتماعية، و يمكن تصنيفها ضمن المشاركة المباشرة للمواطن في التأثير على صانع القرار السياسي . - لماذا يتم اللجوء إلى سياسة الاحتجاج و عدم الاعتماد على مؤسسات التمثيل لوحدها؟ الإجابة تتحدد في خصائص هذا النمط من المشاركة السياسية، و هي: ( حسب رسل جيه. دالتون، دور المواطن السياسي في الديمقراطيات الغربية 1996) : - آلية عمل مباشرة للتصدي للنخبة السياسية . - قد يركز على قضايا محددة أو أهداف سياسية و بإمكانه نقل مستوى مرتفع من المعلومات بزخم سياسي أساسي. - يخضع مكان الاحتجاج و زمانه لسيطرة الجمهور. - من أشكال المشاركة الصعبة التي تتطلب المبادرة و التعاون مع الآخرين. - أسلوب العمل المباشر للتأثير على صانع القرار. - آخر الأعمال اليائسة التي يلجأ إليها المواطن مدفوعا بمشاعر الإحباط و الحرمان . - الكتابة على الجدران : عبر التعبير عن الرأي بمجموعة من الشعارات، من قبيل: «الحلم هو الواقع»؛ «لتكون حرا، عليك بالمشاركة»؛ «أنا أشارك، و أنت تشارك، و هم يستفيدون»؛«لدي شئ أقوله، لكني لا أعلم ما هو» ، و هي شعارات رفعت في الثورة الطلابية، مايو1968 ، حيث يمكن للباحثين مقارنة هذه الشعارات و تلك المرفوعة من طرف حركة 20 فبراير أو تلك المعلن عنها في المواقع الاجتماعية. إلى جانب الخصائص السابقة هناك أسباب - مغربية- للجوء إلى سياسة الاحتجاج و تتعلق بأزمة مؤسسات التمثيل التقليدية، و في هذا الصدد فإن لجوء حركة 20 فبراير إلى سياسة الاحتجاج يمكن فهمه في هذا السياق، خاصة بعد أزمة انتخابات 2007 و عدم الثقة في قدرة المؤسسات التمثيلية على الفعل و التأثير نتيجة أزمة الانتخابات و أزمة الأحزاب السياسية، و هي أزمة عبر عنها الفاعلون السياسيون من خلال مناداة بعضهم بضرورة العمل من أجل إرجاع الثقة إلى الحياة السياسية. لذلك كان من بين نتائج الفعل السياسي لحركة 20 فبراير الاعتراف بهذا النوع من الديمقراطية التشاركية في دستور فاتح يوليوز2011 ،خاصة تلك المقتضيات المتعلقة ب: - حق المواطن في تقديم ملتمسات في مجال التشريع (الفصل 14). - و الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية (الفصل 15) . بذلك لم يقيد دستور 2011 مشاركة المواطنين في الأشكال التقليدية المعروفة في الديمقراطية التمثيلية (الانتخاب لاختيار الممثلين في المؤسسات الدستورية في إطار ما يسمى ب السيادة الوطنية)، و إنما وسع أشكال المشاركة لتشمل: المشاركة المباشرة و التي تتخذ عدة أشكال: - الاستفتاء (السيادة الشعبية) و هو من الأشكال التقليدية و تقديم ملتمسات في مجال التشريع و تقديم عرائض للسلطات، لكن قيد ممارسة هذه الحقوق بقانون تنظيمي . الاعتراف بالجمعيات و المنظمات غير الحكومية و مؤسسات التشاور. و هذا اعتراف من طرف أسمى قانون في الدولة بأهمية المشاركة السياسية للمواطن، خاصة مشاركة الشباب. 5 - الأزمة وصناعة القرار: واجه النظام السياسي المغربي، على غرار ما عاشته الدول العربية، أزمة سياسية مع إعلان يوم 20 فبراير يوما للاحتجاج المغربي ضد الفساد و الاستبداد، لكن وبما أن الفاعل السياسي، حسب Michel CROZIER و Erhard FRIEDBERG في كتاب : L?acteur et le système :les contraintes de l?action collective - ليس من يملك دورا و إنما من يتصرف في أزمة - ، و أن «السلبية تعبر عن موقف»، فقد أظهرت المؤسسة الملكية قدرة على امتصاص الغضب و تجاوز اكراهات الأزمة وضغوطها عبر القرارات المعلن عنها بعد أيام من 20 فبراير، خاصة خطاب 9مارس ( أقل من شهر) معلنا عن تعديل الدستور وعن تنازل المؤسسة الملكية عن بعض من سلطاتها ، ثم جاء اعتماد دستور جديد في فاتح يوليوز ، وبعده تنظيم انتخابات 25 نونبر أفرزت نتائجها فوز حزب سياسي يتبنى نفس الخطاب السياسي للأحزاب التي فازت في الدول العربية بعد الثورة. هذه الأفعال تبين بجلاء أهمية القرار السياسي ك«سلاح أسطوري» يستعمله الحاكم لقدرته على «امتصاص التوتر السائد في مجتمع ما و في فترة زمنية معينة» ( حسب : Lucien SFEZ في كتاب Critique de la décision )، وبالفعل فقد استطاعت هذه القرارات السياسية مواجهة التوتر الذي طغى على الحقل السياسي المغربي بفعل إشراك المواطن المغربي سواء عبر الاستفتاء على الدستور أو التصويت في الانتخابات، كما أظهرت أهمية الزمن في الفعل السياسي فلم تمض سوى أيام على تاريخ 20 فبراير حتى بدأت المؤسسة الملكية في مبادراتها عبر صناعة قرارات عقلانية استراتيجية لا تهدف فقط إلى «تحسين الوضع الحاضر» وإنما ربح المستقبل أيضا، و ما وصول العدالة و التنمية إلى تدبير السياسات العمومية و انسحاب علي الهمة - مؤسس حركة كل الديمقراطيين و حزب الأصالة و المعاصرة- من الحياة الحزبية إلا حلقة من بين حلقات أخرى . خلاصات : نخلص من محاولة قراءة الفعل السياسي لحركة 20 فبراير، وبعض نتائجه السياسية خلال سنة 2011، إلى تعدد القراءات و من مقاربات متعددة، كما أن الخلاصات تتنوع وتتعدد بفعل الزخم الذي ميز الفعل السياسي لسنة 2011 ليست فقط حركة 20 فبراير هي الفاعل الوحيد فيه و إنما جميع الفاعلين السياسيين كان لهم حضور بدرجات مختلفة و متباينة حسب المواقع التي يحتلونها في الحقل السياسي المغربي . بالإضافة إلى ما تقدم يمكننا الوقوف عند الخلاصات التالية: 1- ضرورة الاعتراف بأهمية العدالة الاجتماعية و المساواة في توزيع الثروات ألم يؤكد أرسطوطاليس في كتاب «السياسة» أو «السياسات»، في تحليله لأسباب الثورات، على أنه: «عندما لا يشترك كل فريق في السياسة، اشتراكا يلائم أوهامه و ظنونه يثور على الفريق الآخر(...) ففي كل مكان تقع الثورات بسبب عدم المساواة (...) الناس يثورون بوجه عام طلبا للمساواة”. و في حديثه عن المواطن يقول:« شأن الملاحين هو شان المواطنين: سلامة هؤلاء، على اختلاف طبقاتهم، هي من فعل اشتراكهم. و ما النظام السياسي سوى شركة...». 2- ما يعجبني في الفكر السياسي اليوناني هو المقارنات التي يقيمها بين الحاكم و الملاح أو الطبيب، لذلك، في نظري، من بين الدروس الأساسية للفعل السياسي لحركة 20 فبراير، و الحراك العربي بصفة عامة، هو إعادة التأكيد على أهمية هذه المقارنات، فعلى الحاكم أن يكون ملاحا أو طبيبا- ليس بالمعنى السوري حيث طبيب العيون الذي لا يرى شيئا - و كلاهما لا يمكن أن ينجح في عمله لوحده - بدون عمل الفريق- و قدراته و حنكته تبرزان أثناء الأزمة . نختم بالأسئلة التالية: - هل استطاعت حركة 20 فبراير أن تقدم صورة أخرى للمغرب السياسي تخالف «صورة بلد يخلد في ما هو مؤقت، و يجعل من المساومات ميزاته الأولى» ( المعطي منجب، الملكية المغربية و الصراع من أجل السلطة)؟ - هل استطاعت الحركة أن تقدم صورة أخرى للسياسيين الذين يبحثون عن التوازن مما يفسر مرونتهم «و نفورهم من المبادرات الجريئة، وبالتالي الجمود العام الذي يطبع الحياة السياسية المغربية» ( جون واتربوري)؟ - هل استطاعت الحركة أن تدفع في اتجاه تقديم جواب عن مسألة تحديد طبيعة النظام السياسي المغربي ، أي «أين يجب أن يتموقع نظام المغرب بين النظم السياسية العالمية» ( عبد الهادي بوطالب، نصف قرن في السياسة)؟ أستاذ القانون العام باحث في العلوم السياسية