في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وبالضبط خلال المؤتمر الوطني الرابع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المنعقد بالدار البيضاء في يوليو 1984، قام أحد المؤتمرين من شباب الحزب بالتدخل خلال الجلسة العامة للمطالبة بالتحاق الحزب بالأممية الاشتراكية. لم يكن من السهل في تلك الظروف الجهر بمطلب الانضمام إلى هذا المنتدى الدولي، وكان خطاب المتدخل يقاطع بكلمات اعتراض. لكن الفقيد عبد الرحيم بوعبيد ومن على منصة المؤتمر طلب من المؤتمرين، برصانته المعهودة وبابتسامة عريضة، أن يتركوا المتدخل ينهي تدخله بكامل سعة الصدر والفكر. كان هذا المتدخل يستحضر بقوة التجربة التنظيمية والانتخابية للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني الصاعد أنذاك، داعيا الى الاحتذاء بها، مؤكدا كذلك على دور الدعم الأممي الاشتراكي في إغناء وإنجاح المشروع المجتمعي الذي طرحه الحزب الاشتراكي العمالي كحل سياسي لأزمة الانتقال الديمقراطي في اسبانيا ما بعد الفرانكاوية. فبالفعل، كان هذا الحزب الاشتراكي الإسباني الخارج من سنوات قاسية من القمع البوليسي الفرنكاوي، ومن عقدين طويلين من الأخطاء والصراعات السياسية والتحجر الإيديولوجي بين الجناح الخارج المغترب بفرنسا بقيادة رودولفو لوبيس و مجموعة اشبيلية بقيادة المحامي فيليبي غونزاليس ورفيقه الفونصو غيرا ، نموذجا حزبيا جد مؤثر في أوساط الشباب الاتحادي في شمال المغرب خصوصا بعد فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية لسنة 1982 وذلك بحصوله على 202 مقاعد برلمانية في مجلس النواب الإسباني، الكورتيس. يعقد هذا الحزب/الظاهرة الذي غير عقلية الاسبان ومفهومهم للحكامة السياسية ولدور الدولة في المجتمع، مؤتمره 38 وهو في شبه انهيار تنظيمي وجمود فكري تام. ففي ظرف 3 سنوات، فقد الحزب الاشتراكي العمالي ما يزيد عن 4 ملايين من الناخبين،والذين لم يدلوا بأصواتهم للحزب الشعبي المحافظ بل صوتوا لصالح تنظيمات سياسية بديلة تنتمي إلى الوسط الديمقراطي والى اليسار الإيكولوجي الجديد، وذلك كعقاب لخلفاء فيليبي غونزاليس على عدم وفائهم السياسي واحترافهم للريع والفساد الحزبي. فعوض أن ينكب المؤتمر 38 بجدية على إيجاد حلول سياسية وتنظيمية بديلة تعيد لهذا الحزب تألقه المجتمعي، أو على الأقل تكون قادرة على إيقاف التدهور الأسوأ في حياته منذ دخول اسبانيا العهد الديمقراطي، يركز التقرير التركيبي المقدم إلى المؤتمر على العوامل الخارجية الاقتصادية و المالية كأحد الأسباب الأساسية للهزيمة الانتخابية التاريخية التي عرفها الحزب خلال انتخابات 20 نونبر 2011 وذلك بحصوله على 110 مقاعد برلمانية فقط. إن تغاضي الوثيقة عن إثارة أسباب الفشل الحقيقي للحزب الاشتراكي العمالي، يرجع بالأساس إلى طبيعة القوى الفدرالية المكونة لهذا الحزب و المسيطرة على مواقع القرار فيه، والتي من خلال مواقعها الحكومية السابقة استطاعت أن تسيطر على دواليب الحزب الاشتراكي من خلال ظاهرة الريع الحزبي التي تحولت إلى إطار تنظيمي جد مؤثر في مسار الحز ب وفاعل أساسي في مؤتمره. في هذا السياق يأتي ترشيح الكتالنية ووزيرة الدفاع السابقة في حكومة ساباتيرو كارمين شاكون للكتابة العامة للحزب في مواجهة نائب الرئيس السابق الفريدو روبالكابا والمدعم من طرف فيليبي غونزاليس الذي أدرك أن إحكام الحزب الاشتراكي الكتالاني لهيمنته على الحزب الاشتراكي العمالي لن يكون في صالح المشروع المجتمعي الاشتراكي الديموقراطي الذي أسسه ودافع عنه في 1976 خلال المؤتمر 27. من هنا سوف يكون على عاتق المؤتمر 38 للحزب الاشتراكي العمالي واجب إنقاذ هذا التنظيم من خلال تجديده وانفتاحه على أجيال جديدة ،أفكار جديدة ، أشكال تنظيمية جديدة تكون قادرة إعادة الثقة المفقودة بين الحزب و الحداثيين الإسبان. هذا كذلك من خلال إبداع مشروع مجتمعي اشتراكي ديموقراطي يكون قادرا على إعادة الثقة الى السياسة، بعيدا عن تدخل الآليات المالية و الدينية و الزبونية التي انتجت ظاهرة الريع والفساد السياسي حتى يكون هذا المشروع المجتمعي نموذجا يحتذى به في منطقتنا الأورومتوسطية. فهل سينجح المؤتمر 38 في امتحان التجديد و الديمقراطية وبناء المستقبل بانتخاب كاتب عام جديد، يكون قادرا على إعادة الثقة بين الحزب والشعب الإسباني وقيمه ووحدة بلاده ،أم سيجد الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني نفسه مضطرا الى التوجه نحو مؤتمر استثنائي في أقل من سنة.