ساحة ضبابية وعودة أساليب الماضي شكلت انتخابات 27 شتنبر 2007 صدمة لكل المتتبعين للشأن العام ببلادنا، نظرا لضعف نسبة المشاركة في هذه الاستحقاقات، خصوصا الشباب وساكنة المدن التي كانت تصوت تقليديا للأحزاب التقدمية. ولن نعود هنا للخوض في أسباب هذه المقاطعة أو الامتناع، لأن هذا الموضوع قد قيل فيه الكثير. لكن هناك ملاحظات حول المشهد السياسي لا بد منها: ضبابية المشهد السياسي في المغرب، ليس بسبب كثرة الأحزاب كما يقال، ولكن بسبب عدم بروز أحزاب كبيرة وتقاطبات على أسس اديولوجية وبرنامجية، حتى أصبحت حكومات الائتلاف الوطني التي يتعايش فيها اليسار واليمين والوسط، المحافظ والحداثي مصيرنا الذي لا محيد عنه. وأصبحت برامج الأحزاب بلا طعم مادام الجميع ينفذ البرنامج الملكي. الفساد المميز للممارسة السياسية في المغرب، حيث المرشحون يعمدون إلى شراء الذمم، و”الشناقة” ممن لهم تأثير مهم على مجموعات المصوتين يمارسون تجارتهم على مرأى ومسمع من السلطة والناس.. طبعا دون أن ننسى خرجة فؤاد عالي الهمة الذي استقال من منصبه للترشح في الانتخابات البرلمانية. فيما يبدو أنه مخطط محبوك لإعادة أساليب الماضي حيث الإدارة تسعى لصنع خريطة سياسية على المقاس، حسب بعض التحليلات. يمين يتقوى سواء ساندنا مشروعه أم لا، يجب الاعتراف للسيد فؤاد عالي الهمة بأنه ضخ جرعات من “الإثارة” في جسد المشهد السياسي المغربي. وساهم حزب الأصالة والمعاصرة في تجميع شتات اليمين أو بعض الأحزاب التي ترعرعت في حضن الإدارة والحرس القديم بزعامة الأب الروحي آنذاك إدريس البصري، واستفاد من ثلاثة عناصر وهي: رمزية الهمة، باعتباره صديقا للملك وجزءا أساسيا من إدارة العهد الجديد. ولهذا الأمر ثقله الكبير لدى الساكنة من الناحية التاريخية والثقافية والنفسية، وحتى لدى رجال الإدارة والمخزن. استفادة الأصالة والمعاصرة من يساريين سابقين قادمين من اليسار الراديكالي والاتحاد الاشتراكي والاشتراكي الموحد. وهم يقومون بدور السياسي داخل الحزب، يصنعون الخطاب ويضفون نوعا من الشرعية. تجميع رجال الأعمال أو أعيان الانتخابات او “مالين الشكارة” كما يصطلح عليهم في العرف الدارج. ودورهم هو توفير المال وتشكيل الثقل الانتخابي للحزب. هذه التوليفة الثلاثية هي التي تصنع حزب الأصالة والمعاصرة الذي تزعم اليمين المغربي وحصد الأخضر واليابس في الاستحقاقات الانتخابية، وبكيفية مثيرة للقيل والقال. لكن هذا الوافد الجديد كما يحلو للاتحاديين تسميته لم يجب بعد على بعض الأسئلة المقلقة حول مشروعه الفكري ودرجة قوته وإقناعه، وعلاقته بالإدارة والمؤسسة الملكية، وتوزيعه التزكيات على بعض الوجوه المشبوهة. طبعا سيكون من الظلم إذا حاولنا التكلم عن اليمين المغربي حصره في حزب وحيد، لكن هناك أحزاب أخرى ومنظمات شبابية عديدة تجمع الشباب الليبيرالي، ومنها الاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار. يسار يتحرك تشكل ظاهرة التشتت والانقسام خاصية مميزة للأحزاب الاشتراكية في العالم، ولا يخرج يسارنا عن هذه القاعدة، حيث عرفت جل الأحزاب الاشتراكية انقسامات كثيرة بدءا من الاتحاد الاشتراكي، مرورا بالتقدم والاشتراكية، وانتهاء بالحزب الاشتراكي الموحد. كما أعطت تجارب وحدوية ناجحة مثل اندماج الوفاء للديمقراطية في الاشتراكي الموحد، واندماج رفاق الحبيب الطالب في الاتحاد الاشتراكي (الحزب الاشتراكي الديمقراطي). مبادرة أخرى تستحق التشجيع، وهي تحالف اليسار الديمقراطي الذي يجمع أحزاب الاشتراكي الموحد والطليعة والمؤتمر. وأهم إنجازاته أنه استطاع أن يدخل الانتخابات بشكل موحد وعلى أساس برنامج موحد. اليسار في المغرب، يتميز بالشرعية التاريخية، فهو حفيد الحركة الوطنية وجيش التحرير الذي قاوم من اجل التحرر، وابن سنوات الجمر والرصاص الذي ناضل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي عامل غير متوفر للأحزاب التي تتبنى وجهة النظر الليبرالية في المغرب. كما ساهم جزء كبير من اليسار الديمقراطي في تدشين مرحلة الانفتاح النسبي وإنهاء الاحتقان السياسي الذي كان سائدا في المغرب بينما اصطف اليسار الآخر في المعارضة. وتجدر الإشارة إلى أن تعددية الأحزاب اليسارية أمر محمود وتسمح للشاب المغربي بالاختيار بينها حسب ميولاته ومواقفه، مع الإشارة إلى أن هذه التعددية أحيانا تبدو عددية لا مبرر لها. ثنائية اليسار واليمين لا تكفي لتوصيف المشهد السياسي المغربي إذا كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يقود قطار الاشتراكيين، والهمة يتزعم قبيلة اليمين، فهذا لا يعني أنهما الحزبان الوحيدان في المغرب. والتصنيف على أساس يمين ويسار ليس وحده قادرا على تصنيف الأحزاب وفهم الساحة السياسية. هناك حزب الاستقلال الوطني، والذي يمكن القول عنه أنه حزب وسط محافظ، وقد خرج معافى من مؤتمره الأخير، كما جدد الملك ثقته في أمينه العام السيد عباس الفاسي على رأس الوزارة الأولى. حزب العدالة والتنمية المحافظ، لا يزال يلعب دور المعارضة، وهو حاضر بقوة في العديد من الواجهات: الدعوية (حركة التوحيد والاصلاح) والطلابية (منظمة التجديد الطلابي) والنقابية ّ(الاتحاد الوطني للشغل). لكن الانتخابات الأخيرة التشريعية 2007 والجماعية 2009، كذبت كل التوقعات السابقة القائلة باكتساح “إسلامي” للساحة الانتخابية ( نتيجة استطلاع الرأي الذي قام به المعهد الجمهوري الأمريكي). وأظهرت أن المغرب كما العالم دخل مرحلة انحصار ما عرف بالمد الأخضر أي انخفاض أسهم “الإسلام السياسي” في الشارع). فرص جديدة أمام الشباب الساحة السياسية في المغرب تعرف حراكا كبيرا، وهناك أشياء يتم تحضيرها في الخفاء والعلن. والشباب المغربي لا يجب أن يبقى بعيدا عن مواقع صنع القرار كما يراد له أحيانا عبر تكريهه في العمل السياسي. بل يجب أن تتاح له الفرصة الكاملة في تدبير الشأن العام كما النساء وكما الأقليات العرقية والدينية الأخرى، وذلك باعتماد آليات الديمقراطية التمثيلية والانتخابات الحرة والنزيهة. وعلينا كشباب أن نطرح الأسئلة الحقيقية التي تهمنا وتهم الوطن، وأولها ما فائدة العزوف؟ هل هو حل أم تهريب لمشكل؟ إن بين الشباب، أيا كانت قناعاته الفكرية وانتماءاته الحزبية، أشياء ومصالح مشتركة منها: دعم التمثيلية السياسية للشباب داخل الأجهزة الحزبية والمجالس المنتخبة من الشعب. دعم الحق في تولي المناصب القيادية على أساس الكفاءة لا الأقدمية. وضع سياسات لدى الدولة تدمج مقاربة النوع الاجتماعي الشبابي. إدماج قضايا الشباب في المخطط لجماعي للتنمية. الدفاع عن تخليق الحياة السياسية باعتبار الشباب أكثر مناعة ورفضا لأساليب الفساد والمساومة والاستسلام. دعه يعمل، دعه يمر… باتجاه اليمين وباتجاه اليمين يجري الآن التحضير لإطلاق شبيبة الأصالة والمعاصرة. وهي خطوة مسبوقة بإطلاق رابطة الشباب الديمقراطي التابعة لحركة لكل الديمقراطيين، ذات الارتباط العضوي بحزب التراكتور. وفي نفس الاتجاه،توجد منظمات شبابية عديدة ذات توجه يميني مناصر لقيم الحرية والتنافس والملكية الفردية. وهي إطارات للاشتغال تنتظر لمستك من أجل تطوير مردودها، والمساهمة في تجاوز بعض السلبيات التاريخية التي طبعت عمل اليمين المغربي خصوصا ما يشاع حول مساندته اللامشروطة للمخزن، وقبوله باقتصاد الريع وسياسة الريع، لذلك ننتظر أن يظهر من الشباب الليبرالي مثقفون مناضلون من أجل الديمقراطية والحرية وداعمون لمسلسل تحديث المجتمع ورافضون للاقتصاد الريع الذي لا يخدم التنافس العادل بين المقاولات، ويطرحون وبدون خوف مسألة تحرير السوق من كل العقبات والتدخلات والإمتيازات. درب النضال مستمر… على اليسار وفي الاتجاه المقابل، أي اليسار، توجد فرص كبيرة للاشتغال والنضال إلى جانب الطبقة العمالية في النقابات والحركات الاجتماعية، والترافع من أجل تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والمطالبة بالإصلاح الدستوري ضمن الجمعيات الحقوقية والحزبية. وستتاح للشباب الذي اختار الانعطاف نحو اليسار والانضمام إلى منظماته الشبابية كالشبيبة الاتحادية وتتبع النقاش الدائر في فضاءات الحوار اليساري التي ينتظر أن تغزو المدن كالفطر خلال السنوات المقبلة، وكذلك تقديم الاقتراحات من أجل أجرأة توصيات ملتقى المحمدية للحوار الشبابي اليساري. وان تختار اليسار يعني في حدوده الدنيا أن تعمل على نشر قيم القيم الكونية لحقوق الإنسان، والتضامن، والعدالة الاجتماعية، والدفاع عن القطاعات الاجتماعية، ودور الدولة في الاستثمار وفي تنظيم الاقتصاد. وعلى الشباب المغربي الذي يختار الانعطاف نحو اليسار أن يكون في مستوى التاريخ، وان ينخرط في جهود توحيد القوى اليسارية بعيدا عن الصراع البيني. أما إذا كنت شابا وتساند التجربة الحكومية الحالية فستكون الشبيبة الاستقلالية سعيدة باستقبالك ضمن صفوفها. وسينتظرك غير هذا إذا اخترت شبيبة العدالة والتنمية مثلا. وهكذا نكون قد قمنا بجرد سريع لمختلف إمكانيات العمل السياسي المطروحة أمام الشباب، وبين مختلف الاتجاهات اليسارية واليمينية، من الموالاة والمعارضة. وإن كنا نعترف بأننا لم نذكر الكل لكننا ذكرنا الأهم .. وإذا كانت المشاركة السياسية للشباب والانخراط في الأحزاب الجادة أمرا محمودا ونبيلا في معانيه مادام تطوعيا غير ربحي ومبنيا على الرغبة في خدمة الوطن، لكن يجب أن نحسن الاختيار، ونساهم في إعادة الثقة وإعادة الاعتبار للسياسة في المغرب لأنها الأمل الوحيد في التغيير والطريق الأقرب للإصلاح، كل من موقعه وحسب اختياره. فماذا ينتظر شبابنا لتغيير وجه المغرب؟