«إنه منعطف هام في تاريخ المغرب الرياضي الحديث والذي يعمل على استكمال بناء دولة الحق والمؤسسات الديمقراطية .فمسودة الدستور الحالي تشكل لحظة قوية ما كانت للحركة الرياضية أن تحلم بكل ما تحمل الكلمة من معاني التغيير الإيجابي والتأسيس لنموذج مغربي قح يحرص على التشبث بالثوابت الراسخة بالأمة المغربية والتي تشكل الرياضة جزءا مهما من تراثها المجيد وحاضرها الواعد، فالرياضة في مفهومها العام تشكل رافدا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومقوما حضاريا مغربيا وجب تقويته وتحصينه، وهو ما حصل عبر الآلية الدستورية الحالية والتي هي كفيلة بضمان الحقوق والواجبات، وتشريع أبواب الأمل أمام الشباب المغربي والأبطال المغاربة المتعطشين للبذل والعطاء وإبراز ما يختزنه من مؤهلات. إن وثيقة الدستور الحالية نصت على أن الحق في الممارسة الرياضية يكفله أسمى قانون في البلاد باعتباره حقا من الحقوق الأساسية كما نصت على ذلك مضامين الرسالة الملكية الموجهة لأشغال المناظرة الأولى للصخيرات في أكتوبر 2008 حول الرياضة. هذا الورش الكبير الذي يهم مجالا ما فتئ دوره يتعاظم اقتصاديا واجتماعيا ويعطي للمغرب إشعاعا بين الأمم سيما وأن الرياضة المغربية تميزت دائما بتنظيمها المحكم وروعتها وجماليتها وقد أبهرت العالم بتفوقها في عدة محطات. وإذا كانت الرياضة قد ساهمت في تطور المجتمع المغربي وذلك باتساع أفق الفكر ووفرة النتائج، فإن تكريس الحق في ممارسة الرياضة في مشروع الدستور الجديد جاء ليؤكد الهوية والعبقرية المغربية المنصبة على الاهتمام بالجوانب الصحية والبدنية للمواطن وجعل قوة البدن قادرة على العمل والإنتاج وإعطاء الصورة الحقيقية عن المنتوج المغربي. كل ذلك يؤكد اقتناع المشرع المغربي بكون الرياضة تحمل كل خصائص المجتمع المغربي، فعمل على تكريسها كحق مصون يجسد التحام النسيج الاجتماعي المغربي بكل مكوناته ويعمل على تقوية الاندماج بين الفئات الاجتماعية مساهما في تغطية عجز المؤسسات التقليدية كالأسرة والمدرسة في صياغة وعي جماعي جديد إذا ما اعتبرنا إفلاس هذه المؤسسات وإخفاقاتها المتكررة في زمن العولمة التي لا يقبل قطارها الانتظار، فالكل يعرف أن الرياضة ساهمت عبر الأحقاب والتاريخ في توجيه وتحييد العنف الاجتماعي وأنها ليست فقط وسيلة للترفيه بل أيضا حرفة لها قواعدها الراسخة وهذا ما دفع بالمجتمع الرياضي المغربي للمطالبة بجعل الرياضة ضمن الأولويات سيما مع تزايد الاهتمام الشعبي المكثف بالرياضة. على هذا المستوى، يشكل القطاع الرياضي بجميع مجالاته ومستوياته موضوعاً أساسيا في العديد من الملتقيات العلمية الوطنية والدولية، وميدانا مفضلا في العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بالواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي. ولعل أهم ما يميز هذه الملتقيات حول الرياضة، الجهود الفكرية والميدانية وكذلك المنهجيات لمعتمدة والاستنتاجات والتوصيات العلمية والتطبيقية الهادفة إلى نشر وتطوير الرياضة جهويا ووطنيا. وتكمن أهمية القطاع الرياضي بكونه تحول إلى ورش تنموي وميدان تربوي إبداعي ووسيط سياسي يحتل مكانة بارزة في تطوير الشعوب وتقاربها وتنافسها في تظاهرات رياضية منظمة بإحكام تعطي صورة مشرفة عن البلد المنظم والدول المشاركة. الرياضة كما نعلم، تساهم في تأطير الثبات وتحقيق التنمية الإجتماعية وتطور الصحة العامة وتقارب بين مختلف الجهات. وعلى الصعيد العالمي، يمكن أن يكون لها دور إيجابي على التنمية والصحة العامة والسلم. وبإمكان قطاع الرياضة خلق فرص عمل وثروات وأن تدر أرباحاً وموارد إضافية للدول المنضمة للتظاهرات الرياضية الكبرى. وعلى هذا الأساس، فإن الرياضة لم تعد فقط تعرف بمفهوم ترفيهي بدني وإنما مزيج من المكونات التي تتداخل وتتفاعل في إطار مفاهيم الصحة والاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والبيئة، وهو ما يلزمها بتقنين العلاقات بين مختلف الفاعلين في الحقل الرياضي داخل إطار قانوني يوضح واجبات وحقوق كل الأطراف ويساير واقع وتطلعات المجتمع المغربي. إننا نجد أن المشرع المغربي كرس في دستور المملكة الجديد في فصوله 26 و 31 و 33 كل هذه المبادئ والقيم، بل وعمل على تحصين الرياضة وممارستها وسموها من بين الحقوق الثلاثين التي جاء بها المشروع المذكور وذلك من خلال إلزام «السلطات العمومية بالتدعيم والنهوض بالرياضة». كما أنه ألزم الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات من التربية البدنية. مضيفا في الفصل 33 أنه يجب على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجية والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية مع توفير الظروف المواتية للتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات.. ولعل أهداف ومرامي هاته الفصول جاءت متنوعة ومتعددة وهو الأمر الذي لا محالة سيمكن فئات كبيرة وعريضة من ممارسة هذا الحق في أبعاده التربوية والاقتصادية والاجتماعية. فالرياضة تعد من بين أوراش التنمية البشرية. من المعلوم أنه منذ العقدين الأخيرين أصبحت الرياضة تلعب كذلك دورا اقتصاديا وتنمويا ، حيث فتحت مجموعة من الأوراش وزاد الاهتمام بهذا المجال فظهرت معه صناعة رياضية بداية من تنظيم الفرجة إلى صناعة البذل الرياضية وتقديم خدمات رياضية واسعة. لهذا، فإن وسائل الإعلام والإشهار اعتنت كثيرا بظاهرة الرياضة كمنتوج متميز مما خلق رواجا اقتصاديا جد مهم والذي لم يبق حكرا عن الممارسين بل أصبح يستهوي العديد من المتفرجين كونه أصبح يدر أرباحا طائلة وصفقات خيالية فضلا على المزايا الاجتماعية والتنموية. لذلك فإن الحركة الرياضة يمكنها أن تقدم مشروعا رياضيا سيبسط أجنحته على ربوع المملكة قاطبة، ليتبوأ اللاعب الرياضي مكانته المشهودة في حقل الإبداع الإعلامي القانوني وتمكين المواطن المغربي فضلا على الفرجة والصحة من ممارسة الرياضة في أحسن الظروف، هذه الممارسة التي يجب أن ستستمر في تصاعد ولعلنا ونحن نحاول النظر في واقع هذه الحركة الشاملة، محتاجون في البداية إلى رصد عطاءات اللاعب والمدرب والتي كانت سببا مباشرا في ازدهار وتقدم الرياضة بكل المدن بصفة خاصة وبالمغرب بصفة عامة. ولعل هذا كله يتجاوب ومضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال المناظرة الوطنية حول الرياضة التي انعقدت بمدينة الصخيرات أيام 24 و25 أكتوبر الأخير...». إن مقدمة أية حكومة في تدبيرها للشأن العمومي تتجسد في التصريح الحكومي الذي يحمل بين طياته نظرتها للسنوات المقبلة وموقع كل قطاع ضمن برنامجها المجتمعي، والأكيد أن الرياضة هي أحد القطاعات التي تفرض نفسها بحكم ملامستها لشريحة كبرى من ساكنة المغرب، لكن الإشكال الذي يؤرق الرياضيين هو قيمة حضور القطاع الرياضي في التصريح الحكومي، ذلك أن التصريحات الحكومية السابقة ظلت في غالبيتها مستحضرة للرياضة بشكل عرضي وبكلمات فضفاضة قابلة لمختلف التأويلات، علما أن بعض التصريحات الحكومية لم تتطرق إلى الرياضة بأي شكل من الأشكال (تصريحات المعطي بوعبيد وعبد اللطيف الفيلالي نموذجا). مقابل ذلك يظل أبرز تصريح حكومي ذلك الذي قدمه الوزير الأول السابق ادريس جطو سنة 2002، إذ كانت الرياضة حاضرة بشكل مفصل، والأدهى من ذلك أن التطبيق كان حاضرا إلى حد كبيرا قبيل سنة 2007 (الاستمرار في بناء الملاعب الكبرى، برامج العقود...). بناء على ذلك، فرئيس الحكومة أمام رهان استحضار جاد للرياضة في تصريحه الحكومي على نحو يضمن له «سلما رياضيا» مؤقتا تجاه الحركة الرياضية التي بدأت في استيعاب دورها في المجتمع المغربي، إلى جانب ضرورة اقتناع رئيس الحكومة الجديد بأهمية الرياضة خلال التدبير اليومي للشأن العمومي من خلال المصادقة وتتبع البرامج المقدمة من وزارة الشبيبة والرياضة. من جهة أخرى، يبرز الجانب المالي، فإذا كان قانون المالية الجديد رفع من ميزانية وزارة الشبيبة والرياضة مقارنة مع سنة 2011 التي تراجعت خلالها الميزانية بنسبة 3.71 في المائة، فإن بلوغ سقف رياضة قوية وفق برامج محددة لا يتأتى إلا بضخ موارد مالية هامة لتدارك العوز الذي عاشته الرياضة المغربية في السنوات الماضية سواء على مستوى الوحدات الرياضية (وحدة لكل 28 ألف نسمة على الصعيد الوطني) أو عدد الممارسين المجازين (0.9 في المائة من الساكنة)، علما أن الأمر غير مرتبط بتجاوز ميزانية وزارة الشبيبة والرياضة حاجز 1 في المائة من الميزانية العامة للدولة، بقدر ما أن الأمر مرتبط بأوجه صرف تلك الميزانية والبحث عن موارد أخرى سواء من المؤسسات الخاصة أو العامة وتشجيع التسويق الرياضي الذي يضمن للأندية دخلا متنوعا. ويظهر بعد آخر في تحليلنا لانتظارات الحركة الرياضية من الحكومة المقبلة، ففي ظل برلمان جديد بصلاحيات تفوق الأربعين في الدستور الجديد، تبرز أهمية تفاعل الحكومة مع مقترحات قوانين البرلمانيين، فبعدما ظل البرلمانيون في السابق عاجزين عن التقدم ولو بمقترح قانون واحد منذ أول برلمان سنة 1963، تظل الفرصة مواتية للقطع مع مثل هذه الممارسة التي أساءت للرياضة في السابق من خلال تجميدها للقوانين الرياضية على قلتها وهزالتها، إلى جانب غياب مراقبة فاعلة عبر الاسئلة الكتابية والشفوية أو لجان المراقبة والمهام الاستطلاعية. إن برلمانا لا يتذكر الرياضة إلا في حالة خسارة المنتخب المغربي لكرة القدم لا يعدو أن يكون برلمانا مناسباتيا في علاقته بالرياضة، وبالتالي فإن ما سينتجه هو فانتازيا سياسية تنتظر تحرك الرأي العام والصحافة الوطنية من أجل تسجيل حضور الرياضة تحت قبة البرلمان. على مستوى وزارة الشبيبة والرياضة، يبرز إشكال حقيقي بخصوص السياسات العمومية المنتهجة، فما بين مرحلة سابقة تعود إلى ما قبل سنة 2007 والتي تميزت بغياب أي برنامج أو سياسة، والمرحلة الحالية الممتدة من سنة 2007 التي تميزت على الأقل بخطاب ينحو صوب منطق الاستراتيجيات والتخطيط، نجد أنفسنا في كل مرة أمام قطائع بين مرحلتين وبحتمية الانطلاق مجددا من نقطة الصفر، ما يضعنا أمام استحالة تقييم السياسة الرياضية لكل مرحلة، فالمحاولات التي كانت تظهر بين الفينة والأخرى لم تكن تخرج عن محاولات معزولة من طرف وزارة الشبيبة والرياضة لوضع ملامح سياسة عامة، وفي بعض الأحيان يقتصر الأمر على محاولات متواضعة من بعض الجامعات الرياضية لا تنبني على أسس صلبة بقدر ما كانت تهدف إلى تكريس وضع قائم، فانتصار منتخب كرة القدم كان بمثابة الغابة التي تغطي إخفاق باقي الرياضات «فإذا كانت كرة القدم بخير فإن الرياضة المغربية بخير»، وبالتالي، وبغض النظر عن النواقص التي اعترت سياسة الوزير الأسبق منصف بلخياط، يتوجب على الوزير الجديد الحفاظ على النقاط الإيجابية لسابقه وبنفس الوتيرة التي سارت عليها بعض المشاريع بدون أية خلفية مبتذلة تغلب الحس السياسي على المصلحة العامة. إن تقييم السياسات المعلنة من طرف الحكومة الجديدة مرتبط بثلاثة أمور أساسية، أولاها استمرار نفس السياسات، أو تعديلها، بغض النظر عن تغيير أو إعفاء وزراي والحيلولة دون العودة إلى نقطة الصفر وتجدد الحديث عن استراتيجيات جديدة، وثانيها اقتناع الدولة بأهمية الموازنة بين الخطاب والفعل وبحتمية تحقيق حكامة كاملة في المجال الرياضي (انتفاء الازدواجية في التعامل مع بعض الجامعات والجمعيات، تقنين واضح لعملية صرف موارد المؤسسات الرياضية، احترام القوانين الموجودة...) وبكون الرياضة تحولت إلى ضرورة إنسانية لا محيد عنها في سياسات الدولة، وثالثها ترجمة مفهوم الممارسة الرياضية كمرفق عام على أرض الواقع خصوصا أن التعديل الذي لحق بقانون التربية البدنية 09 - 30 لسنة 2010 حمل لأول مرة إشارة واضحة على أن «التربية البدنية وممارسة الأنشطة الرياضية تدخل في إطار الصالح العام وتنميتها تشكل مهمة من مهام المرفق العام التي ينبغي على الدولة مع الأشخاص الآخرين الخاضعين للقانون العام أو القانون الخاص القيام به». إن الدولة لم تحاول على الأقل البدء في تطبيقات السياسات العامة من خلال تراتبية عملية تبتدئ بتحديد المشكل وإيجاد الحلول مرورا بأخذ قرار التنفيذ ثم ترجمته إلى فعل، وصولا إلى مرحلة تقييم النتائج، فهي ظلت دائما حبيسة هاجس تدبير الشأن اليومي المطبوع بالارتجالية، في حين أن الاساسي في العملية هو إقرار الجهاز الحكومي بأهمية وضع سياسة عامة حكومية في المجال الرياضي ودراسة الحلول ووضع معايير واضحة للتطبيق يقبل بها النظام من أجل شرعنتها وتوفير وسائل تطبيقها، ذلك أن اقتصار المبادرة على الوزارة أو الجامعات يحول الأمر إلى فقاعات سرعان ما تنطفئ، خصوصا أن سياسة رياضية تتطلب تفاعلا وتشاركا بين عدة قطاعات من جهة وتنفيذ عدة إجراءات من جهة ثانية، فالرياضة لا يمكن أن تتبلور في إطار سياسة جامعية منبثقة من كل جامعة على حدة أو في إطار سياسية قطاعية منبثقة من وزارة الشبيبة والرياضة، أو بدون تنسيق بين وزارات الشباب والرياضة والصحة والسياحة والاشغال العمومية والداخلية والبيئة والإسكان والتعمير..، بل عبر سياسة حكومية تتقاطع فيها جميع القطاعات المعنية بما أن من بين شروط بلوغ المغرب مستوى رياضيا جيدا مرتبط ارتباطا كبيرا بمؤشرات الوجود الاجتماعي للإنسان (الدخل القومي والتغذية لدى الأفراد والصحة والتعليم...). وللختم نطرح أسئلة مشرعة على العديد من الأجوبة: هل ستتغير استراتيجية الدولة تجاه الرياضة بناء على التعديلات التي شهدها دستور 1996 بناء على استفتاء 1 يوليوز 2011؟ وهل سيكون تقليص سلطات الملك مقابل توسيع صلاحيات الوزير الأول والبرلمان عاملا مؤثرا على السياسات المعتمدة في المجال الرياضي؟ وهل ستحضر الرياضة ضمن مشروع الجهوية الموسعة باعتبارها رافعة من رافعات التنمية الاجتماعية؟ وهل دسترة الرياضة يعني إقرارا من الدولة بأن الرياضة لم تعد خارج رهاناتها الاجتماعية؟ باحث في السياسات العمومية والقوانين الرياضية