اتصلت بي المخرجة الصديقة، نرجس النجار، صباح يوم الأحد، لتخبرني بالواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة. توفيت صديقتنا المشتركة نزهة الإدريسي على إثر حادثة سير بالدار البيضاء. كالصاعقة نزل الخبر، توالت المكالمات من مراكش والرباط بنفس شعور الأسى والأسف والحزن العميق.. كانت الراحلة تستعد لوضع اللمسات الأخيرة للدورة المقبلة من مهرجان الفيلم الوثائقي لأكادير، الذي تترأسه منذ سنوات، وآخر مكالمة تلقيتها حين عبرت لي عن فرحتها وعن ارتياحها بنجاح الأخ طارق القباج في الانتخابات. تعرفت على نزهة منذ الدورة الأولى لمهرجان المرأة بسلا، وأول ما قاد المودة بيننا نقاش عميق وحاد عن دور المرأة في السينما المغربية.. وتوطدت العلاقة بيننا إلى أن التقينا كعضوين بلجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. كانت تعبر عن رأيها بدون لف أو دوران، تدافع عن موقفها من هذا الفيلم أو ذاك بالحجة والبرهان، وتستمع بلباقة إلى الرأي الآخرو الموقف المضاد. هكذا هي نزهة، قد تعبر عن قلقها وغضبها بصوت مرتفع، وقد تسخط عن هذا الكلام أو هذا الشخص، لكنها لا تعرف للحقد والكراهية والضغينة سبيلا.. جد متسامحة وجد متفهمة .. وتفهم في مجال الصورة والصوت فهما يعترف به أهل الفن السابع ببلادنا. قوية في أسلوب إقناعها، وهذا تجلى مليا حين كانت بيننا ضمن لجنة الدعم السينمائي لمدة عامين.. لها رؤيتها وفلسفتها ومنهجيتها في قراءة السيناريوهات وتدافع عن هذه الرؤية بأسلوب متين ولغة رصينة. كل أعضاء لجنة الدعم يبكون اليوم فقدانها، جل المخرجين الذين تعرفوا عليها من قريب يقولون عن الخسارة الكبيرة التي خسرنا برحيلها. رحلت عنا في عز عطائها لتترك مهرجانها الأكاديري يتيما، بعد أن قاومت لتفرضه بقوة داخل المشهد السينمائي ببلادنا. اتفقنا واختلفنا.. صرخت في وجهنا وصرخنا في وجهها، والاحترام المتبادل كان دائما ودوما بيننا.. هانحن اليوم نبكي لفقدانها.. لفقدان إنسانة كنا نحبها بمزاجها وصدقها وصراحتها ونزاهتها.. نامي هنيئا مريئا فلن ننساك..