تنتظر الحكومة المقبلة تحديات كبرى على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، في ظل ظرفية اقتصادية دولية متأزمة ، بالإضافة إلى أن هناك انتظارات كبيرة وملحة للمجتمع في خضم الحراك والاحتقان الاجتماعيين، خاصة على المستوى الاجتماعي السكن ، الصحة، التعليم، الشغل. وبالنسبة للمستوى السياسي، فالعمل على إرجاع الثقة للمواطن المغربي في السياسة والمؤسسات، أحد أكبر التحديات المنتظرة ، لأنه يتطلع الى محاربة الفساد والمفسدين، وتخليق الحياة العامة، وعدم الافلات من العقاب، وتوسيع الحريات العامة، وإقرار الحكامة الجيدة على صعيد مؤسسات الدولة والجماعات المحلية، والقضاء على اقتصاد الريع والرخص والامتيازات، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وللحكومة المقبلة مسؤولية سياسية جسيمة، باعتبارها تأتي بعد المصادقة على دستور الفاتح من يوليوز من طرف الشعب المغربي، وسيكون لها دور محوري في تنزيل مضامينه ومقتضياته على أرض الواقع، كما أن رئيس الحكومة له مسؤولية تاريخية في إعطاء تأويل ديمقراطي حقيقي للدستور الجديد، وذلك من خلال تأسيس علاقة جديدة تحكمها المقتضيات الدستورية، سواء تعلق الأمر بالمؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية، وكذلك من خلال كيفية رئاسته للحكومة. وقبل هذا وذاك، فإن أكبر تحد سيواجه رئيس الحكومة المعين، هو كيف سيدير مشاوراته من أجل تكوين الحكومة القادمة ، سواء تعلق الأمر في علاقته مع المؤسسة الملكية أوالأحزاب السياسية، مع العلم أن هناك تقاليد وأعرافا في هذا الإطار قبل الدستور الجديد، بالإضافة إلى تجارب سابقة ، والتي احترمت فيها المنهجية الديمقراطية ما قبل المصادقة على الدستور الحالي، تجربة عبد الرحمان اليوسفي، تجربة عباس الفاسي. هل سنكون أمام تأسيس علاقات جديدة ما بين الفاعلين السياسيين خلال هذه المرحلة الأساسية التي بإمكانها أن تؤشر على مدى قدرة رئيس الحكومة في إدارة دفة الحكومة المقبلة وإعطاء تأويل ديمقراطي للدستور الجديد. وسيجد رئيس الحكومة المقبل المعين من قبل جلالة الملك من حزب العدالة والتنمية، الحائز على المرتبة الأولى، والذي من المفروض أن يكون ذا شخصية قوية، ويمتاز بجرأة سياسية كبيرة، من أجل الإقدام على اتخاذ قرارات سياسية حاسمة في قضايا مصيرية تهم البلاد والعباد، سيجد على مكتب رئاسة الحكومة ملفات ثقيلة ومستعجلة، أولها الملف الاجتماعي المتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد، خاصة أن هذا الملف لايزال يراوح مكانه بعد أن أقيمت دراسة اكتوارية من قبل مكتب دراسات فرنسي، الملف الثاني المتعلق بإشكالية البطالة وتشغيل حملة الشواهد العليا، هذا الملف الذي عرف بعض المجهودات من قبل الحكومات السابقة، الا انه لايزال يشكل حجر عثرة في استقرار اجتماعي لهؤلاء الشباب المعطل وأسرهم التي قدمت الغالي والنفيس من أجل تمدرسهم وتخرجهم، كما يشكل ملف جلب الاستثمارات الأجنبية حلقة أساسية في الاقتصاد الوطني وتوفير مناصب شغل جديدة، مما يجعل من هذا الملف أحد الملفات الأساسية التي يجب الانكباب عليها بكل جدية وحزم من أجل تطوير المكتسبات المحققة في هذا المجال والبحث عن استثمارات جديدة التي من شأنها أن تساهم في إنعاش الدورة الاقتصادية بالمغرب. والمكتسبات التي حققها المغرب على المستوى الاقتصادي تفرض عليه أن يضاعف الجهود من اجل تطوير وتنويع اقتصاده بالرغم من الظرفية الاقتصادية الدولية الصعبة، وذلك بالاستمرار في الأوراش والمشاريع الكبرى التي افتتحها سابقا، وبالخصوص على المستوى الصناعي، مشروع الإقلاع الاقتصادي، صناعات الإلكترونيك، وصناعة السيارات، وأجزاء السيارات، ومشروع المغرب الرقمي لمسايرة التطورات السريعة للتكنولوجيات الحديثة، التي تلعب دورا محوريا في النمو الاقتصادي، اقتصاد المعرفة، وعلى المستوى الفلاحي دعم ومساندة مخطط المغرب الأخضر كي يتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منه وللارتقاء بالقطاع الفلاحي إلى مرتبة مشرفة، فضلا عن مشروع المخطط الأزرق المتعلق بالمجال السياحي ، حيث بالإمكان ان يشكل هذا القطاع قاطرة للاقتصاد الوطني، وذلك بفضل كل الشروط والإمكانيات المؤهلة والموقع الجغرافي الاستراتيجي والمتميز للمغرب.