الكل متفق اليوم على أن المغرب دخل مرحلة جديدة من الإصلاحات السياسية التي ندخلها مع أول انتخابات تشريعية بعد التصويت الايجابي على الدستور الجديد، الذي أسس له الخطاب الملكي لتاسع مارس ،انتخابات تأتي في سياق وطني ودولي متعدد الأبعاد في ظل استمرار الثورات العربية و استمرار حركية الشارع الذي يراهن على أن تكون انتخابات 25 نونبر انتخابات النزاهة، والقطع مع كل التجارب السياسية السابقة التي أساءت وبشكل كبير إلى العملية السياسية برمتها، والتي لاتزال مستمرة ومتواصلة في العديد من المدن والقرى المغربية وبأشكال متعددة، والتي تستهجن هذا التعاقد الملكي الشعبي الذي أرسى قواعد جديدة للعبة السياسية التي تعتمد في مقامها الأول على احترام المواطن وفق تصور سياسي عام عبر برامج واضحة المعالم تقارب كل المشاكل و المظاهر السلبية التي تعوق فرص التنمية، وتقديم إجابات شافية وحلول عملية لانتظارات المواطن المغربي. الأكيد أن المسؤولية الأولى في نجاح هذه الاستحقاقات تبقى مسؤولية الأحزاب السياسية وهي قائمة في حماية هذا التعاقد الذي يصطدم بعقلية وممارسات الماضي غير المأسوف عليه، التي تجثم على صدورنا مع نفس الوجوه التي استأسدت على قرارات مناضليها وقواعدها في اختيار مرشحيها لهذه الاستحقاقات، فمن العبث اليوم أن لا تستوعب بعض من القيادات الحزبية دقة المرحلة و خطورتها وتستمر في نفس النهج القديم وهي تعبث بكل القيم الحزبية، لا لشيء سوى لإرضاء بعض قيادييها، ومن العبث أيضا أن نستمر في جلد الذات الوطنية وتحميلها فوق طاقتها ،فالوطن لا يحتمل المزيد من الصدمات . إننا اليوم أمام تحد كبير يحتم علينا مصارحة ومكاشفة الناخب/ المواطن ووضعه في صورة انتظاراته. فالمواطن المغربي يبقى الرقم الصعب في المعادلةالسياسية، ومخطئ اليوم من يعتقد أن يتحول هذا المواطن الناخب إلى مجرد رقم انتخابي ليس إلا. هو رهان سياسي علينا كسبه بما يحقق تطلعات المؤسسة الملكية والشعب المغربي في الخروج من هذا النفق وهذه الأزمة التي تعددت أوجهها، عبر انبثاق حكومة من صناديق الاقتراع، مسؤولة تقود المغرب إلى بر الأمان وتعيد قطار التنمية إلى السكة الصحيحة ،فلا يجب أن تنسى الأحزاب الوطنية أن أبناء الوطن برجالاته ونسائه قادرون على رفع التحدي، وتحمل المسؤولية إذا ما أعطيت له الفرصة في التعبير عن رأيه بكل حرية وفتحت أمامه أبواب تقلد المناصب القيادية داخل التنظيمات الحزبية البعيدة عن الولاء للزعيم. فتجديد النخب السياسية أصبح اليوم ضرورة وطنية ملحة ومطلبا جماهيريا فرضته المتغيرات الإقليمية والدولية لتبقى هذه الانتخابات، وبإجماع المغاربة، انتخابات الفرصة الأخيرة ومصالحة المواطن مع صناديق الاقتراع. احتلت قضية الصحراء رأس أولويات الأحزاب السياسية في الجانب الدولي من برامجها الانتخابية. نجد مثلا تحالف الثمانية (G8)1 جعل من أهم التزاماته مع الناخبين مواصلة التعبئة من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة. وقد ذهب حزب العدالة والتنمية في الاتجاه نفسه حيث تعهد بإطلاق حملة مبنية على رؤية واضحة لمحاورة وتحسيس الدول المساندة للأطروحة الانفصالية وإقناعها بالحل المغربي، ومواصلة الضغط لإحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف وتمتيعهم بحقوقهم الأساسية. ومن جهته دعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى مواصلة الجهود الدبلوماسية من أجل إقرار حل سياسي متفاوض عليه لقضية الوحدة الترابية ارتكازا على مبادرة الحكم الذاتي، وهذا ما ذهب إليه أيضا حزب التقدم والاشتراكية الذي جعل من العمل من أجل حل نهائي للنزاع حول مغربية الصحراء على قاعدة مبادرة الحكم الذاتي أحد التزاماته مع الناخبين. إلى جانب قضية الصحراء احتلت قضية الأقاليم المحتلة من قبل إسبانيا وعلى رأسها المدينتين السليبتين سبتة ومليلية مكانة متميزة في البرامج الانتخابية. فقد تعهد تحالف (G8) بالتعبئة لاسترجاع الأقاليم المحتلة، أما حزب العدالة والتنمية فقد دعا إلى فتح الحوار مع إسبانيا حول قضية سبتة ومليلية المحتلتين وطرح مبادرة على مستوى الأممالمتحدة في إطار لجنة تصفية الاستعمار. وفي نفس السياق تضمن برنامج التقدم والاشتراكية مسالة طرح مستقبل المدينتين والجزر الجعفرية للحوار مع إسبانيا. أما في ما يتعلق بالنظرة إلى المحيط الجيوسياسي للمغرب فقد تضمن برنامج (G8) ضرورة العمل على تعزيز تموقع المغرب جهويا ودوليا على ضوء التحولات الجارية في المنطقة والعالم ووضع إستراتيجية لإعادة بلورة الدور الاستراتيجي للمغرب من خلال تمتين العلاقة مع الاتحاد الأوربي وتمتين البعد الإفريقي والمتوسطي والتعاون مع دول الخليج والاستثمار الجيد لانضمام المغرب إلى حظيرة الأمم المتقدمة والعمل على تطوير التعاون مع بلدان الجنوب سعيا لتحقيق التكامل الاقتصادي. أما حزب الاستقلال فقد جعل هدف المحور الدولي من برنامجه الانتخابي في تقوية موقع المغرب في التكتلات الإقليمية والدولية من خلال أربعة فضاءات جغرافية أساسية، وهي أولا السعي لتحقيق الاندماج المغاربي باعتباره حاجة مطردة؛ وثانيا تقوية علاقات المغرب التقليدية مع العالم العربي والإسلامي ودعم تأسيس دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف؛ وثالثا مواصلة تعزيز التعاون مع البلدان الإفريقية على مختلف مستوياتها السياسية والثقافية والإنسانية، مع إعطاء أهمية متزايدة للمجال الاقتصادي؛ ورابعا التعاون الإيجابي مع الفضاء الأورو-متوسطي الذي ينبغي أن ينبني على تدعيم التنمية والاندماج والديمقراطية وليس التركيز فقط على محاربة الهجرة والمخدرات والأصولية. وفي هذا السياق دعا حزب العدالة والتنمية من جهته أولإلى دعم الشراكة المتميزة مع الشركاء التقليديين للمغرب وتطويرها، والمحافظة على العلاقات المتميزة مع الفضائين الأوربي والأمريكي واعتماد سياسة لتصحيح اختلالات الشراكات القائمة وضمان المصالح المتبادلة والعادلة، وتعزيز العلاقات مع الفضاء العربي والإسلامي والإفريقي باعتباره العمق الاستراتيجي والتاريخي والجغرافي. وقد شدد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على ترقية علاقة المغرب مع محيطه الجهوي وتعزيز مكانته الاقتصادية والسياسية على الأصعدة الدولية الجهوية، من خلال دعم مجهوداته لبناء الوحدة المغاربية، والعمل على إعادة البناء العربي، ومواصلة الانفتاح على الفضاء الإفريقي، وتعميق الشراكة الأورومتوسطية من خلال إعطاء الوضع المتقدم مركزه سواء تعلق الأمر بالمغرب أو بالجانب الأوربي. أما حزب التقدم والاشتراكية فقد أعطى بدوره مكانة مهمة للمحيط الإقليمي للمغرب في برنامجه الانتخابي من خلال دعوته إلى تقوية علاقات الصداقة والتضامن مع الدول والشعوب المغاربية والعربية ونصرة كفاحها من أجل الديمقراطية. كان ملفتا للنظر أن مختلف الأحزاب السياسية أعطت أهمية كبيرة لقضايا الجالية المغربية بالخارج نظرا لما أصبحت تلعبه من أدوار اقتصادية ودبلوماسية مهمة من شأنها تعزيز الاقتصاد الوطني والدفاع عن القضايا المغربية. وقد تركزت البرامج الانتخابية على إعطاء الاعتبار للثقل البشري والجيو-اقتصادي الذي تمثله الهجرة المغربية في أوربا (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، وضرورة ضمان مشاركة الجالية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلد الأم (G8)، وإشراكها في المؤسسات المنتخبة (التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية) والدفاع عن حقوقها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية (G8 والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية). وفي ما يخص الدبلوماسية الاقتصادية أولت الأحزاب السياسية الكبرى للعامل الاقتصادي أهمية في برامجها ما دام أن الإقلاع الاقتصادي وسيلة تعطي للآلة الدبلوماسية أعمدة أساسية ترتكز عليها (G8)، بهدف كسب رهان جعل المغرب في مصاف الاقتصاديات الصاعدة (حزب الاستقلال). وهذا يستلزم الدعوة إلى تنشيط العمل القنصلي في المجالات التجارية والاقتصادية (العدالة والتنمية)، وإعادة توجيه تحركات الدبلوماسية المغربية وفقا لمستلزمات النهوض بالاقتصاد الوطني خاصة فيما يتعلق بجلب الاستثمارات الخارجية وتعضيد التنمية البشرية للبلاد (الاتحاد الاشتراكي لقوات الشعبية). لم تفت الأحزاب المغربية هذه الفرصة لتلفت النظر إلى ضرورة مواصلة تأهيل الدبلوماسية المغربية وتحسين أداء وزارة الخارجية وتنمية مواردها البشرية والمالية، وتنشيط الدبلوماسية الموازية وإشراك الهيئات المنتخبة في تحديد توجهات السياسة الخارجية المغربية (الاتحاد الاشتراكي لقوات الشعبية والعدالة والتنمية) إن إعطاء البرامج الانتخابية الأهمية الكبيرة للقضايا الخارجية للمغرب ينسجم مع النصوص الجديدة لدستور 2011 الذي يعزز موقع كل من البرلمان والحكومة في مجال السياسة الخارجية المغربية. فرغم أن الدستور الحالي أعطى للمجلس الوزاري سلطة التداول في التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة (الفصل 49)، فإن الحكومة هي التي أصبحت تمارس السلطة التنفيذية، وتعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي (الفصل 89). أما بالنسبة للبرلمان، فق وسع الدستور الجديد من أنواع المعاهدات التي تحتاج إلى الموافقة المسبقة للبرلمان عليها قبل المصادقة عليها (لفصل 55). إن التجربة السياسية القادمة هي وحدها الكفيلة بإظهار مدى قدرة التحالف الحكومي المنتظر على الوفاء بالتزاماته في المجال الدولي سواء في ما يتعلق بصياغة سياسة خارجية تنبثق من برامجه الانتخابية والسياسية أو تحقيق تعهداته التي قطعها مع الناخبين. * يعنى مركز الدراسات الدولية، و مقره الرباط، بالأبحاث و الدراسات السياسية. و يعتبر فاعلا نشطا في إغناء النقاش حول التكامل المغاربي ، كما يهتم كذلك بالمشاكل المرتبطة بالهجرة ، الإرهاب ، و الإشكاليات المتعلقة بتجزئة و تقسيم الدولة. في العام 2010 قام مركز الدراسات الدولية بإصدار كتاب ، باللغة الفرنسية ، تحت عنوان «عقدين من الإصلاحات بالمغرب (1999-2009)، هدا الكتاب هو نتاج عمل جماعي لعدد من الأساتذة الجامعين و الباحثين المتخصصين. ثم نشره من طرف مؤسسة النشر كارتا لا. في يناير 2011، قام المركز بإصدار ، لدى نفس مؤسسة النشر ، كتاب ثاني باللغة الفرنسية تحت عنوان «المغرب- الجزائر: مقاربات متقاطعة لجوار عدائي» 0 و قام المركز بإصدار كتابه الثالث باللغة الفرنسية تحت عنوان « النزاع حول الصحراء أمام منظمة الأممالمتحدة». كما يتوفر المركز على عدد من المواقع الالكترونية التي ينشر فيها بعضا من أبحاثه. من بين هده المواقع نذكر موقع «ابن خلدون» الذي تم إنشاؤه مؤخرا. يمكن الإطلاع على هذا الموقع من خلال العنوان www.ibn-khaldoun.com 1 الذي يضم كل من الأصالة والمعاصرة، والحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، والحزب العمالي، واليسار الأخضر المغربي، والنهضة والفضيلة والحزب الاشتراكي. (*) أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، مستشار لدى مركز الدراسات الدولية