يشهد المغرب يوم 25 نونبر الحالي إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تهدف إلى إفراز مجلس نواب جديد. و يشكل هذا الاستحقاق منعطفا في التاريخ السياسي للمغرب لكونه يتم في سياق ظرفية اتسمت بمواصلة الدينامية الإصلاحية التي شهدها المغرب منذ التسعينات، والتي تعمقت مع تربع جلالة الملك محمد السادس على العرش، و التي كان من تجلياها البارزة إقرار دستور جديد كرس الديموقراطية كخيار لارجعة فيه. و في نفس الوقت، فإن هذه الاستحقاق يطرح تحديات كبيرة على الفاعلين السياسيين و كذا المجتمع المدني لا سيما ما يتعلق بتطبيق مقتضيات الدستور بشكل يقدم الممارسة الديموقراطية و يكرس التفاعل الخصب بين المواطن و نخبه السياسية . اقتراع في ظل مناخ دستوري وسياسي جديد هناك اقتناع عبر العالم بكون المغرب قد تعامل بحكمة كبيرة مع التحولات التي يعيشها العالم العربي منذ بداية هذه السنة ، و التي أفضت لحد الساعة إلى إسقاط ثلاثة رؤساء و هم على التوالي الرئيس زين العابدين بنعلي في تونس ، و الرئيس حسني مبارك في مصر . و أخيرا امعمر القدافي الذي انتهى نهاية مأساوية في ليبيا . و إذا كانت فصول هذا الزلزال العربي ما زالت مستمرة، فإن المغرب بقي في منأى عن هذه الزوابع ، ليس لكونه لم يعرف مطالب إصلاحية إسوة بما وقع في اغلب الأقطار العربية ، بل يرجع الأمر إلى الحكمة التي تعامل بها جلالة الملك مع المطالب التي جسدتها بشكل واضح حركة 20 فبراير . فعلى خلاف ما وقع في كثير من الدول ، فقد عبر جلالة الملك عن سرعة واضحة في الإنصات و الاستجابة إلى نبض الشارع . و قد عبر عن هذا التوجه من خلال الخطاب التاريخي ل9 مارس حيث أعلن عن إصلاح دستوري عميق وضع مرتكزاته الأساسية . ولإخراجه إلى حيز الوجود ، فقد دعا اللجنة الاستشارية لوضع الدستور إلى التحلي بالجرأة في اقتراح مقترحات تصب في منحى تكريس دولة القانون و المؤسسات . فضلا عن ذلك فقد تم تدعيم ذلك بآلية سياسية تضم زعماء الأحزاب و النقابات الهدف منها متابعة أعمال اللجنة الاستشارية . و كتتويج لمسلسل واسع من المشاورات مع الفاعلين السياسيين و النقابيين و ممثلي المجتمع المدني ، فقد وضعت اللجنة مشروعها الذي تحول إلى دستور نهائي بعد أن تم قبوله بواسطة استفتاء شعبي في فاتح يوليوز عرف مشاركة واسعة وصلت إلى 72 % وموافقة فاقت 97 % . لقد وسع هذا الدستور بشكل كبير من فضاء الحريات والحقوق، وخاصة فيما يتعلق بالمساواة بين المرأة و الرجل حيث فتح أفقا واضحا أمام المناصفة التي تعتبر اليوم من دعائم العدالة و الحداثة عبر العالم . كما دعم آليات مساهمة المواطن في الحياة السياسية سواء من خلال حقه في المعلومة أو من خلال مشاركته المباشرة سواء عبر تقديم عرائض او مقترحات للسلطات و التي سيتم تنظيم ممارستها بقوانين تنظيمية . و أكثر من ذلك ، فقد جعل من الخيار الديموقراطي أحد ثوابت المملكة . و علاوة على تعميق فضاء الحقوق و الحريات، فقد وضع الدستور الحديد هندسة جديدة للسلطات ارتكزت على توسيع اختصاصات البرلمان سواء تعلق الأمر بالمجال التشريعي أو الرقابي أو تقييم السياسات العمومية . و على إقرار تراتبية برلمانية تحافظ على ثنائية المجلسين، و لكنها تعطي لمجلس النواب المنبثق عن الاقتراع العام المباشر الدور الاساس في مقابل مجلس المستشارين الذي تقلص عدد أعضائه و كذا اختصاصاته . و في نفس التوجه، فقد أنيطت بالحكومة و رئيسها بشكل واضح تدبير السلطة التنفيذية، حيث أصبحت لمجلس الحكومة اختصاصات فعلية سواء فيما يتعلق بالتعيينات أو فيما يتعلق بتدبير الشأن العام، فضلا عن كل ذلك ، فقد عالج الدستور مسألة الحكامة في أبعادها المختلفة ، و خاصة ما يتعلق بالجهوية الموسعة التي أصبحت أفقا سيغير في السنوات المقبلة مجالات التفاعل بين المواطن و الحاكمين . في ظل هذا المناخ الدستوري الجديد تم وضع الإطار التشريعي للانتخابات ، حيث صوت البرلمان على القوانين المتعلقة بالأحزاب السياسية، و مجلس النواب و الملاحظة الانتخابية التي ستمكن عددا من الملاحظين سواء من المغرب أو من خارجه من متابعة الاقتراع المقبل . بصفة عامة، فإن هذا الاقتراع يتم في سياق مغاير يتسم بكثير من القطائع، لكن في ظل استمرار الدينامية الإصلاحية التي ميزت تطور البلاد . فما هي رهانات هذا الاقتراع ؟ بعض رهانات هذا الاقتراع في انتظار النتائج التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات، يمكن القول أن المعطيات المتعلقة بالترشيحات في هذا الاستحقاق تكشف بوضوح عن إرادة واضحة في مشاركة مكثفة للقوى السياسية وانخراطها في مسلسل تجديد النخب التشريعية . فإذا أخذنا عدد اللوائح المحلية المتصارعة، فقد وصلت إلى 1546 لائحة تضمنت 5392 مرشحة و مرشحا . أي ما يعادل 17 لائحة في كل دائرة انتخابية . لكن ما هو أهم ، يكمن في كون 87 % من وكلاء اللوائح هم جدد لم يكونوا برلمانيين . و يعني هذا أن نسبة تجديد النخب البرلمانية إذا أخذنا هذا المعطى ينضاف إليه ما يتعلق بمرشحي اللائحة الوطنية المخصصة للنساء ، و تلك المخصصة للشباب ستكون مرتفعة . وهذا يفند إدعاءات بعض المعارضين لهذا الاستحقاق بدعوى استمرار نفس الوجوه المألوفة سياسيا . ثانيا: إن الاختراق الديموقراطي الذي كرسه الدستور وخاصة ما يتعلق بتمثيلية المرأة سيفضي إلى تمثيلية أكبر في هذا المجلس، حيث إن اللائحة الوطنية ستضمن عضوية ستين امرأة . ومن المؤمل أن تضاف لها بعض النساء القائدات لبعض اللوائح المحلية . لكن رغم هذا التقدم، من الموضوعية الاقرار أن نسبة النساء تظل بعيدة عن هدف تحقيق المناصفة بشكل تدريجي . فعدد اللوائح المحلية التي قادتها النساء لا يتجاوز 57 لائحة . لذلك من الضروري إقرار تدابير إضافية لضمان تمثيلية أو سع للمرأة في المؤسسة التشريعية . ثالثا : من الواضح أن هذا الاقتراع الذي يمثل لحظة محورية في صيرورة المجتمع المغربي يستقطب انتظارات متعددة سنقتصر على البعض منها : فهناك التساؤل حول نسبة المشاركة في هذا الاقتراع . وهو تحدي لا يهم فقط الأحزاب السياسية بل في العمق يساؤل مدى استجابة المواطن و تفاعله النشيط مع الإصلاحات الكبيرة التي تمت . فمن الواضح أن نسبة العزوف في انتخابات 2007 كانت مرتفعة . و عبرت في العمق عن عدم الثقة بين المواطن و الحقل السياسي برمته. وهو أمر لا يستقيم مع الديموقراطية التي هي بالأساس موجهة لخدمة المواطن . فلا مصداقية بدون مشاركة مكثفة للمواطن. فالعزوف يشوه الخريطة السياسية، ولا يخدم القوى المتطلعة إلى التقدم وخدمة المصلحة العامة . فالمستفيد منه إما القوى التي لها كتلة انتخابية منظمة أو أولئك الذين يستعملون وسائل غير مشروعة للفوز في الاقتراع. ومن ثم، فإن مساهمة المواطن، علاوة على كونها من تجليات المواطنة، فإنها ضرورية لقياس مدى التفاعل بين المواطن و السياسي . و رغم دعوات بعض القوى العدمية إلى المقاطعة ، فهناك شعور بأن الإصلاحات الدستورية و السياسية التي قام بها المغرب ستحمس الناخب أكثر ، وبالتالي ستسهم في الرفع من نسبة المشاركة. يتمثل التحدي الثاني في قدرة نتائج هذه الانتخابات على إطلاق دينامية تسمح بالاستجابة لانتظارات المواطن خاصة في المجال الاجتماعي و الاقتصادي . فبالرغم من تنافسية البرامج، وانكباب الأحزاب على بلورة مقترحات تعتبرها معقولة و واقعية ، فإن الممارسة السياسية تدفعنا إلى كثير من الحذر. فمن جهة، فإن البرلمان الذي توسعت اختصاصاته بات محتاجا إلى نخب أكثر قدرة على إبراز مؤسسة تشريعية تحظى بالنجاعة و المصداقية في الإضطلاع بوظائفها . فصورة البرلمان المغربي ظلت مهزوزة لدى المواطن. و من الضروري العمل على تزيينها من خلال تحسين المنتوج البرلماني نفسه على كافة المستويات. ومن جهة ثانية ، فمن الواضح، أن الانتخابات المغربية لا تفرز حزبا أغلبيا يمكن له تشكيل الحكومة بمفرده، بل لا بد من ائتلاف يقوم على أساس برنامج حكومي يكون نتاجا لتسويات بين مختلف البرامج . وسيتبلور في ظل وضعية عالمية جد صعبة. فالحكومة المقبلة، مهما كان لونها ستواجه ظرفية صعبة تتسم بارتفاع المطالب الداخلية، وبأزمة عميقة في المحيط الذي نتعامل معه ، أساسا المحيط الأوربي الذي التجأت أغلب حكوماته إلى تبني برامج تقشفية من إفرازاتها الأساسية التضحية بمجموعة من المكاسب الاجتماعية. ومن ثم، فإن السؤال الجوهري يبقى مطروحا حول معرفة ما إذا كان المغرب الذي وضع ترسانة دستورية و تشريعية متقدمة سيصاحب ذلك بحكومة منسجمة ومكونة من نخب قادرة على معالجة المشكلات السوسيو اقتصادية وزرع بدور الثقة والأمل ؟ * مركز الدراسات الدولية