كيف ولماذا سمحت وزارة المالية في 21 يونيو 2011 بدق آخر مسمار في نعش القانون الأساسي لمستخدمي مكتب التكوين المهني بعد سماحها بتمرير ما سمي ببروتوكول اتفاق ما بين المكتب وشريكته الاجتماعية؟ ما هذا الكرم الحاتمي الذي جعل فجأة أموال الدولة تتدفق في صندوق مكتب التكوين المهني، لتهدر بدون رقيب ولاحسيب فيما سمي بإعادة الترتيب الذي عبث بالوضعيات الإدارية لغالبية المستخدمين أكثر من رفعه للضرر الذي لحقها منذ الولادة الميتة للقانون الأساسي الجديد المسجلة في كناش حالته المدنية برسم سنة 2003؟ هل الأمر يتعلق فقط بتقديم يد المساعدة لمدير حاصرته دائرة الخطر بعدما احتج وأضرب المتعاقدون والمستخدمون الرسميون طيلة السنة التكوينية الماضية أمام باب إدارته المركزية وفي مختلف المؤسسات التكوينية مهددين بسنة بيضاء؟ أم بتواطؤ مفضوح للحفاظ على وزن الشريكة الاجتماعية الذي خف بعدما فشلت، بأساليبها المعهودة، في كبح فرامل المحتجين وتقديم دعم لوجيستيكي للإدارة للإبقاء على التمثيلية النقابية الحالية لكي تؤدي عرضها السخيف على الخشبة المظلمة للتكوين المهني؟ بل الأكثر من ذلك، ألم يحصل السيد وزير المالية مقابل موافقته على تمرير أكثر الأشياء تناقضا مع القانون الأساسي الجديد على بطاقة مجانية لحزبه للفرجة على هذا العرض البهلواني تمهيدا واستعدادا لدعمه في العرض الكبير في 25 نونبر وذلك بضم حليف نقابي غير معلن عنه لحليفه السياسي المعروف ب G8؟ إن كان الأمر غير ذلك كيف نفسر دخول النقابة المقربة من حزب الوزير الأول على الخط، وهي التي لم يكن لها أي وجود يذكر بقطاع التكوين المهني وفجأة التحق بصفوفها مكتب المتعاقدين معلنا من جهة تمرده على الشريكة الاجتماعية لمكتب التكوين المهني ومن جهة ثانية -وهنا بيت القصيد - أن النقابة التي تم الانخراط فيها، حتى ولو لم تكن طرفا في الحوار، فهي التي تدخلت لدى الوزير الأول وسهلت عرض التمثيلية وبالتالي أصبح من حقها الحصول على بطاقة الفرجة المجانية، ويكفينا أن نستحضر في هذا الصدد الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة إلى وزيره في التشغيل والتكوين المهني بتاريخ 28 أكتوبر 2011 والتي ورد فيها «وبعد، لقد أنهى الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب إلى علمي أن البروتوكول الموقع في 11 يونيه 2011، والموقع بين الإدارة العامة للتكوين المهني ووزارة الاقتصاد المالية في إطار الحوار الاجتماعي، تعترض تنفيذ مقتضياته بعض العقبات... ويشرفني أن أطلب منكم العمل على موافاتي بلائحة مفصلة لمختلف هذه الحالات، للتمكن من دراستها عن بينة واتخاذ القرار اللازم بشأنها»، هذه الرسالة تشهد لوحدها على الانحياز المكشوف لرئيس الوزراء للنقابة المقربة من حزبه فهو من خلالها لا يعترف إلا بمكتب التكوين المهني ووزارة الاقتصاد المالية كطرفين موقعين على بروتوكول 21 يونيه بعد إسقاط متعمد لطرف ثالث وقع عليه هو نقابة الاتحاد المغربي للشغل، كما أنه يحاول إقحام النقابة التابعة لحزبه كالطرف الوحيد الذي طلب من سيادته وضع حد للعراقيل التي تعترض تنفيذ مقتضيات البروتوكول، ولا غرابة في أن يكون قد أبدى استعداده لاتخاذ القرار اللازم بشأنها. نعم لقد أصبح العمل النقابي بمكتب التكوين المهني، بعدما نخر الفساد دواليبه، عرضة لمختلف المناورات والحسابات الضيقة ومستغلا من طرف عدة أطراف لتحقيق مطامع بعيدة كل البعد عن الأهداف النبيلة للتكوين المهني، ويكفينا أن نستشهد بمضمون المذكرات الإدارية والبلاغات النقابية الصادرة في الآونة الأخيرة عن الإدارة العامة لمكتب التكوين المهني وشريكتها الاجتماعية والتي تكشف بجلاء تبادل الأدوار وتكاملها فيما بينهما، فالإدارة التي استشعرت ما يحاك في الخفاء ضد شريكتها الاجتماعية أصدرت ما بين 20 شتنبر و13 أكتوبر خمس مذكرات تعرض فيها ما تحقق بفضل تضافر جهودها مع جهود شريكتها الاجتماعية من مكاسب مادية للمستخدمين داعية إياهم إلى عدم الانسياق وراء أصحاب المصالح الشخصية، وتناست بالكامل أن تصدر مذكراتها المعهودة في بداية كل سنة تكوينية التي تذكر بارتداء الوزرة والحرص على الأناقة واستعمال المرتب البداغوجي كأداة دعم للعملية التكوينية، بل تحاشت هذه السنة إرسال مفتشيها المركزيين للاطلاع بمختلف الجهات على ظروف بداية الموسم الجديد اللهم ما تعلق بإرسال مفتشين في أواسط شهر أكتوبر إلى المديرية الجهوية بالشرق للاطلاع على فضيحة تمت في عهد المدير الجهوي السابق اكتشفت بعد تظلم العديد من الممونين الذين زودوا المكتب بسلع تبين أنها تمت بوثائق مزورة على يد مستخدم، غير مزور طبعا، حيث وصلت المبالغ التي امتنع المكتب عن تأديتها ما مجموعه 40 مليون سنتيم لأنها تمت خارج الضوابط القانونية واكتفت الإدارة بتوقيف المستخدم المتهم دون أن يطال قرارها المدير الجهوي السابق الذي عبد له طريق الاختلاس عندما جعل منه مسؤولا عن المشتريات وأمينا للمخزن في نفس الوقت. أما الشريكة الاجتماعية فأصدرت ما بين 11 شتنبر و19 أكتوبر سبع بلاغات ابتدأت بتمجيد البروتوكول الذي حقق لها مآربها وانتهت في نقطة التقاطع مع مذكرات الإدارة بدعوة المستخدمين إلى «محاربة كل الموزعين والانفصاليين»، ولم تتردد الإدارة في الكشف عن تواطئها السافر في الحرب المعلنة وذلك بعقد اجتماعات مكثفة مع شريكتها الاجتماعية وإعطاء موافقتها على الاستجابة مستقبلا لكل التحفظات التي تقلق المتعاقدين والرسميين أملا في قطع الطريق أمام «من يريدون استغلال المستخدمين لأغراض سياسوية» كما ورد ذلك في البلاغ الأخير لنقابة «الميلودي»، وفي هذا رد واضح على محاولة نقابة «شباط» حشر أنفها في شؤون محمية التكوين المهني. وفي ظل هذا الوضع الملتبس يبدو أن الملتحقين من التعاقدين بالنقابة المقربة من حزب رئيس الوزراء يقفون مشدوهين وهم يرون أن ما أعلنوا عنه من مطالب قد تم السطو عليه من طرف من نعتوهم بالانفصاليين وتفاوضوا بشأنه مع الإدارة التي لم تترد في الإعلان بلسان نقابة «الميلودي» طبعا على الاستجابة الفورية لها حتى ولو كان ذلك مناقضا لبنود القانون الأساسي الذي تكون وزارة المالية بموافقتها على بروتوكول 21 يونيو قد دقت آخر مسمار في نعشه وتشهد على ذلك النقطة رقم 13 المتضمنة في بلاغ الشريكة الاجتماعية الصادر في 19 أكتوبر والتي ورد فيها «نظرا لأن بعض بنود القانون الأساسي أصبحت متجاوزة ولا تجاري تطور عملية التكوين وتدبير شؤون المستخدمين داخل المكتب، أبدى جميع الأطراف إدارة وممثلي المستخدمين الرغبة في الشروع في تهيئ مشروع تعديل بعض بنود القانون في غضون الأسابيع القليلة القادمة» أي تعديل هذا الذي يتم الحديث عنه بعدما كرس القانون الأساسي الحالي ما يمكن تسميته بالريع المهني وأن أي تعديل لبنوده لن يزيد الريع إلا استفحالا. لقد آن الأوان للتحقيق في فضائح الترقية الداخلية المعلن عنها مؤخرا ووقف مهزلة إعادة ترتيب المستخدمين وإجراء تشريح شرعي وموثوق به على جثة المدعو قيد حياته «القانون الأساسي لمستخدمي مكتب التكوين المهني» لمعرفة أسباب وفاته وإعطاء كل ذي حق حقه، وهذا هو عين العقل.