في نقاش عام في الفصل التاسع من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 183-72-1 بتاريخ 21 مايو 1974 الذي أُحدث بموجبه مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل نقرأ بلغة سيبويه على أنه «يدير شؤون مكتب التكوين المهني مدير يعين طبق الشروط المنصوص عليها في التشريع المعمول به. ويتولى مدير المكتب تنفيذ مقررات المجلس الإداري ولجنة التسيير». بينما نقرأ بلغة موليير في قمة الهيكل التنظيمي الإداري لمكتب التكوين المهني داخل أعلى مستطيل أزرق بالموقع الإلكتروني للمكتب عبارة «DIRECTEUR GENERAL» وقد اصطفت تحته في نظام وانتظام مستطيلات رمادية اللون عليها تسعة عشر مسؤولا، يفعلون ما يؤمرون، هم طبعا المفتش العام وثمانية عشر من المدراء المركزيين والجهويين. إذا كان من الممكن اعتبار كلمة مدير الواردة في الظهير الشريف المحدث لمكتب التكوين المهني كمصطلح يوازي المصطلح الفرنسي «DIRECTEUR» فإني أقر بأني بحثت ونقبت في الظهير المشار إليه أعلاه فلم أجد أي أثر للمصطلح العربي الموازي لكلمة «GENERAL»، وبسبب توجسي من الاستعمال غير السليم لمصطلح «عام» فمن الأفضل نطقها بالعربي كما هي أي «جنرال» عملا بالعرف الذي يسري مثلا على كلمة «ديكور» أو كلمة «ترانزستور». ما أخشاه من استعمال كلمة «عام» بعبارة «مدير عام بمكتب التكوين المهني» أن تكون كلمة «عام» قد أصبحت فعلا أجوفا معتل العين قابلا للصرف على شكل «عام يعوم» بمعنى «سبح يسبح» خاصة وأن كما هائلا من المياه المنسابة تحت جسر مكتب التكوين المهني بدأ يطفو على السطح منها ما أصبح يفور في قدر سلق إعادة تريب الرسميين ومنها ما يفور في قدر طبخ إدماج المتعاقدين، منذرا بتعويم المكتب من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وإذا ما عام المدير والتسعة عشر الذين معه فلا خيار غير تحويل مستطيلات الهرم التنظيمي للمكتب ومؤسسات التكوين التابعة له إلى مسابح لتعلم فن الغطس والسباحة. الذين أوكل لهم السيد المدير تعريب الهيكل التنظيمي لمكتب التكوين المهني، عليهم من الآن فصاعدا الحرص على وضع مصطلح «مدير جنرال» داخل المستطيل الأزرق وعلى صفحات كل المذكرات والمراسلات الموقعة من طرف سيادته. سيشهد التاريخ للمدير جنرال التكوين المهني بأنه خاض حروبا ومعارك عديدة. من دون شك، قد حالفه النصر في بعضها، وخذلته الهزائم في الكثير منها. ربما قد حالفه النصر في معركة توظيف المقربين ومعارك التدشين والتقاط الصور وحجز مساحات في الصحف والزيادة في عدد المقاعد البداغوجية، وفي المعركة التي خاضها في سنة 2005 ضد ضباط الحرس القديم الذين تم إعفاؤهم من مهامهم، وفي معركته ضد الوزير السابق الوصي على القطاع الذي لم تتمكن طلقات أسلحته من إصابة الهدف، فلا الشبهات التي حامت حول تفويت صفقات بعينها لشركة «سامفور» ولا قلق السفير الكندي من تجميد التعاون في مشروع مقاربة التكوين بالكفايات ولا الاختلالات التي عرفها مشروع «ميدا 1» استطاعت زحزحة الجنرال من مكانه. وقد يكون النصر حالفه أيضا في حربه ضد شريكته الاجتماعية بعدما حاصرها في عقر دارها بملف العقود الخاصة المشبوهة وملفات الفساد المالي بكثير من المؤسسات التكوينية، التي أُطفئت نارها في المهد بعد توقيع معاهدة الاستسلام التي قضت بأن توجه شريكته سلاحها إلى المستخدمين ليرددوا «العام زين، التكوين زين، القانون الأساسي زين والجنرال زين...»، مقابل تراجعه عن ما ورد في مذكرته الصادرة بتاريخ 28 مايو 2004 التي دعت المدراء الجهويين إلى فتح باب الحوار مع مختلف النقابات المتواجدة بالقطاع لتهييء الأرضية للقاء مركزي سيجمع سيادته بالمكاتب الوطنية لهذه النقابات التي ما زالت -لحد كتابة هذه السطور- تنتظر الوفاء بالوعد المقطوع، تماما كما مازال مستخدمو المكتب ينتظرون تحقيق حلم إعادة الترتيب والاستمتاع ب »الرابيل» لتحقيق مشاريع العيش الكريم. لكن النصر الذي تتلوه الهزائم ليس نصرا، والمعركة الفاصلة بين النصر والهزيمة تكون دائما هي المعركة الأخيرة، وكل المؤشرات تدل على أن معركة الحوار القطاعي قد تكون هي آخر المعارك وأن خسارتها أصبحت وشيكة بعدما انفرد المدير جنرال مكتب التكوين المهني بإصدار سلسة من البلاغات لإطفاء نار الحرب المشتعلة التي فشلت شريكته الاجتماعية في إطفائها ببلاغها الصادر بتاريخ 30 أبريل وهي البلاغات التي تعرضنا لبعض منها في المقال الصادر بالعدد 9784 بتاريخ 16 ماي المنصرم. ولأن هذه البلاغات أججت الاحتقان وأحرجت صقور نقابة الميلودي، فقد تدارك المدير الجنرال هفوته عبر بلاغ ثالث صدر بتاريخ 9 ماي يوضح من خلاله ما ورد من اقتراحات في بلاغه الثاني الصادر بتاريخ 05/05 تحت رقم م.ت.م/إ.ع/23/11 كما يلي: - سيستفيد حوالي 2030 مستخدما من إعادة الترتيب. - سيتم إدماج المكونين المتعاقدين على أربع دفعات. الملاحظ، إذن، أن كل ما صدر -لحد الآن- عن المدير «الجنرال» وعن نقابة الميلودي من بلاغات غامضة ومنفردة لا ترقى إلى مستوى اتفاق مدقق البنود، متفاوض ومتفق عليه. إنه لمن العبث أن يستمر الحديث عن إعادة ترتيب المستخدمين في القانون الجديد الذي مضى على تطبيقه ما يقارب تسع سنوات من دون وجود سيناريو واضح قابل للتحقيق، فأي الأخبار الرائجة سنصدق؟ هل التي تقول إن نقابة الميلودي هي التي تفاوضت مع وزارة الاقتصاد والمالية؛ وبالتالي لها الحق في توزيع الوزيعة حسب السيناريو الموضوع من طرف صقورها الذين يقال إنهم سحبوا من وزارة المال ظرفا ماليا قدره بعضهم ب 40 مليار سنتيم، وقدره البعض ب 150 مليار سنتيم، وقدره البعض الآخر ب 400 مليار سنتيم؟ وأمسكوا كلهم بالأوراق والأقلام وقسموا التركة قبل وفاة الهالك فتراوحت أنصبة كل من الفروض والعصبة ما بين 16 و25 مليون سنتيم، أم نصدق إدارة مكتب التكوين المهني التي ستعمل على إعادة ترتيب المتضررين والمحدد عددهم في ربع المستخدمين من دون أي تبيان لمقاييس تحديد الضرر، أم نصدق راديو الواقع الذي يبث عبر دبدباته بأن لا شيء واضح في الأفق القريب ويشهد على ذلك كل من الإضرابات التي ما زالت مستمرة في الكثير من الجهات وبلاغات نقابة الميلودي التي صدرت في أواخر شهر ماي معلنة عن العودة إلى نقطة بداية الحوار مع الإدارة بشأن إعادة الترتيب (علما أن أول بلاغ لها بشأن بداية الحوار حول إعادة الترتيب صدر في سنة 2004 وتلاه بلاغ في سنة 2009) وضغط صقورها المتزايد وبكل الوسائل على المضربين من أجل توقيف الحركات الاحتجاجية لإنعاش حوار يعيش لحظات احتضاره الأخيرة؟!... إن ما سيستفيد منه بعض المستخدمين من إعادة الترتيب لا يعدو أن يكون إلا أقراصا مهدئة للالتهاب المزمن الذي عمر منذ سنة 2003، أي منذ التاريخ الذي باركت فيه نقابة الميلودي كشريك اجتماعي قانون الفصل العنصري وقبلت التوقيع عليه بنديه 90 و92، فما يسمى بإعادة ترتيب المتضررين لن يفي بالمطلوب ويكفي أن نعطي مثالا بعدد أساتذة الدرجة الثالثة (سلم 10) في القانون القديم والذين كانوا سيستفيدون من الترقي إلى أساتذة الدرجة الثانية (سلم 11) برسم السنوات الممتدة من 2004 إلى 2011، بينما لا زالوا جميعهم حبيسي السلالم 16، 17 و18 / فئة «C» (سلم 10 سابقا) ولم تتح الفرصة بعد لأي واحد منهم للمرور إلى فئة «B» (سلم 11 سابقا). فهلا تفضل المدير الجنرال وقدم لنا جردا ماديا يوضح بكم انخفضت كلفة الترقية الداخلية ما بين 2003 و2011، ومن هم المستفيدون الحقيقيون من هذا النظام والمصرون على بقاء العمل به مستغلين في ذلك رماد إعادة الترتيب لدره في العيون العمشاء، علما بأن المثال الذي قدمنا يسري على أغلب الفئات إلا طبعا تلك التي استهلكت الاستفادة من كل مزايا القانون القديم وأصرت على تمرير القانون الجديد الذي كانت أول المستفيدين من مزاياه. لقد حان الوقت: - لكي يدرك الجميع أن مضادات الالتهاب قد تهدئ الألم دون أن تشفي من المرض، وأن المرض المستشري في جسم مكتب التكوين المهني يحتاج لعملية جراحية لاستئصال ورم خبيث اسمه القانون الأساسي الجديد. - لكي يتم الاستئناس بشروط الترقي في سلالم القانون القديم؛ وذلك إلى حدود سنة 2010 لتمكين جميع المستخدمين المستوفين لتلك الشروط من أحقية الترقي من فئة إلى أخرى، وجعل الترقية بين سلالم كل فئة على حدة أتوماتيكية بعد أقدمية سنتين وحصر الترقي عبر الحصيص عن طريق المباراة أو الأقدمية طبقا لما هو منصوص عليه حاليا ما بين الفئات فقط مع تطبيق الإجراءات المتفق عليها في الحوار الاجتماعي والمتعلقة برفع الحصيص وتحديد سنوات الانتظار. - لكي تتحرر النقطة الإدارية السنوية مما هو منصوص عليه في دليل التقويم الذي حدد نسبة المستفيدين من الترقي بالسريع في 50% بشكل يتناقض مع ما هو منصوص عليه في قانون الورم الخبيث. - لكي يوضع حد لتهريب منحة المردودية في جيوب معينة وجعل الاستفادة منها مكسبا لجميع المستخدمين وبنسب معقولة تساير وما يقدمونه من تضحيات في العمل. - لكي يطبق السلم المتحرك للأجور وتخضع الزيادة في التعويضات لمبدأ التفاوض القطاعي المباشر بتواز مع مفاوضات الحوار الوطني. - لكي يتم القطع مع سياسة توظيف الوافدين الجدد من قطاعات لا علاقة لها بالتكوين وتكليفهم بمناصب حساسة ولنا في الوافدة الجديدة التي عينت في أواخر سنة 2010 على رأس إحدى المديريات وبمجرد توقيعها على قرار التعيين استفادت من إجازة الولادة وبعد عودتها وجدت أن مديريتها قد سلمت لوافد جديد فقضت بضعة شهور كمديرة متجولة ما بين المديريات إلى أن عينت كمديرة جهوية بعاصمة المملكة، وعين لها خصيصا نائب ليقوم لها بالمهام المستعصية عليها. ولأن الوقائع أبانت أن جل الوافدين لا تجربة لهم في تدبير شؤون المكتب، فإن أغلبهم أمام عجزه المفضوح غادر المكتب حتى قبل أن ينهي مدة تعاقده. ناهيك عن سياسة التوظيف هذه -التي يعتبر المدير الجنرال أن المشرع خصه بها- تتناقض مع ما هو منصوص عليه في البند 25 الذي ينصص صراحة على تشجيع الترقية الداخلية لمستخدمي المكتب فيما يخص مناصب المسؤولية. ممكن يا مدير جنرال التصريح كما هو مدون في محضرك- بأن المشرع خول لك حق التعيين في مناصب المسؤولية لكن ما أظنك تجهل أن ممارسة هذا الحق لا يجب أن تتم في تطاول على القانون، وتيقن أن المعارك لا تدار بأطقم غير مدربة على فن القتال، أطقم همها الوحيد الحصول على الامتيازات العينية والنقدية ومن بعدها الطوفان. وها أنت ترى أنها تقدم لك تباعا استقالاتها لتنجو بنفسها. وتأكد أن الذي يرمي بكل أسلحته في معركة واحدة، قد يكسب تلك المعركة، لكنه سيخسر حتما الحرب الكبيرة. وكل المؤشرات تدل على أن خسارة الحرب أصبحت وشيكة ولم يبق إلا رفع الراية البيضاء، وأولى بوادر هذه الخسارة انطلقت من الشرق عندما أقدم رئيس المنطقة على مناورة لكسب ود الجنرال، شملت إعادة نشر المعدات والجنود والمجندين تحت شعار «مؤسسات تكوينية متخصصة» رصدت لها اعتمادات مالية ضخمة ذهبت هباء منثورا، وها قد أثبتت الأيام أن السنة التكوينية الحالية هي أسوأ سنة عرفها مسار التكوين وأن الخريطة الحربية لم تحقق أهدافها ولن تستطيع تحقيق زيادة 14% في السنة المقبلة، تلتها خسارة المعركة مع الجنود المتعاقدين التي أشعل فتيلها الرئيس المشرف على تزوير النقط الإدارية، عندما كال لهم من الأوصاف ما جعلهم أشبه بمرتزقة يتقاضون أجورا مقابل مشاركتهم في حرب مفتوحة لكسب مليون مقعد بداغوجي في سنة 2015 وهي الخسارة التي أصبحت واقعا لا يجب غض الطرف عنه، بعدما أوشك أن يحل مليون يوم إضراب عن العمل محل مليون مقعد بداغوجي، حيث أضرب كل المستخدمين وبشكل متكرر طيلة شهور مارس أبريل وماي وبعدما وصل الوضع المتأزم إلى حد أن أشعل بعضهم النار في سلاحه (ما يسمى بالمرتب البداغوجي) وأن تخلى البعض الآخر عن سلاح ولباس الجندية (ما يسمى بالوزرة) والله يخرج السَّرْبيس على خير. وتبقى خسارة معركة التكوين من أكبر الهزائم التي سيجر ذيولها مكتب التكوين المهني بسبب فشل برامج محو الأمية المهنية وبسبب التفريط في العناصر الأساسية لجودة التكوين كالتخلي عن مقاربة التكوين بالكفايات وغياب الانسجام ما بين الدلائل البداغوجية والوحدات التكوينية وتقليص مدد التكوين وضعف التأطير وتهالك التجهيزات وإحلال التكوين النظري محل التكوين التطبيقي بعد إخلاء المخازن من المواد الأولية وتحويلها هي والمراحيض إلى قاعات للدروس.