مهن تحوّل دون أن يتقاسم أصحابها أهم وأقوى اللحظات العائلية مع أسرهم وأقاربهم وهم يحتفلون بأجمل المناسبات الدينية في حياة المسلمين، ومن ضمنهم مغاربة.. رجال الأمن والوقاية المدنية وجنود الحدود وأطباء الاستعجالات والطيارين والصحافيين وغيرهم من موظفي القطاعات الحساسة هم مغاربة أبعدهم الواجب المهني عن البيت العائلي صبيحة العيد أو في ثاني أيامهم للسهر على أمن وصحة ورفاهية أكثر من 35 مليون مغربي، وهم يحتفلون بعيد الاضحى، تلزم بعض المهن في القطاعات الحساسة التي تستدعي نظام المناوبة والخدمة العمومية الدائمة مهما كانت الظروف أصحابها بالمرابطة بمواقعهم حتى في المناسبات الدينية وأيام العطل المدفوعة الأجر لجميع الموظفين ليحرموا من معايدة الأهل والأقارب ومقاسمتهم جلسات العيد ولماته العائلية، وفي مقدمة هؤلاء الجنود المجهولين أيام العيد يناوب ملائكة الرحمة بالمستشفيات ومصالح الاستعجالات، مستبدلين ملابس العيد وحلله بالبدلات البيضاء لإسعاف الحالات الطارئة وضمان العلاج لذوي الأمراض المستعصية، فضلا عن مساهمتهم في رسم البسمة على المقعدين في الأسرة بتخفيف ألم المرض وخلق جو عائلي ينسيهم فرقة الأهل خاصة في يوم العيد. كما يرابط رجال الأمن بثكناتهم ومراكزهم ومواقعهم بحواجزهم الأمنية في الشوارع والطرقات للسهر على أمن العائلات والمواطنين والحيلولة دون أن يُعكر المفسدون في الأرض فرحتهم، وكذا رجال الوقاية المدنية الذين يتمركزون بمراكز النجدة طيلة يومي العيد وفق النظام العادي لعملهم، قصد ضمان التدخل في أي طارئ والحصول على الفعالية المطلوبة والتقليل من العواقب والخسائر قدر المستطاع في حال حدوث أي طارئ أو كارثة وإن كانت المهن السابقة الذكر معلومة عند العوام والخواص أنها تستدعي التضحية بأيام المناسبات والعطل من أجل أدائها على أكمل وجه فإن هناك مهن أخرى تلزم على أصحابها هي أيضا التواجد في أماكن العمل صبيحة أول أيام العيد أو في ثاني أيامه كعمال مؤسسات النقل على اختلافها وفي مقدمتهم الطيارين لضمان صيرورة حركة الملاحة الجوية المرتبطة بنظام عالمي عام، وكذا موظفي مؤسسات الكهرباء، الغاز وإن كان موظفو مؤسسات الاتصالات يضاعفوا تعداد طواقم العمل خلال يومي العيد لكثرة الاتصالات بين العائلات لتبادل التهاني في عصر الهاتف النقال وتكنولوجيا الاتصالالهاتف يخفف وحشة البعد يضطر بعض العمال لقضاء اليوم الأول من العيد في أماكن العمل، ما يجعلهم بالتالي يفوّتون خصوصية سويعات عملية ذبح الأضحية وسلخها بعيدا عن ذويهم، وهو ما يخلق لديهم نوعا من الضيق قد لا يمحوه إلا ‹›اللّمة الأسرية›› التي تزداد حلاوتها مع حفلات شواء لحم أضحية العيد، والتي تمارسها بإحكام العديد من العائلات المغربية التي يعمل أبناؤها يوم العيد، ولمعرفة طرق التواصل والتعويض، تحدثنا لبعض المواطنين ينتاب العامل أيام العيد ‹›قلق›› سببه الإبتعاد عن الأهل ولمة العائلة، كما يغمره إحساس بانحباس الوقت، حيث ينتظر بصبر كبير الوقت الذي يخرج فيه من العمل، مثلما يقول حكيم عون أمن بمؤسسة خاصة، اِضطرته طبيعة عمله لقضاء إجازة الأضحى بمقر العمل: ‹›أحسست بضيق كبير في صدري.. كنت أظن أني أعمل عشية العيد، وبذلك أقصد عائلتي في الرباط مبكرا صبيحة يوم الأضحى، ولكن اِتضح أني مناوب يوم العيد بالذات.. اِنتابني قلق غير عادي ولم أجد سوى الهاتف لأتصل بأفراد عائلتي الواحد تلو الآخر وأسأل عما يفعله كل فرد، بعدها بدأت أعد الدقائق التي تمر في مثل هذه المناسبات ووجدتها ثقيلة جدا، لأستنفذ ساعات عملي وأطير بعدها إلى أهلي، حتى أشاركهم فرحة العيد، رغم أني ضيعت الشق المتعلق بذبح الأضحية» من جهته، يقول عبد القادر أنه طلب من أخيه الأصغر إحضار زوجته وأولاده إلى منزله حتى يقضوا العيد في ‹›لمة أسرية›› هي سمة الأعياد الخاصة، وكان عبد القادر مدركا أنه سيكون مناوبا في عمله كممرض: ‹›ليس من السهل أن تمضي نهار عيد الأضحى في مكان العمل، فالأمر مختلف تماما عن عيد الفطر إذ أن خصوصية الأضحى تكمن في عملية ذبح الأضحية، ثم الإفطار على ‹›الكبدة›› مع أفراد الأسرة، ولكني هذه السنة أمضيت تلك الساعات الذهبية في مقر عملي.. كنت بين الفينة والأخرى أتصل بزوجتي لأطمئن على أولادي، وأتصل بأخي لأرى هل انتهى من عملية الذبح والسلخ، ولا أخفيكم أني وجدت في الهاتف وسيلة حيوية لتقصي الأخبار وعيش تلك اللحظات عن بعد...... واعتبر محمد العامل في قطاع الصيانة بأحدى الشركات أن العيد فرصة مناسبة يحتفل فيها الجميع، مشيرا إلى أن التغيرات التي طرأت على المجتمع أثرت على الأسلوب الذي نتعامل به مع إجازة العيد، بحيث يقتصر الأمر على زيارة الأهل والأقارب والأصدقاء. ويقول أنه مع تغير الحياة المدنية وتوسع المسافات بين الأشخاص، أصبح ذلك يشكل عبئا على المواطن من ناحية المال والوقت. ويشير إلى أنه يفضل تحويل الزيارات الفردية إلى جماعية، بحيث يلتقي جميع أفراد الأسرة والأقارب في مكان واحد يكون عادة بيت الوالدين مثلما كان خلال أيام عيد الأضحى المنصرمة، بحيث اِلتقى الجميع في بيت الوالد، وبعد التفرغ من الذبح والاستمتاع بقعدات الشواء، انصرف كل فرد للاستمتاع بأوقاته قبل العودة إلى أماكن العمل. والجدير بالذكر أن الهاتف النقال أصبح يشكل حلقة هامة في سلسلة العلاقات والتواصل، إذ يكفي أن يفتح الشخص الخط ليجد نفسه حاضرا غائبا في المكان، إلا أنه يعيش التفاصيل الخاصة، كما يعيشها أفراد أسرته الذين تفصله عنهم المسافات لكن يجمعهم الحدث، حيث يجد الكثيرون ملاذهم في هذه الألة التي لعبت دورا هاما في التخفيف من مشاعر الأسف لعدم التواجد حينها وسط الأهل، رغم أن وجود الشخص في مكان عمله تضحية تحسب له، كونه قدم الكثير لأبناء جلدته ولو من مكان عمله المتواضع.