المنعطف الذي يعيشه المغرب يفرض الصراحة والعودة الى منطقها في ضبط العلاقات بين الفرقاء السياسيين. ومن هذه الزاوية، يكون من الأسلم لبلادنا أن تطرح السؤال: الى أي حد ما زال للسياسة شرف الوجود النظيف والنزيه؟ إن الواجب الوطني، وحس استشعار المستقبل، يفرضان علينا أن نمحص ما نعيشه من تراكمات سلبية، أكثر من الاطمئنان الى قياس المكتسبات التي تراكمت، لا لشيء إلا لأن السلبيات التي تلطخ السياسة في لحظة مفصلية وجوهرية من تطور بلادنا، يمكنها أن تغطي على المكتسبات، أو تقلص من مداها إن لم نقل تعطلها وتفقدها بريقها. نحن اليوم نعيش مظاهر عديدة من بؤس السياسة. ولعل أول مظهر فيها هو تغييب الشرط الأخلاقي فيها، وتعطيل المطمحالأخلاقي لوجودها. لم تعد هناك، إلا في ما ندر، حظوة كبرى للأخلاق ، ولا رابط جوهري بينها وبين السياسة كما كان عبد الرحيم بوعبيد يردد ويلح. انعدام،الشرط الأخلاقي لم يبق محصورا في تيار أو تيارين في البلاد، فهو أصاب اليسار، أو جزءا منه، كما أصاب اليمين والمحافظة والليبرالية، حتى أصبحنا أمام معضلة اليوم بالفعل لا تساعد على وضوح القاعدة المعنوية التي تنطلق منها السياسة. ومن مظاهر التبديد العمدي للرأسمال السياسي للبلاد، هناك السعي الى تبخيس الانتماء السياسي، بجعل اللاانتماء هو معيار ممارسة السياسة ، وإدراج عناصر من خارج السياسة ، إن لم نقل مناهضة لها، في تدبير المرحلة. وفي هذا تتعدد المسميات، من إسقاط الشرط الأخلاقي ، يليه ويرافقه التسليع السياسي للمواطنة، بحيث يتم اليوم، على مرأى ومسمع من الجميع، شراء المواطنين في بيوتهم وأحيائهم، واشتغال آلة رهيبة من النخاسة ، في مدن وقرى ودواوير عديدة، يتم فيها «رهن» المواطنين ووضعهم، من الآن، في بنك المعطيات الانتخابية غير النزيهة. هذا التسليع هو الذي سندفع ثمنه في الغد من رأسمال الثقة بين المجتمع السياسي والمواطنين. وهو ما يترجم في اللغة التداولية بالعزوف، وهو بحد ذاته أحد العناصر الأساسية لمحاربة تنزيل الدستور وإسقاط كل جاذبية عنه. فهل يعتقد من يشجع على هذه الممارسة أو يستعملها أنه بذلك قادر على إعطاء قاعدة سكانية للمرحلة الجديدة القادمة؟ إن التوهيم، بوجود انخراط كبير وتوافد على التسجيل بدفع المال وبربط ذلك بإفساد المواطنة، لا يمكنه أن يصنع مواطنة فاعلة، بل العكس هو الصحيح ، سيكتشف الذين يستثمرون في ذلك، أن المواطنين سيفقدون الثقة بالجملة في كل شيء. إن المعضلة هي أن اليأس، في هذه الحالة يكتسب مزيدا من السحر، ومزيدا من المواطنين، أكثر مما تربح المواطنة وقيمها نفسيهما. عودة القيم، لمحاربة بؤس السياسة واليأس، لا يمكن أن تكون سهلة، وهناك إصرار على غض الطرف عن هذه الاشياء المشينة. إننا ندرك أن الأموال تستعمل اليوم للاستقالة ولدفع الناس الى التسجيل جماعات وزرافات، وعندما تحين أيام الحملة تكون الأوراق كلها قد لعبت، لتبتدئ مسرحية أخرى تزيد من توطين اليأس في النفوس وفي الصناديق وفي «المؤسسات. وعلى كل واحد أن يتحمل مسؤوليته. الاتحاد الاشتراكي