عرفت الحناء في العصور القديمة و الحديثة كنبتة نافعة بل وضرورية في حياة الناس،لذلك كان لامناص من تداولها لاستثمارها واستغلال منافعها في العلاج والتزيين.. .وقد الف الكتاب في منافعها الكتب مثل ما كتب داود الانطاكي في كتابه تذكرة اولي الالباب الجامع للعجب العجاب وأفتى في استعمالها الفقهاء،ولهج بوردها أهل المغنى والطرب، كما اعتمدها كثير من الفنانين التشكيليين في ترصيع لوحاتهم الفنية.وكلنا يتذكر في هذا الصدد الفنانةالشعيبية التي تشم بالحناء جبهتها وذقنها وتوظفها في لوحاتها التي أصبحت تباع بأثمان خيالية. وتكاد طقوس الحناء بسائر الوطن العربي تتوحد، ففي بعض البلاد يخصص يوم للحناء من الصباح إلى المساء وفي أخرى ليلة فقط ،وذلك قبل يوم الزفاف أو ليلة الدخلة. ومن المتعارف عليه أن يوضع مسحوق الحناء في إناء كبير بعض الشيئ ومقعر وفواكه جافة من كركاع ولوز وشريحة وتمر وماء زهر.. بصينية تحفها الشموع توضع على مائدة يتحلق حولها نساء العروس والعريس.ويصاحب ذلك تشنيف المسامع فرحا وكذا تيمنا بالحناء. وقد تضمن المثل المغربي السائر الحنة ،فقيل الحناية عمشه والعروسة فيها بوتفتاف.وقيل أيضا واش ف عرسك عاد غادي نحني؟ وقيل وبين لي حنة ايديك.. ورددت النساء في حفل زواج أو ختان أو في عاشوراء: :الميمة يالميمه.ليله ليلتي،ونهار نهاري.ويدي ماداها للحنا. زيدو يالبنات ديرو الفال راه الحنه حنينة وتجود علينا. والصلاة على النبي مع زغردات لحنه حنينه، ولفرح لينا واللي غار منا يمشي علينا. الحنه حنيناها وبالصلاه على النبي وزغاريد درناها وكلشي على مولانا.يرزق لعروسه الراحة ويهنيها بالحنينة. وهي أغان عفوية تنبني على السجع تحكمها العاطفة الجياشة والعبارة البسيطة. لكن في وقتنا الحالي، أصبح الاهتمام بالموروث من توجه بعض المطربين التراثيين والجوقات أو المجموعات الشعبية على شاكلة مجموعة فناير.. هكذا تم الانتقال الى نظم أراجيز وتم العمل على تلحينها وتسويقها في أشرطة وأقراص مدمجة. ولابد في طقس يوم الحنه من وجود الحناية أو النقاشة وليس النقاش لأن الطقس أنثوي بامتياز. ويشترط في الحناية أوالنقاشة أن تكون متدربة.وبالمناسبة فالحنايات كثيرات وتزداد كثرة في مناسبات الزفاف وعاشوراء وفي العطلة الصيفية بالدور والمنتزهات وبالشواطئ وبالحدائق العمومية و الحمامات الشعبية بل حتى برمضان في ليلة سبعة وعشرين ووقت قدوم الحاجة من الحج أو العمرة..وكذا عند اقتراب المرأة من الوضع..وفي عيد الكبير حيث تصبح الحنة طقسا وذلك برشم جبهة الكبش بالحنة تيمنا وبركة،بل هذا الرشم بالحنة يشمل أيضا حتى بعض الدواب مثل الحمير والأحصنة وغالبا ما يكون على شكل خميسة اليد على الجبهة كغرة أو على الفروة اعتقادا بدفع العين التي هي كما يقول القرآن حق تصيب بالهزال او المرض أو القبح أو الموت.هكذا يتعامل مع الحناء كمكون قدسي ضد كل ماهو مدنس. وإمعانا في القدسية،تحمل بعض النساء الحنة إلى بعض الأضرحة والسادات..،وفي ليلة الشعالة تلطخ قعور الطعارج بالحنة..وفي طقس الإعذار والختانة تزين الحنة أكفف وكواحل الصبيان. ولقد جالسنا الحناية أو النقاشة فاطمة،وهي امرأة شعبية تمتهن عملها بالبيضاء. تعول أسرة بكاملها من مدخول الحنة .كان حديثها حول الحناء دسما ومشوقا.قالت: الحنة توارثتها الأجيال لنفعها وفوائدها.وهي في الحقيقة مشتقة من الحنان.ولذلك يسميها البعض الحنينة.ويمنع على الرجل استعمال الحنة للزينة كأن يضعها على معصميه أو كفيه،فقد يعرضه هذا إلى لقب حنيني أو حنينية أي يجعله جبانا ..شبه رجل أوممن دب التأنث من نفوسهم إلى أجسادهم.وإذا لم تصلح الحناء للرجال كزينة باستثناء خضب لحيتهم،إلا أنها تصلح كمداواة لمن تشققت أو تعبت قدماه من فرط المشي أو ظهرت به قروح وجراح. والحنة أنواع منوعة منها السوداء ومنها الخضراء،وفيها الجيد مثلما يوجد فيها الرديئ.وللأسف لايوجد معلمات ومتعلمات لنقش الحنة. وهذه الحرفة التراثية غير مقننة وغير معترف بها.ومع ذلك يمكن الحديث عن معلمات مبدعات معروفات على الصعيد الوطني لكنهن معدودات على رؤوس الأصابع.ودخل الحناية النقاشة رهين بأريحية وكرم الدار التي تطلبها، أهي دار القاع والباع والشمعة من دراع أم دار الشح والنح أي الفقر أو البخل.وفي معظم الأحوال يتراوح الدخل مابين 400 إلى500 درهم في الزفاف وفي الأيام الأخرى أو المناسبات مابين 200 و300 درهم ويهبط الأجر حتى 10 دراهم.ولعل تراوح هذه الأثمان مرده إلى وجود منافسة في أوساط الحنايات بين القدامى والشابات الصاعدات وكذا بسبب تعدد وتنوع نقوشات الحنة، فليس هناك نقش بالحناء واحد.هناك النقش الجزائري والموريطاني،لكن الأكثر انتشارا هو النقش المراكشي ومؤداه 60 درهما والنقش الصحراوي 150 درهما والنقش الخليجي80 درهما... ومستلزمات الحناية أو النقاشة في معظم الأحوال السورينغ والحامض والماء.وعندما تيبس الحناء المنقوشة على كاحلي العروس وكفيها على نار هادئة وخافتة منبعثة من رمادالمجمر،يتم سقيها فيما يعرف بالسقوة والتي هي ماء زهر والقرنفل والسكر أو حبوب الشاي...ولابد من توفير القطن..وهي مستلزمات تختلف باختلاف النقاشات والمناطق..والأمزجة. والحنة الجيدة تمكث بالجسد لمدة قد تزيد عن الأسبوعين . ولقد استغل بعض أرباب الموضة الازدياد على طلب الحناء فتم العمل على استنساخ الحناء في ساشيات صغيرة على شاكلة ساشيات شامبوان التي تباع بنصف درهم ،وبيع ملصقات بلاستيكية تعلق على الجسد فتظهر وكأن الأمر يتعلق بنقش حناء طبيعي تم التوجه بها حتى للأطفال.غير أن مؤثرات هذه الحنة الصناعية على الجسد قوية وضارة وقد تكون لها مضاعفات خطيرة. و الحنة الاصطناعية أفرزت نقاشات كما أفرزت نقاشين.لكنهم من صنف الشباب المتمرد في أغلب الأحوال على المجتمع .وسمتهم أنهم لايتوفرون على مقر بعينه أو معترف بهم بشكل من الاشكال.وتعرفهم في المنتديات والحانات والشواطئ وحتى الحدائق العمومية،بوهيميين لايلون على شيئ.يعلقون كيسا صغيرا على أكتافهم ويحملون ملصقات وشمية وأقلاما ودوايات صغيرة.وعلى أدرعهم أو صدورهم أو ظهورهم إشهار على صنعتهم.ولايقبلون مايعرف بالبركة أو البياض.ولاينجزون رسما ما فيما يعرف بالفال مجانا.يحددون ثمن كل نقش أكان حناء أوغير الحناء.إن الأمر أصبح صنعة بل تجارة وماركوتينغ.