تطرح إشكالية الكتب المدرسية والطرائق البيداغوجية في سياق التجديد التربوي وما يفرزه هذا السياق من مستجدات تربوية وبيداغوجية وديداكتيكية .هكذا كان الأمر منذ ظهور الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي راهن في مقاربته الشمولية على جملة من التوجهات والاختيارات لعل من أبرزها ذلك الاختيار المتمثل في المستجدات ذات الارتباط العضوي بالممارسة داخل الفصول وهما ؛بيداغوجيا الكفايات والتربية على القيم .ومن المعلوم أن الاختيارين معا شكلا المرجعيات الأساسية في هندسة المنهاج الوطني للتربية والتكوين،كما شكلتا معا إطارا منهجيا موجها للتعلم في كل الأسلاك التعليمية . إن المتأمل في هذه الهندسة يكتشف أن المستجدتين معا بنيتا على جذع مشترك بين الأسلاك قاعدته إنماء كفايات المتعلمين وإكسابهم قيما جديدة أفرزها سياق التحولات المحلية-الوطنية والعالمية .وعلى أساس هذه الاختيارات اشتقت المبادىء الموجهة لصياغة دفاتر التحمل التي وضعت الكتب المدرسية-الطرائق في عمق نظرية السوق والمنافسة التي تؤرخ لتحول هام في تاريخ الكتب المدرسية في منظومة التربية والتكوين،ويمكن تفسير هذا التحول أو المنعطف الذي عرفته هذه الأداة بالجهاز المفهومي الذي تحكم في فلسفة الميثاق وأسسه وخلفياته السياسية والفكرية ومداخله التعليمية والتعلمية والتربوية والبيداغوجية والديداكتيكية .وعلى الرغم من أن هذا الجهاز المفهومي قد استعير من مقاربات توفيقية وأحيانا متناقضة بحكم تعايش مرجعيات مختلفة في منطلقاتها وغاياتها وأهدافها ونظرتها للإنسان عامة والمتعلم بشكل خاص،نقول على الرغم من مخاطر مثل هذه النزعة التوفيقية ،فإن جوهرها يبقى منبثقا من التفكير الليبرالي المتأرجح بين إكراهات التجديد وإكراهات المحافظة .إن هذا المأزق المنهجي في نظرية إصلاح التعليم يفسر ذلك ا لحضورالقوي لمقاربة التفكير المقاولاتي في الميثاق الوطني للتربية والتكوين،ولا غرابة إذن في حضور نظرية السوق واحتوائها لحقل التربية والتعليم ولإشكالية الكتاب المدرسي والطرائق البيدغوجية –الديداكتيكية ،ولا غرابة أيضا أن يبدأ تدفق مفاهيمي من مرجعية المقاولات والسوق:التفكير بالمشروع،الجودة،المنتوج،معايير الجودة...إلخ.بناء على هذا السياق الموجه لنظرية الإصلاح،وانطلاقا من هندسة المنهاج المؤسسة على بيداغوجيا الكفايات والتربية على القيم،بنيت تجربة الجيل الأول من الكتب المدرسية وطرائقها،والمتتبع لمسار هذا الجيل الجديد من الكتب المدرسية تستوقفه ظاهرة غير علمية لا شك أنها ستؤثر سلبا على التعلمات ،ويمكن تلخيص هذه الظاهرة غير المقبولة في مجال إنتاج الكتب المدرسية بغياب شرط تقويم هذه الكتب وتعميم نتائج هذا التقويم العلمي الشامل على كل من الفاعلين المباشرين (الناشرون،المدرسون،المفتشون ،والباحثون...) والفاعلين غير المباشرين.وإذا كانت الجهات المسؤولة عن غياب هذا الإجراء قد ضيعت على نفسها فرصة استثمار نتائج هذا الشرط العلمي في إعداد وابتكار تصورات جديدة في تطوير الكتب المدرسية وطرائقها ،فإن الممارسة ستتأثر،كما تأثرت في السابق بفعل هذا القصور الذي يعتري التعلم.ومما يزيد المشكلة استفحالا وتعقيدا هو الشروع في إصدار دفاتر التحمل لتأليف الجيل الثاني من هذه الكتب والطرائق. تأتي دفاتر التحمل إذن في سياق يفتقر لذلك الأساس العلمي الذي لا غنى عنه والمتمثل في غياب إشراك الفاعلين المباشرين في عمليات تقويم الكتب المدرسية المعمول بها حاليا بدءا بالمتعلمين أنفسهم وذلك تفاديا لمآزق خطيرة على التعلمات،ويمكن تلخيص جوهر هذه الخطورة في أن يكون ذكاء التلاميذ يفوق وبدرجات مهولة ذكاء البرامج والمقررات الدراسية .ففي مثل هذه الحالات لن نكون أمام ظاهرة العزوف فحسب ولكننا سنكون أمام فقدان الجدوى من التعليم –التعلم ،ويعني هذا فقدان أي معنى للمدرسة .من هنا مصدر تلك الفجوة العريضة التي تحدثها ظاهرة تكرار المحتويات وإثقال الكتب المدرسية بما لاينفع في سياق موسوم بالسرعة وبالانتشار الرهيب لتكنولوجيا الإعلام والتواصل التي برهن المتعلمون عن كفاياتهم في استعمالها بدرجات تتجاوز بكثير ممارسات البالغين التقليدية.ولن نجانب الصواب إذا اعتبرنا هذا التباين بين المتعلمين والبالغين فجوة من أخطر الفجوات التي تهدد العلاقة بين المدرسين والمتعلمين وهذه الأداة التعليمية التي لم يساهم المتعلم والمدرس في وضع تصوراتها كما يقتضي ذلك سوق الكتاب المدرسي .من يستعمل الكتاب المدرسي؟ ما هي مقترحاته ؟وما هي حاجياته؟ ماذا يقول الأساتذة؟ وما هي حاجياتهم؟ ماذا يقول الناشر؟وما هي مقترحات مؤلفي الكتب المدرسية؟ ما نوع العلاقة التي تؤسسها هذه الكتب بين اللغوي والثقافي؟ ما حصيلة المقاربات السابقة التي كانت تبئر ممارسات التدريس في النظرية اللغوية الوظيفية ؟ وما حصيلة المقاربة التواصلية التي تم اعتمادها في كتب الجيل الأول؟ هل تم تطبيق التدريس بالكفايات؟ ما هي آثار هذه البيداغوجيا في إنتاج المتعلمين وتفكيرهم ؟ هذه هي الأسئلة التي يمكن أن توجه عمليات التجديد التربوي المرتبطة بالكتاب المدرسي وتأليف الطرائق البيداغوجية والديداكتيكية .ونحن عندما نتأمل هذه الأسئلة في سياق تعدد هذه الكتب ،نجدها في جوهرها أسئلة البناء التي تستجيب لحاجات مستعملي هذه الكتب .والواقع أننا سنعاين مستقبلا تجربة ثانية لا مسوغ لها ،تجربة ستكون غير سياقية ما دامت تفتقر للسؤال العلمي الوجيه: لماذا ؟ اللهم إلا إذا كان الأمر يعني التجديد من أجل التجديد،وفي هذه الحالة سنكون أمام مخاطر التفكير العجول و سؤال نظرية السوق: لمن هذا الكتاب المدرسي؟ تسعفنا مشكلة الطرائق في الكتب المدرسية التي لم تستفد من شرط التقويم،في مناقشة مفهوم الطريقة ومرجعيات هذا المفهوم التي يستمد منها هويته التي تمكنه من التميز على الطرائق المنافسة له من الناحية المعرفية والتربوية والجمالية .في هذا الإطار،وبعد استقراء نماذج من هذه الكتب المدرسية (اللغة العربية،السنة الأولى ثانوي إعدادي نموذجا)،يصطدم الباحث بأولى مشكلات مفهوم الطرائق :وتتجلى بعض معالم هذه المشكلة في منطق التباعد الملحوظ بين (الاختيارات والتوجهات ) ،باعتبارها مصدر إبداع تلك التصورات المنهجية القادرة على حل مشكلات المكون اللغوي والمكون الثقافي ،وبين الطريقة. ولعل منطق هذا التباعد هو الذي يفسر غياب تمثل علمي تربوي وبيداغوجي لمستلزمات التدريس بالكفايات المنصوص عليها في هذه (الاختيارات والتوجهات). وفي غياب هذا التمثل ،احتفظ مؤلفو هذه الكتب المدرسية بتصور قديم يفصل المكون اللغوي عن المكون الثقافي . وقد ترتب عن هذا الفصل جملة من الأمور ،أبرزها؛ أن الطريقة المعتمدة تفتقر إلى أسس ترابطها الداخلي ،ومن هنا فإن قراءة هذه الكتب المدرسية من منظور (الوحدة البيداغوجية) لا من منظور (الدرس)،يضعنا أمام بيداغوجيا (الدرس) لا أمام بيداغوجيا التدريس بالوحدات .إن هذه الملاحظة تجعلنا أمام ظاهرة الإنزياح عن بيداغوجيا الكفايات.ويمكن تفسير غياب بيداغوجيا الكفايات في هذه الكتب المدرسية بعدم الاحتكام للمنظور الكلي في مقاربة مؤلفي هذه الكتب ومثل هذا الغياب غالبا ما يفسر في حقل إبداع الكتب المدرسية ،بانعدام التفكير السياقي الذي يعد شرطا لازما في وضع تصور لأي كتاب مدرسي .ولا غرابة هنا من الناحية البيداغوجية أن نعاين غيابا مطلقا للمقاربة التواصلية المؤسسة على منطق الوضعيات ،وعلى الاستجابة المركبة للمكونين ؛اللغوي –الثقافي .إن انتظارات المدرسين ،والمتعلمين تترجمها تلك الحاجة المتمثلة في تقديم الطرائق التي تعنى بتصاميم الوحدة البيداغوجية التي تبرمج، اعتمادا على معايير الترابط والانسجام والتماسك الداخلي بين مفردات هذه الوحدة أو تلك،وبهذه المعايير يمكن التدريس بالكفايات، ويمكن الحديث عن بيداغوجيا الادماج. في تقويمنا للطرائق البيداغوجية التي اعتمدتها الكتب المدرسية الحالية نشير إلى أن هذه الطرائق لم تعكس انتظارات الفاعلين المباشرين ،كما أنها بدت فاقدة لهويتها الديداكتيكية المميزة،والمعايير الآتية توضح ما ذهبنا إليه.أولا؛احترام مبدأ تعدد المقاربات في معالجة الوحدات البيداغوجية.ويفيدنا هذا المعيار في التشديد على مسألة في غاية من الأهمية ،وهي أن مؤلفي بعض الكتب المدرسية قد استجابوا لتصوراتهم وابتعدوا عن حاجات المتعلمين والمدرسين (لمن نؤلف؟).ومن هنا مصدر غياب مؤشرين هامين في هذه الكتب ( الأولى ثانوي إعدادي،مادة العربية نموذجا) ،وهما مؤشر المرونة،ومؤشر الملاءمة.ويمكن التعرف على هذين المؤشرين من خلال الملاحظات التي سجلناها على ما اعترى الوحدات البيداغوجية من اختلالات وفي مواد كثيرة : -الطول المفرط للمقاطع الديداكتيكية.ويتجلى ذلك في غياب الانسجام بين الغلاف الزمني المخصص لتدريس هذه الوحدات ومقاطعها.وقد بلغ الأمر هنا إلى مستوى إرباك عمليات إنجاز المقررات والتأثير السلبي على اكتساب ما ينبغي اكتسابه.ومن الأمثلة البارزة على هذا الاضطراب ،فقدان حصة التطبيقات لهويتها الثابتة في استعمالات الزمن .وتعود هذه الظاهرة الغريبة إلى استمرار هاجس الكم ،وهو الظاهرة التي تميز برامجنا عن باقي برامج ومقررات العالم .والغريب هنا أن هذه الظاهرة لاتقترن بتدبير عقلاني لإيقاعات التعلم ،والزمن اللازم لإنجازها ،ويعني هذا في منطق تحليلنا أن من يقرر المحتويات لا علاقة له بمن يبرمج الحصص الخاصة لانجاز الوحدات. لهذا ليس غريبا أن نعاين ذلك السيل من المذكرات التي تحذف دروسا معينة في هذه الكتب بضربة مقص غير مدروسة من الناحية المنهجية والزمنية . -ضعف الترابط بين مكونات المادة .ونعتقد أن السبب يعود إلى بناء الوحدات على موضوعات متكررة ومتداخلة ،وهو ما يفسر ظاهرة البرامج المثقلة .إن الطرائق هنا تبقى فاقدة لمرونتها المنهجية .ويمكن تفسير ما تعانيه كتبنا المدرسية من إرهاق بغياب بيداغوجيا التفكير وحضور التلقين .وعندما يحضر التلقين فإنه يحمل معه كل القيم الدغماتية عبر المؤلفين والبالغين .إن البالغ هنا ما زال يعتقد أن المتعلم في مدارسنا هو ذلك المتعلم الساذج الذي يتقبل كل ما يقدم إليه .لهذا السبب بالذات أشرنا غير ما مرة إلى أن ما يفقد التعليم مصداقيته هو أن يفوق ذكاء التلاميذ ذكاء البرامج. -غياب الحوارية المفتوحة وهيمنة الصوت الواحد في هذه الكتب ،وهي العدوى التي تصيب التدريس فكل شيء في هذه الكتب يبدو موجها توجيها أحادي المسار،وخلال هذا المسار يستدرج المتعلم إلى حيث المؤلف –إن نظرية الاكتساب في هذه الكتب غير مؤسسة على الكفايات ،وأساسها هو التطبيقات المجزاة التي لا ناظم لها غير المعرفة المجزأة .ويرتبط بهذه الظاهرة غياب المكون الثقافي الذي يضيع بدوره في متاهات التجزئة .