إن النظر في وضع الإسلام بالمغرب الراهن، يجعل المرء يستشعر أن الأمر لا يتعلق بمفهوم وحيد للإسلام، بقدر ما يتعلق بإسلام متعدد الأوجه. ومن بين هذه الأوجه يمكن أن نذكر ما لا يقلّ عن أربعة: هناك أولا إسلام "مدني"، وحامله هو المواطن أو الشعب في مجموعه، وهناك ثانيا إسلام "دولتي" Etatique ذو بعد سوسيو- تاريخي، ثم ثالثا إسلام سياسي "انتخابي" يهمّ الحزب السياسي، ورابعا هناك إسلام "باتولوجي" تستعمله بعض الجماعات. لنتحدث بإيجاز عن بعض خصائص كل شكل من هذه الأشكال الأربعة: 1- المقصود هنا بالإسلام المدني ذاك الإسلام الذي يلازم الفرد في مظاهر شتى من حياته اليومية، ويعيشه بشكل يكاد يكون في مجمله لا شعوريا، كما أنّه يتجاوز الدائرة الفردية، إذ يغطي جانبا مهمّا من الحياة المدنية، فكلّ المغاربة المسلمين يتزوجون ب"عقد النكاح" وحضور "العدول"، وكلهم لا يدفنون أمواتهم إلا بالطريقة الإسلامية المألوفة، غسلا وترحما وصلاةً...وهو يشمل أيضا العبادات التي أصبحت تكتسي بعدا اجتماعيا - احتفاليا. فحلول شهر رمضان مثلا هو مناسبة اجتماعية واحتفالية فرضت طقوسها الخاصة، تماما كما هي المساجد التي أصبحت، إضافة إلى وظيفتها الدينية، مرفقا اجتماعيا إلى جانب مرافق أخرى... نحن هنا أمام إسلام مرن يجد ألف حلّ وحلّ ليتلاءم مع مقتضيات العصر، كما أنّه إسلام لا سياسي، إذ ما دخل السياسة في قضاء المؤمن لفروضه الدينية، أو توق الفرد لرضا الوالدين... 2- المقصود هنا بالإسلام "الدولتي" اتّكاء الدولة، لنقص فيها، على الدين لقضاء بعض حاجاتها، وفي ذلك نوع من الاستمرارية في وظيفة الدين في علاقته بالدولة المغربية، قديما و حديثا، وهي تلك المتمثلة في مساعدته لها على تحقيق نوع من التجانس الاجتماعي . هكذا تنصّ ديباجة الدستور على "إسلامية الدولة"، وهكذا تنصّ بعض فصوله على أنّ ملك البلاد هو "أمير المؤمنين" و "حامي الملة والدين". وهكذا أيضا أصبح لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دور محسوس في توجيه الحقل الديني، ناهيك عن وظائف "المجلس العلمي الأعلى" و فروعه، و"الهيئة العلمية" المكلفة بالإفتاء. ومع كلّ ذلك، لا يخفى أنّ الدولة في حقيقتها كائن دنيوي، لا تنظر إلى الأشياء إلا من زاوية ما تجلب لها من مصالح و ما تدرأ عنها من مساوئ. بهذا المعنى تتعامل الدولة مع الدين تعاملا وظيفيا وأداتيا، إذ لا تستعمله إلا حسب الحاجة، وهي حاجة أو حاجات يبدو أنها في تضاؤل مستمر مقارنة مع حاجات الاقتصاد الذي لا تستقيم الدولة إلا بقيامه. 3- المقصود هنا بالإسلام "الانتخابي" لجوء حزب سياسي للدين بغاية حصد أصوات انتخابية وتحقيق مآرب سياسية. ومن الأكيد أن هذا النوع من الإسلام درجات، وأنه يصعب وضع جميع الأحزاب إزاءه في نفس المستوى. فقد تكون العلاقة مجرد تأكيد مجاني على الانتماء الإسلامي، وقد تصل في أقصى مداها، إلى شكل مفضوح وعار حينما يتجاوز الحزب السياسي إعلان" إسلامه" مثل باقي الأحزاب ليقرّ تصريحا بقيامه على أساس ديني واعتماده على مرجعية دينية في صياغة برامجه وتأطير أنشطته التعبوية وحملاته الانتخابية. هكذا إذن، وحسب الدرجات، يتم التعامل مع الإسلام تعاملا انتهازيا بحتا، يحرّكه سلوك براغماتي واضح، يؤطّره خطاب إيديولوجي مفرط في إيديولوجيته... والهدف يبقى في النهاية استمالة المواطن المسلم، ودغدغة ما تبقى له من عواطف لربح مواقع جديدة من وراء ظهره، وارتقاء السلالم الاجتماعية أمام عينيه، لا أقل ولا أكثر. 4- المقصود هنا بالإسلام "الباتولوجي" (لم أجد نعتا آخرا غير هذه الكلمة رغم شحنتها المَرضية)، ذاك الإسلام الذي تحمل رايته بعض "الجماعات" ملوّحة بسيفها، مدّعية أن لا إسلام قبلها و لا بعدها، و أنّها الحقّ فوق صهوة جواد لا تخطئ حوافره الطريق إلى الله. هو إسلام باتولوجي لانتصابه حكما مطلقا على ضمائر الناس، و ادّعائه، دون حشمة أو حياء، العلم المطلق بكلّ شيء... يبدو أن لكل حالة من الحالات "الإسلامية" الأربع المذكورة، موضوعها المستقل ومجالها المعرفي الخاص بها. فالإسلام "المدني" مجال خصب للدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية، وإسلام "الدولة" موضوع مفتوح أمام الدراسات السوسيو- تاريخية، والإسلام "السياسي" الحزبي يعود تحليله إلى العلوم السياسية، أما إسلام "الجماعات" الباتولوجي، فأمره محيّر! وربما قد يصلح مادة للتحاليل النفسية نظرا لكثرة مفارقاته و حنينه المرضي.