دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ألمانيا: دوافع واقعة الدهس "ضبابية"        مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلامية في القرن الواحد والعشرين الحلقة الثانية
نشر في التجديد يوم 02 - 06 - 2002

الثانية : فقه وسائل الحركات التغييرية الكبرى ما بين التنوع والتجديد:
اتسمت الوسائل والأدوات التي استخدمتها جميع الحركات الإصلاحية والتغييرية الكبرى بخاصيتين أساسيتين هما : التنوع اللامحدود ، والتجدد والتطوروفقا لمقتضيات العمل وتأثيراته ؛ غير أنه يبقى أن بينها حداً أدنى أو قاسماً مشتركاً تمثل في أربعة أدوات أو مسالك لتغيير الأنظمة الحاكمة هي أساليب الثورة الشعبية والعصيان المدني، والانقلاب العسكري، وأسلوب الانتخابات والتصويت في إطار العملية الديموقراطية، وذلك دون الحديث عن مسالك وأدوات إصلاح وتغيير المجتمع والرأي العام .
يمكن الانتقال بين هذه الوسائل والأدوات الأساسية من أداة إلي أخرى، كما يمكن المزاوجة بينها أحيانا، والملفت للانتباه في الخبرة أن الوسائل الثلاثة الأولى استخدمت بالأساس في عمليات الإصلاح والتغيير من خارج الأنظمة السياسية القائمة وبالتالي أحدثت تغييرات جذرية في فلسفة النظام السياسي وأهدافه، وفي مؤسساته وأنظمته ،وفي أشخاصه والقائمين عليه أما الأداة أو الوسيلة الأخيرة (العملية الانتخابية) فقد استخدمت في أنظمة ديموقراطية مستقرة إلى حد كبير وتحظى بقدر لا بأس به من الإجماع والاتفاق القومي حولها وبالتالي يتم من خلالها الإقدام على إحداث إصلاحات جزئية في إطار النظام ومن داخله وبالتالي فإن التساؤل عن إمكانية استخدام هذه الوسائل، واعتبارها بدائل متاحة للتغيير يمكن الاختيار من بينها وفقا لطبيعة الموقف وحدود القدرات والإمكانات(6) .
الثالثة : المبادئ الحاكمة لممارسة الفعل الإصلاحي والتغييري:
من واقع دراسة خبرة وواقع ممارسات الحركات الإصلاحية والتغييرية نجد أنه حكمتها مجموعة من المباديء الأساسية التي قادت ووجهت فعلها التغييري يمكن إجمالها في ثلاثة علي النحو التالي :
المستوى الأول : الانطلاق في الممارسة الإصلاحية والتغييرية من معرفة وتوصيف دقيق للواقع الذي تعيشه وتريد إصلاحه أو تغييره ويعني ذلك أمرين الأول:- القدرة على معرفة طبيعة وحجم التحديات الحقيقية الحالية العاجلة والآجلة التي تواجه عملها، ووضع أجندة أوترتيبات لأولوياتها المختلفة ... الثاني : معرفة بالإمكانيات الحقيقية والطاقات الفعلية والموارد المختلفة التي تحوزها وتملكها .
المستوى الثاني : الرغبة والقدرة على الفعل الإصلاحي والتغييري، ويعني ذلك إضافة إلى توافر الإرادة السياسية وجود القدرة على توجيه الموارد والإمكانيات المتاحة بما يحقق التغيير المطلوب إحداثه على أي مستوى من مستوياته..
المستوى الثالث : تعدد أدوات الممارسة ومسالكها، وعدم الاقتصار على أداة واحدة مهما كانت فعاليتها وذلك في الممارسة الواحدة أو مجموعة الممارسات، مع التركيز علي الأداتين النفسية والاتصالية في الممارسة والتعامل واعتبارهما مقدمة لهذا التعامل، وفي نفس الوقت اعتبار الصدام العضوي أداة وممارسة سياسية مشروعة ومحسوبة، وكذلك نجد أن الحركات الإصلاحية والتغييرية الكبرى اعتمدت من منطلق القوة استراتيجيات (التفاوض) مع المشروعات المعادية في بعض الأحيان، كما اعتمدت أيضاً استراتيجية التحالفات مع المشروعات المقاربة أو المشتركة في بعض الأسس العملية أو الأهداف المقاربة.
المستوى الرابع : الاستفادة من اللحظات التاريخية المتاحة والتي تعتبر نقاط تحول أساسية في مسيرة الصراع أو الفعل الصراعي والتدافع مع الحركات والمشاريع المعادية، وهي في الغالب لحظات استثنائية لا تتكرر كثيراً في المسيرة التاريخية، وكل الحركات التغييرية استفادت أو أحسنت الاستفادة من هذه اللحظات في مشاريعها التغييرية وفي إحداث التحولات الضخمة التي قامت بها ..
ويبقى السؤال الذي يطرح باستمرارية هو إلى أي مدىً اعتبرت الحركة الإسلامية هذه السنن واستفادت من هذه الخبرات؟ الواقع بإجمال يشير إلى تواضع وضحالة إن لم يكن انعدام هذه الاستفادة .
ثانيا: فقه طبيعة التحديات المعاصرة المواجه للحركة الإسلامية، وغاياتها، وأهدافها،وأطرافها :
تعود أهمية فهم هذه التحديات ومنطق الاستجابة لها إلى أن البقاء الحقيقي للحركة الإسلامية رهين بها نوعا وكما واتجاها يتمثل ذلك في متغيرات ثلاثة :
الأولى : فهم جوهر التدافع والصراع وأبعاده ونطاقه : يعتبر الصراع مصيري في جوهره متعدد الأبعاد في تكوينه، وممتد في نطاقه .
فالصراع مصيري على الأقل من وجهة الأطراف التي تتبني منطقه في مواجهة الحركة الإسلامية كما يتجلَّى في التحديات الأساسيَّة الَّتي تجابهها، كما أن الصراع متعدد الأبعاد في تكوينه له أبعاد فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية .... إلخ، كما أنه أيضا ممتد في نطاقه يشمل الماضي له ذاكرته التاريخية، كما يقوم في الحاضر أي له حساباته وتشابكاته، وأيضا يمتد إلى المستقبل أي له سيناريوهاته وتنبؤاته، يتجلي هذا المنطق الصراعي في معادلات محددة لتحقيق الرؤية والأهداف الحاكمة له(7) .
الثانية: الرؤية والأهداف الحاكمة للمنطق الصراعي: يمكن بلورتها إجرائيا في ثلاثة أهداف حاكمة وهي(8):-
استدامة الحالة الصراعية أو خلق إحساس بديمومة منطقها، الأمر الذي يؤدي بالحركة إلى الاستنفار الدائم في هذا الإتجاه بكل ما يترتب على ذلك من آثار ...
إبقاء الحركة في وضعية ردود الأفعال المختلفة والمتضاربة، وخلق حالة من التفتت الدائم والتميع داخلها عبر فرض مجموعة من التحديات المتنوعة سياسياً،وفكرياً، وأمنياً، وإدارياً...إلخ الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلي خلق حالة من الإرباك الدائم لها يقود إلى الشلل والجمود في الفعل أو علي الأكثر أن يكون من نوعية ردود الأفعال التكرارية التي يمكن توقعها وبالتالي استيعاب أية آثار محتملة لها علي أي مستوى من المستويات.
منع الحركة الإسلامية من تحقيق أهدافها الأساسية التي حددتها لنفسها علي مستوى المجتمعات من ناحية أولى، وعلى مستوى الدولة والنظام السياسي القطريين من ناحية ثانية، وعلى مستوى الأمة العربية والإسلامية من ناحية ثالثة، وعلى المستوى الدولي والعالمي من ناحية رابعة.
الثالثة: المعادلات الحاكمة للعملية التدافعية والصراعية:
يتحرك الطرف الأساسي الحامل للمنطق الصراعي في مواجهة الحركة الإسلامية لتحقيق الرؤية السابقة وفق المعادلتين التاليتين(9):-
أ) المعادلة المصيرية الصفرية:- Zero sum game
يدخل طرفان في العملبة والتدافعية فيكسب طرف كل الأوراق, ويخسر الطرف الآخر كل شيء, ويتحول أحد طرفي المعادلة من كونه طرف Object إلى موضوع Subject .. أي من كونه طرفاً فاعلاً , إلى موضوع للفعل ذاته..
يجري العمل على أساس هذه المعادلة في المناطق الجامدة والموضوعات التي تشكل ثوابت أو مناطق القلب الإستراتيجي في الرؤية الصراعية, وهي تلك التي لا يقبل فيها الطرف أو الأطراف صاحبة المنطق الصراعي ضد المشروع والحركة الإسلامية بأي تهديد حقيقي أو محتمل لأهدافه واستراتيجياته ويمكن تحديدهذه المناطق إجرائيا بجانبين أساسيين هما : الأول : عدم السماح بوصول الحركة الإسلامية إلي الحكم أو السلطة السياسية , أو الوجود الفعال من الناحية التأثيرية فيها ومحاولة إبعادهم عن الوجود في بعض أدواتها ومؤسساتها , والثاني : عدم السماح للحركة الإسلامية بأن يكون لها دور فعال في قضية الثروة والسيطرة الاقتصادية الحقيقية سواء على المستوى الداخلي والخارجي..
ب) المعادلة التساومية غير الصفرية تحقيق أكبر المكاسب وأقل الخسائر
Non- Zero sum game
تلك المعادلة التي يدخل الصراع فيها طرف أساسي ضد طرف آخر أو عدة أطراف ووفقاً لموازين القوى بين الأطراف يحرز الطرف الأول معظم المكاسب وأقل الخسائر بنسبة قد تصل إلي 90% من أوراق اللعبة , وتبقى 10% هي التي يجري الصراع والتنافس حولها , ويمكن أن يتركها الطرف الأساسي للأطراف الأخرى للحفاظ على شكل اللعبة السياسية , وأحيانا تزيد هذه النسبة حتي تصل إلي 20% وهذه المعادلة يجري العمل على أساسها في المناطق والموضوعات المرنة التي تعتبر قابله للمساومة والتبادل بين الأطراف المتصارعة سياسيا , وهي لا تمثل تهديداً للرؤية أو الأهداف الصراعية الأساسية , وهي مناطق مساومة وتبدلات أساساً.
يمكن تحديد هذه المناطق إجرائياً على النحو التالي:-
1- التهديدات اللفظية والدعائية للكيان الصهيوني وأحيانا العمليات التي لا تمثل نقلة نوعية في مسار الصراع أو إنقلاب نوعي في مضمار القوي بين الأطراف , وكذلك العداء اللفظي والدعائي للمصالح الأمريكية , وللغرب عموماً بل إن ذلك يمكن أن يوظف أحيانا لتحقيق مكاسب سياسية إضافية.
المشاركة في بعض مؤسسات السلطة السياسية في حدود معينة (التشريعية كالنجاح في انتخابات برلمانية مثلا وذلك في حدود لا تتعدي في أحسن الأحوال نسبة 25%) أو السلطة التنفيذية (الوزارة) حيث يتم منح حقائب خدمية وليست تمثيلية أو سيادية , أو المشاركة بشكل رمزي في بعض مؤسسات المجتمع المدني الثقافية أو الاجتماعية أو تأسيسها لإستيعاب بعض العناصر المتميزة والمبدعة التي يمكن أن تكون رصيدا حقيقيا للحركة إذا ما صارت جزءا عضويا من بنيتها..
السماح بالاندراج في إطار المنظومة الاقتصادية التابعة فيما يتعلق بقضية الثروة اكتساباً وتوزيعاً في الإطار القطري وغيره مع الحرص علي توريطها قدر الإمكان فيما يدعم المزيد من إخضاعها...
ولا يدخل في إطار المنطق الصراعي محو الوجود العضوي للحركة الإسلامية وإن كان يتضمن إنهاكها وإضعاف قوي المناعة والمقاومة داخلها ؛ أما التحدي فهوموجه لوجودها الحقيقي أي مدي تحقيقها لأهدافها ولغاياتها , وقد لا يكون من مصلحة الأطراف الأساسية صاحبة المنطق الصراعي (من باب الحسابات السياسية الواقعية الفعلية) استئصال الحركة والتي يمكن أن يؤدي وجودها العضوي (مع الحرص علي بقائه غالبا غير مشروع) وظائف تتعلق بالاستقرار المجتمعي عموما , وبمصلحة الأنظمة السياسية كورقة مساومة وضغط في تعاملاتها الإقليمية والدولية..
الرابعة : تحديد العدو الأساسي والثانوي للحركة الإسلامية معادلة العدو/ الصديق : بؤكد فقه الواقع السياسي أن الحركة الناجحة هي تلك التي تستطيع أن تحدد بوضوح العدو والصديق علي أساس معيار محدد متفق عليه , كما تستطيع أن تميز بدقة بين العدو الأساسي الذي ينبغي مواجهته أولا وبداية , وبين العدو الثانوي الذي يمكن تأجيل المواجهة معه وفق رؤية استراتيجية معينة , والواقع أن الحركة لا تمتلك تلك الرؤية أو المعيار الذي تحدد علي أساسه ذلك , ومن تحليل الواقع السياسي يمكن أن نحددها إجرائيا كالتالي:-
الأول : الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها تمثل قيادة الحضارة الغربية وحاملة المشروع الحضاري السائد , والمشاركة والحامية للسياسات المناقضة إجمالا للوجود الحقيقي للحركة في البلاد الإسلامية والعربية ..
الثاني : الكيان الصهيوني وهو الجزء الممتد من الطرف الأول في بقايا جسد الأمة , والذي يعتبر وجوده الحقيقي نفيا للوجود الحقيقي لإرادة الأمة وكيانها...
الثالث : الأنظمة السياسية الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي والتي تترجم علاقاتها ظاهرة التبعية بدرجات متفاوتة للطرف الأول , كما تمارس الحماية بدرجات متفاوتة أيضا للطرف الثاني....
ويلاحظ أن هذه الأطراف الثلاثة علي درجة من درجات التوافق في التنسيق والتصدي للحركة الإسلامية , وتفرض عليها المنطق الصراعي كما أسلفنا الإشارة إليه , ويكون تحرك هذه الأطراف عبر أدواتها ...
ثالثا: التحديات الأساسية التي تواجه الحركة الإسلامية ومنهجية التعامل معها :
تنبع هذه التحديات من مستويات ثلاثة متفاعلة أولها يتعلق بالإطار الدولي والإقليمي الذي يحيط بالحركة وبعض هذه التحديات يواجه الحركة الإسلامية كما يواجه غيرها من الجماعات التي تؤكد علي قضية الهوية والتمايز الحضاري والعقيدي عن الحضارة السائدة والمهيمنة , وثانيهما : يتعلق بالسياق المجتمعي للأمة أو المجال الحيوي للحركة , وثالثهما : يتعلق بطبيعة الحركة الإسلامية ذاتها وخصائصها وبنيتها وممارساتها.. كما تتجسد هذه التحديات عبر مجموعة من السياسات يمكن أن نوجزها في نقاط مركزة ومؤشرات واضحة علي النحو التالي:-
المستوي الأول : التحديات النابعة من البيئة الدولية والإقليمية والنظمية ويمكن إجمالها في أربعة تحديات رئيسية علي النحو التالي : -
التحدي علي مستوي الخضوع للهيمنة الأمريكية والغربية : أضحي هذا التحدي واضحا وماثلا للعيان بحيث غدا من المتفق عليه بين غالبية الباحثين أن القرار الإستراتيجي العربي والإسلامي أصبحت تحدده الولايات المتحدة الأمريكية في معظم القضايا المصيرية والقضايا الأساسية , قضية الصراع مع الكيان الصهيوني مثال بارز, كما أن ملف الحركة الإسلامية وإستراتيجية التعامل معها يعد أحد هذه الملفات الأساسية المدرجة في علاقة معظم الأنظمة العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبرها إجمالا من أقوي التهديدات للهيمنة والمصالح الأمريكية في المنطقة .
2 - التحدي على مستوي التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني: والذي يمتلك رؤية واستراتيجية ثابتة للتعامل مع قضايا المنطقة , وهو يدرك على نحو واضح أن عدوه الحقيقي هو الحركة الإسلامية ذات الإمتداد الشعبي - والذي يطالع مقررات قمة شرم الشيخ وماكتبه بيريز يجد ذلك ماثل بوضوح ؛ حيث يعتبرالحركة التي توصف بالإرهابية والأصولية هي العدو المشترك لإسرائيل والأنظمة الحاكمة في المنطقة(10) , ولعل ممارسات السلطة الوطنية الفلسطينية مع حركة حماس والجهاد الإسلامي عبر مايسمي بالتنسيق الأمني من الأمثلة الواضحة في هذا الصدد.
3 - التحدي على المستوى السياسي الداخلي أي موقف الأنظمة السياسية الحاكمة من الحركة الإسلامية:- تَعْتَبِرُ الأنظمة السياسية الحاكمة بتفاوت بينها في "الدرجة" الحركة هي النقيض الأساسي و"العدو الرئيسي" لها في الوقت الحالي ؛ ولذلك فإن وجودها الاجتماعي والسياسي يتراوح بين "الحظر القانوني" و"السماح الفعلي المحسوب", وما بينهما تكون ممارسة المعادلتين السابقتين حيث تعتبر الأداة الأمنية في غالب الأحيان هي أداة التعامل معها عبر حصار أمني تتمثل مفرداته في عمليات القبض والإعتقال والإجهاض وشل الفاعلية, ويعد "مجلس وزراء الداخلية العرب" المؤسسة العربية التنسيقية الأساسية في هذا الصدد .
4 - التحدي الفكري والمعلوماتي النابع من الإطار الدولي :
يعتبر التنميط والأمركة أحد مظاهر العولمة وجوانبها والنقيض لفكرة العالمية ولو في أحد أهم مستوياتها وهي أحد مرتكزات الحركة , ومن آثارها إضافة إلي عملية التنميط تذويب الهوية والوطنية والقومية , وفي نفس الوقت إبراز منطق الأقليات الإثنية والدينية الأمر الذي يمثل تحدياً من نوع آخر للحركة يتطلب نوعا محددا من الاستجابة ..
كما أن الثورة الاتصالية تفرض تحدياً من نوع آخر يتعلق بمدى إمكانية إستمرارية فكرة السرية في فقه الحركة وممارساتها مما يفرض مراجعة جذرية لها بحيث تصبح العلنية هي الأصل , وكذا تفرض الثورة المعلوماتية تحدياً آخر يتعلق ب"نوعية المعلومة" , وإمكانية السيطرة عليها أو احتكارها, وكذلك مضمون المعلومة ذاته ومن يحدده ويمتلكه...إلخ(10) .
المستوي الثاني : التحديات النابعة من السياق المجتمعي الذي تعمل فيه الحركة ويمكن تقسيمها لأربعة كالتالي :
1 - حقيقة مدى شعبية الحركة الإسلامية وتراجعها :
لم يثبت حتى الآن بشكل علمي أن قطاعات واسعة من الرأي العام في الأمةا قد وصلت إلي قناعة فعلية بإعتبار الحركة وما تقدمه هوالبديل المطلوب للاستجابة لاحتياجاتها أو هو الممكن للإصلاح والتغيير, والمؤشرات المتوفرة بهذا الصدد - من خلال العمليات الانتخابية - حتى الآن تدل على أن الحركة تحوزفي أحسن الأحوال من 20% - 25% من تعاطف قطاعات الأمة, بالطبع نحن لانعول كثيرا علي صدقية الانتخابات كمؤشر ومعيارنتيجة ما يشوبها من تزوير منظم في معظم الأنظمة العربية والإسلامية - ولكنها قد تكون المقياس المتاح علي المستوي الشعبي العام حتي الآن , وعلي أية حال فإنه لا يمكن أن يتم إصلاح أو تغيير علي أساس الاهتمام والتعاطف فقط , كما أن المراهنة علي مواقف ثابتة للرأي العام أو خصائص دائمة أمر تعوزه الأدلة العلمية..
2 - نخبوية الحركة الإسلامية وتآكلها:-
تعد الحركة الإسلامية قوة منظمة في مجتمعاتها إلا أنها ب "مقاييس الكم والوضع" ما تزال نخبة محدودة مركزة في طبقات اجتماعية وفئات اجتماعية , وأوساط ثقافية محددة , وهذه ذات سمات معينة من حيث خصائصها وقدرتها علي التغيير, وأيضا من حيث الإمكانات والفعالية, وقطاعات واسعة من هذه النخبة مستوعبة وموظفة فعلياً لصالح مشاريع أخرى قد تكون منافسة أو مناقضة للحركة الإسلامية, كل ذلك ينبي عليه أنها بإجمال تعاني من ضعف حقيقي لا يمكنها من الإستجابة المطلوبة ...
3 - اعتبار الحركة جزء من المشروع التحديثي للدولة المتغربة في المنطقة:-
يعتبر هذا التحدي من طبيعة مختلفة حيث ينظر للحركة الإسلامية أنها جزء مهمش من بنية "الدولة المحدثة" ومن النخبة التحديثية المرتبطة بها ومع ذلك تختلف معها وتعارضها ولا تقدم بديلا عنها في نفس الوقت, فهي لم تنبت ولم تتأسس في مؤسسات الأمة الطبيعية أو تعتبر إمتدادا لها أو يقاياها كالمساجد والأوقاف, والجامعات الدينية التقليدية الممثلة لرمزية الفكرة الإسلامية مثلا , والتي ترتبط بها جماهير الأمة تلقائيا , كما أنها لم يقدم للأمة مشاريع تتواصل مع أبنيتها الأصيلة والطبيعية فهي موجودة أساسا في القطاعات المحدثة , والأبنية التحديثية من مؤسسات الدولة الحديثة التي تعاني إنصرافا حقيقيا من قاعدة الأمة عنها وفق القائلين بهذه الحجة..
4 - عدم القيام بالدور الريادي أو القائد في المجتمع :
قدمت الحركة الإسلامية نفسها بإعتبارها قيادة للإصلاح وللتغيير في مجتمعاتها وفق شعارات عامة فضفاضة , وكانت هناك درجات من القناعة بذلك في بعض المجتمعات العربية والإسلامية , وقد بدأت الظاهرة تتبلور في العقدين الأخيرين التي جربت فيها الحركة ولو جزئيا عبر درجات مختلفة من المشاركة أو المغالبة لم تنجح الحركة فيها في تقديم نماذج واقعية حقيقية للإصلاح وللتغيير المأمول منها , وحتي الحالات التي كانت تقدم باعتبارها نماذج لنجاحات الحركة الإسلامية علي مستوي الدولة مثل أفغانستان , والسودان , وإيران فإن الخلافات والصراعات والتراجعات الحالية فيها في الوقت الحالي لا تحتاج إلي كبير توضيح أو بيان , وبالنسبة للحركة الإسلامية المشاركة في العمل السياسي من يطالع حتي تقييماتها الذاتية لذلك لابد أن يقدر قبض الريح الذي خرجت به .
المستوي الثالث : التحديات النابعة من داخل الحركة الإسلامية يمكن إجمالها في سبعة متغيرات أساسية هي :
1- غياب "الرؤية" والمشروع السياسي الإصلاحي والتغييري:
تعاني الحركة الإسلامية بداية من عدم وجود رؤية منهجية واضحة ومحددة علي درجة من النضج للتعامل مع السلطة السياسية الحاكمة والمجتمع المحكوم , كما أنها لا تمتلك مشروعا سياسيا إصلاحيا أو تغييريا , وفي هذا الصدد يمكن أن نمييز علميا بين أمرين أولها: الفعل الإصلاحى والتغييري من ناحية, والرؤية الحاكمة له والمحددة لمسارته والمنظمة لاتجاهاته من ناحية أخري ؛ فلا يمكن أن ينكر محلل جاد أن هناك بدرجة من الدرجات أفعالا حضارية وإصلاحية وسياسية تقوم بها الحركة الإسلامية , ولكن الإشكالية أنها لا تنبع من رؤية محددة ومن ثم فلا تصب في النهاية في خدمة أهداف واضحة ومحددة , بل إن هذا الغياب يجعل من طاقاتها للمفارقة موظفة في أهداف ومشاريع مناقضة ولتبرير سياسات معادية للحركة الإسلامية ذاتها
وثانيهما : التمييز من الناحية العلمية بين المشروع السياسي المتكامل من ناحية , والبرامج الانتخابية التي تحوزها الحركة الإسلامية في معظم الأقطار التي مارست فيها العمل السياسي والنقابي , ولذلك يجب أن تتحلي الحركة الإسلامية بشجاعة الاعتراف بأنها لم تقدم حتي الآن مشروعا سياسيا متكاملا للإصلاح وللتغيير علي المستوي العالمي أو في أي قطرمن الأقطار سوي بعض الشعارات العامة والفضفاضة - وبغض النظر عن مبررات ذلك وبعضها قد يكون مقبولا وبعضها ممالا يمكن قبوله , الأمر الذي يجعل من قول البعض بعدم وجود "المشروع السياسي الإسلامي" يترجم نوعا من الصدقية في النقد, ولا يعني ذلك أنه ليست هناك أفكارا عامة حول الرؤية السياسية معظمها مستمد من تراث الحركة ويحتاج مراجعة حقيقية ولنضرب مثلا سريعا بمسألة المرحلية التي تنطلق منها بعض جماعات الحركة في بعض رؤاها التي تتحدث عن ثلاثة مراحل: مرحلة الدعوة والتربية , ثم إيجاد البدائل , ثم التمكن من السلطة , فهي بإجمال ليست واقعية نظريا إلا إذا كانت الحركة تمتلك الساحة والظروف المتاحة وهو أمر غير متحقق كما نشاهد , بل إن الحركة ذاتها لم تحافظ علي خطوط هذه المراحل في ممارساتها
لاحقا. والخلاصة أن الحركة الإسلامية بإجمال لم تضع مشروعها الإصلاحي والتغييري السياسي بلغة محددة وواضحة صالحة للإستجابة للتحديات التي تعبشها في الوقت الراهن حتي اليوم(11) .
2 - الأزمة القيادية داخل الحركة الإسلامية: لا تخرج معظم القيادات الحالية للحركة الإسلامية في معظم مستوياتها عن خصائص القيادات الحاكمة في الأنظمة العربية والإسلامية التي تعارضها؛ حيث تتصف كليهما بسمات وخصائص مشتركة وتعاني عدة أزمات متقاربة منها ما تتعلق من ناحية أولي بشرعية وصولها للقيادة ومن ناحية ثانية : بأحقية وجدارة استمراريتها فيها , ومن ناحية ثالثة : تتعلق بشرعية الإنجاز الذي تحققه وكفاءة الأداء في الأدوار التي تقوم بها... إلخ ؛ فهي قيادات مؤبدة في مواقعها , وليس هناك من طرق محددة وواضحة لتداول القيادة داخل الحركة , كما أن معظم القيادات تنتمي إلي الجيل المؤسس ولم تنتقل القيادة بعد إلي أجيال أخري حتي يتم اختبار مدي مؤسسية الحركة , كما أن غالبية القيادات وصلت إلي مواقعها وتستمر فيها غالبا بطرق أقرب إلي التغلب منه إلي الشوري الحقيقية, كما أن هذه القيادات في غالبها لا تمتلك مؤهلات القيادة , كما غابت عن ممارساتها الأدوار المفترض أن تقوم بها أية قيادات لحركة إصلاحية أو تغييرية, وقد نتج عن ذلك وجود أزمة في التواصل بين القواعد والقيادات, وبالتالي فإن التساؤلات المطروحة بصدد مستقبل
القيادة داخل الحركة الإسلامية يمثل تحدياً حقيقيا خاصة بصدد التحول من نمط "القيادة" إلى "الرئاسة" , ومن الشرعية المستندة إلى "الخبرة التاريخية" , ومعايشة لحظة التأسيس .. إلخ , إلى الشرعية المرتبطة ب"الإنجاز الفعلي" للحركة, والالتزام ببناء مؤسسات شورية حقيقية وليست شكلية وورقية علي النمط الذي تقيمه الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي وبلدان العالم النامي..
3-التحدي التنظيمي والإداري داخل الحركة الإسلامية : وهو تحدي يعبر عن أزمة حقيقة ساهمت في صنعها عوامل واقعية - ليس هنا مجال التعرض لتحليلها - وهي أزمة ذات مستويات متعددة جوهرها تحول الحركة إلي حالة إدارية تنظيمية بحيث إبتلع الجانب التنظيمي بقية الجوانب الأساسية في ممارسات الحركة , فإذا أضفنا إلي ذلك وجود حالة من "الجمود التنظيمي" في أبنيتها , مما أدي إلي ضعف حلقات الاتصال بين المستويات المختلفة داخل إطارها التنظيمي, وكذلك ضعف عملية التماسك الداخلي والمعاناة من أمراض المركزية المفرطة , بالإضافة إلى تقليدية أساليب العمل داخل تنظيمات الحركة وعدم تطورها وفق المتغيرات المعاشة ...إلخ , الأمر الذي يعني في التحليل الأخيرعدم وجود "تقاليد مؤسسية" داخل الحركة لصالح الفردية والشللية في بعض الأحيان, ناهيك عن عدم تحديد العلاقة بين حجم التنظيم وحجم الحركة, ووظيفته في إطار الحركة...إلخ(12) .
هذا التحدي التنظيمي والإداري بالغ الأهمية لأن العامل التنظيمي والإداري أداة نقل المشروع عبر الحركة إلى أرض الواقع العملي والفعلي .. وبالتالي فإن وضعيته هذه أضعفت إلي حد كبير مقدرة الحركة علي الاستجابة للتحديات المختلفة .
4 - تناقض الرؤي داخل الحركة الإسلامية بصدد أهدافها وأساليبها في الاصلاح والتغيير: إذا كانت ظاهرة الأجيال طبيعية تعرفها كل المجتمعات والجماعات البشرية ومنها بالطبع الحركة الإسلامية كتيار مجتمعي ؛ ولا تتعلق الأزمة هنا بوجود الأجيال من عدمه بل بطبيعة العلاقة بينها ويحسب للحركة الإسلامية أنها حركة متواصلة الأجيال حيث يمكن علي الأقل الحديث عن عدة أجيال داخل بنيتها تختلف باختلاف البلدان , والمشكلة لا تتعلق بوجود صراع جيلي داخل الحركة علي القيادة أو خلافه مما تروج له بعض الدراسات غير المتعمقة , ولكن الإشكالية تكمن في أن هذه الأجيال تحمل ما هو أعمق وأكثر خطورة علي مستقبل الحركة ذاتها وهو مجموعة من التصورات المختلفة والرؤي المتناقضة وغير المتناسقة عن ملامح الإصلاح والتغيير , كما تحمل الكثير من الرؤي المختلفة في تصور طبيعة الصراع والتحديات التي تواجه الحركة , ومن ثم أساليب التعامل معها والاستجابة لها , وهكذا يوجد داخل الحركة الواحدة حركات وجماعات متفاوتة في درجات إلي حد التناقض في بعض الأحيان ., وهذا التحدي قد يخفت تحت ضغوط التحديات الخارجية الواقعة على جسد الحركة , ولكنه موجود على كل الأحوال,
ويمكن أن يظهر في لحظات تاريخية , ويتفجر في سياقات معينة ويكون من الخطورة بمكان إذا ما قدر أن تصل الحركة بوضعيتها تلك إلي السلطة في لحظة تاريخية معينة في بلد من البلدان الأمر الذي يعني التقاتل والتصارع والتنازع علي نحو ما هو مشاهد في بعض التجارب حاليا .
5 - انخفاض نوعية , ومستوى جودة في الأجيال الجديدة داخل الحركة :
الأجيال الجديدة التي تم ضمها أو تجنيدها للعمل في إطار الحركة الإسلامية في سنوات العقد الأخير خاصة تعاني - كما يظهر في العديد من المؤشرات - من مشكلات حقيقية لا تكمن فقط في تراجع الناحية الكمية الواضح - ولكن إضافة إلي ذلك فإن نوعية ومستوي العضوية الجديدة هو الآخر يشهد إنخفاضا وتراجعا حقيقيا ربما يرجع ذلك إلى عدم وضوح الأسس التي يتم عليها التجنيد , والتصعيد , وعدم تطور البرامج التربوية والأنشطة وملائمتها, وكذلك عدم فعالية الأشكال التنظيمية للحركة التي يتم من خلالها تنفيذ هذه البرامج والأنشطة عملياً, والتي تحتاج بشكل جاد إلي المراجعة والتجديد بالطبع فإن ذلك يتم في سياق مجتمعي في المجتمعات العربية والإسلامية يتجه نحو الإنحدار العام ..
غياب أو عدم إحترام التخصص داخل الحركة:
تبدي الحركة الإسلامية في أدبياتها النظرية احتراماً كبيراً لمسألة التخصص إلا الممارسة داخلها حتي في الأنشطة التي تعتبر بطابعها تخصصية لا تعرف واقعيا أدني درجات احترامه , ورغم أنها حفلت بالكفاءات المتميزة في معظم المجالات الفكرية والعملية إلا أنها كما يبدو من ضحالة خطابها السياسي والإعلامي والتربوي , وكما يظهر في فقر الأدبيات الجادة الصادرة عنها تشهد تراجعات ملحوظة علي هذا الصعيد, فقد سيطر علي معظم جماعاتها العقل الإجرائي والبيروقراطي المجدب , وأصبحت حركة طاردة للكفاءات الحقيقية من أبنائها تحت حجج وعناوين مختلفة وفي ظل تبريرات فضفاضة كثيرة , وهكذا تفقد الحركة بعضا من أخلص أنبه لصالح بقاء طبقات من العملات الرديئة ومن ذوي الكفاءات المنخفضة الذين يجيدون فن المطاوعة والملاوعة لا المناقشة والمحاججة, وممن يعرفون طريقة وفن إمساك العصا من المنتصف , وإختلاق مبررات الحكمة الخفية الكامنة وراء كل تصرفات القيادة ولوكانت أخطاؤها بالغة بينة واضحة للعيان, وهم صنف من البشر موجودن في كل الأنظمة والحركات ولكن الإشكالية في وجودهم المؤثرفي بعض جماعات الحركة الإسلامية التي تريد الإصلاح والتغيير في مجتمعاتها
الأمر الذي يقعدها عن مواجهة التحديات فتصبح مسئولة عن إصلاح البيت من الداخل قبل المنادة بإصلاح المجتمع والحكم ..
غياب القيادات الفكرية المرجعية داخل الحركة : تعاني الحركة الإسلامية اليوم نقصا كبيرا من ذلك الجيل القائد علي المستوي الفكري والمرجعي داخل الحركة الأمر الذي عبر عنه البعض بأن الحركة أضحت جسدا كبيرا ليس له رأس وبالأصح ليس له عقل فكري قائد ناضج ومجمع علي مستوي الجسد الكبير, وإن كنا نري أنه قد فات زمن المرجعيات الفردية الفذة المجتهدة وأصبحت الحركات الإصلاحية والتغييرية توجده عبر مؤسسات ومراكز متخصصة للبحث والتفكير المستقبلي وهو ما لم تعرفه والتجارب التي حاولتها لم تستطع أن تثبت جدارتها أو قدرتها علي الصمود والبقاء ناهيك عن الإنتاج والإبداع الحركة, ومن ثم أخذت عوامل التآكل تفعل فعلها في الحركة دون أن تقوم بتعويض حقيقي لصالح الكيان ..
تتفاعل هذه التحديات وتتجلى في الكثير من المظاهر التي تلخصها الحالة الصراعية الفعلية فما هي الصورة الواقعية التي يدار بها الصراع حاليا , وما هي الاستجابات التي تواجه بها التحديات , وإلى أي مدىً تتناسب معها ومع طبيعة الأهداف وإلي أي مدىً تعتبر الحركة الإسلامية مؤهلة لمجابهة هذه التحديات؟ نذكر بإيجاز سيكون تفصيله في الجزء الثاني من الدراسة إن الواقع الحالي - كما ظهرت بعض مؤشراته- يمكن وصفه بأنه "هدر الإمكانية" ؛ فعلى مستوى الممارسة هناك "هدر لإمكانية نجاح الحركة", ولا يخدع المحلل الجاد بعض النجاحات الجزئية عن الصورة الكلية والواقع المتراجع , فإجمالا تمارس الحركة الانكماش في مواجهة هذه التحديات عندما تزداد حدتها , وتعيد تمددها عندما تخفت عليها الضغوط بحركة منعكسة طبيعية لا تتغايا هدفا واضحا ولا خطة عملية , كما أن الممارسات تشهد تخبطا حقبقيا علي كافة المستويات , ولعل نقطة البداية هي التشخيص السليم للواقع وإيجاد الوعي الحقيقي العلمي بطبيعة المنطق الصراعي المواجه للحركة , والتحديات لكي تستجيب لها عملياً, وتحدد أشكالها ووسائلها المختلفة , وهو موضع الدراسة القادمة إليها وإلا فإن سنن الله سوف
تعمل عملها (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) .
هوامش الدراسة :
1 - يوجد رصيد ضخم من الدراسات والكتابات العلمية وغيرها حول الظاهرة من مختلف الجوانب والمنهجيات وفرت إلي حد ما قدرا من التكامل في فهم أسباب والعوامل التي قادت إلي صعودها وإنتشاها , راجع في هذا الإطار :
د.حامد عبد الماجد , الحركة الإسلامية والأنظمة العربية مع إشارة خاصة للحالة المصرية, -
, القاهرة : مركز الإعلام العربي ,1993
2 - د.حسنين توفيق إبراهيم وأماني مسعود, الإحياء الإسلامي في الدراسات والكتابات الغربية, النمسا, مجلة الحوار, 1995, ومن الأمثلة علي هذه الكتابات راجع التالي:-
Danahne,John J .and John Espasito, Islam in transation :Muslim perspectives (New York:Oxford University Press,1987)
J.Piscatori(ed.,)Islam in political process,
New York: Syndicate Press,1982)
Siddiqui,Kalem, Issues in the Islamic Movement (London: The open press Limited,1980)
3 - هناك بعض الدراسات التقييمية للحركة الإسلامية والصحوة بوجه عام ولبعض تجاربها بشكل مباشر نذكر منها علي سبيل المثال كتابات د.يوسف القرضاوي , الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف القاهرة : دار الشروق , 1986 :
والصحوة الإسلامية بين الإختلاف المشروع والتفرق المذموم , القاهرة: دار الإعتصام ,1989, د. عبدالله فهد النفيسي, الحركة الإسلامية أوراق في النقد الذاتي, القاهرة: مكتبة مدبولي, 1987 , خالص جلبي , في النقد الذاتي للحركة الإسلامية ,يبروت :دار الرسالة ,1984 , عبدالله أبوعزة , مع الحركة الإسلامية في البلاد العربية ,1989, جودت سعيد, حتي يغيروا ما بأنفسهم , 1984, ومن المقالات المهمة في هذا الصدد: مصطفي مشهور, تعليق علي نقد كتاب بين القيادة والجندية علي طريق الدعوة, مجلة المسلم المعاصر, عدد 60 , 1991, د. حامد عبدالماجد , تأملات في الدلالات السياسية حزب الوسط في مصر , مجلة قضايا دولية , العدد(371) ,فبراير1997 , وكذلك محمد المقري, مقدمة في فقه المراجعات ,مجلة المنار الجديد, يناير 2001 .
4 - راجع حول هذا التحديد:
حامد عبدالماجد , الحركة الإسلامية .... مرجع سابق , ص ص 9- 13
5 - حول أمثلة للعبرة المنهجية من مختلف الحركات التغييرية والإصلاحية راجع :
, 1968 De Tocqueville, The old Regime and Revolution, London
F.Furet , The Interpreting the French Revolution, London, 1978
B.Moore , Social Origions of Dictatoriship and Democracy, New york,1992
D. Cruise O Brien , Symbolic Confrontation, London,1993
R. Bendix, Kings or People ,London,1965
J. Howell, An Unholy Trinity ? Civil Society, Economic Liberalisation and Democratisation ààà., In Government and Oppsition,
Vol 33, No1, Winter,1995
Clapham and G.Philip (es.), Political Dilemmas of Military Regimas,London,1983
6 - راجع حول ذلك :
U, Ben Eliezer,Rethinking the Civil- Military Relations Paradigm,1997
Clapham and G.Philip(eds),Op.,cit
7 - حول
المقارنة بين مفهوم الصراع السياسي في إطار دراسة النظم السياسية , ومفهوم التدافع والدافعية , راجع حول ذلك :
د. مني أبوالفضل, الأمة القطب.. القاهرة , دارالنهضة العربية ,1984
وحول مقارنته بمفهوم المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي راجع :-
د. نيفين عبدالخالق , المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي , القاهرة : مكتبة فيصل الإسلامية , 1985
8 - راجع حول ذلك :
Hamed Quisay, Explaining Change : Egyptian policy Towards the Muslim Brotherhood, This paper was first presented at the 7th International Association of Middle Eastern Studies, 4-8 October 2000 in Berlin
حول تطبيق المعادلة الثانية في الحالة المصرية راجع:--
9 - ضمن معادلة البرلمان الليمان,السيناريوهات المستقبلية للعلاقة بين النظام السياسي المصري والإخوان المسلمين , مجلة المجتمع الكويتية , عدد 6/2/ 2001
10 - عن الثورة المعلوماتية وآثارها راجع :
David Haeld, (and others), Global Transformation, London, Polity Press, 1999
11- لاننكر أن هناك محاولات تبذل في هذا الصدد ولكنها موسمية ولا ترقي لكي تشكل مشروعا سياسيا حقيقيا , وإن عالجت بعض القضايا الآنية مثل المشاركة في العملية السياسية ,ومشاركة المرأة في الإنتخابات , والموقف من التعددية الحزبية بشكل فقهي تعوزه الرؤية السياسية الكلية ,,,
12- تحتاج قضية المؤسسية داخل الحركة الإسلامية إلي دراسة أعمق إذ نستطيع أن نزعم أن حال الحركة في هذه القضية لا تختلف كثيرا عن حالة الأنظمة الحاكمة التي تعارضها وهذه القضية بالغة الأهمية لمستقبلها بدرجة أساسية راجع حول معايير المؤسسية
Samuel Huntington, political order in changing Societies, New Haven: Yale University Press,1966
الدكتورالقويسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.