إن عشرين عاما في ظل دستور هو الثالث في مسلسل التجارب الدستورية، أقنعت الجميع بأن كل دستور ينفرد الحكام بصياغته وفرضه على المواطنين بأي وسيلة مصيره الفشل، ومن ثم الزج بالبلاد في مزالق واختلالات، ودفع المواطنين للركون لليأس والعزوف وهي حالات لا تخفى انعكاساتها السلبية على تنمية البلاد واستقرارها وتقدمها، وهذا ما شعرت به أحزاب المعارضة الرئيسية فخلصت بعد لقاءات وتحليل الوضع إلى ضرورة إحياء الكتلة ولكن باسم جديد هذه المرة، فتم الاتفاق على اسم «الكتلة الديمقراطية» وذلك في اجتماع عقد بتاريخ 17 ماي 1992 بالرباط بين الأحزاب الآتية: حزب الاستقلال، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديموقراطي الشعبي. الحديث عن تصور الكتلة الديمقراطية للإصلاحات السياسية والدستورية حديث عن تصور وسطي تم الاتفاق عليه بين أطراف الكتلة بعد تجاوز بعضها قليلا لأقصى تصورها، وتنازل أخرى قليلا أو كثيرا عن سقف تصورها الحقيقي، فالتكتل بين أحزاب هذه الكتلة ليس تكتل أحزاب شقيقة، وتنتمي إلى «مرجعية واحدة» فهي تصطف على خط يمتد بين توجه تعادلي ليبرالي وينتهي بتوجه اشتراكي علمي وبينهما اعتدالات تتفاوت في الميل إلى الأول والثاني. ولكن ما ينبغي التذكير به هو أن هذه الأحزاب مهما اختلفت في التوجه العام، فإن ما يجمع بينها أنها تنتمي إلى حركة التحرير الوطني وعلى رأسها قادة مشهود لهم بنضالهم من أجل تحرر البلاد، وبمواقفهم الجريئة في ما يتعلق بمسألة الإصلاحات السياسية والدستورية، تارة منفردين وتارة في إطار تكتلات أشهرها «الكتلة الوطنية» في مطلع السبعينات من القرن الماضي، وآخرها في مطلع التسعينات من نفس القرن. والذي يجمع بينها أيضا أنها أحزاب عرفت برفضها لمختلف الدساتير التي عرضت للاستفتاء منذ 1962 باستثناء حزب الاستقلال الذي صوت بنعم على الدستور الأول، وحزب التقدم والاشتراكية الذي صوت بنعم على دستور 1992، وما يجمع بينها أيضا أنها أحزاب ذات تمثيلية في البرلمان ماعدا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي دأب على عدم المشاركة في أي استحقاق انتخابي محليا كان أو وطنيا. والذي يجمع بينها أيضا وهو الأهم، أنها رغم دخولها أحيانا في منافسات وأحيانا مشادات، مازال الحس الوطني والروح الوطنية أو لنقل الشعور بالمسؤولية الوطنية هو الحاضر في توجه هذه الأحزاب كلما تعلق الأمر بقضية مصيرية للبلاد مثل ما وقع في بداية سبعينات القرن الماضي والتي سبقت الإشارة إليها، وكما وقع في تسعيناته حين تم تأسيس الكتلة الديمقراطية. الذي لا يختلف فيه بالنسبة لأحزاب هذه الكتلة، ولاسيما التقدمية منها أنها رغم ما عرفته من عراقيل ومحن، أنها بفضل صمودها وجدارتها تحتل دورا رئيسيا لقيادة الجماهير في مواجهة سياسات النظام اللاشعبية، وفي معركة المطالبة بالديمقراطية وأنها في ذات الوقت لم تكن تتخلف عن الاستجابة لمبادراته كلما رأت فيها بصيص أمل لخدمة البلاد (قضية المسيرة الخضراء والدفاع عن مغربية الصحراء مثلا)، أو لمست منه استجابة لبعض مطالبها في الإصلاحات السياسية أو غيرها، ومن ذلك ما له صلة بموضوعنا. المهتمون والمتتبعون للشأن البرلماني في بلادنا يتذكرون بلا شك يوم 25 أبريل 1992 وما بعده حين احتد الخلاف بين المعارضة والحكومة، حيث تقدمت هذه الأخيرة إلى البرلمان بمشروعي قانون يتعلقان بالانتخابات، وأعلنت فرق المعارضة في مجلس النواب عن عدم مشاركتها في مناقشة المشروعين. ولم تكتف أحزاب المعارضة بهذا، بل تقدمت مباشرة وفورا بمذكرة تطلب فيها تحكيم جلالته بشأن الخلاف الذي جرى بينها وبين الحكومة في مجلس النواب، ومن بين ما تضمنته هذه المذكرة أن «من مستلزمات الدخول في عهد جديد من الديمقراطية، إيجاد هيئة مستقلة تعمل على تنظيم الانتخابات ومراقبة سيرها وإعداد النصوص القانونية الخاصة بها، واقتراح التدابير الواجب اتخاذها، على أن تتفرع من هذه اللجنة المركزية لجان أخرى فرعية»، وما أن توصل الملك بالمذكرة حتى سارع إلى استقبال قادة أحزاب المعارضة الذين قدموا المذكرة وألقى خطابا بهذا الشأن يوم 29 أبريل 1992 أعلن فيه أنه «قبل التحكيم لأن من واجبه رعاية الأمة ولم الشمل وتوحيد الصفوف». وفي فاتح ماي عقدت الجلسة الأولى للجنة التراضي تحت رئاسته، حضرها سائر قادة الأحزاب الممثلة في مجلس النواب علاوة على أعضاء من الحكومة، وفي هذه الجلسة تم الاتفاق على جملة من النقط بينما بقيت نقط أخرى عالقة لم يتم الاتفاق بشأنها. ولتجنيب بعض القراء عناء البحث عن هذه النقط في مصادر أخرى، نوردها لما لها من أهمية خاصة ونحن في معمعة الإصلاحات السياسية والدستورية التي تشهدها بلادنا. أولا: النقاط المتفق عليها اتفقت اللجنة على: 1- استعمال الإذاعة والتلفزيون على قدم المساواة، 2- إعادة وضع اللوائح الانتخابية، 3-مراقبة بطائق المصوتين، 4- مراقبة سلامة الاقتراع بما في ذلك فرز الأصوات والإعلان عن النتائج، 5- المعاقبة الصارمة لكل تزوير انتخابي، 6- فتح باب الطعون ضد التسجيل غير القانوني للوائح الانتخابية. ثانيا: النقط المختلف بشأنها 1- سن التصويت 18 في رأي المعارضة والجانب الرسمي أن هذا السن غير مناسب، 2- سن الترشيح ترى المعارضة بلوغ 21 سنة بينما الجانب الرسمي يرى 23 سنة،3- طريقة الاقتراع: يرى الجانب الحكومي أن النظام الفردي المطبق في المغرب يناسبه أكثر من غيره، بينما ترى المعارضة ضرورة الاقتراع باللوائح النسبية. وهناك نقطتان عالقتان لم يتم البت فيهما وهما: 1- تكوين اللجان الإدارية المشرفة على العملية الانتخابية، 2- طريقة اختيار رؤساء مكاتب التصويت. والجدير بالتذكير أن الكتلة الديمقراطية نشأت بالتدريج، تارة بالتنسيق الذي يضيق ويتسع حسب الظروف والقضايا وغالبا ما كان يتم بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. ولكن مهما ضاق هذا التنسيق أو اتسع فالذي كان القاسم المشترك بين أحزاب الكتلة هو تصورها العام للمؤسسات السياسية القائمة التي تعتبرها مؤسسات «لا تعبر عن الإرادة الشعبية» وكانت ترى وهي منفردة ألا إصلاح سياسي إلا باعتماد انتخابات نزيهة تنبثق عنها حكومة ذات مصداقية تحظى بتأييد المواطنين، وكل هذا لا يتأتى حسب أحزاب المعارضة إلا بتعديل الدستور قبل إجراء أية انتخابات برلمانية، وهي إذ تتكئ على هذه القناعة أدركت على ضوء قيامها بنقد ذاتي، وبتقييم مبادراتها السالفة والتي انشغلت بها لما يربو عن عقدين من الزمان، أن مطالبها أمر لن يتحقق إلا بتجاوز المبادرات الانفرادية بل والتنسيقية وذلك بالانتقال من هذه الأشكال في مواجهة النظام إلى إطار أكثر نجاعة وأدق تنظيما. ولم يكلف قادة هذه الأحزاب أنفسهم عناء ابتكار إطار سياسي للتعاون في ما بينهم لطرح مطالبهم والنضال من أجل تحقيقها؛ فلهم في تاريخ الحركة الوطنية الاولى، أكبر تجربة في كتلة العمل الوطني لمواجهة المشروع الاستعماري في الثلاثينات من القرن العشرين، وفي الكتلة الوطنية لمواجهة الحكم المطلق في سبعينياته. ولقد اتفق قادة أحزاب المعارضة هذه المرة على تسمية إطارهم الجديد ب»الكتلة الديمقراطية» وصادقوا على ميثاق اعتبروه مرجعية أساسية في ترويج مبادئهم والمطالبة بتحقيق أهدافهم المشتركة، ومن أهمها: 1- إقرار إصلاح دستوري يتضمن ترسيخ دولة المؤسسات الديمقراطية وتحديث أجهزة الدولة، 2- إقرار مشروع وطني للتنمية والتقدم، 3- تحقيق استقلال القضاء، 4- استرجاع الأقاليم الصحراوية من أجل استكمال وحدة المغرب، 5- وضع سياسة صارمة للقضاء على الرشوة والفساد واستغلال النفوذ، 6- العمل على بناء المغرب العربي الكبير، 7- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووضع ميثاق وطني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعموم المواطنين، 8- وضع خطة متكاملة للقضاء على البطالة. واقتناعا من أحزاب الكتلة الديمقراطية بأن الإصلاح السياسي لا يمكن تحققه إلا بإدخال تعديلات جوهرية على النظام القانوني والدستوري، وفي هذا الشأن قامت الكتلة الديمقراطية بتقديم مذكرتين إلى الملك الحسن الثاني، إحداهما في شهر يونيو 1992 والثانية في 1996. وقبل هاتين المذكرتين قدمت مذكرة من لدن حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بتاريخ 9 أكتوبر 1991 عبر فيها الحزبان عن ملاحظتهما لما يشوب الممارسة الدستورية من قصور واضح الانعكاس -سلبا- على مؤسسات الدولة، الأمر الذي يعوقها عن الاضطلاع بدورها كاملا مثل نظيراتها في الأقطار الديمقراطية. وبناء على هذا اقترحت المذكرة التنصيص على إمكانية ترؤس الوزير الأول المجلس الوزاري بتفويض من جلالة الملك، وكذا على دور الوزير الأول في إدارة نشاط الحكومة وتنسيق وظائف أعضائها الآخرين دون المساس باختصاص كل واحد منهم، ومسؤوليته المباشرة على القطاع الذي يشرف عليه. ومباشرة بعد تأسيس الكتلة الديمقراطية تقدمت بمذكرة مؤرخة في 19 يونيو 1992، ضمنتها تمهيدا بينت فيه أن غايتها هي» الوصول إلى استعمال أهداف الميثاق الوطني (وثيقة 11 يناير 1944) بروحه ومطامحه لتحقيق الجزء الثاني من الميثاق الوطني المزمع عقده بين الكتلة الديمقراطية والمؤسسة الملكية، وذلك بإقرار نظام ديمقراطي». أولا: الملكية الدستورية ذات طابع برلماني. ثانيا: توسيع صلاحيات البرلمان والحكومة. ثالثا: تعزيز ثقافة حقوق الإنسان. رابعا: ضمان نزاهة الانتخابات. وإلى جانب هذه المقترحات الاساسية، تضمنت مذكرتا الكتلة مقترحات أخرى كالتنصيص على عيارة «السلطة القضائية»، وإحداث مؤسسات دستورية جديدة مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى للأمن والدفاع، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجلس الأعلى للإعلام، وبإحداث مؤسسات للرقابة (مجلس دستوري) وترقية المجلس الأعلى للحسابات إلى هيئة دستورية مستقلة بذاتها. باعتبار الديمقراطية بكل مضامينها السياسية والاجتماعية والثقافية، أحد الثوابت الأساسية التي توحدت حولها الأمة كاختيار حضاري يضمن الاستقرار والتقدم. وتضيف المذكرة «وهذا ما ينسجم مع روح العصر ومتطلبات اقتحام المغرب لآفاق وشروط القرن الواحد والعشرين(..) وهذا أيضا ما يستدعي إدخال بعض التعديلات الأساسية على مكانة الحكومة ودور البرلمان» من أجل «إقامة مؤسسات مسؤولة تضطلع بكامل مهامها في إقرار التوجهات السياسية الداخلية والخارجية، والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، كما احتوت المذكرة اقتراح بعض التعديلات الضيقة والمحدودة على سلطات الملك، دون المساس بجوهر «إمارة المؤمنين» أو نزع الطابع الرئيسي بشكل كامل، على صلاحيات الملك، مراعاة من أصحاب المذكرة لما لا تسمح «قداسة المؤسسة الملكية» بتجاوزه (الخطوط الحمراء) ولما تستلزمه الظرفية من ملاءمة، ولقناعتهم المبدئية بمركزية الملكية في النسق السياسي المغربي... كما عبرت المذكرة عن رغبة مقدميها في «بناء مجتمع عصري يعتمد على الإسلام، ويستند إلى كل المقومات الثقافية والحضارية للشعب المغربي» واقترحت المذكرة أيضا تنصيص الدستور الجديد على «قيام حكومة مسؤولة كمؤسسة تنفيذية أمام مجلس النواب يقوم الوزير الأول باقتراحها على الملك على أن يتولى تقديم البرنامج الحكومي أمام هذا المجلس للتصويت عليه» كما اقترحت المذكرة التنصيص على تكوين حكومة من «فريق منسجم يتحمل الوزيرالأول المعين مسؤولية اقتراح أعضائها». أما بخصوص المساواة بين الرجل والمرأة، فقد اقترحت المذكرة «إقرار هذه المساواة في الحقوق والواجبات على نحو لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية». أما مشروع الدستور الذي عرض على الاستفتاء الشعبي، فقد جاء مخيبا لآمال الكتلة الديمقراطية، فرفضته باستثناء حزب التقدم والاشتراكية الذي صوت عليه ب»نعم» والاتحاد الوطني الذي انسحب من الكتلة قبل البدء في صياغة المذكرة، وقرر عدم المشاركة في الاستفتاء عليه. رفضت الأحزاب الثلاثة مشروع الدستور رغم تضمنه بعض مقترحات الكتلة مثل نصه على «أن الحكومة تعمل على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول والإدارة موضوعة رهن إشارته (الفصل 60). كما نص على أن «الملك يعين أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول» (الفصل 24) ورغم أنه حافظ على نفس اختصاصات مجلس النواب المكرسة في الدستور المعدل ولم يختر مجال التوسيع، فإنه نص في الفصل 26 على «إصدار القانون خلال ثلاثين يوما الموالية لتمام الموافقة عليه» فجاء النص كما يلي: «يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته على الحكومة بعد تمام الموافقة عليه»، بعد أن كان دستورا 1962 و1970 ينصان في نفس الفصل على أن «يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون، وله أن يجري استفتاء بشأنه أو يطلب قراءته من جديد طبق الشروط المنصوص عليها بالباب الخامس» وبعدها اكتفى دستور 1972 بأن «يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون في نفس الفصل». كما استجاب لمقترح الكتلة الخاص بحق البرلمان في تشكيل لجان نيابية للبحث والتقصي ودسترة حق اللجوء إليها، حيث نص عليها في دستور 1992 في فقرته الثانية من الفصل 40 هذا، علاوة على إضافات أخرى وردت في هذا الدستور نخص منها «التنصيص على أن المغرب يتبنى مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. وإذا انتقلنا إلى مذكرة الكتلة ل23 أبريل 1996، فسنجدها تقترح التنصيص في تصدير الدستور على «أن المملكة المغربية دولة إسلامية وأن قوانين البلاد لا تتعارض مع تعاليم الإسلام»، استنادا إلى أن هذه التعاليم توصي دائما بالاستفادة من الاجتهادات المتفتحة» واقترحت المذكرة أن تضاف إلى الفصل 60 وتنص على أن «الحكومة هي التي تحدد السياسة العامة للبلاد وتديرها، وأن «يمنح مجلس الحكومة حق اقتراح التعيين في الوظائف المدنية السامية لترفع إلى المجلس الوزاري قصد البت فيه». وكانت الكتلة قد اقترحت في مذكرة 1992 ضرورة التنصيص على تكوين حكومة من فريق منسجم يتحمل الوزير الأول المعين مسؤولية اقتراح أعضائها، أما مذكرة 1996 فقد نصت على أن «الحكومة مسؤولة تضامنيا عن تنفيذ سياستها». رغم الخطوة الإيجابية التي سجلها دستور 1992 في ما يخص مكانة الوزير الأول، فإن الكتلة لاحظت أنه بقي «مفتقرا إلى ما يقوي شخصيته ويمنحه مركزا حقيقيا باعتباره الشخصية الثانية في السلطة التنفيذية»، ومن أجل ذلك اقترحت التنصيص في التعديل الجديد أن الفصل 59 من الدستور يقضي بأن «يتقدم الوزير الأول أمام مجلس النواب بعد تعيينه من لدن الملك ،وقبل أن يقترح أعضاء الحكومة بعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه على البرلمان، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تلتزم الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية، وينبغي أن يخضع هذا البرنامج لمناقشة يتبعها تصويت وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين 2 و3 من الفصل 74 من الدستور، وبعد الموافقة على البرنامج الحكومي يختار الملك وزيرا أول جديدا وتتبع نفس الخطة المشار إليها أعلاه». ومما تضمنته المذكرة اقتراح دسترة «الاجتماع الأسبوعي للمجلس الحكومي لتحضير مشاريع المراسيم والقوانين التي تعرض على أنظار المجلس الوزاري ولمناقشة السياسات القطاعية المختلفة» إلا أن الكتلة «تراجعت عن مطلب إمكانية تفويض الملك الوزير الأول ترؤس المجلس الوزاري»، ولتدعيم الحياة النيابية اقترحت الكتلة «توفير آليات جديدة لممثلي الأمة، وتمكين مجلس النواب كمؤسسة تشريعية من الصلاحيات الضرورية، ولاسيما في ما يتعلق بتكوين المجلس والمراقبة وضمان حقوق الأقلية... وهو مطلب سبق أن ضمن في مذكرة 1992. وعرض مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء يوم الجمعة 28 من ربيع الثاني 1417 الموافق ليوم 13 شتنبر 1996، أما النتيجة فكانت إيجابية، لا من حيث نسبة المصوتين ب»نعم» وحسب بل ولأنه لأول مرة في مسلسل الاستفتاءات على الدستور وقع إجماع أحزاب لها وزنها على قبوله والتصويت لفائدته ب»نعم» ولأن قيمة هذه ال»النعم» لا تكمن في إجماع الأحزاب على التصويت بها، ولكن لما نجم عنها من انفتاح سياسي وقى البلاد مما كانت مهددة به من «سكتة قلبية» واتسعت في ظله رحاب الملاسنة تصول فيها وتجول حتى الأفواه التي كانت بالأمس خرساء ... تقييم منجزات المغرب في ميدان الإصلاحات الدستورية في عهد الملك الحسن الثاني عرف عهد الملك الحسن الثاني خمس عمليات استفتاء على الدستور، أولاها في عام 1962 وكان آخرها في 1996، والملاحظة الأولى تتعلق بكون هذه الدساتير اتسمت بعدم التساوي في مدد استمراريتها، فبينما علق الأول بإعلان حالة الاستثناء ولم يمض على الاستفتاء عليه إلا ثلاث سنوات أو تزيد قليلا، تمت مراجعة الثاني قبل إدخال مقتضياته حيز التنفيذ (الاستفتاء على الثاني 1970 وعلى الثالث 1972) وهذا لم يعمل بمقتضياته إلا بعد مرور خمس سنوات على الاستفتاء عليه، إذ من المعروف أن انتخاب البرلمان لم يجر إلا عام 1977. وإذ لم يقدر للدستور الأول أن يدوم إلا قليلا وللثاني إلا أن يوأد في مهده، وللرابع ألا يتحرك إلا أربع سنوات فإن الثالث هو الأطول عمرا (من 1972 إلى 1992) والخامس بعده (من 1996 إلى 2011) إذ تم تعديله في هذه السنة.