سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إسماعيل العلوي: نحن بحاجة إلى مظلة الفصل 19 للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها قال ل «المساء» إن اليسار يؤدي ثمن تركيزه على خطاب مليء بالشعبوية والديماغوجية
وصف إسماعيل العلوي،الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، هجوم حزب الأصالة والمعاصرة على عباس الفاسي وحكومته بالهجوم«المفتعل» و«السجال المتدني الذي لا مصلحة للجميع في الانخراط فيه»، وأن الهدف منه هو الظهور بمظهر الحزب المهتم بقضايا الناس. وأكد العلوي أن على الأمين العام المقبل لحزب علي يعته أن يكون «أكثر ديمقراطية ويتخلص من التوافقات الدائمة، والانتقال إلى الاحتكام لقرار المناضلين والمناضلات»، مشيرا إلى أنه غير متخوف على مصير الحزب بعد رحيله. إسماعيل العلوي في سطور: - رأى النور في عام 1940 بمدينة سلا. درس المرحلة الابتدائية بنفس المدينة، والثانوية بمدينة الدارالبيضاء، والجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط، قبل أن يلتحق بمعهد الجغرافيا بجامعة السوربون في باريس. - في سنة 1962 انضم إلى الحزب الشيوعي المغربي، وفي عام 1966 عين عضوا في لجنته المركزية أثناء المؤتمر الثالث للحزب، وفي سنة 1975 عين عضوا إضافيا في الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أثناء مؤتمره التأسيسي، ثم عضوا في الديوان السياسي خلال المؤتمر الثاني الذي انعقد سنة 1979. وبعد الوفاة المفاجئة لعلي يعته في شتنبر 1997 سيصبح إسماعيل العلوي أمينا عاما للحزب بعد أن حسم نزاعه مع التهامي الخياري على زعامة الحزب لصالحه. - انتخب نائبا برلمانيا عن دائرة بنيا حسن (الغرب) من سنة 1984 إلى 1992، ورئيس المجموعة البرلمانية لحزب التقدم والاشتراكية في مجلس النواب بالمغرب من 1993 إلى 1997. - فشل في الفوز في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 بعد أن احتل الرتبة التاسعة بسلاالجديدة، كما تكرر نفس الأمر حينما ترشح في دائرة تاونات لتعويض رفيقه المسعودي العياشي برغبة من قواعد الحزب. - عين وزيرا للتربية الوطنية في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، ووزيرا للفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات في حكومة إدريس جطو 6 في شتنبر 2000. - شهد المشهد السياسي المغربي خلال الأشهر الأخيرة حركية غير معهودة، خاصة بعد دخول منافس جديد للأحزاب التقليدية. كيف تقيم الوضع السياسي بالمغرب في الوقت الحالي؟ سبق لي أن وصفت المشهد السياسي المغربي بالسوريالي، لأننا لم نعد نميز فيه بين المعارضة والأغلبية، ومؤخرا تحدثت عن معارضة غريبة، وأظن أنه وصف موضوعي ليس فيه أي تبخيس لأي كان. وهناك أيضا أغلبية أكثر غرابة من المعارضة، مما يعني أن مجتمعنا يجتاز الآن مرحلة مخاض لا يمكن التكهن بنتائجها في السنوات المقبلة. غير أني أرى شخصيا أن هناك إصلاحات مستعجلة، سياسية واجتماعية واقتصادية، مرتبطة بتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. - ارتباطا بواقع المشهد السياسي، كيف يمكن تفسير فشل الكتلة، بالرغم من عمل بعض أطرافها على إحيائها؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لأن الجميع يعتبر أن الكتلة ما تزال تلعب دورا في الساحة السياسية ببلادنا. وإذا كانت هناك بنود كثيرة من ميثاق الكتلة لم تتحقق بعد، فإن كل الفرقاء، بمن فيهم الذين انسحبوا من الكتلة، يجمعون على ضرورة رد الحياة إلى هذا التجمع، وهو أمر يهم جميع مكونات الكتلة، حيث بات من الضرورة أن نتكاشف. للأسف، لم تتم هذه المكاشفة، الشيء الذي يفسر عدم وجود الثقة بين مكونات الكتلة. - في إطار السعي لإحياء الكتلة، يلاحظ أن الاتحاد الاشتراكي فتح حوارا مع حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية، في حين لم يتم ذلك مع الحزب الاشتراكي الموحد، وريث منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. ما المانع من فتح الحوار مع مكون سابق في الكتلة؟ مع كامل الأسف، لم يفتح أي حوار. كانت هناك محاولة، بمساهمة إخوان من هذا التوجه، غير أننا لاحظنا نوعا من الاشمئزاز من الآخرين، الذين لم يكونوا راضين عن تقوية اليسار داخل الكتلة بسبب حسابات ضيقة. لا يمكن أن نتعامل حاليا بتصورات كانت صالحة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وإنما يستحسن أن نركز على النمط الفيدرالي، الذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تكوين حزب واحد موحد، على شاكلة الحزب الاشتراكي الفرنسي. - سبق للحزب الاشتراكي الموحد أن قدم مقترحا بشأن إنشاء فيدرالية اليسار تجمع شتات اليساريين، إلا أنه إلى حد الآن لم يستجب له. ما الأسباب التي تحول دون الاستجابة إلى مثل هذا المقترح؟ أولا، نحن كنا سباقين إلى فيدرالية اليسار، ولم يستجب لها لأن الظروف لم تنضج بعد لذلك. من دون شك، أن الإنسان لم يصل بعد إلى نوع من نكران الذات، يتجاوز فيه الاهتمام الحصري بأموره الشخصية وشؤون المجموعة التي ينتمي إليها. الأمور تنضج ببطء، وفق دينامية تتطلب مزيدا من الوقت.
- في الوقت الذي تتجه جل الأحزاب نحو التقاطب، يستمر نقاش اليسار حول سبل التوحد. لماذا ترفض فصائل اليسار السير على خطى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بالانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي وتكوين قطب يساري قوي؟ لا أعتقد أن اندماج الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الاتحاد الاشتراكي عاد بالفائدة على اليسار عامة، وعلى الاتحاد على وجه الخصوص. لكن أؤكد أن عملية الاختمار التي يمر منها اليسار في الوقت الراهن، وإن كانت تتطلب وقتا، فإن نتائجها أكيدة في الاستحقاقات التي تنتظرنا إلى غاية 2017. وفي الآن ذاته، ينبغي أن نشير إلى أن شلال الانتخابات لا يكون بالضرورة إيجابيا، لأنه لا يتيح الفرصة لتأطير المناضلين والتفكير مليا في الأوضاع السياسية، وإنما تتحول الاستحقاقات إلى هواجس عشناها، ويمكن أن نعيشها مستقبلا. - يلاحظ أن بعض الأحزاب اليسارية تتقرب من أخرى يمينية، كما هو الأمر بالنسبة للاتحاد الاشتراكي الذي فتح حوارا مع أحزاب يمينية. كيف تنظر إلى مثل هذه المبادرات، خاصة في ظل حديث يساريين عن أنه كان أولى بحزب الراضي التحرك نحو الأحزاب اليسارية؟ المبادرة التي قام بها الإخوان في الاتحاد الاشتراكي تفعيل لقرارات مؤتمرهم الأخير، حسب ما قيل، حيث تم الاتصال بجميع التيارات السياسية، بدون استثناء، وأظن أن هذا المسلسل لم ينته بعد، ولذلك يصعب الجزم بحكم معين على هذه المبادرة، لأن إنصاف الآخرين لا يعني بالضرورة التقارب أو تقاسم الأهداف، باستثناء الوحدة الترابية وتمتين المكتسبات، وإن كانت لكل مقاربته الخاصة للمكتسبات التي تحققت. وبالتالي، لا يمكن أن نتسرع ونقول إن الاتحاد الاشتراكي، بلقائه الفرقاء السياسيين، يكون قد تقرب منهم لأن التشاور أمر طبيعي. - أسفرت لقاءات الكتلة مؤخرا عن تكوين لجنة ثنائية بين حزبكم والاتحاد الاشتراكي، في حين لم تتمكنوا من ذلك خلال اللقاءات التي عقدتموها مع حزب الاستقلال. ما أسباب إخفاقكم في ذلك؟ يعتبر الاستقلاليون أن هذه اللجان يجب أن تكون ثلاثية لإضفاء حياة على الكتلة بشكل إرادي، ولا أقول مصطنعا. الاتحاديون يختلفون معهم في ذلك. - ألا يؤثر هذا الاختلاف في تسريع وتيرة إحياء الكتلة؟ بدون شك، يؤثر عليها بالسلب. - ألا ترى أن الجهود التي تبذل لإحياء الكتلة مضيعة للوقت؟ لا أظن ذلك مضيعة للوقت، لأن للزمن السياسي أبعادا أخرى، تجعله يرفض التباطؤ أو التسرع المفتعلين. وعلى هذا الأساس، ينبغي أن نجتاز جميع المراحل، ومن المهم أن نعود إلى بعض أسس تحليل المقترحات. وأناشد الجميع بإعادة قراءة ميثاق الكتلة الأصلي والمحين في 2007، وسيتضح أنه ملائم لحاجيات بلادنا في الوقت الراهن. أعتقد أن أخطاء مكونات الكتلة لا تفرض علينا أن نرمي بهذا الميثاق في سلة المهملات. وعلى كل حال، يمكن تفعيل المقترحات الواردة في هذه الوثيقة بأسلوب آخر، قد يكون العمل ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا، لكننا لم نتفق بعد على صيغة موحدة للعمل. - ما قولك في الآراء التي تذهب إلى أن الحديث من جديد عن إحياء الكتلة أملته ظروف سياسية تمثلت في ظهور قوة سياسية جديدة بدأت تسحب البساط من تحت أقدام أحزابكم؟ لا أعتقد ذلك، لأن الحديث عن إحياء الكتلة سابق على تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أظنه القديم الجديد، والممارسة أثبتت ذلك. ونذكر أننا سعينا منذ الاستقلال إلى توحيد القوى الوطنية واهتدينا إلى الحل الوسط التاريخي، الذي مكننا من التعامل مع هيئات باتت قريبة الآن من الأصالة والمعاصرة، ربما لأنه أتى لتوحيد هذه القوى التي ساهمت في الحل الوسط التاريخي. أعتقد أنه ينبغي أن تكون هذه القطبية، التي يفرضها الواقع، في مستوى رفيع، بعيدا عن التشنجات، عن طريق عملية تفضي إلى تكوين مجموعتين راغبتين في تحديث البلاد وتنميتها وتمتين المكتسبات وترسيخ الديمقراطية. بطبيعة الحال، سيتطلب تحقيق هذه الغايات وقتا، لأن هناك من يريد أن يحصر الديمقراطية في مستواها الشكلي، ومن يريد أن يرتقي بها إلى مستوى أرفع، وهو المستوى المشاركاتي، ومن يقول إن الديمقراطية يجب ألا تقتصر فقط على التمثيلية السياسية الصرفة، وإنما يجب أن تشمل أيضا القطاع الاقتصادي بوضع حد لاقتصاد الريع على سبيل المثال، بالإضافة إلى إشراك الشغيلة في تدبير المقاولات. وهكذا يتضح أن لكل فئة، تبعا لأصلها الطبقي واختياراتها السياسية، تصور معين لهذه الديمقراطية. - كنتم قد صرحت بأن «المفسدين وجدوا ضالتهم في «البام» وهو ليس مشكلتنا نحن فقط». هل ما زلت تتبنى هذا الموقف تجاه «البام»؟ موقفنا من «البام» لم يتغير، حيث نعتبر أنه يمثل توجها في الحقل السياسي الوطني وطرفا في إطار التوافق التاريخي، الحل الوسط. أما أن هذا الحزب كان ملجأ لكثير من المفسدين، فأعتقد أنهم أقروا بذلك بأنفسهم عندما أعلنوا عن طرد العديد من الأشخاص من صفوف الحزب، وإن لم يكشفوا عن الأسماء. وقد لاحظنا في الانتخابات الجماعية الأخيرة أن بعض الأشخاص الذين كانوا يصنفون ضمن المتعفنين داخل المجتمع، شاركوا في هذه الاستحقاقات، الشيء الذي يتناقض مع مساعي تخليق الحياة العامة. - هل لديكم اتصالات مع الأصالة والمعاصرة؟ لا، وإن كنا نقدر ونحترم عددا من وجوه هذا الحزب. طبعا، كانت هناك محاولات للتواصل في وقت سابق، ولكننا، في التقدم والاشتراكية، نركز حاليا على المؤتمر الوطني للحزب. - هل لك أن تكشف لنا عن تفاصيل تلك المحاولات؟ لا توجد تفاصيل عنها لأنها لم تتم، وإنما كانت هناك فقط رغبة من كلا الطرفين في التواصل فيما بينهما. - كنت قد اتهمت حزب «االبام» باستهداف حزب التقدم والاشتراكية واستهداف بعض قيادييه وتحدثت جريدة الحزب في هذا السياق عن خلية يترأسها إلياس العمري. هل مخطط الاستهداف ما زال قائما؟ رغم أن جريدتي «البيان» و«بيان اليوم» هما لسان حال الحزب، فإنهما لا تعبران في كثير من الحالات عن رأي الحزب في عدد من القضايا. وبخصوص استقطاب بعض وجوه الحزب، فإن هذه العملية شملت مجمل الأحزاب، وباستثناء التحاق محمد بودرا ب«البام»، وهذا شأن يخصه، فليس هناك شيء يستحق الذكر بالنسبة إلى حزب التقدم والاشتراكية. - يشن «البام» حاليا هجوما حادا على الوزير الأول، ولم نلاحظ تضامنا أو دفاعا عن الحكومة. هل يثبت هذا الأمر مقولة انعدام التضامن بين مكونات الأغلبية الحكومية؟ أبدا، بل يندرج هذا في إطار السوريالية التي أشرت إليها سابقا، لأنه هجوم مفتعل. لا يستحق الهجوم على الوزير الأول الاهتمام على الصعيد السياسي، لأن الهجوم عليه استهداف للحكومة. نحن نؤيد الوزير الأول ونناصره في الميدان، حينما يتعلق الأمر بالتصويت أو تحمل المسؤولية في قضايا اجتماعية وثقافية واقتصادية. ولا مصلحة للجميع في الانخراط في هذا السجال المتدني.
- بماذا تفسر تحركات «البام» في مجلسي النواب والمستشارين ضد حكومة الفاسي؟ أظن أن هناك عملا تواصليا بهدف الظهور بمظهر الحزب المهتم بقضايا الناس، ولكن لا يوجد ما يدل على ذلك عمليا، فعلى سبيل المثال، هل كانت الجماعات التي يسيرها الحزب في مستوى تطلعات سكانها بعد مرور قرابة سنة على الانتخابات الجماعية؟ كما أن هذه الهيئة لم تتخذ أي موقف من القضايا الاقتصادية والاجتماعية أو تتوفر على صحافة ناطقة باسمها. والأفظع من ذلك، أننا لم نر شيئا من وثائق مؤتمرات الحزب، وإن كنا نسمع أن تقرير الخمسينية، الذي شارك بعض مناضلينا في صياغته، وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، هي مرجعيات الحزب، وهذه علامة بارزة في سمة السوريالية التي وصفت بها المشهد السياسي ببلادنا. - لكن البعض يقول إن «البام» كان له الفضل في تحريك المياه الراكضة في بركة الساحة السياسية المغربية والدفع في اتجاه القطبية؟ بدون شك، لا يمكن أن ننظر إلى الأمور من زاوية واحدة. إذ لكل حدث إيجابياته وسلبياته، ومن إيجابيات هذا الحزب تحريكه المشهدين السياسي والحزبي، وإن لم يتم ذلك بشكل إيجابي إلا في بعض الحالات. وعلى باقي القوى أن تعي ذلك وتتحمل مسؤوليتها في هذا الإطار. - انتقدت تزكية الأصالة والمعاصرة للمفسدين، (مول الشكارة) في الانتخابات الجماعية وتحدثت عن تخليق الحياة العامة. ألا ترى أن اليسار كذلك زكى مفسدين في عدد من الاستحقاقات الانتخابية؟ لا يزال مجتمعنا، في الواقع، يعطي أهمية كبيرة لذوي المال والجاه، ولم نرتق بعد إلى مستوى كبير من التسيس. وقد كنا، نحن أحزاب اليسار، نركز على خطاب مليء بالشعبوية والديماغوجية وفاقد للواقعية، وهو خطأ نؤدي ثمنه حاليا بعد نفور الجماهير من اليسار. وأعتبر أن تراجع اليسار في الاستحقاقات الانتخابات راجع إلى عزوف ثلثي الكتلة الناخبة عن التصويت، وهي أقرب إلى اليسار منها إلى اليمين. وعلينا أن نستدرك هذا الأمر عاجلا. - برز في الحزب توجه يدعو إلى الانفتاح على الأعيان، مثلما فعل الاتحاد الاشتراكي في وقت سابق، مقابل توجه آخر ينادي بضرورة احترام إرادة المناضلين. فأي توجه سيتبناه الحزب في الانتخابات المقبلة؟ لا ينبغي العمل وفق هذا التصنيف الميكانيكي، فمن الأعيان أناس شرفاء ذوو مبادئ، وفي المقابل، يجب على المناضلين أن يكثفوا اتصالاتهم بالجماهير. فقراءة بسيطة في نتائج الاستحقاقات الانتخابية، تبين أن المناضلين لا يحصلون على أشياء كثيرة، مما يدل على أن السجل النضالي الحافل لا يكفي لوحده للفوز في هذه البلاد التي تجتاز مرحلة انتقالية. ونعتبر، في حزبنا، أن الحياة هي التي تقوم بعملية الغربلة، وهي الكفيلة بإقصاء من يعجز عن تنفيذ تصورات الحزب وبرامجه. - ألا تتخوف من أن يتسبب الأعيان في مشاكل للحزب؟ لا أعتقد ذلك، لأن عددهم قليل ولا يمكن أن يسيطروا على أجهزة الحزب. لا أعتقد أن السبب في سقوط أحزابنا اليسارية هي هذه الفئة، بل نتيجة مخاض المجتمع. أزمة الحزب المالية - حددتم هدف الحصول على 5 في المائة من أصوات الناخبين في سنة 2009، ولكنكم لم تحققوا هذا الرقم. ما أسباب إخفاقكم؟ الحقيقة أننا حددنا هدف بلوغ نسبة 7 في المائة ولم نصل سوى إلى 4.2 في المائة، والسبب هو عزوف المقربين من الحزب عن العملية الانتخابية، وهناك أسباب داخلية تتمثل في تأثر مرشحي الحزب بمحيطهم وانخفاض مستوى نضالية مناضلينا، حتى القدامى منهم، ولا شك أنهم يتأثرون بما يسمعونه ويرونه وأيضا بما يطمحون إليه، وهي أمور واردة، وينبغي عدم الإخفاء والكذب على أنفسنا. وسأعطيك مثالا بسيطا على المسؤولية التي نتحملها فيما وقع لنا، إذ يضم حزبنا حوالي 40 ألف رفيق يحمل البطاقة، فإذا دفع كل منهم 10 دراهم شهريا للحزب فإن المبلغ المحصل عليه سيصل إلى 500 مليون سنتيم، هذا المبلغ كان سيساعد على توطيد مكانة الحزب ماديا وتنظيميا، في حين أن الملاحظ منذ أكثر من 10 سنوات هو عدم انتظام المساهمة المالية الشهرية لمناضلي الحزب. ويعزى هذا إلى انتماء جزء كبير من مناضلي الحزب إلى أوساط متواضعة، وأيضا إلى ضعف النضالية، لأن هذا المناضل المتواضع اجتماعيا لا يحرم على نفسه السجائر، وينفق مبلغا لا يستهان به عليها، في حين لا يعطي 5 أو 10 دراهم شهريا كمساهمة للحزب، والتي قد تحل جملة من مشاكله، وبالتالي ينطبق على هذا الحال المثل المغربي «شويا من الحنا وشويا من حروشية اليد». - هل الأزمة المالية التي اضطرتكم إلى الاقتراض من أحد البنوك لتمويل نفقات الانتخابات الأخيرة ما تزال قائمة؟ ما تزال قائمة للأسف، فعشية المؤتمر لا نمتلك ما يكفي من التمويل لمواجهة هذا الاستحقاق الحزبي المهم. - هل ستقترضون مرة أخرى؟ إذا كانت الضرورة تملي ذلك، وأنا حاليا أقوم بحملة تعبئة داخل الحزب، وقلت سابقا إن ما ينقصنا هو المساهمة المالية المنتظمة، ولكن لا ننسى وجود تضحيات مالية من بعض الأعضاء للتنقل ولعقد الاجتماعات واللقاءات، فعدد من الرفاق يؤدون تلك المصاريف من جيوبهم. - ما مبلغ العجز المالي الحزب؟ لقد منحنا البنك المغربي للتجارة الخارجية هامشا ماليا للتحرك قدره 50 مليون سنتيم في انتظار التوصل بدعم الدولة القانوني للأحزاب، والذي تأخر صرفه بسبب عجز مجلس النواب عن ضبط توزيع النواب حسب الفرق، وهو أمر غير مقبول وغير معقول، فإذا كانت هيئات سياسية تتوفر على موارد أخرى فإننا نعاني من هذا الأمر، وفي انتظار هذا المبلغ يوجد لديها عجز قدره 50 مليون سنتيم. ولكي أكون صريحا مع القراء والمناضلين، فإن الحزب باع حصته في شركة «سابريس» على غرار باقي المساهمين، وحصل على مبلغ مالي وضعه في بنك آخر لا أريد ذكر اسمه، وهو احتياطي ندخره لكي لا ننحصر في مقاربة تدبير الحزب يوما بعد يوم، بل من الضروري الاحتفاظ به حتى يقرر المناضلون كيفية تثمين هذا المبلغ، وخلاصة القول أن الوضع المالي للحزب بكل صراحة مزرٍ. - ألا تتخوف على مستقبل الحزب في ظل تراجع النضالية والمشاكل المالية والتراجع في المكانة الانتخابية؟ أولا، لم نتراجع انتخابياً، بل حافظنا على مواقعنا، ولا خوف على الحزب لأنه أداة لخدمة قيم وأفكار ومبادئ، ولن تموت هذه الأخيرة ما دامت لم تتحقق على أرض الواقع، وبالتالي من يحملها سيبقى حيا يرزق. بطبيعة الحال، عندما نتحدث عن مستقبل الحزب لن نكون دوغمائيين إن قلنا إن حزبنا سيستمر، ولكن ليس بالضرورة تحت الشكل والاسم نفسه، التقدم والاشتراكية، إن كنا نؤمن حقا بتوحيد صفوف اليسار سنعمل إلى جانب إخواننا في اليسار تحت اسم آخر. - هل صحيح أن حزب الاتحاد الاشتراكي عرض عليكم الاندماج في صفوفه؟ أبدا، لم يأت أي اقتراح من هذا القبيل، وسيكون مرفوضا في الظروف الحالية، وما نقول به هو أن تلتقي فصائل اليسار وأن تتكاشف فيما بينها، وحينها قد تصل إلى حل ما، وقد يتخذ شكل فيدرالية لأحزاب اليسار في مرحلة أولى، وربما يتطور الأمر إلى شكل آخر فيما بعد إن كتب له ذلك. على كل حال، لست متخوفا على مستقبل الحزب لأن نشأته مرتبطة بوجود أوضاع مجتمعية معينة، وهي لم تتغير لحد الساعة، وهو ما يبرر بقاء هذا الحزب. - تحدثت عن انتقاء فصائل اليسار، ولكن داخل التقدم والاشتراكية هناك معارضة لهذا الاختيار، والدليل على ذلك هو الرسالة التي بعث بها أعضاء من اللجنة المركزية إليك بخصوص تحالفكم مع جبهة القوى، ما ردك؟ أولا، لم أتوصل بأي رسالة بهذا الشأن، وعلى كل حال هو أمر طبيعي إن كنا نحترم الديمقراطية والاختلاف، ويجب ألا نستخف به ولا نضخم منه، وأظن أنه من الإيجاب أن يدق البعض نواقيس الخطر، سواء كان محقا أو غير محق، وعلى المسؤولين عن الحزب أخذها بعين الاعتبار. أخال أنه طرأت تغييرات حتى بالنسبة لجبهة القوى، فإن كان بعض قيادييها صرحوا بعد الانفصال عن حزبنا بأنهم لا ينتمون لليسار ولا يريدون الكتلة الديمقراطية، إلا أن الأمور تغيرت وهو شيء إيجابي، ثم إن القول بضرورة عودة من غادرنا إلى جبهة القوى سيكون من الأخطاء، لأننا سنقع بذلك فيما انتقد غيرنا من الأحزاب به، إذ إننا لا نقول بالهيمنة وعودة المرء إلى داره الأولى، فالأمر رهين برغبته الحرة، فإن شاء العودة فمرحبا به وإن لم يشأ فله ذلك، ويعمل آنذاك في إطار مشترك، وهو ما نعمل عليه حاليا مع حزب جبهة القوى، ومن دون شك أننا سنصل إلى شكل جديد معه، وهو ما أتمناه. - مثل ماذا؟ حزب جديد يضم الحزبين، وقد يتوسع ليضم أحزابا أخرى. - ولكن هذا القطب متوقف حاليا، إلى حين، ربما بسبب حديث عن التحاق الحزب العمالي بالاتحاد الاشتراكي لقد قلت ربما، حبذا لو يقع ذلك ما دمنا ندعو إلى توحيد صفوف اليسار. المؤتمر الثامن - لحد الآن لم تعلن رسميا أنك لن تترشح لنيل ولاية جديدة في المؤتمر المقبل، ما حقيقة الأمر؟ الحسم في هذا الموضوع سيتم خلال هذا الأسبوع، ولكن الرفاق في الديوان السياسي يعلمون أنني لن أترشح في المؤتمر المقبل، وذلك لعدة اعتبارات ذاتية وموضوعية، فمجتمعنا مجتمع شاب وليس من المعقول أن يدير هيئة سياسية تريد أن تكون معبرة عن طموحات الشباب شيخ أتم السبعين سنة، وبالتالي فلنترك المجال لرفاق أقل سنا داخل الحزب، لكن ليسوا أقل تقدما في التفكير والنضالية. وإن التخلي عن المسؤولية الأولى في الحزب لن يدفعنا إلى التخلي عن العمل الحزبي، لأن المناضل لا يتوقف عن ذلك إلا بالتحاقه بالرفيق الأعلى، وهناك العديد من الميادين التي يمكن أن أنشط فيها، كالعمل الثقافي والعمل الجمعوي، فأنا حاليا أترأس جمعية لتنمية الأرياف تعمل على فك العزلة عن بعض التجمعات البشرية في المناطق النائية، وسأبقى من دون شك عضوا في اللجنة المركزية. - وسيعهد إليكم كذلك بقيادة مجلس الرئاسة لا أعلم، فهذا المجلس مجرد فكرة من بين الأفكار التي ستعرض على المؤتمر، وقد يرفضها أو يقبلها، وبالتالي لا يمكنني أن أتكهن بأن أكون عضوا في هذا المجلس فبالأحرى أن أترأسه، وهو أمر سابق لأوانه. ومن بين المعطيات الذاتية التي تدفعني لعدم الترشح هو أن الجميع يعلم أن أحد أبنائي مصاب بمرض خطير يؤدي به إلى فقدان الوعي، وله ولدان صغيران، أحدهما يبلغ 4 سنوات والآخر سنة ونصف، وعلي التكفل بهما وربما ما لم أقم به إزاء أبنائي مباشرة يجب أن أؤديه إزاء أحفادي، ولن يكون بالي مرتاحا لتدبير شؤون حزب له موقع ومكانة واعدة وسيجابه أوضاعا متطورة جدا. - البعض يقول إن الحزب عرف مرحلة زعيم تاريخي هو علي يعته، وبعد وفاته جاء إسماعيل العلوي الذي يوصف برجل التوافقات، ولكن بعده سيدخل الحزب في المجهول في ظل الخلافات الحادة القائمة بين القيادات. الخلافات ليست حادة، والدليل هو وصولنا إلى توافق تام على الوثائق التي ستؤطر عمل الهيئة التي ستنبثق عن المؤتمر بعد موافقة هذا الأخير عليه طبعا، وستكون هي الإطار المتحكم في تدبير الشؤون السياسية والتنظيمية والبرنامجية للحزب، وبالتالي لا داعي للتخوف ولكن قد يقع أمر لا يمكننا التنبؤ به. - ألا تخافون من تكرار سيناريو المؤتمر الأخير لحزب الاتحاد الاشتراكي، حيث تفجرت خلافات أثناءه واضطر المؤتمرون إلى عقد دورة استدراكية للمؤتمر؟ أظن أن الجميع واع بضرورة صيانة وحدة الحزب والحفاظ عليه وعدم الزج به في مستنقع النزاعات الذاتية. - هل ستلجؤون إلى أسلوب التوافق في اختيار الأمين العام للحزب؟ سنحاول ذلك، ولكن هناك إمكانية اللجوء إلى صناديق الاقتراع، وآنذاك سيسعى الشخص الذي سيفوز إلى أي يكون ممثلا للجميع. - من هو الشخص المفضل لديك لتقلد هذه المسؤولية؟ ليس لدي شخص مفضل، لأنه من غير المعقول أن أدخل على الخط في هذه المسألة. - ما هي المواصفات التي يتعين توفرها في الأمين العام المقبل؟ أن يمتثل للبنود الموجودة في النصوص السياسية والتنظيمية للحزب، وأن يكون نشيطا أكثر مني، لأن نشاطي كان محدودا، وأن يكون أكثر ديمقراطية ويتخلص من التوافقات الدائمة، وأن ينتقل إلى الاحتكام إلى قرار المناضلين والمناضلات. - هناك حديث عن تنافس حاد بين سعيد السعدي ونبيل بنعبد الله؟ هذا ما يقال ولكن ليس بالضرورة أن يكون الأمر صحيحا. - إذن هناك أسماء أخرى؟ قد تظهر أسماء أخرى غير معروفة حاليا، ولكن سنحرص على عدم الخوض في نزاعات جانبية، لأنه عندما تكون الترشيحات كثيرة تظهر الأنانية، وهي عدو كل عمل جدي. - ما يؤاخذ عليك أنك لا تحسم في كثير من قضايا الحزب، ومنها، على سبيل المثال، عدم التزام عدد من القياديين في الحزب بحضور اجتماعات الديوان السياسي، ومع ذلك تسند إليهم مهام، كما هو الحال بالنسبة لمحمد كرين عضو الديوان السياسي؟ هذا لا يتعلق بما أسميتموه بمشكل الحسم لدى الأمين العام، لأنني ببساطة لست الشخص الذي وضعهم في مناصبهم، والغاضبون كان عليهم التوجه بمراسلة إلى اللجنة المركزية للحزب، وهذا بالمناسبة لم يحدث، لذلك فبالنسبة إلي هم ما يزالون أعضاء في الديوان السياسي، وهم قبل هذا وذاك مناضلون أكفاء لهم طاقة وتصور، فلماذا نحرم أنفسنا من خبراتهم؟ السيد كرين، مثلا، تربطنا به علاقات جيدة ونستشيره في كثير من المواضيع.. وبعلاقة مع قضية الحسم أقول وأؤكد أنه حينما تفرض الضرورة ذلك أتخذ موقفا حاسما، كما حدث في نهاية المؤتمر السادس حين أخذت المبادرة كعضو في الرئاسة، وحسمت الخلاف الذي قام وقتئذ. لا يجب الخلط بين الحسم والاستبداد، أنا لست شخصا ديكتاتوريا بطبيعتي وأنا لا يمكن أن أنفرد بأي قرار بالأغلبية أو بالإجماع، عملنا عمل جماعي وأشد ما أرفضه هو الاستبداد بالرأي بدعوى المنصب. - ربما لغة التوافق التي تتحدث بها وعدم دخولك في مواجهات مع عدد من قياديي الحزب هو ما يكرس التخوف الكبير لأعضاء التقدم والاشتراكية على وحدة حزبهم بعد نهاية فترتك على رأس الحزب؟ هذا التخوف لماذا، يجب أن تكون لدينا الشجاعة لمواجهة كل التحديات.. - لكن المتخوفين يؤكدون أن ترشيحك لولاية ثالثة ضروري، لأن الحزب مقبل على مرحلة يحتاج فيها إلى التوافق داخليا وفي علاقته مع الكتلة وغيرها.. أولا، أشكر الرفاق على مشاعرهم الطيبة تجاهي، إنما أعتقد أنه لا يتعين أن تعطى لشخصي هذه الخصال كلها، أنا مناضل على قدم المساواة مع المناضلين الآخرين، تتلمذت على يد أقطاب الحزب التاريخيين واستفدت من تجارب وخبرات جميع الرفاق. لكن يجب أن تكون لدينا الشجاعة لمجابهة التحديات ومواجهة نزعة «التشخيص» التي أعتبرها نزعة خطيرة تكرس «عبادة» الأشخاص. - لكن نزعة التشخيص هذه التي تعتبرها «خطأ» تكرست في حزبكم، على غرار أغلب الأحزاب الأخرى، حيث إن أعضاء التقدم والاشتراكية لم يعيشوا سوى مع الزعيم الراحل علي يعتة ثم أنت بعده، وذلك لأكثر من ستة عقود؟ (ضاحكا) إذن حان الوقت لتجاوز هذه القاعدة.. فنحن في مجتمع نسبة شبابه تعادل النصف تقريبا، فكيف يمكن للشيوخ أن يستمروا في قيادة أحزابهم المفترض أنها تتعامل وتؤطر الشباب؟. حبذا لو أمكننا أن نجد شابا يقدر على تحمل أعباء تدبير الحزب، مثلما فعل الراحل علي يعتة الذي تولى شؤون الحزب الشيوعي المغربي وعمره لم يتجاوز 25 سنة. أنا مقتنع شخصيا أنه لا بد من فتح المجال للشباب للعمل والإبداع والمشاركة داخل الهيئة السياسية التي ينتمي إليها، وهذا أمر مرتبط بسيرورة العمل داخل التنظيم ولا يفرض بقوة القانون. - كيف تعلق على عدم تضمن قوانين التقدم والاشتراكية لتحديد واضح لولاية الأمين العام للحزب؟ فعلا هذا نقص حاصل ويجب أن يناقش، لكنني أعتقد في هذه النقطة بالضبط أنه لا يجب أن نقع في فخ الميكانيكية، قد ينص القانون مثلا على تحديد رئاسة الحزب في ولاية أو ولايتين، لكنني لا أعتقد أنه يتعين الخضوع لهذه القيود في كل الحالات.. - لكن في الأنظمة الديمقراطية في العالم تحديد ولاية المسؤول أمر ضروري، ألا ترى أن الأمر سيكون نافعا لحزبكم؟ آليات ومفهوم الديمقراطية تختلف من بلد إلى آخر وهذا أمر يجب التنبيه إليه، لكنني أعتقد من ناحية المبدأ أن تحديد ولاية الأمين العام ستعود بالنفع على الحزب، لكن بشرط أن يكون التعامل معها تعاملا معقلنا.. - إذا ما طلب منك القيام بنقد ذاتي لتسيير الحزب خلال ولايتك على رأس الحزب، على ماذا ستركز بالضبط؟ إسماعيل العلوي، كشخص، الأكيد أنه أخطأ في الكثير من الحالات، لكن لا يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال بسرعة، بل يحتاج إلى فترة للتأمل والتدبر والجلوس أمام المرآة ومصارحة نفسه وضبط الأحداث والوقائع. الأخطاء موجودة وستبقى، لأنها ترتبط بإنسانية الإنسان ونسبيته، لكن أود التوضيح هنا بأن القرارات السياسية الكبرى التي يتخذها الحزب تكون جماعية وتتم باستشارة مع الديوان السياسي، بل وحتى اللجنة المركزية، ولا تكون نتيجة قرار فردي من جانبي، بل أكرر أن القرارات تتخذ بشكل جماعي، وبالتالي فالمسؤولية تكون جماعية. - في موضوع آخر، سبق لك أن دعوت إلى تعاقد جديد، لكن هل هذا يعني أن التعاقد السابق استنفد أهدافه؟ أولا، يجب أن أشير إلى أن مصطلح «التعاقد الاجتماعي» هو مصطلح يجب إعادة النظر في مفهومه، فهو مجرد ترجمة عربية للمصطلح الفرنسي « le contrat social »، الذي يتضمن شحنة أخرى غير تلك التي يحملها المصطلح العربي. الأمر لا يتعلق بعقد توقع عليه مختلف الأطراف الفاعلة، بل هو موضوع مطروح للنقاش على الجميع تقديم حلول لبعض المشاكل في مستويات مختلفة، تعاقد سياسي جديد، لأن التعاقد الضمني الذي كان ساري المفعول وإن كان لم يستنفذ إمكانياته أعتقد أنه آن الأوان لتجديده، والقاعدة الشرعية تقول «إن الله يبعث للأمة كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، يجب أن نعيد النظر في التجربة التي راكمناها خلال فترة محددة من الزمن والاستفادة منها لمواجهة التحديات الحالية، ومنها، مثلا، مراجعة الدستور والنصوص التنظيمية وتفعيل التصور الجديد للسلطة، تفعيل سياسة الديمقراطية المشاركاتية، بالإضافة إلى تعميق وتحصين الحريات العامة التي يجب الحرص عليها وتطويرها، هذا إلى جانب المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. تقدمنا بأفكار في هذا الجانب إلى جانب هيئات سياسية أخرى، ونحن نقدمها للرأي العام لمدارستها والنظر فيها. - لكن الجميع يتحدث عن جيل جديد للإصلاحات بالشكل الذي لا يجعل حزبكم متميزا في ذلك؟ يكفي أن نأخذ وثائق كل حزب ونضعها تحت مجهر البحث والدراسة ومعرفة ما يتميز به كل حزب عن الآخر.
لا يجب أن نصف كل من يطالب بالإصلاح الدستوري بأنه استغلالي - في هذا الباب أي نموذج تراه مناسبا لبلادنا؟ نرى مثلا أن الحصول على دستور يقر النظام البرلماني أمر مهم.. - هل تقصد الملكية البرلمانية؟ بالفعل، ونحن نؤكد أنه لا يمكن لنا بين عشية وضحاها أن نحقق هذا الأمر، لأن هناك مشاكل موجودة ترتبط أساسا بالنخب وميزان القوى.. لكن، نحن نرى أن كافة الهيئات السياسية تسير وترغب أن تسير في هذا الاتجاه، وهذا أمر إيجابي. - لكن ما الذي يمنع من تحقيق هذا التصور وترجمة رغبة الأحزاب على أرض الواقع؟ أعتقد أن المشكل الأكبر مرتبط بموازين القوى، يجب على الذين يؤمنون بهذا التصور أن يكونوا أقوياء أكثر مما هم عليه اليوم، لكن أود التذكير بأنه لا يجب أن نكون خاضعين لمنطق النظر والوصول إلى تحقيق فكرة ما من زاوية واحدة، بل يجب علينا تنويع أفكارنا وأدوات اشتغالنا لتحقيق ما نصبو إليه. الجهوية الموسعة، مثلا، هي عنصر مهم في هذه المعادلة، ونحن نعتقد أنه من الفعالية لدرجة أنه يساعد على تحقيق هذا التصور، صحيح أنه ليس الباب الوحيد لكنه رهان مهم يجب أن نكسبه. ويجب أن ننبه إلى أن الرغبة في تحقيق هذا الهدف لا تعني أبدا أن المراد منه الإساءة إلى أي طرف من الأطراف، يجب أن نتجاوز هذا الشعور الخاطئ. - تقدم الاتحاد الاشتراكي، حليفكم في الكتلة، عشية الانتخابات الجماعية بمذكرة للإصلاح الدستوري؟ (مقاطعا) لا علم لنا بها ولا بمضمونها.. - هم قالوا إن عدم تقديم المذكرة بشكل مشترك مع الكتلة جاء بسبب عدم توافق حول التوقيت ليس إلا؟ بالفعل حزب الاستقلال هو من طرح مشكل التوقيت، لكن فيما يخصنا نحن ليس لدينا أي علم بالمذكرة أو مضمونها. - البعض يتحدث عن وجود من يستغل الإصلاحات الدستورية في إطار لعبة المصالح داخل النسق السياسي، ما تعليقك؟ أولا، أنا بطبعي أكره مصطلح «الاستغلال» وكل مشتقاته، وبالتالي إذا كان هناك استغلال من النوع الذي طرحته في سؤالك فأنا ضده، لكن لا يمكن أن نحكم بهذه السرعة ونصف كل من يطالب بإصلاحات دستورية بأنه «مستغل»، الموضوع مطروح على الساحة السياسية ومن حق الجميع الإدلاء بدلوهم بشأنه.. - بعيدا عن مصطلح «الاستغلال» لنقل إن الأمر يتعلق ب «توظيف سياسي»؟ إذن وكما يقول الفرنسيون «c'est une bonne guerre»، ولكن أكرر لا يجب أن نطلق الأحكام المجردة ضد أي كان. - لكن في عام 1992 قدمتم مذكرة مشتركة للإصلاح الدستوري، وتقديم مذكرة بشكل انفرادي الآن لا يعني إلا أن هناك مصلحة خاصة يرى البعض تحقيقها لنفسه ولحزبه؟ هذا يمكن أن يحدث، وحسب ما قاله إخواننا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فتقديم المذكرة جاء تنفيذا لقرار اتخذه المؤتمر الوطني للحزب ليس إلا. ما نؤاخذ عليه إخواننا في الاتحاد الاشتراكي هو، أولا، اتخاذهم الخطوة بشكل انفرادي، وثانيا، على الرغم من لقاءاتنا معهم والعلاقات الحميمة التي تجمعنا وإياهم إلا أننا لم نطلع على مضمون المذكرة إلى حدود الساعة، وإن كنت أعتقد أنه لن يكون بعيدا كل البعد عن المشروع الذي صيغ في إطار الكتلة وحدث حوله نقاش في ما يخص الصياغة، لكن لم يكن هناك رفض بات لكل مضامينه. - ارتباطا بموضوع التعديل الدستوري والملكية البرلمانية، سبق لك أن صرحت برفضك التام أن يمس التعديل الفصل 19 من الدستور، الذي يثير جدلا كبيرا، هل تغير موقفك الآن؟ نعم هذا قلته وما أزال متشبثا به، المادة 19 مهمة ويجب أن تستمر في الدستور حتى في حال تعديله، فهي تنص على أمر نراه أساسيا للمرحلة التي تمر منها بلادنا والتي تتميز بوجود تخلف وتشنج وجمود فكري، وكون الملك هو أمير المؤمنين فهو بهذه الصفة أمر يساعد على تطوير العقليات. وتجسد ذلك في مدونة الأسرة التي قامت القيامة حولها وبدونا وكأننا في حرب أهلية مفتعلة، وجاء التدخل الملكي ليفصل في الأمر، نحن بحاجة إلى مظلة الفصل 19 للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها. النقاش يجب أن يظل مفتوحا وبموضوعية عنها، بل أكثر من ذلك يجب أن نرحب بكل من يرفع شعار إعادة النظر بموضوعية في مثل هذه القضايا، فهذا أمر حيوي وضروري، لكن أكرر أن ظروفنا العامة لا ترقى ولا تسمح بأن نفكر في ذلك