لاتقدم لنا رياضتنا الوطنية دائما، غير البؤس الاجتماعي للرياضيين فحسب، إنها تضع أمامنا أيضا صورا نعتز بها لرياضيين نجحوا في الإرتقاء بأوضاعهم الاجتماعية للأفضل والأحسن.. رياضيون ناجحون تحولوا من مجرد أرقام في كشوفات فقراء هذا البلد، إلى أسماء تتمتع بأفضل ظروف العيش، بل في العديد من الحالات، لمحسوبين على قائمة أثرياء المجتمع ونخبته الغنية.. دائما، حين يطرح السؤال حول أثرياء رياضتنا الوطنية، تفرض المقارنة مع الخارج نفسها بقوة.. ميسي برشلونة يتقاضى مثلا أكثر من40 مليون أورو سنويا (أي أكثر من 42 مليار سنتيم)، فكم من لاعب مغربي نجح في تجاوز عتبة مليار سنتيم في رصيده البنكي؟ للأسف، تغيب الإحصائيات التفصيلية، ويغيب الجرد الحقيقي لعدد أثرياء رياضيينا، كما يغيب التحديد الواضح للائحة المتقاعدين والمعتزلين الرياضيين الذين نجحوا في تجاوز عتبة الفقر وضنك العيش، وعاشوا ما بعد اعتزالهم في وضع اجتماعي مريح، وأكثر من مريح لدى عدد كبير منهم. كيف انطلقوا في مسارهم الرياضي؟ وكيف تحولت أحوالهم وتغيرت أوضاع معيشتهم؟ كثير منهم ولجوا الميدان الرياضي وهم يعانون ضيق الحال، دون رصيد بنكي، وبوضع اجتماعي جد محدود، ليغادروه وهم «لاباس عليهم»، بعدة امتيازات وبرصيد مالي مهم، وبعضهم بمأذونيات للنقل «كريمات»، وببرستيج اجتماعي جديد.. في السلسلة التالية، رصد لبعض المسارات، مع الإشارة إلى رفض عدد كبير من رياضيينا الكشف عن تفاصيل وأرقام أرصدتهم المالية!! ولد محسن عبد الله الملقب ب « اسبانيا « سنة 1945 بمدينة الجديدة من والديه المرحوم بوبكر و المرحومة منى ، التحق سنة 1952 بالمدرسة الابتدائية التهذيب حيث حصل على الشهادة الابتدائية بها سنة 1958 ليستمر في دراسته بالسلك الإعدادي و الثانوي. تمكن من الحصول على شهادة الباكالوريا علوم سنة 1965 بثانوية ابن خلدون ، انخرط في فريق الريكبي بالجديدة كما انضم إلى فريق ثانوية ابن خلدون لكرة القد م، واستمر كذلك إلى أن تم اكتشافه سنة 1962 من طرف مدرب الدفاع الحسني الجديدي السيد « ريزو هيكتور « حيث أعجب بطريقة لعبه في مباراة جمعت بين فريق ثانوية ابن خلدون و فريق ثانوية بوشعيب الدكالي في إطار اقصائيات الألعاب المدرسية . التحق بنادي الدفاع الجديدي في نفس السنة و صار يلعب في صفوف شبابه ، وتشجيعا له تم إهداءه دراجة من نوع ( سوليكس ) حتى يتمكن من المواظبة على الحضور للتدريب، و قد كانت فرحته بتلك الدراجة لا تتصور ، لم يتأخر محسن في الالتحاق بالفريق الرسمي بحيث كانت أول مشاركة له مع فريق الكبار سنة 1963، في مباراة جمعت بين فريق الدفاع الجديدي الذي كان يلعب آنذاك بالقسم الوطني الثاني، بفريق مولودية مراكش ، وكان أن انهزم فيها الفريق الدكالي بحصة ( 3 أهداف مقابل هدفين ). و استمر في حمل الرقم 2 ضمن صفوف فريق الدفاع الحسني الجديدي الذي حقق معه الصعود للقسم الوطني الأول سنة 1965 ، ونظرا لكون أبيه من حملة القرآن فقد كان يسهر على تربيته و مرافقته إلى المسيد قصد تعلم الأجرمية و ألفية ابن مالك ... حصوله على شهادة الباكالوريا ساعده في الحصول على وظيفة بإحدى المؤسسات العمومية ، تحمل مسؤولية تدريب مجوعة من الفرق الرياضية ( أولمبيك بوجنيبة ، فريق تازة ، رجاء بني ملال ، فتح سيدي بنور ، هذا الأخير حقق معه الصعود رفقة عبد السلام السليماني رئيس الفريق إلى القسم الوطني الثاني سنة 1993 . ظل حبه للمجال الرياضي متواصلا ، إذ لم تثنيه حياته الزوجية أو المسؤوليات الأخرى التي كان يتحملها داخل الأسرة أو خارجها من التفكير في المساهمة في تطوير لعبة كرة القدم، و جعلها تحظى بالمكانة اللائقة بها بين باقي المجالات ، تفكيره هذا قاده بالرغم من الضيق المالي إلى إنشاء ملعب معشوشب يكون بمثابة نادي يتم داخله تكوين الصغار في مجال كرة القدم ، بحيث تأتى له ذلك سنة 2000 بعدما عاش مشاكل متعددة تعلقت بالتجهيزات و الموارد المالية ، غير أنه اليوم، حقق حلمه و صار مشروعه يضرب به المثل ليس فقط داخل دكالة بل وخارجها، و اكتسب شهرة بين الفرق الوطنية ، بحيث أصبح المشروع ناجحا بكل المقاييس و التداريب تمارس على أرضيته يوميا الأمر الذي يساهم في تكوين لاعبين بمميزات و تقنيات عالية . استقر محسن عبد الله الملقب ب» اسبانيا « رفقة عائلته بمدينة سيدي بنور حتى يبقى بالقرب من مسقط رأس أبيه « منطقة بني هلال »، حصل على المغادرة الطوعية و تفرغ للمجال الرياضي الذي خاض فيه معترك الحياة لاعبا و مدربا و مكونا ، يمتلك مسكنا و سيارة تقله رفقة أسرته و الأحباب أينما شاء، بينما تظل الدراجة الهوائية « سوليكس » عالقة على الدوام بذهنه ، يعمل في صمت لأجل تطوير مشروعه و ذلك ببناء جناح الداخلية بالملعب الأمر الذي يزيد في الاهتمام أكثر بصحة المنخرطين و يعطي كذلك دفعة قوية لمداخيل النادي المالية ، فمزيدا من التألق لمحسن و مزيدا من النجاح في مشروعه الرياضي .. وهنيئا له بنجاحه في تحسين وضعه الاجتماعي والارتقاء به للأفضل بفضل الرياضة وكرة القدم.