« أمريكا اللاتينية هي قارة الحلم والحمق «، كما يقول أوكتافيو باث، وقد يكون ذلك ما ألهم كتابها الذين سحروا قراء العالم بعجائبية متميزة بوأتهم مصاف كبار كتاب العالم. الأمر الذي دفع فرانسوا بروش إلى إعداد قاموس خاص بكتاب أمريكا اللاتينية كما تنظر إليهم باريس، وقد نشرته مجلة قدماء تلاميذ المدرسة الوطنية للإدارة بفرنسا، في عدد خاص صدر شهر دجنبر 2003؛ وهو القاموس الذي نقترح ترجمته على القراء. الحدث الثاني الذي ميز سنة 1968، هو الازدهار المفاجئ لأدب أمريكا اللاتينية الذي حمس إسبانيا في البداية، ليمتد بعد ذلك إلى مجموع البلاد الأوربية طيلة السبعينيات. سنة 1967، انجذب الجمهور الناطق للإسبانية ( 300 مليون قارئ محتمل) بقوة حين ظهرت رواية « مائة عام من العزلة» للكولومبي غابرييل كارسيا ماركيز: خلال السنة نفسها، حصل الكواتيمالي ميغيل أنجل أسترياس، مؤلف» السيد الرئيس» و « البابا الأخضر»، على جائزة نوبل. فبينما كانت « القارة العجوز» تنهار في كل الاتجاهات تقريبا، على ضفتي الأطلسي معا، والإمبراطورية السوفياتية تتهافت، كان الجمهور الواسع يكتشف بأن القارة الصغيرة، أمريكا اللاتينية، قد أنتجت بعض النوابغ الذين تستحق كتبهم ما هو أكثر من الأبحاث النقدية في المجلات الأدبية. فعلى هدى غارسيا ماركيز، ظهر كل من الأرجنتيني خوليو كورثزار، المكسيكي كارلوس فوينتس، البيروفياني ماريو فاركاس لييوزا. ولم يكن هؤلاء القادمون الجدد يحجبون « الآباء» الذين كان الكل يتعجل لإعادة اكتشافهم: بورخيس، أسترياس، كاربونتيي، نيرودا. أليخو كاربونتيي ( 1904/ 1980) كتب أحد النقاد بخصوصه:» كان يشعر أنه كوبي في العمق، إلا أنه يفضل العيش دائما في أماكن أخرى». يبدو أن هذا الإقرار ينطبق على جميع كتاب أمريكا اللاتينية ، الذين ثبتوا كلهم عملهم في جذور وطنية، سياسية وإنسانية وجغرافية دون أن يتخلوا أبدا عن رغبة الانقطاع عنها. من هنا مصدر التناقض، صعوبة العيش، طبقة المرارة، الحنين والهزء الذي يغذي إلهامهم. ومن هنا أيضا الحاجة الحيوية للارتباط بقيم يتعذر مسها: الموسيقى بالنسبة لكاربونتيي (ناقد موسيقي من الدرجة الأولى، شارك إدغار بارس في تلحين أوبيرا والعديد من رواياته مفعمة بالموسيقى: « الحفل الباروكي»، «القيثارة والظل»، «الرقصة المقدسة»). بالنسبة له - وكما هوالشأن بالنسبة لجل كتاب أمريكا اللاتينية - كان الالتزام الثوري وإدانة الديكتاتور في تلك القارة، كما تطرق لذلك في « سبيل المنهجية « مثلا: « يستجيب، بشكل من الأشكال، لضرورة تاريخية»، كما أوضح لعالم الاجتماع البيروفي إدغار مونتييل ( نوفيل أبسرفاتور،19 ماي 1980). كان من الأنصار المتعاونين مع فيديل كاسترو(شغل لفترة طويلة منصب مستشار ثقافي في سفارة كوبا بباريس)، وقد اختار أن لا يحفظ من ديكتاتورية كاسترو المرعبة سوى تيمات البداية: إدانة الاضطهاد الاجتماعي والسياسي والثقافي، تمجيد» الأهلية « والتقاليد الزنجية - الكوبية، الرجوع إلى الأصول، باسم نظرية « الواقع الرائع» التي بناها والتي روتها أحسن أعماله «توزيع المياه» ( 1953). إن الرجوع إلى الزمن الماضي، كما يرجع بطل» توزيع المياه» إلى الوراء في نهر الأورينوك (نهر يعبر فينزويلا وكولومبيا / م)، لاكتشاف الجذور والأصول، يقود الكاتب منطقيا إلى تفضيل الرواية التاريخية. لم ينج كاربونتيي من ذلك ( « مملكة هذا العالم»، 1948؛»حرب الزمن» 1958؛» عصر الأنوار»، 1962. إلا أن التاريخ لا يُحول أبدا عن الحاضر:» أحيانا يكون الإنسان هو نفسه في حقب مختلفة، ووضعه في ماضيه قد يكون أيضا وضعه في حاضره»، كما كان يقول. إن امتلاك الموهبة الضرورية، « الواقع الرائع»، يساعد على رواية غير المحتمل بين سيد مكسيكي كبير وأنطونيو فيفالدي في بندقية زاهية ( حفل باروكي) حيث محن ديكتاتور ساقط في باريس الأيام الجميلة (سبيل المنهجية).