ضربة جديدة للنظام الجزائري.. جمهورية بنما تعمق عزلة البوليساريو    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    السجن المحلي بالقنيطرة ينفي تدوينات يدعي أصحابها انتشار الحشرات في صفوف السجناء    وهبي يشارك في انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب    كأس إفريقيا للسيدات... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة الكونغو والسنغال وزامبيا    الصحف الصينية تصف زيارة الرئيس الصيني للمغرب بالمحطة التاريخية    نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة    التعادل يحسم ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    يوم دراسي حول تدبير مياه السقي وأفاق تطوير الإنتاج الحيواني    MP INDUSTRY تدشن مصنعا بطنجة    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    أمريكا تجدد الدعم للحكم الذاتي بالصحراء    بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مظاهرات 20 فبراير و ما تلاها: تعزيز لمطالب الأحزاب الديمقراطية الأصيلة بالمغرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 07 - 2011

يروم هذا المقال الذي يقترح ننشره في حلقات تحقيق خمسة أمور، أولا: التحذير من معارضة مطالب حركة 20 فبراير، بل وحتى من التشكيك في نوايا أصحابها. ثانيا: ركوبها لقضاء مآرب ذاتية، أو لتشويه أو تحريف أهدافها. ثالثا: تجنب استغلالها لطمس كفاح الحركة الوطنية التحريرية في عهد الحماية ونضالات الأحزاب الأصلية في عهد الاستقلال من أجل ترسيخ الفكر الديمقراطي وبناء نظام في الحكم أساسية ملكية دستورية. رابعا: تجنب استغلال هذه المظاهرات ومكوناتها للمس أو تشويه دور الأحزاب الديمقراطية واتهامها بالسلبية وبأنها متجاوزة. خامسا: وجوانب أخرى يترك للقارئ أمر استخلاصها.
وإذا كانت فرنسا قد أنشأت مجالس «تمثيلية» في المغرب، فذلك من باب إخماد ما كان يتنامى من شعور بالتهميش و الإقصاء في نفوس أوساط التجار و الحرفيين و الأعيان و العلماء، وغضبهم من جراء التدابير الجائرة في ترتيب الضرائب والجبايات والاستيلاء على الأراضي والعقارات جورا وتعسفا.
وقد أنشئت مجالس «تمثيلية» محلية ولكنها ألغيت كما سبق ذكره ثم أنشئ ما سمي آنذاك «مجلس شورى» الحكومة بقرار مقيمي في 18 مارس 1919 الذي ظل يستند في وجوده على هذا القرار إلى ما بعد نفي المغفور له محمد الخامس 20/08/1953 كان هذا المجلس «يمثل لدى الحكومة مصالح السكان يهتم بدراسة الشؤون المالية والاقتصادية والاجتماعية...لم يكن هذا المجلس موحدا فهو قسمان أحدهما للفرنسيين و الأخر للمغاربة، و قد يجتمعان في جلسة واحدة كما قد يجتمع كل منهما في جلسة خاصة .. تحت رئاسة المقيم العام بحضور الصدر الأعظم، ولكن في مجلس المغاربة فقط ، ولم يكن له حق التحدث أو الرد على المؤاخذات أو الاقتراحات، كان كل قسم من هذا المجلس إما يمثل مصالح فلاحية ... أو مصالح تجارية صناعية أو مصالح فئات أخرى من عموم السكان و رأيه استشاري فقط و إن كان يبديه في المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و ليس في المشاكل الإدارية، هذا بالنسبة للمستشارين المغاربة، أما زملاؤهم الفرنسيون «كان لهم حقهم في الدفاع عن مصالح الجالية الفرنسية و توجيه الحكم لضمان مصلحتها... وبالإضافة إلى هذا التسيير كانت سلطات الحماية تتضايق من مواقف بعض المستشارين المغاربة الذين يبدون عدم رضاهم عن سياسة الإدارة الفرنسية و كثيرا ما تم طردهم من لدن رئيس المجلس الذي هو المقيم العام نفسه كما حدث في دورة دجنبر 1950 (غلاب المرجع نفسه ص 140 و141) باستحضار ما كتب عن سياسة فرنسا في المغرب نخلص إلى أن عهد الحماية لم يعرف أي نظام ديموقراطي ولا أي حق من الحقوق لا شكلا و لا مضمونا بالنسبة للمغاربة، فقد قام النظام الاستعماري في المغرب على نوعين من التشريعات، أحدهما خاص بالجالية الفرنسية وقد خصهم بكل ما يتمتع به الفرنسيون في بلادهم من حقوق و حريات و انتماءات وضمانات قانونية...
أما الثاني فخاص بالأهالي كان يحرمهم من كل شيء (المرجع نفسه ص 142)، هذا عن غياب التطبيق الديموقراطي في عهد الحماية أو الاستعمار على الأصح، وهذا المنتظر فالديمقراطية والنظام الاستعماري نقيضان لا يجتمعان كما يقال ...فماذا عن المطالبة بها من المغاربة في هذا العهد؟
دستور الثورة الريفية
إذا كانت طبيعة المرحلة الأولى من احتلال المغرب لم تسمح بالتفكير في مسألة الديمقراطية أو المطالبة بتطبيقها، فإنها ما لبثت أي المسألة «الدستورية» أن عادت هذه المرة للتطبيق و ذلك بفضل الثورة الريفية التي فكر قادتها وعلى رأسهم الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في تنظيم شؤون الحكم في المنطقة التي حرروها . حيث أجتمع ممثلو القبائل وأهل الرأي و اتفقوا على إيجاد نظام تأسيسي تسير عليه حكومة الثورة و سموه «الجمعية الوطنية» التي مثلت فيه الأطراف المكونة للثورة. و كان أول قرار اتخذته هذه الجمعية هو إعلان الاستقلال و تأسيس حكومة دستورية، ووضع دستور مبدؤه سلطة الشعب (غلاب نفس المرجع ص 144).
وبصرف النظر عما أثاره دستور الثورة الريفية من نقاش و أراء فالذي يعنينا هو أن فكرة الدستور لم تغب عن المغاربة بل و أن من الحركات التحريرية من حولها من مجرد فكرة إلى حيز التطبيق كالثورة الريفية..
وعلى العموم فإن الشعب المغربي لم يستسلم لأمر الواقع بل قاوم الغزو و رفض المعاهدة وظل منذ فرض الحماية عليه يقاوم بالسلاح و يواجه سياسة المستعمر بشتى أنواع الاحتجاج والمطالبة تارة بعفوية و طورا في إطار تنظيمات حرفية و طلابية وشبابية استفادت النخب المغربية من اطلاعها مما يجري خارج المغرب عبر سفريات وأعمال تجارية وبعثات طلابية مكنت أصحابها من الإطلاع على ما كانت تزخر به الدنيا من تقدم ليس في المجالات الصناعية و الاقتصادية و حسب، بل و في حقل المعرفة و الفكر و السياسة أيضا فتكونت لديهم قناعة بأن لا حرية ولا ديموقراطية إلا باسترجاع المغرب لاستقلاله و سيادته، وهذا أمر غير ممكن إلا بمواجهة الوجود الاستعماري بكيفية منظمة، فأنشئت جمعيات متعددة المجالات، و منها انبعثت الطلائع الأولى للحركة الوطنية الإصلاحية، ابتداء من 1934 والمطالبة بالاستقلال والديمقراطية انطلاقا من 11 يناير 1944 وما إن استرجع المغرب استقلاله حتى كانت الفكرة الديمقراطية قد نضجت وتم الاتفاق عليها ملكا وأحزابا ولم يبقى إلا إدخالها حيز التنفيذ.
كان المناخ السياسي في السنوات الأولى لاستقلال المغرب ملائما موضوعيا وذاتيا لاعتماد نظام ملكي دستوري ديمقراطي دون أن يشعر طرف من الأطراف الوطنية - القصر - الأحزاب - مكونات المجتمع المدني بانتزاع اختصاص أو نقص من صلاحيات أو ضياع امتياز، فالكل ساهم في معركة التحرير وطالب بالاستقلال وإقامة نظام ديموقراطي دستوري. والكل كان مدركا إن هذا النظام سيقوم على أسس جديدة حديثة على أنقاض نظامين احدهما مخزني تقليدي فردي أفضى إلى وضع متخلف فقد بسببه كل ما كان يتميز به من قيم حضارية واستقرار ونفوذ، وآخر نظام استعماري كان السبب في توقف المبادرات الأولى للمطالبة بوضع دستور للمملكة، وتحول الحكم من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة... علاوة على قرابة نصف قرن من الاستغلال ونهب الثروات وطمس الهوية.
ومع ذلك لم يعرف المغرب أي تجربة انتخابية تتيح لمواطنيه اختيار ممثليهم لتدبير شؤونهم ولو على الصعيد المحلي إلا بعد سنوات من استرجاعه لاستقلاله.
كانت انتخابات 29 ماي 1960 أول تجربة أتيحت فيها الفرصة للشعب المغربي كي يختار ممثليه في المجالس البلدية و القروية، وقد أبانت نتائجها عن قوة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في كثير من المناطق، ولاسيما المدن الكبرى كالرباط و البيضاء و أكادير وطنجة والقنيطرة رغم تدخل الإدارة واستعمال نفوذها لمصالح الأحزاب و المرشحين الموالين لها، علاوة على أن كثيرا من المناطق لم يتمكن الإتحاد من تواجده بها لحداثته من جهة، و لعراقيل و صعوبات لا أحد من جيل تلك المرحلة يجهلها من جهة أخرى، و كذلك الأمر فيما يرجع لنتائج انتخابات الغرف التجارية و الصناعية التي جرت فيها و قد أفضى تقييم هذه الانتخابات و نتائجها من لدن أجهزة وزارة الداخلية إلى خلاصة مفادها أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إذا لم يواجه بما يحد من تحركه ونشاطه، فإنه سيزداد قوة وانتشارا.
المسألة الدستورية
في عهد الملك الحسن الثاني
بدأت المؤامرات ضد الاتحاد قبيل رحيل الملك محمد الخامس وازدادت بعد تولي الحسن الثاني خلفا له في ثاني مارس 1961 وقد تمثلت في اعتقالات طالت بعض المقاومين المنتمين إليه، وعزل كثير من أطر الدولة المحسوبة عليه، وإغراء أشخاص على الانسحاب منه أو على الأقل تجميد نشاطهم، ومحاولة إضعافه من داخله بالمس بوحدة المنظمات الحليفة له كالاتحاد المغرب بالمغرب (بإنشاء الاتحاد العام للشغالين) والاتحاد الوطني لطلبة المغرب ( بتأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب) والجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEG بجمعية التربية والتخييم وما إلى ذلك من أساليب ومكائد عملت الأحداث على كشف الكثير منها: كل ذلك كان يهدف إلى إضعافه أولا و ثانيا لحسر إشعاعه الفكري والسياسي والحيلولة دون انتشار الفكرة الديمقراطية، ومن تم الحيلولة دون استيعاب الشعب المغربي لمفهوم الدستور, خاصة وأن الملك الحسن الثاني كان قد التزم بإنجاز ما وعد به والده بشأن وضع دستور للبلاد قبل متم دجنبر1962.
تصاعد التوتر
بين الاتحاد الوطني والنظام
وللتوضيح أكثر يشار ولو بإيجاز إلى أن الفترة الممتدة ما بين تولى الملك الحسن الثاني وإجراء الاستفتاء على الدستور الأول عرفت اتساع شقة الخلاف بين القصر الملكي والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، تجلى في المواقف التي كان الحزب يتخذها من سياسات الحكومة والبيانات الصادرة عن اجتماعات أجهزته الوطنية أو المحلية، هذه البيانات التي كانت حمولتها قاسية لفظا و مضمونا منها على سبيل المثال نعت النظام بالإقطاعي، والفردي والمطلق كما سيتبين في الفقرات التالية.
منذ تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتاريخ 6 ديسمبر 1959 وهو لا يني عن المطالبة بتطبيق الديمقراطية ، ففي أول مجلس وطني انعقد يوم 6 دجنبر 1959 طرح حق المواطنين المحكومين في مراقبة الحاكمين، وطالب بضرورة مسؤولية الحكام أمام الرأي العام المغربي، و في المجلس الوطني الثاني 4 أبريل 1960 طالب بقيام الدولة على أجهزة محددة الاختصاصات متمتعة بضمانات دستورية تترجم الإرادة الحقيقية للجماهير وبانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور ديموقراطي متحرر للبلاد، يعتبر الشعب مصدر السلطات، وهو ما اعتبر تحديا للنظام لأنه لأول مرة في تاريخ المغرب يوضع فيها مشكل الدستور وضعا جديا, حيث كان هذا المجلس قد طالب أن يكون الإصلاح جذريا ثوريا يطال كل التنظيمات القديمة، لينتقل المغرب من عهد إقطاعي فوضوي مدعوم بالرواسب الاستعمارية إلى عهد الديمقراطية الوطنية عهد تصبح فيه الكلمة للشعب و للشعب وحده، و بعد وفاة الملك مباشرة عقدت اللجنة الإدارية للاتحاد اجتماعا لدراسة الوضع بعد تولى الملك الحسن الثاني وذلك بحضور ممثلين عن سائر الأقاليم لبحث الموضوع وتحديد الموقف بدقة وصراحة بشأن تكوين «جبهة موحدة و قد تمخض هذا الاجتماع عن إصدار بلاغ تضمن شروطا للمشاركة في تأسيس أي جبهة أو اتفاقية مع أحزاب أخرى 1_ تحديد تاريخ للانتخابات عامة من أجل تأسيس مجلس تأسيسي لوضع دستور ديموقراطي للبلاد يضمن الحريات العامة و يعطي مدلولا لنظام فصل السلطات 2_ وضع حد لنظام الحكم الملكي المطلق بتشكيل حكومة ائتلافية مؤقتة تكون مهمتها السهر على إجراء انتخابات بكيفية حرة، ويجب أن تتمتع هذه الحكومة بالسلطات اللازمة التي تجعلها قادرة على تحمل مسؤولياتها أمام الرأي العام وأمام رئيس الدولة، ومن أجل ذلك يجب أن يصدر ظهير فيه تحديد لسلطة الحكومة و مهامها في انتظار اجتماع مجلس تأسيسي.
لم تقبل هذه الشروط من طرف حزب الاستقلال، مكتفيا بأنه ينوي إقناع الملك بقبول مطلب الدستور، وقبل المشاركة في الحكومة التي أجري في ظلها الاستفتاء على الدستور في 7 دجنبر 1962 كما هو معروف، وهكذا بقي الاتحاد متشبثا بموقفه الشجاع الذي أكده في اجتماع مجلسه الوطني الذي انعقد خلال شهر يونيو 1961 ولكن بلهجة أكثر حدة، وأكثر ثورية، و جاء في بلاغ هذا المجلس 1_ إن الحكم الملكي المطلق عازم على الاعتماد على الأقلية الإقطاعية التي كانت حليفة الاستعمار، يوم كان الشعب يطالب و يضحي بدمائه من أجل رجوع محمد الخامس إلى المغرب، وإنه يسعى بوسائل الدولة و أموال الشعب في تركيز شرذمة من البورجوازية الانتفاعية التي تأمل أن تصبح مشاركة للرأسمال الأجنبي بالمغرب 2_ إن الحكم الملكي المطلق جعل من رئيس الدولة رئيسا لكتلة حكومية تحوي هيئات سياسية مصطنعة و متنافرة متخالفة، لا يجمع بينها إلا الخوف من الشعب و التنكر لرغبته في ممارسة السيادة ومراقبة الحاكمين. 3_ وأمام هذا الوضع (....) وأمام سيطرة الحكم المطلق و اتجاهه المنافي لرغبات الشعب 4- إن الطريق الذي يجب سلوكها لإخراج المغرب من الوضع هي النضال من أجل استرجاع السلطة إلى الشعب.....
وستزداد حدة الصراع بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والنظام بعد المؤتمر الوطني الثاني الذي انعقد (أيام 25-26-27 ماي 1962) الذي تميز برئاسة شيخ الإسلام العلامة مولاي العربي العلوي. وبتقريرين أحدهما مذهبي و الثاني تنظيمي، والذي يهمنا في هذا السياق أن التقرير الأول الذي ألقاه عبد الله إبراهيم قد أعلن بوضوح عن الانتماء المغاربي والعربي وعن نزعته الاشتراكية والثورية، ونهجه الديموقراطي المعادي للإقطاع و الرجعية و الاستبداد و الحكم الفردي المطلق كما لم يخف اصطفافه إلى قوى التغيير الجدري و لاسيما في البلاد العربية والإفريقية. فإذا كان هذا التقرير ذا حمولة مذهبية لم تخف خلفياتها و أبعادها وأهدافها، بالتالي مناقضتها للنظام القائم، فإن التقرير التنظيمي الذي قدمه عبد الرحيم بوعبيد خلص إلى إبراز الظاهرة الكبرى للوضع الذي كان يعيشه المغرب إبان انعقاد المؤتمر الثاني فقال « إننا في مرحلة توضحت فيه المعركة، وزال اللبس و الخلط، فمن جانب نرى الطبقة الإقطاعية و عناصر البورجوازية الانتفاعية تسيطر على الحكم، وتحاول تسخيره لمصالحها الخاصة و استعماله لإيقاف التيار الشعبي، وفي جانب أخر، القوات الاجتماعية التي تجمع طبقة العمال والفلاحين و التجار والحرفيين في الصناعة التقليدية، فلقد اتسع الوعي القومي وشعرت هذه الجماهير بوحدة أهدافها ومصالحها وبالتناقض بينها و بين الإقطاع والرجعية التي تأمل مساندة الاستعمار لها لتتغلب على التيار الشعبي، وعندما يطالب الاتحاد بإعطاء الكلمة للشعب و وضع حد للحكم المطلق وانتخاب مجلس تأسيسي، فإننا لا نقصد من هذا المطلب غاية في حد ذاتها، نريد الدستور، و نريد أن تكون الكلمة الأولى و الأخيرة لمثلي الشعب ليستطيع أن يسهر على مصالحه و يقرر مصير الأمة واتجاهها لحل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، هذا و أن المؤسسات التمثيلية الصحيحة التي تعتمد على إدارة جماهير هي التي تستطيع إصلاح أجهزة الدولة و مراقبتها مراقبة صارمة، حتى تكون كفيلة بالقيام بالإصلاح الفلاحي الجذري، وسياسة التصنيع ، وتأميم أجهزة الإنتاج الأساسية، وتنظيم التعبئة العامة الشعبية ، وتطبيق سياسة الحياد و إنشاء المغرب العربي الموحد .. وإذا كان التقريران في حاجة إلى توضيح فإن البيان الختامي للمؤتمر و ما نشر في جريدة التحرير، من تعليقات على أشغال المؤتمر وخاصة الكلمة التي ألقاها شيخ الإسلام مولاي العربي العلوي و التي من بينها عبارة (سيدنا هو خالقنا) التي وقف الجميع مصفقا لها و لمدة طويلة.
كان المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية محطة حاسمة تم فيها تحديد المفهوم الحقيقي للديموقراطية في شموليته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية, أي الديمقراطية التي يكون فيها الشعب هو المقرر و المنفذ و المراقب و تم فيه الحسم بشأن نوع الدستور الذي يتطابق مع هذه الديمقراطية وهو الدستور الذي يضعه الشعب بنفسه عن طريق مجلس وطني منتخب و معروض على استفتاء شعبي نزيه.
كان لمقررات هذا المؤتمر و لاسيما المتعلق منها بالجانبين السياسي و الدستوري رد فعل هستيري من لدن «الجهات المعاكسة «. فما أن اتضح لها ارتياح الجماهير الشعبية و تأييدها لهذه المقررات حتى جندت كل ما لديها من وسائل إعلامية ، وأجهزة إدارية للتشهير بموقف الاتحاد و النيل من قادته و مناضليه ،واتهامه بمعاداة النظام و الخروج عن الجماعة، و ما إلى ذلك من نعوت نمت عن حقد أصحابها ومجافاتهم للحقيقة ،إن القضية ليست معاداة النظام، ولا الخروج عن الجماعة إنها قضية شعب أراد أن يضع دستورا لنظام -بصرف النظر عن مسماه- ينعم فيه بالحرية و الكرامة وحق اختيار مدبري شؤونه المحلية والوطنية الداخلية و الخارجية ، وهذا ما لا يتيحه دستور ممنوح لم يشارك ممثلو الشعب في وضعه.
وهذا حال الدستور الذي عرض على الاستفتاء في 07 دجنبر 1962 والذي ساندته أحزاب الإدارة و حزب الاستقلال ، وقاطعة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الحزب الدستوري الديموقراطي والحزب الشيوعي الذي كان محظورا ، كانت مقاطعة الاتحاد مقاطعة نشيطة عبأ من لأجلها ما لديه من أجهزة و مناضلين قاموا بحملات عبر مختلف المناطق لم تكن بدون معاناة و مضايقة رغم أنهم كانوا على يقين مسبقا أن نتيجة الاستفتاء ستكون كما أرادها النظام ، وهذا ما وقع بالفعل ، و من الملاحظ أن المصوتين بلا ، لم يكن عددهم أكثر من المقاطعين حسب النتيجة المعلنة رغم أن الاتحاد المغربي للشغل قرر التصويت بلا و هو الذي كان يضم في صفوفه أكثر من نصف مليون منخرط إذاك .... و هذا لم يثر الاستغراب ما دامت الإدارة هي التي انفردت وحدها بتنظيمه من أوله إلى أخره .
من المعروف في الفقه الدستوري أن هناك عدة طرق لوضع الدستور، إما بواسطة مجلس تأسيسي منتخب من الشعب ، وهي الطريقة التي طالب بها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الحزب الدستوري الديموقراطي و الحزب الشيوعي المغربي الذي كان محظورا إذاك وإما تضعه لجنة معينة على أساس الخبرة العلمية و ليس على أساس التمثيل الشعبي ، وعيب هذه الطريقة أنها تتسم ب « التحكم في اختيار الأعضاء و سهولة « التوجيه الذي يعطي للدستور من خلال اختيار اللجنة .. وإما «اللجوء إلى السلطة المطلقة التشريعية و التنفيذية التي يتمتع بها رئيس الدولة وهي الطريقة التي اختارها الملك الحسن الثاني في وضع مشروع الدستور « مستشيرا خبراء دستوريين أجانب و مستعينا بلجنة حكومية لأخذ رأيها في بعض النقط بعد وضع المشروع [غلاب ص 148].
الاستفتاء على أول دستور بالمغرب
وكان الملك الحسن الثاني قبل وضع المشروع طلب من بعض الأحزاب المشاركة في الحكومة تقديم مقترحات ترى ضرورة ورودها في مشروع الدستور قبل عرضه على الاستفتاء، و هكذا اقتضى نظر الملك الحسن الثاني تقديم مشروع الدستور للاستفتاء متجنبا حتى الطريقة التي كان والده قد استقر رأيه عليها و هي تعيين مجلس الدستور ضم أعضاء يمثلون رجال العلم و القضاء و الدين و القانون و ممثلين عن منظمات وطنية و الأقاليم وهي الطريقة التي حبذها حزب الاستقلال كما يظهر من مؤلفات بعض مثقفيه كغلاب على سبيل المثال ، و كيفما كان الحال فإن الملك الحسن الثاني قرر اختيار الطريقة الثالثة فأعلن عن مشروع الدستور بتاريخ 18 فبراير عام 1962 الذي عرض على الاستفتاء يوم الجمعة 7 دجنبر و هي مدة غير كافية لمناقشة بنوده ..ولعل استناد الملك الحسن الثاني إلى هذه الطريقة يرجع إلى كون المغرب دولة حديثة العهد بالاستقلال وهي في مفهوم الفقه الدستوري من دول العالم الثالث, التي استرجعت استقلالها ولما توفر بعد على دستور ، بناء على ذلك فدستورها يعتبر جديدا و لهذا فإن وضع مثل هذا الدستور يرتبط بمسألة من هو صاحب السيادة ، فإذا كان الجواب بأن السيادة تعود للملك، جزئيا أو كليا ، صح عندئذ القبول بالحل عن طريق الشرعة الممنوحة على حد تعبير «أندري هوريو» لكن هذه النظرية رفضت من لدن المعارضة، و كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في طليعتها، و التي تشبثت بنظرية أخرى تتمثل في أن السيادة تعود للشعب.
ولقد ساد جو الإعداد لوضع مشروع الدستور والإعلان عنه والتدابير المتعلقة بالاستفتاء عليه جدل ونقاش فقهي وسياسي بين من رأى أن المهم هو وضع الدستور لأن الهدف هو وجود دستور بصرف النظر عن الأسلوب الذي يتبع لوضعه وإذا كانت بعض البلدان قد اتبعت مختلف الأساليب لوضع دساتيرها، فلا ضرر أن يكون الأسلوب المغربي من هذه الأساليب الأقل ديموقراطية ولكنها إيجابية ، ويبرر أصحاب هذا الرأي موقفهم بدعوى أن الرفض قد يتسبب في تأخير وضع الدستور لسنوات أخرى, أما قبول الدستور ولو بهذا الأسلوب فقد يكون الطريق ممهدا لتعديله عن طريق البرلمان إذا ما برهنت التجربة على أي نقص لهذا أيدوا المشروع. وبين المعارضين الذين كان لهم رأي مغاير ينبني على أن «الدستور يجب أن يكون موضوعا من الشعب بواسطة ممثليه الحقيقيين في مجلس تأسيسي، وبذلك وحده يمكن الحصول على ضمانة شعبية لدستور سليم ، و لهذا قاوموا المشروع أما بالمقاطعة أو بالتصويت بلا ... هذا بالنسبة لأسلوب وضع مشروع الدستور. أما مضمنه فنال تأييد الفريق الأول باعتبار ما جاء فيه في مجمله إيجابي وإن ما به من سلبيات يمكن تداركه بواسطة التعديل عند الاقتضاء ، بينما رفضه الفريق الثاني جملة وتفصيلا ... أما الحكومة فقد قامت بترتيب كل الوسائل و الإمكانيات و الطاقات لمضايقة الحملات التي كانت تنظمها المعارضة في جميع المناطق، و كذا التدابير «السرية» لملء صناديق الاقتراح بالأوراق البيضاء و إفراغها من الزرقاء ، و التوقيع نيابة عن الممتنعين عن التصويت من مقاطعين و مسافرين و مرضى و منشغلين بقضاء مأربهم و حتى «تازيزاوت نشعايب» أي ورقة شعايب الزرقاء نظفت منها صناديق الاقتراح في إحدى قرى المملكة.
دستور 1962 تكريس للحكم المطلق
و بصرف النظر عن الأسلوب الذي وضع به مشروع دستور 7 دجنبر1962 و الطرق التي مرر بها. فإن من الإنصاف أن نذكر أن به بنودا إيجابية مثل نصه على أن مبادئ أساسية مثل أن نظام المملكة دستوري ديموقراطي و اجتماعي، وأن السيادة للأمة، وأن حرية الأحزاب السياسية و أن القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة، و أن الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، و على ضمان جميع الحريات العامة، وجميع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية المعروفة في الدساتير الديمقراطية، و هي مبادئ منصوص عليها في ميثاق حقوق الإنسان التي وقع عليها المغرب و هي واردة في جميع دساتير الدول الموقعة على هذا الميثاق .. وإن اختلفت في التطبيق .. [غلاب ص 188].
أما ما عدا هذه المبادئ فإن جميع السلط تبقى بيد الملك فهو الذي يرجع إليه أمر السلطة التنفيذية بصفته رئيس الدولة، فهو الذي يعين الوزير الأول والوزراء ويعفيهم من مهامهم ويقيلهم إن استقالوا أفرادا أو جماعة (الفصل 24)، وله الحق في التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية, كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق، ويوقع المعاهدات ويصادق عليها ماعدا التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدول، فلا يصادق عليها إلا بعد موافقة البرلمان - ويرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء، ويعين القضاة باقتراح من هذا المجلس، وباختصار فإن الملك بمقتضيات هذا الدستور يتمتع بالسلطات الثلاث التي تتمثل في السلطة التنظيمية مدنية وعسكرية (داخلية وخارجية) وبالسلطة القضائية والسلطة التشريعية، وبالإضافة إلى هذه السلطات خول الدستور الملك حق حل البرلمان وحق الاستفتاء، وحق إعلان حالة الاستثناء، ودعنا من الصلاحيات التي يختص بها بمقتضى الفصل التاسع عشر الذي كرسته جميع الدساتير الموالية، والذي لايزال إلى اليوم مثار نقاش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.