يعاني أكثر من خمسة آلاف مصاب بمرض التلاسيميا بالمغرب، أغلبهم أطفال لا يتجاوز عمرهم ثماني سنوات، من المضاعفات الناجمة عن تكرار عملية حقن الدم أكثر من مرة شهريا، باعتبارها العلاج الوحيد المتوفر حاليا، تنتج عنها زيادة في ترسب الحديد في الجسم وتحديدا في أنسجة الجسم كالغدد والقلب والكبد ويحصل عنه إتلاف الأعضاء، لذلك فإن المريض يحتاج إلى دواء طارح للحديد بشكل يومي ومستمر، تصل تكلفته الإجمالية 150000 درهم سنويا على مدى الحياة، الشيء الذي يقف حاجزا مانعا أمام مقدرة عدد كبير من عائلات المرضى. عائلات معظمها معوزة، أرهقها ودفع بها المرض إلى المزيد من الخنوع بعدما أربك الزمن أوراق حياتها، وهي تواجه لحظة الموت التي تتربص بأبنائها قد تأتي اليوم أوغدا أو بعد تدهور صحتهم وتظهر عليها معالم التعب والشحوب المزمن واليرقان مع اصفرار أحيانا وضعف الشهية وتضخم الطحال، تلك سمات الأعراض المميزة لمرضى التلاسيميا، نتيجة تكسير خلايا الدم الحمراء، فتتغير أشكال العظام، خصوصا عظام الوجه والوجنتين، مما يجعل المصابين محتاجين إلى حقن كميات من الدم تصل إلى كيسين، بمبلغ أجمالي قدره 720 درهما شهريا في انتظار تلك اللحظة غير المرغوب فيها وهي تقطف ملائكة الرحمان دون البلوغ السن العاشرة من عمرهم، إذ أن 10% فقط من المصابين يتجاوزون سن العشرين، بينما أغلبهم يتوفون في سن مبكرة من طفولتهم، في الوقت الذي نجد أنه في دول أخرى يرتفع أمل حياة المصابين إلى ما بين 50 إلى 60 سنة. وعادة تظهر الأعراض والعلامات السريرية للمرضى، حسب بعض الدراسات، بعد الشهر السادس من العمر، كما أنه يمكن خلال الأسابيع المتراوحة بين 8-12 أسبوعا للجنين، معرفة ما إذا كان مصاباً بالمرض أم حاملا له.? من أجل إلقاء الضوء على هذا المرض من مختلف الجوانب والخدمات المقدمة في هذا الباب، اتصلت الجريدة بالدكتور علال العمراوي المندوب الجهوي لوزارة الصحة بفاس، حيث أطلعها على مرض التلاسيميا، الذي يعد من أكثر أمراض الدم شيوعا في المنطقة إذ يعتبر شكلا من أشكال اضطرابات الخضاب » hémoglobine « يحدث فيه نقص في الكريات الحمراء، مما يؤدي إلى تخريبها المستمر ويسبب لدى المريض فقد دم باستمرار، كما يطلق عليه اسم « فقر دم بحر الأبيض المتوسط » بسبب انتشاره في الدول الواقعة على حوض المتوسط أكثر من غيرها من دول العالم. كما تحدث الدكتور العمراوي عن المركز الجهوي لمرضى التلاسيميا المراد إحداثه بفضل الشراكة التي تربط المغرب و إيطاليا، اللذان يسعيا مستقبلا إلى إنشاء مركز بفاس، لما تتوفر عليه المدينة من مؤهلات تجعله فضاءا يضمن ولوج ومجانية العلاج لكافة مرضى التلاسيميا الثلاثين المعوزين من بينهم 10 أطفال موزعين حاليا على عدد من المؤسسات الإستشفائية بفاس التابعة لوزارة الصحة، التي خصصت هذه السنة غلافا ماليا إجماليا قدره 18 مليون درهم بهدف التخفيف على المصابين وتقليص مصاريف عمليات حقن دم دوريا كل أسبوعين أو مرة كل شهر حسب عمر المريض وشدة انحلال كريات الدم ودرجة المرض، بغلاف مالي في ثلاثة ملايين درهما، فيما تم تخصيص 15 مليون درهم الباقية من أجل تغطية تكاليف الأدوية. ومن جهة أخرى، أبرز الدكتور خالد أيت الطالب للجريدة، المجهودات التي تقوم بها الخليتان المكلفتان برعاية المصابين بهذا المرض بالمركز الاستشفائي الحسن الثاني بفاس الذي يديره، حيث يشرف عليهما طاقم طبي مختص، وفق خطة عمل وطنية عن فترة 2010-2012 للوقاية والتحكم والحد من المرض، الذي خلد المغرب يومه العالمي الأحد 8 ماي تحت شعار « حظوظ متساوية من أجل الحياة». وتبقى الوسيلة الوحيدة للحد من الولادات الجديدة يوميا لأطفال مصابين بهذا المرض الذي يشكل مصدر مآسي لعدد من الأسر، حسب بعض الأخصائيين، هو إلزام الشباب المقبلين على الزواج الخضوع لتحاليل الدم تبين ما إذا كان الشخص حاملا للعامل الوراثي التلاسيميا. ويتبين كذلك أن زراعة النخاع العظمي والخلايا الجذعية تعد علاجا كليا ودائما من هذا المرض وعلاجا جذريا لعدد من الأمراض، سواء من خلال زراعة ذاتية عبر جمع الخلايا السليمة من المريض نفسه في فترة يتضاءل أو يختفي المرض من الجسم، وبعد ذلك يتم إعادتها لنفس المريض، أو من خلال زرع عينة متطابقة من النخاع العظمي المأخوذة من قريب معافى أو من متبرع غريب مطابق. وقد سجلت وزارة الصحة في بلاغ بمناسبة اليوم العالمي لمرض التلاسيميا، تشجيعها لعمليات زرع النخاع العظمي بالمركز الاستشفائي الجامعي بالدار البيضاء، في أفق إجرائها في باقي المراكز الإستشفائية الأخرى، وإن كانت باهظة التكلفة، الشيء الذي يحيلنا إلى استحضار الدور الفعال الذي يقوم به المجتمع المدني بالمغرب أو خارجه، بهدف استفادة بعض المصابين من مثل هذه العمليات، ودعمه المادي والاجتماعي لأهالي المرضى، وتقديم المساعدة في تأمين الاحتياجات الطبية للأطفال من أدوية وأجهزة واستشارات طبية ومواكبة كل ما هو جديد في العلاج، ووضع برنامج تثقيفي شامل لتعريف المجتمع بمخاطر هذه الأمراض وسبل الوقاية منها، إلى جانب إعادة تأهيل هؤلاء المرضى ليكونوا عناصر فعالة في المجتمع وليس عالة عليه وذلك من خلال متابعتهم دراسيا واجتماعيا واقتصاديا وتأمين فرص عمل لهم، والعمل على التنسيق مع الجهات المختصة لأخذ كل التدابير التي من شأنها الحد من انتشار المرض ومنع حدوثه. وكلنا أمل أن يصبح المغرب من الدول، التي استطاعت التخلص من التلاسيميا، بدل أن يبقى ضمن الدول التي تعمل فقط على الحد من انتشاره أو التحكم فيه.