إن الحديث عن تشكل الأزمة داخل الفدرالية الديموقراطية للشغل، هو في عمقه انعكاس لحجم المسؤولية التي تثقل كاهل أي مناضل يتلهف إلى تراص صفوف المنظمة انسجاما مع حجمها وثقلها في مواجهة التحولات الوطنية والإقليمية... فأي تصدع يعني القذف بها نحو متاهات تصرفها عن وظيفتها الحقيقية في التواجد الطبيعي في المشهد النقابي، وهذا يفسر التعارض الخطير بين النزوعات الفردية التي تشخصن الإرادات الجماعية وتنزع منها قيمتها الرمزية. ومن هنا التفكير بعمق في مسألة التموضعات داخل النسق الواحد وإشكالية العلاقات؟ ولعل المدخل البيداغوجي يعد سبيلا مناسبا للخروج من مأزق الذاتية المنغمسة في ذاتها، فإذكاء الوعي بالانتماء يجعل القيم المبنية على أساس التعاون والتضامن تترجم على مستوى مسلكيات الأفراد، ويقحم رغباتهم وطموحاتهم في الشعور الجمعي الذي يختزلها في إطار تعاقدي يحدد وظيفة العناصر وشكل العلاقات فيما بينها، حيث يعد بموجبها الفرد وسيلة وغاية بالنسبة للآخرين، مما لا يفقده شرط استقلاليته، أو هو نوع من الاحتواء المفرط الذي يفرغ الذات من مقومات الحرية، بيد أن الحرية كمبتغى كل الموجودات العاقلة تبقى محايثة للمسؤولية. إن الوتيرة المتسارعة التي يطرحها الزمن الاجتماعي وما بات يشكل الشارع سر حاله، من تحركات واحتجاجات متصاعدة بغية تحقيق العدالة الاجتماعية، والارتقاء بالمستوى المعيشي في ظل الكرامة الإنسانية والمساواة... يدعونا أكثر إلى إعادة النظر في بنيتنا الداخلية عبر ضبط العلاقات أفقيا وعموديا، والسعي نحو تقوية مهارات الاشتغال، وإنتاج النخب الحقيقية استعدادا للأسئلة الكبرى التي تفرضها تحديات المجتمع، وتوسيع رقعة الاندماج في المخاض المتجدد لصيرورة الإصلاح بعيدا عن منطق التفتيت والتجزيء وما يتضمنه من أعطاب تنظيمية وأخلاقية تجهز على الديموقراطية كمبدأ ثابت، إذ أن تأهيل العقليات هو تأهيل للديموقراطية، فالمناضل ينتج الديموقراطية وهي تنتج المناضل. إن آمالنا كبيرة في منظمتنا ومناضلينا في التصدي لكل الأطماع التي تسعى إلى تغييب الجهود الجادة في التعبير عن مطالب الشغيلة وتقتات على معاناتهم، لذلك ندعو بكل إخلاص إلى الالتفاف حول المشروعية والوحدة، وتقديم المبادئ على المصالح.