هل يمكن الإصلاح والتغيير في ظل نظام ملكية تنفيذية مهيمنة؟ هل يمكن الإصلاح والتغيير في ظل بنيات عتيقة تعرقل الإنتقال الديمقراطي؟ هل يمكن للمشروع الديمقراطي الحداثي أن يتحقق في ظل تشردم للقوات الشعبية وتشردم النخب؟ والتاريخ يؤكد أنه ليس هناك انتقال ديمقراطي بدون حركة شعبية واسعة تحمل إرادة التغيير. تلكم بعض الأسئلة المركزية التي استهل بها أحمد الريح الكاتب الجهوي للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية لقاء «الإصلاح والتغيير بالمغرب» مساء أمس بالرباط. وقبل أن يعطي الكلمة للمشاركين في هذه الندوة، أضاف احمد الريح، سؤالين أساسين، يتعلقان بكيفية إنتاج ما يمكن من تعبئة المغاربة، والقطع مع فترة الركود والفتور والعقم التي خيمت على الحياة السياسية بالمغرب على مدى سنوات طويلة. ثم كيف يمكن أن نعيد إلى المجتمع المغربي معنى الإلتزام والنضال عن طريق التغيير والإصلاح المؤدي إلى خلق مجتمع جديد ديمقراطي حداثي يتمتع فيه المغاربة بالمواطنة الكاملة؟ فخلال هذا اللقاء الذي حضره عدد كبير من الإتحاديين والعاطفين والفعاليات السياسية، قدم حسن طارق عضو المكتب السياسي للحزب وأستاذ القانون الدستوري، تأملات تتلخص في ثلاث أفكار حول مسار الإصلاح والتغيير بالمغرب، متسائلا في بداية مداخلته عن ماهية الفرق بين الإصلاح والتغيير. بحيث أصبحت هذه الكلمة مبتذلة وميتة بكثرة استعمالها على مر السنين دون جدوى، خاصة أن الإصلاح كفكرة وإيديولوجية منذ الفكر العربي الحديث، طرحت سؤالا مركزيا: لماذا يتقدم الأخرون ونتأخر نحن؟ مع العلم أننا نجر وراءنا مائة سنة من الإحباطات والنكسات والخسارات. مائة سنة مغربية من القلق والفشل والتضحيات من أجل لاشيء، ومن أجل أن نكرر السؤال: من أين سنبدأ؟ هل من المدرسة أم الدين، من الدولة أو المجتمع. فيشدد حسن طارق على أننا لازلنا دائما بداخل الأسئلة الأولى التي أطرت آباءنا وأجدادنا. واعتبر حسن طارق أنه في العشر سنوات الأخيرة بالمغرب تم تكثيف كل هذه الأسئلة المقلقة الحارقة، لدرجة أننا بدأنا نطرح أسئلة إضافية: هل الخلل في الفكرة نفسها؟ أو ربما يجب إصلاح الإصلاح، أو إعادة النظر في أدوات وآليات الإصلاح. مستنتجا مرة ثانية أن المهم عدم الخروج بعد من هذه الإشكالات العميقة التي لها أبعاد ثقافية واجتماعية عميقة. واستعان حسن طارق لتأكيد ذلك، بهذا التيه والدوران في دائرة مغلقة ومراوحة المكان دون تقدم إلى الأمام، وتذكيره بموضوع إحدى الندوات التي نظمها اتحاد كتاب المغرب منذ عشر سنوات خلت. واستدعي لها المفكر الراحل محمد عابد الجابري تحت عنوان: «هل أصبح التغيير مستحيلا؟» وأردف طارق قائلا :«نعم، لقد عشنا انتصار الفكر الوحيد، وانتصار قيم السوق، تبشير بجميع النهايات، نهاية التاريخ، نهاية السياسة... لقد عشنا حالة استحالة التغيير. لكن اليوم نحن أمام لحظة تاريخية لحظة عالمية تتميز بعودة التغيير، عودة الممكن بعد الأزمة العالمية التي عشنا فيها، عودة الإعتبار لدور الدولة. واليوم كذلك، نحن أمام عودة الشعار الذي رفع في التظاهرات العربية «الشعب يريد» فمعنى هذا أن السياسة التي عرفت بالممكن، فاللحظة هناك حديث عن العودة للسياسة والإرادة الشعبية. أما فيما يتعلق بمذكرة الحزب حول مراجعة الدستور التي تم تقديمها للجنة الإستشارية لمراجعة الدستور، أبرز حسن طارق الفلسفة التي تحكمت في صياغة هذه المذكرة. أولها التنصيص على سمو الوثيقة الدستورية، وأن يكون الدستور صريحا، وأن لا تكون لنا مؤسسات فوق الدستور أوسلطة فوق السلط. ثانيا التفصيل في مجال الحقوق، لأن المستبدين يريدون دستورا قصيرا وغامضا في مجال الحقوق والحريات. لهذا فالتنصيص والتدقيق والتفصيل، يعتبر ضمانة. ثالثا فصل السلط. فالتشريع يجب أن يكون من اختصاص البرلمان، واستقلالية القضاء وتعزيزه كسلطة. رابعا مبدأ المسؤولية السياسية، مساءلة ومراقبة من طرف سلطة أخرى، ومعناه أن الحكومة منتخبة ومستمدة شرعيتها من الإقتراع. أما لطيفة الجبابدي البرلمانية وعضو المجلس الوطني للحزب، فاعتبرت أن اللحظة اليوم تسائل الجميع. هل نحن أمام حالة تقتضي الإصلاح أم التغيير؟ مع استحضار عوامل هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها على المستوى الإقليمي والعربي والوطني، مشيرة في السياق ذاته إلى أننا اليوم أمام ثورات في العالم العربي لا تسعفنا النظريات ولا التجارب السابقة في أمريكا وأروبا الشرقية في تفسير ما جرى ويجري اليوم في منطقتنا. وسجلت الجبابدي أن ما يحصل اليوم في العالم العربي ثورة تأتي على «الأخضر واليابس» والمنطق العاصف لهذه التحولات تجعلنا اليوم في المغرب أمام مرحلة التغيير وإعادة الاعتبار للسياسة. والمطلوب لاستثمار هذه الفرصة التاريخية والثمينة، ولا يمكن التفريط فيها لكي تصبح في خبر كان كالفرص الضائعة في تاريخنا المعاصر. وأكدت الجبابدي، في نفس الصدد، على أن فتح ورش الإصلاح اليوم، هو نتاج لنضال طويل عسير خاضته القوى الديمقراطية بالبلاد. مع الإشارة إلى أن العنصر السياسي إلى بعث الديناميكية وتداعيات انعكاساتها، هو ما عاشه العالم مؤخرا من تحولات ومستجدات، وكذا العالم العربي، ووطنيا المتجسد في بروز حركة 20 فبراير. ومن جهته أوضح محمد الأشعري عضو المكتب السياسي للحزب أن مشاريع الإصلاح جاءت في القرن 19، وحتى الحماية الفرنسية، ومشروع الإستعمار جاء بالإصلاح، فيجب الإنتباه لهذا التكرار التاريخي لمشروع الإصلاح وتعثره. ولقد عاشت البلاد نسبا ضئيلة في تحقيق مشاريع الإصلاح، بل في كل لحظة نجد أنفسنا مكبلين بالفشل في الإنجاز، ودائما هناك طريق للتراجع في الإصلاح، وأن الحد الأدنى هو الممكن. وأضاف الأشعري أن في بعض الأحيان نرى أن هناك تكسير لإمكانية الإصلاح، وكم من مرة سمعنا الشعب غير ناضج للإصلاح وللحرية وللديمقراطية. وأضاف الأشعري على أن الشك دائما كان يساورنا في موضوع الإصلاح في هذه البلاد. هل يمكن أن نذهب في الإصلاح إلى مداه ونهاية المشروع؟ لقد أصبح الشك مستوطنا فينا، وهذا أدى إلى ضرب وفقدان الثقة لدى المواطن في المؤسسات. مبرزا في السياق ذاته أن مشروع الإصلاح يكون دائما صعبا، وحتى في البلدان العريقة في الديمقراطية. فالإصلاح ليس كما يعتقد البعض عملية تفاوض وتوافق وتراض ما بين مؤسسات وكفى الله المؤمنين شر القتال، فالإصلاح مشروع مخلخل للمصالح وللتقليدية وللجمود، لذلك فهو محط حذر ومقاومة، لأن هناك عدد كبير ممن يخافون من مشاريع الإصلاح، ولا يتوانون في محاربتها، كما أن هناك من لا يثقون في الإصلاح ولايريدون أن يدخلوا في مغامرة. وأوضح الأشعري أن الفرق ما بين إصلاح اليوم والإصلاحات السابقة في المغرب، هو أن أننا راكمنا قناعة أن هناك إصلاحات أصبحت حاليا غير كافية وقابلة للتأثير في المجتمع اذا لم تتعزز بإصلاحات أكثر جرأة. فمكتسبات دستور 96 قد تجوزت، والفرق الثاني هو أن مشروع الإصلاح اليوم يأتي في إطار مناخ دولي مختلف عن السابق، لذلك اليوم لا يمكن أن نسير في مشروع الإصلاح بخطوات الأمس الذي كنا نسير فيه بخطوات بطيئة وصغيرة. وسجل الأشعري أن اللحظة اليوم تمتاز بجيل جديد له براءة سياسية يقول مطالبه بدون بدون عقدة ولا يأخد بعين الاعتبار أية اعتبارات أو حسابات، ولا يقبل بأنصاف الحلول، لذلك فالمطلوب مسايرة الإيقاع وأن لا نسير بخطى الأمس لأننا سندخل البلاد في منطقة الاضطراب والاستقرار والمستقبل الغامض، والجيل الجديد يستحق مشروع إصلاح بنكهة جديدة، فلا يمكن إغماض العين عن اللغة الجديدة. فبالنسبة للأشعري فالشارع ليس هو «الزنقة» بالمفهوم القدحي للكلمة، وإنما هو الأساس في الديمقراطيات العريقة. لذلك فالمطلوب اشتغال المؤسسات دون أن تضع القطن في أذانها، لأن الانصات لنبض الشارع ضروري وحتمي وفي للديمقراطية إن لم نقل جوهرها. واستنكر الأشعري أن يكون مشروع للإصلاح من هذا الحجم يعرف المغرب في غياب بعض المؤسسات الساسية في البلاد كالبرلمان والإعلام العمومي، متسائلا في هذا الصدد: لماذا لا يتم نقل جلسات تقديم المذكرات للاحزاب حول مراجعة الدستور للجنة على القنوات العمومية. يجب أن يتم هذا الإصلاح في غفلة عن الشعب. فالتصويت بنعم أولا يجب أن يسبقه نقاش عمومي حقيقي ما بين أفراد الشعب كله، وتعبئة عامة للإدلاء بالرأي والرأي المخالف من أجل الوصول إلى المبتغى والمنشود. فالإصلاح مرفوض أن يكون داخل الدوائر المغلقة.